vendredi 31 mai 2019

هل أصبح تراثنا العربي الإسلامي كالبيت الآيل للسقوط؟ نقل وتعليق مواطن العالَم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 24 مارس 2012.

كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط.

نص هاشم صالح:
صفحة 204: "في كتابه "مقال في المنهج"، يتحدث ديكارت عن التراث الذي تلقاه في طفولته ويشبّهه بالبيت العتيق. فعندما يكون لك بيت قديم ورثته عن آبائك وأجدادك وأصبح شائخا فإنك مضطرّ إلى أحد احتمالين: إما أن تتركه ينهار عليك، وإما أن تهدمه وتجدّده من أساسه. هذا لا يعني بالطبع أنه لا يوجد شيء صالح في هذا البيت القديم. فالواقع أن الكثير من حجارته قد لا تزال متينة ويكفي أن ننفض عنها الغبار وننحتها لكي نستخدمها في البناء الجديد".

إضافة 1 لمواطن العالَم:
وما أكثر هذا النوع المتين من الحجارة في تراثنا العربي الإسلامي، مثل:
-         العلاقة العمودية دون وساطة بين الخالق والمخلوق، آدمية الأنبياء والرسل بما فيهم محمد صلى الله عليه وسلم: قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًاالرسول"، و"هل كنت إلا بشرا رسولا"، و" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"، و"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ".
-         حرية المعتقد واحترام الأديان الأخرى:  قال تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ"، و"لا نفرّق بين أحد من رسله، ونصدّقهم كلهم على ما جاؤوا به".
-         إباحة الجنس الحلال: انظر كتاب "الجنسانية في الإسلام" للفيلسوف التونسي المسلم عبد الوهاب بوحديبة.
-         تحليل (من الحلال) الشهوات الحسية من مأكل ومشرب وطِيب وزينة.
-         تقديم حفظ النفس على حفظ الدين.
-         تأجيل الحساب والجزاء والعقاب والتكفير ليوم القيامة وهو اختصاص من صفات الله وحده.
-         هداية البشر هي أيضا من صفات الله فقط: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء".
-         "إلعن المعصية و لا تلعن العاصي": قول مأثور لأن المعصية ضارّة باتفاق جميع المسلمين أما العاصي فهو بشر قد يهديه يوما ربه و يغفر له سيئاته كلها.
-         كل إنسان غير مسلم هو مسلم بالقوة أو مشروع مسلم فلا تيئسوا من رحمة ربكم ولا تضيّقوها بعد أن وسّع الله فيها سبحانه وتعالى لحكمة لا يعلمها إلا هو الحي القيوم، وسّع فيها لتشمل  عباده الضالّين: فجادلوهم بالتي هي أحسن إن كنتم حقا من المسلمين، قال تعالى: "فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله".
-         التسامح الديني في العهد العربي الإسلامي الذهبي الذي عاش تحت ظله مختلفون عن السائد (مفكرون وأدباء وشعراء ومغنون) من أمثال المعري وأبو نواس والتوحيدي ومسكويه وأبو الفرج الأصفهاني والجاحظ وعمر ابن أبي ربيعة وغيرهم كثيرون. دون أن ننسى أو نتناسى من قضى نحبه من عظماء المفكرين والكتاب جرّاء تحررهم وخروجهم عن خط السلطة السائد والظالم أمثال ابن المقفع وبشار والحلاج مع التذكير المهم أن القمع الذي وقع في تاريخ الحضارة الإسلامية لا يساوي واحدا على ألف مما عاناه وقاساه روّاد النهضة الأوروبية في القرون الوسطى من مجازر اقترفتها في حقهم الكنيسة المسيحية ومحاكم تفتيشها سيئة الذكر.
-         احترام الوالدين وإكرامهما وتبجيلهما، قِيمٌ تجلت في أروع وأرق آية في القرآن حسب رأيي المتواضع، قال تعالى: "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما ( 23 ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيرا" وغيرها من الحجارة الكريمة التي تزيّن تراثنا، لكننا من عَمانا لا نراها أو لا نريد أن نراها بعد أن رآها أو رأى الغرب مثلها، أخذها وطبّقها أفضل تطبيق.

أرجع بكم ثانية إلى نص هاشم صالح:
"ولكن يصعب على المرء أحيانا أن يفكّك جدران البيت القديم وأساساته لأنه تعوّد عليه وآلفه، ولأنه إرث الآباء والأجداد. إنه يهابه ويحترمه وتصل مرتبته عنده إلى درجة المقدسات. فالتعلق العاطفي به قوي، ومع ذلك فلا حيلة لنا في الأمر لأنه قد ينهار من تلقاء نفسه".

إضافة 2 لمواطن العالَم:
قد ينهارالبيت من تلقاء نفسه أو تهدم البلدية البيت لمخالفته المواصفات الصحية أو البيئية أو الجمالية الحديثة, أرمز للبلدية هنا بالغرب الإمبريالي الاستعماري الغاصب الناهب والطمّاع، لم يطمع في البيت العتيق (تراثنا العربي الإسلامي الذي نَقَل ونَهَلَ منه الغرب في القرن الثالث عشر وبني نهضته الأوروبية على بعض أسسه العلمية) وإنما طمع في الأرض التي شُيّدَ عليها البيت وما تحتها وما فوقها من ثروات طبيعية كبيرة كالنفط والغاز والذهب والحديد والفسفاط.
هذا العدو الغربي الخبيث أوحى لنا بأن بيتنا شاخَ ولم يعد صالحا للسكن وأقنعنا بعلمه المنحاز أن حجارة تراثنا العربي الإسلامي أيضا لم تعد صالحة للبناء لقِدَمِها وهشاشتها وأوهمنا أنها غير قابلة للصقل وإعادة الاستعمال في البناء من جديد ثم باعنا حجارة من صنعه، حجارة غير متأقلمة مع بيئتنا ومناخنا وتراثنا وحضارتنا وثقافتنا وديننا وعاداتنا وتقاليدنا وعُرفنا وذوقنا. والنتيجة الحتمية لسياسته الماكيافيلية وغزوه الحضاري والثقافي والاقتصادي هي التالية: بأيدينا هَدَمْنا بيتنا العتيق الوحيد ورمينا حجارته في البحر بغثها وسمينها،  بهشها ومتينها.
"بارك الله فيه"، ترك لنا احتمالين لا ثالث لهما: إما نبيت في العراء، أو بعد ما كنا صناع حضارة نصبح مشردين دون بيت قارّ أو على أبواب سفاراته لتأشيرة متسولين وبمغادرة أوطاننا فرحانين بعدما حررناها بالدم والأنين، أو نشتري حجارة الغرب المغشوشة والمسمومة ذات الاستعمال الواحد ونبقى له أبد الدهر تابعين ولإملاءاته التربوية والاقتصادية والثقافية والحضارية سامعين منصتين طيّعين مطيعين منفّذين وعن تراثنا العربي الإسلامي منبتّين ولديننا الإسلامي مُعادين ولرموزنا مُحقّرين ومصغّرين ولعُمّالنا وكفاءاتنا العلمية له مصدّرين ولبذورنا الزراعية المحلية منه مستوردين ولعزائمنا بأنفسنا مُحبِطين ولأنفسنا مزدَرِين ولطموحاتنا قاتلين ولذمتنا بائعين ولأوطاننا خائنين وفي الأمانة مفرّطين ولمستقبلنا وائدين ومن قِبل العالمين منبوذين وفي نظرهم إرهابيين غير محترمين وغير مهابين وهو لأرضنا في العراق وفلسطين لَمِنَ الغاصبين!

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية وعلى كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرزي.
"و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا".




ماذا أنتظر من أخي المسلم؟ مواطن العالم



مقدمة منهجية:
لستُ مختصا في الدين الإسلامي ولا أقصد ولا أدعي من وراء الخواطر التالية إقناع أو هداية أحد، لا لأني لا أطمح إلى ذلك، فالهداية هي رسالة المربي مهنتي وهي مهمة سامية ونبيلة يطمح لها كل بشر عاقل،  بل لأنني أعي جيدا أنها مهمة مستحيلة لم يُكلف بها حتى خاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه و سلم (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ). أستوعب تماما معنى الحكمة حسب تعبير الروائي الروسي العظيم ليو تولستوي أو الآية الكريمة: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم". و اقتداء بالمنهج العلمي، لن أعمم نقدي الانطباعي، لكنني أصرّ على أنه نقد هدام والنقد هدام أو لا يكون، نقدٌ موجهٌ لِصنف من المتدينين المزيفين المنتشرين والمتغلغلين خاصة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، والهدم دومًا يسبق البناء.

 أخاطب أخي المتدين المزيف:
-         لو كانت صلاتك نهتك عن الفحشاء والمنكر - وهي للأسف لم تنهك - لَكنت أصلَحَ فردٍ أخرِج للناس.
-         لو كان صيامك منعك من إيذاء الناس ماديا ولفظيا وأشعرَك فعلاً بمعاناة الفقراء - وهو للأسف لم يمنعك ولم يحسّسك - لكنت ملاكًا يعيش بيننا على الأقل خلال عُشر حياتك تقريبا (شهر كل عام).
-         لو كانت شهادتك (لا إله إلا الله) مثلت بالنسبة لك إقرارًا صريحًا منك بتحرر الإنسان الفرد من استلاب وتبعية البشر للبشر - وأنت "برادوكسالومان" تقولها صادقًا لكنك لم تتحمل يومًا ثقل مسؤولية تبعاتها السلوكية اليومية - لَمَا تركتَ الحاكمَ العربي المسلم يستأسد يومًا واحدًا ويأكل الرعية ويعيث في الأرض بطشا وظلما وتجبّرا وتكبّرا.
-         لو كانت زكاتك تجسمت في تقرّبك إلى ربك خدمة لمخلوقاته الضعيفة المحتاجة - وأنت للأسف نراك تتهرب أو تتحايل في دفعها للدولة أو لمستحقيها ظنا منك أنك الأذكى وأنت لا تدري أنك عند ربك الأنكى - لَأصبحنا لغير المسلمين قدوة ومثالاً يُحتذي به في التكافل الاجتماعي ولَسبقنا ظلنا والأمم في إرساء وترسيخ  قِيم العدالة الاجتماعية.
-         لو كان حَجك طهّر نفسك الأمّارة بالسوء من أدرانها - وهو للأسف لم يطهّرها - لأضفنا كل سنة للأمة الإسلامية ثلاثة ملايين فرد حاج طاهر، ولَعمَّ الطُّهْرُ بلداننا العربية والإسلامية جميعا وأصبحنا "أطهَر أمة أخرِجت للناس".

خاتمة:
يبدو لي أن بشائر هذا الكائن المسلم الممكن والمحتمل والمنتظر الذي أحلم به بديلا للسائد المزيف قد تأتي من مسلمي البيئة العلمية العقلانية المتوفرة في البلدان العَلمانية (أمريكا، أوروبا، الهند، الصين، تركيا، إلخ.) حيث تعيش اليوم نسبة كبيرة وهامة من المسلمين المعاصرين (تقريبا 40%).

إمضاء
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 11 أوت 2014.



jeudi 30 mai 2019

كيف أفهم ديني؟ مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 17 مارس 2012.

دينٌ يشمل البشرية بأسرها وليس فقط المسلمين أو اليهود أو المسيحيين أو البهائيين. دين غير إقصائي وغير عنصري وغير متعصب. دين أتى برسالة للعالمين. دين أممي عالمي غير قومي وغير وطني ضيق وغير طائفي. أنا أفهمه وأنا حر في فهمي الخاص، فهمٌ ولم ولن أدعو له أحدًا، وكل من لا يعجبه فهمي فلينشر فهمه على صفحته ويتركني لفهمي وأنا غني عن نصائحه، أفهمه كدين للمحبة والتقى والورع والتسامح والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة البشرية. دينٌ يحس بآلام الإنسان أيًّا كان دين هذا الإنسان أو مذهبه أو طائفته أو عرقه أو لونه أو جنسه أو جنسيته. دينٌ لا يفرّق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. دينٌ يعترف ويكرّم ويبجّل ويحترم جميع الأديان وكل الرسل وكل الأنبياء الذين سبقوه. أنا أفهم الدين كعلاقة حميمة عمودية خاصة مباشرة مع الله.

للأسف الشديد، لقد فهمه أكثرية المسلمين كشعائر وطقوس خارجية يمارسها المسلم بشكل ميكانيكي أو آلي مُفرغ من كل معنى روحي أو تأثير أخلاقي على الشخص المسلم نفسه قبل غيره. قد يمارس بعض المسلمين جميع الطقوس بخشوع مشهدي وبكل مواظبة وانتظام، ثم يسرقون أو يغشّون في تجارتهم وأعمالهم أو يحقدون على جيرانهم لأنهم ليسوا من دينهم أو مذهبهم... ما نَفْعُ التديّن في مثل هذه الحالة؟ لقد فهموا الدين الإسلامي كطاعة سلبية وخضوع لعلماء الدين ودعاته وهو في الواقع تسليم بإله مجرد عن الأهواء.

لقد استولى رجال الدين على العقيدة الإسلامية واستخدموها ووظفوها واستغلوها أسوأ استغلال لإشباع جشعهم ومآربهم ومآرب ملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم. بل وحرّفوا المقاصد النبيلة للدين الإسلامي عن مسارها الصحيح، وقسّموا الناس إلى شيعة وسنّة وسلفية وإباضية وصوفية، إلى حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية، إلى إسلاميين وعَلمانيين، إلى أصوليين وحداثيين، إلى مذاهب إسلامية متناقضة متناحرة متباغضة متقاتلة، واستغلوا خشوع وميل عامة المسلمين للتقوى والإحسان لكي يأخذوا منهم الصدقات والزكاة ويراكموا الأموال ويبنوا القصور أو ينفقوها في سبيل قتل المسلم لأخيه المسلم باسم الجهاد.. وهكذا شاع الشقاق والنفاق والحسد والغيرة والحقد في المجتمعات العربية والإسلامية، ولم يبق من الدين الإسلامي إلا جسمٌ بلا روح، وبقيت معه الأحكام المسبقة المتوارثة التي حوّلت البشر إلى وحوش بما فعلته فيهم الطائفية والمذهبية والتعصب والجهل والتزمت والانغلاق: مجموعةٌ من العوائق حرمت المسلمين الأميين والمتعلمين غير المثقفين من استخدام عقولهم بشكل حر وخنقت فيهم شعلة العفوية البشرية.

يبدو لي أنه يتحتم علينا  أن ننطلق من هذا العقل لكي نؤسس مجتمعا آخر أكثر حرية وأكثر إنسانية. إن القرآن يعلمنا أفضل القيم الأساسية الضرورية لسلوكنا اليومي في الحياة، إنه يعلمنا أن الله موجود، أيّاً كان تصورنا له، ويعلمنا أن الله يسهر على مصير البشر، كل البشر دون تمييز، وهو الوحيد الذي يشملهم بعنايته ويأمرهم بأن يحبوا بعضهم بعضا. ألم يقل الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وهل يوجد حديثٌ أكثر تسامحًا من هذا الحديث؟ فكيف حوّل بعض علماء الدين ودعاته رسالة محمد السمحة هذه إلى تعصب ودعوة للعنف وإكراه في الدين وملاحقة لكل عالِم أو مفكر أو مبدع أو فنان أو فيلسوف مسلم عَلماني؟ كيف حوّلوا الشيء إلى نقيضه وحرّفوا الدين عن مبادئه الأصلية السامية؟

في الواقع إن الدين بالنسبة لي هو المحبة والتسامح والحرية المطلقة والكرامة البشرية والعدالة الاجتماعية والمعاملة الحسنة والسلوك المستقيم أولا وأخيرا، وأما كل ما عدا ذلك فطقوس وشعائر تختلف من مذهب إلى مذهب، ضرورية لكنها لا تمس الجوهر الطاهر الخالص، فهناك إذن جوهر للدين في نظري، وهناك قشور وقوالب خارجية، والمهم هو الجوهر لا القشور. المهم هو الرسالة الروحية التي علمنا إياها الرسول والتي تدعو أساسا إلى التقوى والعمل الصالح وحب الآخر مهما كان هذا الآخر مختلفًا عنّا.


إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية، وعلى كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

ملاحظة هامة للأمانة العلمية
النص الأصلي كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، صفحة 187، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. شَرَحَ فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. يتحدث هذا النص وفي هذه الصفحة والصفحات التي تليها بالتحديد عن الدين المسيحي في القرن 17م.  استعرتُ منه القالب اللغوي، طوّعته وحشوته أفكارا معاصرة وكأن الكاتب إذ يصور حالة المسيحية في ذلك العصر يتحدث عن حالة الإسلام والمسلمين اليوم! يبدو لي أنني قد قمتُ بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجة أو سخيفة ودون تعسّف أو تحريف أو تجنّ على النص الأصلي ودون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة على حضارة أو دين على دين أو نقد على نقد.




هل المرأة المسلمة ناقصة عقل ودين؟ مواطن العالَم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 11 جانفي 2013.

الحديث: "المرأة ناقصة عقل ودين".
التعليق: سأتناول هذا الحديث من الجانب العلمي وليس من الجانب الفقهي.
.
سؤال العنوان، سؤالٌ غريبٌ؟ وتزيد الغرابة غرابة عندما يُطرح السؤال من قِبل شخص يؤمن بالمساواة التامة بين المرأة والرجل في الحقوق وفي القانون وأمام القانون حتى ولو اختلفت بينهما الواجبات والواجبات بطبيعتها مختلفة حتى داخل جنس الرجال أو داخل جنس النساء.

يبدو لي أن المرأة المسلمة وفي وضعها الحالي المتردي والمتوارث عبر الأجيال هي كائن ناقص عقل ودين! نقص مكتسب نتيجة الظروف الاجتماعية التي عاشتها ولا زالت تعيشها وليس نقصا حتميا قدريا إلهيا أو نقصا متأصلا فيها جينيا وبيولوجيا.

أنا درستُ وعرفتُ واقتنعتُ أن الذكاء البشري، بغض النظر عن متغيّر الجنس، هو ذكاءٌ موروثٌ عن والدينا جينيا مائة بالمائة وفي نفس الوقت هو ذكاءٌ مُكتسبٌ اجتماعيا مائة بالمائة أيضا (Albert Jacquard)، وهذا هو موضوع أطروحتي لنيل شهادة الدكتورا في علوم التربية (Didactique de la biologie). أما اختلاف حجم ووزن المخ بين المرأة والرجل فهو ليس شيئًا ناتجا عن الاختلاف الجنسي بل لأن القاعدة العلمية تقول أن وزن المخ موازي لوزن الجسم رجلا كان أو امرأة. واختلاف وزن المخ بين الرجل والمرأة أو بين الرجل العملاق والرجل القزم لا يؤدي بالضرورة إلى تفوق الأول على الثاني في الذكاء والإدراك وإلا لَكان حوت العنبر العظيم أذكى المخلوقات لأن هذا الأخير يتمتع بمخ يزن 10كغ، وفي المقابل لا يزن المخ البشري تقريبا إلا 1،3كغ بما فيه مخ العالِم العبقري الألماني الأمريكي إينشتاين.

اختلاف وزن المخ بين المرأة والرجل لا يفسد للمساواة في الذكاء والحقوق قضية! وكما قال محمد خاتم الأنبياء صلى عليه وسلم ورددها من بعده بعشرة قرون الفيلسوف الفرنسي ديكارت، أن العقل هو الشيء الثمين الموزع بالعدل بين الناس. نحن نرث بيولوجيا وجينيا مخا بشريا متطورا مقارنة مع باقي الحيوانات، لكن هذا المخ الموروث لا يبقى على حاله جامدا بل يتأثر بيولوجيا وفيزيولوجيا بتجاربنا اليومية ومحيطنا الاجتماعي. كل هذه التجارب المكتسبة تترك بصماتها البيولوجية على الوصلات العصبية (Synapses - وعددها يصل تقريبا إلى مليون مليار وصلة عصبية تتركب وتتفكك حسب المعيش اليومي لتربط بين مائة مليار خلية عصبية في المخ البشري).
بأريحية علمية، نستطيع أن نستنتج من هذه المُسَلّمَة العلمية أن مخ المرأة وبصفة عامة لا يمر بنفس التجارب اليومية التي يمر بها مخ الرجل (المرأة: العمل داخل البيت، تقييد السفر، الحد من الحرية، نقص التعليم والتثقيف، وانعدام المساواة مع الرجل في الحقوق وفي القانون وأمام القانون - الرجل: العمل خارج البيت، السفر، الحرية، وتوفر التعليم والتثقيف)، لذلك يختلف المخ النسوي عن المخ الذكوري في تركيبته الخلوية المجهرية  وليس في تركيبته الشكلية العامة والظاهرة. لكن ومن حسن حظ المرأة عموما والمرأة المسلمة خصوصا أن البصمات البيولوجية المكتسبة على مستوى الوصلات العصبية في المخ البشري هي بصمات لا تُورَّث، فعند كل ولادة بشرية جديدة، ذكرية أو أنثوية،  يعيد المخ البشري التجربة من جديد متأثرا بالجديد من المكتسبات الحضارية التي يستفيد منها الرجال  أكثر من النساء خاصة في المجتمعات الرجولية مثل مجتمعاتنا الإسلامية.

أرجع إلى موضوعي الأصلي وأطرح السؤال من جديد: هل المرأة المسلمة ناقصة عقل ودين؟  نعم هي فعليًّا ناقصة عقل ودين لكنها ليست وحدها في هذا النقص، فالرجال الذين عاشوا نفس ظروف المرأة الاجتماعية هم أيضا ناقصو عقل ودين. نستطيع أن نستنتج من هذه المقاربة المعقدة أن أسباب النقص في العقل والدين ليست جنسية بحتة وليست بيولوجية جينية وراثية وإنما هي ناتجة عن أسباب مكتسبة غير وراثية وغير جينية وغير حتمية وقد تزول بزوال العنصرية الجنسية والحيف والظلم الاجتماعيين المسلّطين منذ آلاف السنين من قِبل الرجل المسلم على المرأة المسلمة.

أصاب الرسول ووصف واقع امرأة عصره وصفا دقيقا، وللأسف الشديد لا يزال هذا الوصف واقعيا إلى اليوم، مع الإشارة إلى أن الرسول لم يقل أن هذا الواقع النسوي المتخلف هو حتمي وأبدي. لذلك أرى أنه من واجب علماء الدنيا والدين المعاصرين الاجتهاد لتجاوز هذا النقص العقلي والديني لدى المرأة وذلك بتعليمها وتطوير عقلها وهدايتها لاستكمال دينها والدعاء لها بالصلاح. ولو كان الرسول يرى أن هذا النقص متأصل في المرأة، لَما دعانا إلى استكمال نصف ديننا من عائشة زوجته. وقياسا على التدرج القرآني الذي  لم يحرّم العبودية مرة واحدة بل شجع على تحرير العبيد، يبدو لي أن الرسول في حديثه المذكور أعلاه لا يؤسس لتأبيد وضع المرأة المتردي بل يصفه فقط وأنا متأكد أنه لم يكن يعارض طموح المرأة المسلمة إلى المساواة التامة في العقل والدين بينها وبين الرجل وبينها وبين المرأة الغربية المتعلمة.

أرجو من أصدقائي اليساريين الكرام أن لا يصنفوني بسرعة وتسرّع ضمن أعداء المرأة أو ضمن خصومها أو حتى الكارهين لها. أنا أحب وأعشق وأحترم وأجلّ وأقدر المرأة عموما ولم ولن أنسى فضل أمي الذي تجسم في حنانها وفي تربيتي ورعايتي بعد وفاة أبي وأنا طفل في سن الخامسة عشر. وأعترف بوجود نساء في حياتي، هنّ أكمل مني عقلا، وأخص بعضهن بالذكر والتبجيل والاحترام مثل  الأستاذات اللواتي تتلمذت على أيديهن في الجامعة (درّة محفوظ) والثانوي (فاطمة لخضر)، والزميلات التونسيات اللواتي عملت معهن في المجال الثقافي التطوّعي في النادي الثقافي النقابي، نادي جدل بالاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس، مثل أستاذة الفرنسية الشاعرة العظيمة فاطمة بن فضيلة، والدكتورة الأستاذة الجامعية في الشريعة وأصول الدين حياة اليعقوبي.

أسس حزب العمال التونسي منظمة نسوية في داخله. أتساءل هنا: لو لم تكن وضعية المرأة التونسية الحالية متردية وناقصة، لَما خصها هذا الحزب اليساري بمنظمة ترعى شؤونها وتسهر على تدارك النقص المكتسب في عقلها مقارنة مع الرجل (ويا ليته فعل نفس الشيء ومن أجل نفس الهدف للرجل التونسي اليساري)، باستثناء اليساريات المتعلمات المثقفات بطبيعة الحال، وهؤلاء الأخيرات قد يشاركن في تثقيف زميلاتهن في الحزب ويثبتن لهن أن نقص العقل النسوي ليس حتمية ولا قدرا بل هو شيء مكتسب يسهل إزالته لو تحققت المساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق وفي القانون وأمام القانون أيضا، مع الإقرار بالاختلاف البيولوجي والمحافظة على الاختلاف في الواجبات مع الإشارة الهامة أن الاختلاف البيولوجي الموروث موجود أيضا بين الرجل والرجل وبين المرأة و المرأة ويجب أن لا يؤدي هذا الاختلاف البيولوجي بالضرورة إلى عدم المساواة في الحقوق أو عدم المساواة في اكتساب الذكاء واستكمال العقل والدين ومن وجهة نظر غير مختص في علوم الاجتماع ولا في علوم الدين، يبدو لي أن المساواة التامة بين المرأة والرجل لا تتنافى، لا مع العلم ولا مع الدين الإسلامي.

ملاحظة عابرة، أوردها وأمضي دون تعليق والمسكوت عنه أبلغ: ألاحظ تواجدا مكثفا للعنصر النسائي في قيادات حزب حركة النهضة ذو المرجعية الإسلامية (عشرات العضوات في المجلس التأسيسي) وفي المقابل ألاحظ نقصا واضحا وفادحا في عدد النساء في قيادات الأحزاب اليسارية الكبرى الثلاثة ذات المرجعية الماركسية اللينينية الستالينية (حزب العمال وحزب الوطد الموحد وحزب الوطد الثوري)،  مع العلم أن النهضة لم تؤسس لقيادياتها منظمة نسوية خاصة بهن داخل الحزب.


الإمضاء
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه" عبد الله العروي
"المثقف لا يجيد فعل شيء على الإطلاق، اللهم، إلا الإنتاج الرمزي، وإنتاج الأفكار والكلمات. غبر أن هذه الأفكار تحتاج لما يجسدها لكي تصبح موجودة، لكي تصبح قادرة على تغيير الواقع، أي أنها تحتاج لحركات اجتماعية" جان زيغلر
"يخون المثقف وظيفته، إذا كانت هذه الأخيرة تتقوّم بالرغبة في التأثير على النفوس" ريجيس دوبريه
"ما أسهل أن نرتدي عباءة أجدادنا  وما أصعب أن تكون لنا رؤوسهم" مطاع الصفدي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداءً بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر، لذلك لا يضيرني إن قرأني واحد أو ألف لكن يبقى الكاتب منعزلا إذا لم يكن له قارئ ناقد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.







سؤال إلى المطالبين بتطبيق الشريعة الآن وليس غدًا: أيهما الأفضل، تطبيق الشريعة أو عدم تطبيقها في ظل حكامنا العرب المعاصرين؟ مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 20 مارس 2012.

شاركتُ اليوم، الثلاثاء 20 مارس 2012، في مظاهرة عظيمة بآلاف التونسيين، المدنيين السلميين البسطاء المستنيرين، للمطالبة بتأسيس دولة مدنية ديمقراطية، لا دولة دينية سلفية ولا دولة عسكرية دكتاتورية وذلك بمناسبة إحياء ذكرى عيد استقلال تونس في 1956.

تصوّروا معي هول الكارثة، لو طبّق نظام "بن علي" الشريعة على التونسيين منذ 1987 (وقد فعلها في السودان زميله عمر البشير بمباركة حسن الترابي)، لو طبّق الحدود وتمادى في حكمه الظالم 23 عاما رغم معارضة الإسلاميين والعَلمانيين والشيوعيين والقوميين. فماذا سيحدث يا ترى؟ ستحدث كوارث رهيبة لن يصلحها التاريخ ولا الثورات! سوف يبدأ بقطع الرؤوس قبل قطع الأيادي. سوف يحكم بعض قضاته الظالمين المرتشين بالإعدام شنقا على الغنوشي والجبالي وديلو والبحيري وبن سالم بتهمة الخروج على الحاكم المسلم، وبالإعدام رميا بالرصاص على حمة الهمامي وزوجته راضية النصراوي ومنصف المرزوقي ونجيب الشابي ومصطفى بن جعفر بتهمة العَلمانية أو الكفر أو الإلحاد.

سوف تتهم نيابته العمومية المنحازة المناضلين القاعديين اليساريين والإسلاميين والقوميين وقد تُلبِسِهم قضية سرقة بسيطة ويحكم بعض قضاته الظالمين المرتشين بقطع أياديهم جميعا.

وفي حصيلة عهده "الإسلامي" المطبّق للشريعة، سنفقد خيرة زعمائنا ومناضلينا من اليساريين والإسلاميين والقوميين وسيصبح مناضلونا القاعديون معوقين عضويين. حصيلة ثقيلة لا ينفع فيها محاسبة أو مصالحة أو تسامح!

أثرِي مقالي ببعض ما قاله الفيلسوف الإسلامي أبو يعرب المرزوقي في هذا المضمار في برنامج الشريعة والحياة في قناة الجزيرة  وقد يصبح المعنى - عند ما أصوغه بتصرف - غير مطابق حرفيا لما قاله الأستاذ بالضبط:
-         وللشريعة في الواقع وجهان: وجه تربوي ووجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد نستغني عن الوجه الثاني لأنه عندما يكبر الوازع الذاتي التربوي الأخلاقي تنقص الحاجة للوازع الخارجي الردعي. (إضافة: ما أحوجنا اليوم إلى الوجه التربوي أكثر من حاجتنا إلى الوجه الردعي وربما لن نحتاج لهذا الوجه الجزائي تماما).

-         بعد موت النبي المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم, أصبحت الجماعة أي الأمة هي المسؤولة الوحيدة عن الشريعة. فالجماعة إذن - وليس الفقيه أو السلطان - هي التي تختار بحرية تطبيق الشريعة وهي التي تراقب التطبيق في نفس الوقت, بلغة حداثية هي الديمقراطية ودولة القانون والمؤسسات بالمعنى الغربي للكلمة وليس بالمعنى العربي المشوّه. لو احتكر الحاكم سلطة الدين وسلطة القانون فسيصبح لا محالة حاكم طاغية.

-         قد يسبّب اختلاف الشريعة مع الواقع نوعان من الانفصام لدى الإنسان: انفصام محمود وانفصام مذموم. الانفصام المحمود يرى أن الشريعة تمثل المثال المتعالي عن الواقع الذي نسعى دائما لتحقيقه مع العلم أن الشريعة لم تتحقق كاملة متكاملة في أي لحظة من تاريخ المسلمين منذ الرسالة حتى الآن ولن تتحقق لأنك ستجد دائما من يخالفها عن قصد أو عن عجز أو عن جهل أو عن كفر أو عن إلحاد أو عن مرض. أما الانفصام المذموم دينيا فيرى أن لا حاجة لنا لمثال نسعى لتحقيقه ولن نحققه فنكتفي إذن بواقعنا ونحاول تحسينه وهذه سياسة الرأسمالية الذي ينعتها "فوكوياما" خطأ بنهاية التاريخ.

-         البدو غير المتحضرين هم أبعد الناس عن الشريعة لأنهم أبعد الناس عن التمدّن وفهمهم للدين هو فهمٌ منافٍ للشريعة التي لا يرون منها إلا قطع اليد وإقامة الحد.

خاتمة:
أنهِي مقالي بطرح الإشكالية التالية: ماذا ستكون حصيلة تطبيق الشريعة في ظل حكم حزب حركة النهضة بعد الثورة؟ ربما ستكون أفظع من حصيلة تطبيقها في ظل النظام البائد، وذلك للأسباب التالية: بعد الثورة، عمت الفوضى وزاد الفقر وانتعش الجهل واستفحلت الرشوة وقل العمل وأصبح الكسل تعبيرا عن الرأي وزاد عدد القضاة الظالمين المرتشين وتحصن خارقو القانون من الأمنيين بالنقابة.
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، علق تطبيق الحد على السارق بسبب أقل مما أصابنا بعد الثورة، علقه كامل عام المجاعة (عام الرمادة). فإذا كان عمر بن الخطاب - المشهور بعدله - قد علق تطبيق الشريعة لمدة عام، فماذا سنفعل نحن في عهد حكامنا العرب المعاصرين والمشهورين بظلمهم؟ فهل نطالب نحن بتطبيقها أو نطالب بإرجائها إلى يوم يُبعَثون؟


إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية وعلى كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.


mercredi 29 mai 2019

أيُّ أمة نحن، عَجِزَ الدين والعلم والثورة مجتمعين عن تغييرها؟ مواطن العالم



لا أعرف من أين أبدأ؟ من عجزي أنا شخصيا، أو من عجز نخبنا العلمية والفكرية والسياسية، أو من عجز سلطتنا ومعارضتنا، أو من عجز دعاتنا ورجال ديننا، أو من عجز إيماننا بقدرتنا على التغيير؟

أبدأ بنقد نفسي: عِلمٌ تعلمته على مدى سبع سنوات (عامان ماجستير وخمسة دكتورا) في أرقى الجامعات الفرنسية، عِلمٌ عجزت عن تمريره لمن هم في أشد الحاجة إليه (رجال ونساء التعليم). بعد التقاعد، مقال يومي في الفيسبوك ومحاضرة أو اثنتان مجانيتان في العام والباقي كتب من المكتبة العمومية وحديث ثقافي في المقاهي. هل العِلة فِيَّ أنا أم في البيئة الاجتماعية أم في الاثنين معا؟

نُخبنا وما أدراك ما نخبنا! جل أساتذة جامعاتنا، ناقلون للعلم لا ينتجون. جل أطبائنا تجار مستكرشون لا يشبعون وللبحث العلم تاركون. جل محامينا مرتشون وجل متهمينا راشون، فأي عدالة نحن لها منتظرون؟ جل مثقفينا منبتّون وفي سحر الحلول الغربية الجاهزة يعتقدون جازمون. أما نقابيونا القياديون المحترفون فهم لـ"التكنبين" وتدليس الانتخابات متفرغون ولمرتباتهم دون شغل قابضون، وجلهم للأسف يساريون انتهازيون، للعمال خائنون ومن جنة ماركس للبروليتاريا مخرجون وبمصالح الشغيلة يتلاعبون ومن مقايضة حقوقها يسترزقون. جل أساتذة الثانوي ومعلمي الابتدائي هم للعلم في الدكاكين بائعون وللأطفال الأبرياء مستغلون وبمستقبل باهر لهم واعدون. دنيا وآخرة، كلهم ملعونون.

جل حِرفيينا متكاسلون ولمهنهم غير متقنين وفي أعمالهم يغشّون وفي تقدير عرقهم يُغالون ويبالغون. جل تجارنا للسلع الحياتية محتكرون ولعرق المنتج سارقون وعلى المستهلك يتحايلون. جل موظفينا دون سبب يتغيبون وعلى الرخص المرضية مقبلون وبعطل المرض طويل الأمد يتمتعون وخارج أماكن عملهم في صحة جيدة يشتغلون ولرواتبهم مضاعفون ومن حرامه يكتسبون.

جل سياسيينا، يسارا ويمينا، على الكراسي يتعاركون، والمصلحة العامة لها مهملون ولكل مشروع من البنك العالمي يستلفون والتبعية الاقتصادية لنا جالبون. جل يساريينا مع اليمين الليبرالي متحالفون وعن جرائم التجمعيين صامتون وللإسلاميين فقط معادون ومشيطنون. جل إسلاميينا بمشروعهم غير مؤمنين ولمزايا العَلمانية عليهم ناكرون ومع التكفير متسامحون وللجهاد ضد إخوانهم في سوريا والعراق داعون. أما رموز الدساترة فهم أزلام لا يستحون.

جل أئمتنا بالمعروف يأمرون وعن المنكر ينهون في 52 خطبة جمعة عصماء، مثالية جوفاء. وعظهم لم يتجاوز سور الجامع. جل مصلينا لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر لا لأن الصلاة لا تنهى بل لأنهم هم لا ينتهون! القرآن خلق أمة والأمة لم تواصل الرسالة ولم تخلق شيئا يُذكر فيُشكر. صحيح كنا "خير أمة أخرِجت للناس". مَن أخرجها يا مسلمي اليوم؟ أخرجها سبحانه تعالى للعالمين وأسسها محمد صلى الله عليه وسلم وسلمها لكم أمانة في رقابكم جميعا، خنتم الأمانة بعد ما استخلفكم الله في الأرض، فمن أدراكم أنكم لا زلتم خير أمة أخرِجت للناس؟ من أدراكم أنه، سبحانه وتعالى، لم يستبدلكم بأمة من أممه الراقية كالأمة الأسكندنافية مثلا؟ وبماذا تدافعون عن أنفسكم؟ بنفاقكم أم بمتاجرتكم بدينكم أم بتناحركم وتقتيلكم لبعضكم أم بتخاذلكم أمام العدو وعدم نصرتكم لإخوانكم في غزة أم باستئسادكم على الأقليات المستجيرة بكم أم باستباحتكم قتل المستضعفين منكم ابتغاء لمرضاة أمريكا؟ هل خُلقتكم لتحمل مشقة تبليغ الرسالة كما تحملها أسلافكم؟ والله العظيم أشك فيكم وفي نواياكم ما لم تستقيموا وتعطوا المثال الطيب وتنتهوا عن الوعظ بما ليس فيكم وتنتهوا عن الدعوة زورا لِما أنتم غير قادرين على تنفيذه. والله نبهكم وقال لكم: "لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فما بقي لكم إلا أن تشمّروا على سواعدكم وتبحثوا عن أسباب الرقي خارج أسوار تخلفكم وتأخذوا بها ولو من عدوكم، وأنهِي بالآية  الكريمة: "وقل اعملوا فسيرى الله أعمالكم" آمين.

خاتمة: لم يدّع العلم يوما أنه قادر وحده على تغيير قيم مجتمع ما، لكن لن يحصل تغيير بعد اليوم دون علم.

إمضاء
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 25 أوت 2014.