jeudi 30 mai 2019

كيف أفهم ديني؟ مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 17 مارس 2012.

دينٌ يشمل البشرية بأسرها وليس فقط المسلمين أو اليهود أو المسيحيين أو البهائيين. دين غير إقصائي وغير عنصري وغير متعصب. دين أتى برسالة للعالمين. دين أممي عالمي غير قومي وغير وطني ضيق وغير طائفي. أنا أفهمه وأنا حر في فهمي الخاص، فهمٌ ولم ولن أدعو له أحدًا، وكل من لا يعجبه فهمي فلينشر فهمه على صفحته ويتركني لفهمي وأنا غني عن نصائحه، أفهمه كدين للمحبة والتقى والورع والتسامح والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة البشرية. دينٌ يحس بآلام الإنسان أيًّا كان دين هذا الإنسان أو مذهبه أو طائفته أو عرقه أو لونه أو جنسه أو جنسيته. دينٌ لا يفرّق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى. دينٌ يعترف ويكرّم ويبجّل ويحترم جميع الأديان وكل الرسل وكل الأنبياء الذين سبقوه. أنا أفهم الدين كعلاقة حميمة عمودية خاصة مباشرة مع الله.

للأسف الشديد، لقد فهمه أكثرية المسلمين كشعائر وطقوس خارجية يمارسها المسلم بشكل ميكانيكي أو آلي مُفرغ من كل معنى روحي أو تأثير أخلاقي على الشخص المسلم نفسه قبل غيره. قد يمارس بعض المسلمين جميع الطقوس بخشوع مشهدي وبكل مواظبة وانتظام، ثم يسرقون أو يغشّون في تجارتهم وأعمالهم أو يحقدون على جيرانهم لأنهم ليسوا من دينهم أو مذهبهم... ما نَفْعُ التديّن في مثل هذه الحالة؟ لقد فهموا الدين الإسلامي كطاعة سلبية وخضوع لعلماء الدين ودعاته وهو في الواقع تسليم بإله مجرد عن الأهواء.

لقد استولى رجال الدين على العقيدة الإسلامية واستخدموها ووظفوها واستغلوها أسوأ استغلال لإشباع جشعهم ومآربهم ومآرب ملوكهم وأمرائهم ورؤسائهم. بل وحرّفوا المقاصد النبيلة للدين الإسلامي عن مسارها الصحيح، وقسّموا الناس إلى شيعة وسنّة وسلفية وإباضية وصوفية، إلى حنفية وشافعية ومالكية وحنبلية، إلى إسلاميين وعَلمانيين، إلى أصوليين وحداثيين، إلى مذاهب إسلامية متناقضة متناحرة متباغضة متقاتلة، واستغلوا خشوع وميل عامة المسلمين للتقوى والإحسان لكي يأخذوا منهم الصدقات والزكاة ويراكموا الأموال ويبنوا القصور أو ينفقوها في سبيل قتل المسلم لأخيه المسلم باسم الجهاد.. وهكذا شاع الشقاق والنفاق والحسد والغيرة والحقد في المجتمعات العربية والإسلامية، ولم يبق من الدين الإسلامي إلا جسمٌ بلا روح، وبقيت معه الأحكام المسبقة المتوارثة التي حوّلت البشر إلى وحوش بما فعلته فيهم الطائفية والمذهبية والتعصب والجهل والتزمت والانغلاق: مجموعةٌ من العوائق حرمت المسلمين الأميين والمتعلمين غير المثقفين من استخدام عقولهم بشكل حر وخنقت فيهم شعلة العفوية البشرية.

يبدو لي أنه يتحتم علينا  أن ننطلق من هذا العقل لكي نؤسس مجتمعا آخر أكثر حرية وأكثر إنسانية. إن القرآن يعلمنا أفضل القيم الأساسية الضرورية لسلوكنا اليومي في الحياة، إنه يعلمنا أن الله موجود، أيّاً كان تصورنا له، ويعلمنا أن الله يسهر على مصير البشر، كل البشر دون تمييز، وهو الوحيد الذي يشملهم بعنايته ويأمرهم بأن يحبوا بعضهم بعضا. ألم يقل الرسول الكريم محمد، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". وهل يوجد حديثٌ أكثر تسامحًا من هذا الحديث؟ فكيف حوّل بعض علماء الدين ودعاته رسالة محمد السمحة هذه إلى تعصب ودعوة للعنف وإكراه في الدين وملاحقة لكل عالِم أو مفكر أو مبدع أو فنان أو فيلسوف مسلم عَلماني؟ كيف حوّلوا الشيء إلى نقيضه وحرّفوا الدين عن مبادئه الأصلية السامية؟

في الواقع إن الدين بالنسبة لي هو المحبة والتسامح والحرية المطلقة والكرامة البشرية والعدالة الاجتماعية والمعاملة الحسنة والسلوك المستقيم أولا وأخيرا، وأما كل ما عدا ذلك فطقوس وشعائر تختلف من مذهب إلى مذهب، ضرورية لكنها لا تمس الجوهر الطاهر الخالص، فهناك إذن جوهر للدين في نظري، وهناك قشور وقوالب خارجية، والمهم هو الجوهر لا القشور. المهم هو الرسالة الروحية التي علمنا إياها الرسول والتي تدعو أساسا إلى التقوى والعمل الصالح وحب الآخر مهما كان هذا الآخر مختلفًا عنّا.


إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية، وعلى كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

ملاحظة هامة للأمانة العلمية
النص الأصلي كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، صفحة 187، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. شَرَحَ فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. يتحدث هذا النص وفي هذه الصفحة والصفحات التي تليها بالتحديد عن الدين المسيحي في القرن 17م.  استعرتُ منه القالب اللغوي، طوّعته وحشوته أفكارا معاصرة وكأن الكاتب إذ يصور حالة المسيحية في ذلك العصر يتحدث عن حالة الإسلام والمسلمين اليوم! يبدو لي أنني قد قمتُ بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجة أو سخيفة ودون تعسّف أو تحريف أو تجنّ على النص الأصلي ودون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة على حضارة أو دين على دين أو نقد على نقد.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire