mardi 8 mars 2022

دينُنا الإسلام يدعو إلى أكبر قدر من التجريد والتعقيد ونحن لا نؤمن إلا بالظاهر المحسوس

 

 

الله تعالى متعالٍ مجرّدٌ لا تُدركه الحواس الخمس وجنته أيضا مجرّدةٌ لا وجود فيها لجنس الدنيا ولا خمرها ويوم حِسابه غير معلوم. قرآنه غني بالصور المجازية. يعلم الغيب وحده. الإيمان بوجوده في كل مكان (إن لم تكن تراه فهو يراك) ووحدانيته وقدرته اللامتناهية، كلها معانٍ مجرّدةٌ أيضا. هو وحده القادر على قياس التقوى والإيمان وهو وحده أيضا القادر على تقييمهما ونحن البشر لا نعرف ميزانَه يوم القيامة (قال رسوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "دخلتْ امرأة النار في هِرّة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خَشاشْ الأرض"، خَشاشْ الأرض هو هوامها وحشراتها).

لو دخل مسلمٌ سكرانًا متمايلا مسجدا طوعا تائبا إلى ربه مستغفرا طالبا العفو واللجوء لمن لا ملجأ له غير رب العالمين، لَفضحَتْه أنوف المصلين ونهشته الأعين ولَعنته الألسن قبل أن تطرده الأيدي من بيت الله. أفِقْ أيها المسلم غير التقيِّ فالمسجد ليس بيت المسلمين ولا بيت أحد، حرٌّ أنت في بيتك تطرد منه مَن تشاء ولم يُنصِّبك الله حاجبا على بيته فالرحمان الرحيم الغفور الكريم يترك بيته مفتوحا لا يُغلق أبدَا، يرحِّب فيه بكل البشر دون تمييز عقائدي بين عباده أجمعين، يستقبل فيه النفوس الحائرة أو التائهة قبل النفوس المطمئنة العامرة بالإيمان التي تعتبر كل أديم الأرض بيوتا لربها. ولنا في رسولنا أسوة حسنة عندما استقبل في المسجد الأول أول بِعثةً مسيحية دبلوماسية خارجية. ولو كان المسلمون مسلمين لَسلِم السكران من ألسنتهم وأيديهم ولأخذوا بيده وأجلسوه في الصف الأول وأوصوا جيرانه في الصلاة أن يساعدوه على أداء واجبه الديني لعل الله يهديه ويقلِع عن الإدمان المضرّ بالصحة والعائلة وقصة الأعرابي الذي دخل المسجد وبال فيه فاستغرب الصحابة لكن الرسول صلى الله عليه وسلّم منعهم من إمكانية إيذائه وقال: "دعوه ولا تزرموه"، وحينما انتهى وضّح له النبي الكريم أن هذا مسجد ولا يحسن به أن يفعل فيه ما فعل، فمن فرط فرحه بأخلاق الرسول ورِفعتِها وصبره عليه قال: "اللهم ارحمني وارحم محمدا ولا ترحم أحدا غيرنا" فأجابه مصحِّحا: "يا هذا قد ضيّقت واسعا، فإن الله قال ورحمتي وسعت كل شيء"، تأمل جيدا قال الله "كل شيء" أي حتى الجماد.

لا يدري المُصلِّي المتسرّع المعتدِي على المسلم السكران أو لا يريد أن يدري أن نفس المسجد قد يستقبل يوميا العديد من المسلمين غير التائبين المتسترين بالتقوى الطقوسية الشكلية من ذوي الراوئح النتنة غير المفضوحة وقد يكون من بينهم الحاكم المعروف بظلمه وجبروته والقاضي المعروف بالارتشاء والانحياز والمدرِّس المعروف بتقاعسه في العمل واستغلاله التلاميذ في الدروس الخصوصية مُشطَّة الثمن وهذا أسمّيه أنا "البغاء السرِّي التربوي" وهو أبشع استغلال للأطفال في الوجود.

لو سرق جائع عُلبة جُبن من تاجر على الرصيف، تاجرٍ مهرِّبٍ ومتهرّبٍ من الضرائب لَمَسَكه المارّة وأشبعوه سبّا وضربا وهم لا يدرون أن السارق الجائع سرق قوته من سارق محترف كان أولى أن لا يشتروا منه ويدعوا الشرطة لتقبض عليه وتسلِّمه للعدالة كي تقتص منه حق السارق الجائع وحق المواطنين التونسيين المظلومين المسالمين المسلمين وغير المسلمين. نَجري يوميا وراء مُرتكبي اللَّمَمِ مثل المعاصي المحسوسة كالسرقة الحياتية والإفطار في المطاعم والمقاهي المغلقة على المُفطرين لأسباب لا نعلمها ولا يحق لنا أن نعلمها وحتى لو علمناه فالله وحده حسيبهم يوم القيامة، نتمسك بالقشرة ولا ننفذ للبّ ونترك مرتكبي الكبائر في رمضان مثل المعاصي غير المرئية كاحتكار السلع والزيادة في الأسعار والتقاعس في العمل بحجة الصيام. "أعجب لمسلم يبيت جائعا ولا يشهر على المسلمين من الغد سيفه"، قالها أبو ذر الغفاري. وأنا أعجب من الدولة وقضائها الفاسد جزئيًّا وشرطتها المرتشية جزئيًّا والناس عموما كيف يأخذون اللقمة بعنفٍ من فمِ المحتاج ويضعونها بلطفِ في فم المُتخم من الكسب الحرام. يأخذونها جَهرا نُصرة للحق على حد بصيرتهم القاصرة والقصيرة وهم في الواقع للظلم مسانِدون وللقهر مؤبِّدون. يا ليتهم أخذوا الحقَّ المسلوبَ من قِبل مافيا الأغنياء وردّوه لأصحابه العمال الفقراء. الأغنياء المافيا يسرقون وللتمويه يؤسِّسون علومَ سوقهم ويقدِّمونها لنا في ثوب من الموضوعية المزيفة فيستلِبون كياننا ويشوِهون ثقافتنا ويطمِسون تراثنا ويستثمِرون بأموالنا (قروض الدولة) ويصدِّرون ربحهم وهم عن أعمالهم لا يُسألون وفي تونس بالآلاف يُعدُّون ومن كل أنحاء العالم قادِمون ولعرَقنا مُمتصون ولثرواتنا الطبيعية والبشرية ناهبون ولعمالنا بأبخس المرتبات مُشغِّلون مستغِلّون وللحروب الأهلية في أوطاننا العربية مُشعِلون ولمئات الآلاف مِنَّا بأيدي إخواننا قاتِلون.

باب الرحمة عند ربي واسع لا يُغلق أبدا. رحمته وسِعت المسلمين والكفّار. كلمة كفّار يعتبرها المسلمون سَبّة وإذا اعتبروها كذلك فنحن نعرف أنه لا يجوز للمسلم أن يسبّ غيره مهما كانت عقيدته. المسلم يرى الإسلام هدية من الله فكيف يمكن أن نهدي لآخر هدية ونحن نكرهه. كفَرَ تعني غطى الشيئ مثل ما يغطي الفلاح البذور الزراعية بالتراب حتى تنبت وتنمو. قال القرضاوي: المسيحي يكفر بالإسلام والمسلم يكفر بالمسيحية ويقول أن كتابهم محرّف أي كل واحد يكفر بدين الآخر ولا يعترف بالاختلاف رغم أن الاثنين موحِّدان. أما "العلماء المسلمون" ودعاة التلفزيون -الله يهديهم إلى إبستمولجيا الدين- لم يدركوا كنه الاختلاف المركّب حتى داخل الإسلام نفسه وما وجود تعدّدُ المذاهب الإسلامية لدى السنّة والشيعة إلا خير دليل على هذا التعقيد (la complexité). حاول "العلماء المسلمون" تبسيط الدين لتحقيق أغراض سياسية عن طريق الدين فشوّهوه وضيقوا في رحمة الله وللأسف وصلوا في النهاية إلى إقصاء جل إخوانهم المسلمين. فتح الرحمان بابه للفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي فأسلم ولم يأبه الله بـ69 عاما التي قضاها ڤارودي قبل إسلامه في عقيدة الإلحاد. أما عامة المسلمين الذي لم يقرؤوا القرآن بعمق معرفي ولو يتبصروا في آياته وأسباب نزولها التأريخية فما أفقرهم وما أغناه والله العظيم أشفِق على مسلمي اليوم.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire