كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 105: وتحقق له عندئذ أن ما
ينفيه الإنسان من نفسه يبقى فيها ولا يفارقها. ورأى أن في داخل كل واحد يقيم جاحد
وضال وفاجر. والجحود والضلالة والفجور على اتصال وثيق بالإيمان و الهداية والتقى.
فهي ليست أضدادها بل وجوهها الباطنة وهيئاتها الخبيثة. ذلك أن الضد من شأنه إذا
وجد أن يفسد ضده. والحال فإن التقى لا قوام له من دون الفجور، فالإنسان إنما يتقي
ربه من نفسه، أي مما ينبعث فيها من ميل إلى الكفر والعصيان، ومما تُوسوس به
وتُحدّث. ولو انعدم الفجور لما وجد التقى. إذ ما هو الشيء الذي ينبغي للمرء أن
يتقي ربه منه، بل نفسه، فيحميها من خطرها، إن لم يكن فجوره، أي انفجار مكبوته
وانبساط باطنه. وإذا كان التقى، بما هو هيئة فاضلة للنفس، يبدو وكأنه نقيض الفجور،
بما هو نقص ورذيلة، فإن التقى لا يزيل الفجور بل يخفيه ويستره، أو يلجمه ويكبّله. فالفجور
من الانفجار كما في الوضع اللغوي. وعليه فالتقوى لِجام يضبط به الإنسان فجوره
ولباس يواري به معصيته. ولهذا، قال الحلاج: ما من طاعة إلا ووراءها معصية...
فبالتقى يتقي الإنسان في ظاهره ما في باطنه. فهو تقوى من جهة، أي خوف وخشية، وهو
وقاية من جهة ثانية، أي حماية وستر. وعند ذلك أيقن مما كان قد افترضه، أي القول
بأن الإنسان ليس إلا هذا التستر على عوراته وعيوبه.
هكذا، اتضح له أن الإنسان يبدل أقنعة ويتبدل بين أزمنته،
فيتقلب بين الظاهر والباطن ويتأرجح بين الأول والآخر ويتردد بين المكشوف والمحجوب.
وخلص من ذلك إلى القول بأن مَن نتهمهم بالضلالة والشرك والفجور هم الوجه الآخر
لنا، وأن اختلافنا عن الغير هو في الحقيقة اختلافنا عن أنفسنا، فما نكرهه فيه كامن
فينا، وما يعجبنا من أنفسنا قابع فيه. فهو بعضنا ونحن بعض منه. وهو شطرنا
الإنساني. إنه ما كنّاه أو كان يمكن أن نكونه أو ما قد نكونه. وما وصفناه بوصف إلا
كنّا ذلك الوصف.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire