samedi 25 mai 2019

هل سينقرضُ يومًا مفهومُ الجهادِ الأصغرِ؟ مواطن العالم



لو يأتي يومٌ، يقتنع فيه المتشددون المسلمون أن الهداية إلى الطريق المستقيم لا تصح إلا بالتي هي أحسن، لزال الجهاد بالسيف وانقرض كما زالت العبودية في العالَم وانقرضت من الإسلام؟
ملاحظة هامة للأمانة العلمية:
أنا لستُ مختصًّا في الشريعة ولستُ داعية سياسي أو فكري لذلك أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد ولا أقصد فرض رأيي عليهم بالأمثلة والبراهين بل أدعوهم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال ناقص أو سيء نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.
أنا سأتناولُ الدين من وجهة نظر مسلم، لكنني مسلمٌ يحب المسلمين وغير المسلمين دون تفضيل أحد على أخر من خلق الله: لو اقتنعنا أن  علم الوراثة الحديث قد أثبت انعدام أي فرق بشري بين أسود وأبيض،  ولو صدقنا أن الرَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "النَّاسُ سَوَاسِيَةٌ كَأَسْنَانِ الْمِشْطِ، وَإِنَّمَا يَتَفَاضَلُونَ بِالْعَافِيَةِ, وَالْمَرْءُ كَثِيرٌ بِأَخِيهِ, وَلا خَيْرَ فِي صُحْبَةِ مَنْ لا يَرَى لَكَ مِنَ الْحَقِّ مِثْلَ مَا تَرَى لَهُ". وقال أيضًا: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، مسلمٌ تجاوز التعصب الديني وتخلص من كل أنواع العنصرية، المذهبية والطائفية والقومية والوطنية والجهوية والقبلية والعرقية والطبقية والجنسية واللونية والمعرفية. لا سند لي إلا الشجاعة الأدبية لكي أصدع برأيي حتى و لو بقيتُ أصارعُ وحدي ضد صُنّاع الرأي السائد.

لب الموضوع:
-         لو اقتنعنا بحرية الضمير الواردة في دستورنا وفي البيان العالمي لحقوق الإنسان، ولو آمنّا أن لا إكراه في الدين: "لا إكراه في الدّين، قد تبيّنَ الرشدُ من الغيّ" (البقرة:255).
-         ولو اقتنعنا أن لكل بشر عقل يميز بواسطته بين العبثية والمنطق، ولو آمنّا أن الله وحده هو الهادي وأنه لم يتنازل عن هذه المهمة الصعبة حتى لخاتم الأنبياء، رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أرأيْتَ من اتّخذ إلهَهُ هَواهُ أفأنت تكونُ عليْه وكيلا" (الفرقان:43)،  "ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجَادِلهُمْ بالتي هي أحسن، إنّ ربّك هو أعلمُ بمن ضلّ عن سبيله، وهو أعلمُ بالمهتدين" (النحل:125)، "ليْسَ عليك هُداهُم، ولكنَّ اللهَ يَهْدي منْ يشاءُ" (البقرة:271)، "فذكّرْ إنّما أنت مذكّر، لست عليهم بمسيطر" (الغاشية:22).
-         ولو اقتنعنا أن  مخ كل بشر هو مخٌّ وحيدٌ في تكوينه البيولوجي، وكل بشر وحيدٌ في اختياراته الفكرية، ولو آمنّا أن  الاختلاف البيولوجي والاختلاف العقائدي والاختلاف الاجتماعي هم سنّة الله في خلقه: "ولوْ شاءَ ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعا، أفأنت تكرهُ النّاس حتّى يكونوا مؤمنين" (يونس:99).
-         ولو عرف المتشددون المسلمون أن أكثرية المسلمين المعاصرين يقيمون اليوم في دول دخلها الإسلام سلميا عن طريق التجار (مثل ماليزيا وأندونيسيا والصين) أو عن طريق مشائخ الصوفية (مثل إفريقيا السوداء).
-         ولو عرف المتشددون المسلمون أن 40 في المائة من المسلمين المعاصرين يقيمون اليوم في دول عَلمانية غير مسلمة وغير إسلامية مثل دول الاتحاد الأوروبي ودول الاتحاد السوفياتي سابقا ودول أمريكا الشمالية والجنوبية والصين والهند.
-         ولو عرف المتشددون المسلمون أن ألمانيا واليابان، وبعد هزيمة الحرب العالمية الثانية النكراء، جاهدتا ضد  المحتل الأمريكي بواسطة العلم والعمل وليس بالقتال والإرهاب فحققتا نموا اقتصاديا وثقافيا كبيرا وأصبحتا أقوى اقتصادَين رأسماليَّين في العالَم. والصين الأم استرجعت مقاطعة هونغ كونغ من بريطانيا دون مقاومة مسلحة وقريبًا سوف تضم تايوان سلميًّا أيضًا.
-         ولو عرف المتشددون المسلمون أن الهند ودولة جنوب إفريقيا، أكبر مستعمرتين بريطانيتين في العالم، نالتا استقلاليهما عن طريق المقاومة السلمية دون طلقة سلاح واحدة بقيادة بطلين أو نبيّين أرضيين، هما غاندي ومانديلا.
-         ولو علم ووعى المتشددون المسلمون أن الله غفور رحيم بعباده المسلمين وغير المسلمين: "إن تعذبهم فإنّهُم عبادُك، وإن تغفرْ لهم فإنّك أنت العزيز الحكيم" (المائدة:120)، "فمن تبعني فإنّه منّي ومنْ عصَاني فإنّك غفور رحيم" (إبراهيم:38).
-         ولو علم ووعى المتشددون المسلمون أن التنوع الديني  في العالم حكمة من رب للعالمين، رب وسّع  رحمته لتشمل الناس أجمعين، مسلمين وغير مسلمين، ولو شاء لجعل كل الناس مسلمين: "ولو شاءَ ربّك لجعلَ النّاس أمّة واحدة، ولا يزالونَ مختلفين إلا من رَحِمَ ربّك، ولذلك خلقهُم" (هود:118). ولو علموا ووعوا الحكمة والرحمة الربانيتين لما تجرؤوا على معارضة مشيئته ولما حملوا يوما سيفا وأكرهوا الكفار والملحدين واللاأدريين على الدخول عنوة في الإسلام.
-         وفي الأخير، لو سلّم المتشددون المسلمون وجوههم لله سبحانه وتعالى، ولم يشركوا به أحدا، وآمنوا بكل ما أنزِل عليهم وحيا بلّغه موسى وعيسى ومحمد خاتم الأنبياء المرسَلين، واقتنعوا منطقيا بكل ما سبق، لتخلّوا نهائيا - عن اقتناع وطواعية وأريحية وسماحة إسلامية - عن الجهاد الأصغر (القتال أو الإرهاب) كما تخلوا نهائيًّا عن العبودية. وهل يجرؤ المسلم اليوم أن يدافع عن العبودية أمام العالَم رغم أنها غير محرّمة نصًّا في القرآن (القرآن هو أوّل كتابٍ مقدّسٍ شجّع على تحريرهم)، أو يجرؤ أن يستعبد أخاه المسلم أو غير المسلم؟  وقياسًا على ما سبق، فهل يأتي يوم يتخلى فيه مسلمو اليوم أو مسلمو المستقبل عن الجهاد بالسيف ضد أخوانهم في الإسلام (كما يفعل اليوم للأسف الشديد في الصومال والسودان وسوريا والعراق وأفغانستان وليبيا، مسلمون يجاهدون ضد بعضهم بعضًا)، أو ضد أخوانهم في المسيحية أو اليهودية، وقد ارتضى الله للمسلم زوجة كتابية وأمّا محتملة لأولاده المسلمين؟ فهل يحارب الابن أمه الكافرة أو خاله الكافر أو جده من أمه الكافر؟ وهل يشن مسلمو اليوم أو مسلمو المستقبل حربا على أوروبا وفيها 100 مليون أوروبي مسلم؟ وفي هذه الحالة الهجومية، ماذا سيفعل الـ100 مليون أوروبي مسلم؟ هل سينحازون لدينهم الذي سينجّيهم في الآخرة أم سينحازون لوطنهم الأوروبي الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ومنح اللجوء السياسي دون تمييز ديني لكل النشطاء السياسيين الإسلاميين المطرودين ظلما وقهرا من ديار الإسلام؟ أما قتال المحتلين والمعتدين فهو مقاومة مسلحة مشروعة في كل الشرائع السماوية والأرضية بغض النظر عن دين المعتدِي أو دين المعتدَى عليه.

خاتمة: هل سينقرضُ يومًا مفهومُ الجهادِ الأصغرِ كما انقرض من قبله الخراج والجزية والعبودية والحُبس والزواج بأربعة وما ملكت أيمانكم. "ما يبقى في الواد كان حَجْرُو"، أي ما يبقى في الإسلام إلا أعمدته الخمسة والجهاد ضد النفس والإيمان والتقوى والعدل والإحسان والمساواة والسلام والرحمة ونكران الذات وحرية المعتقد والحب وبالوالدين إحسانًا... والله أعلم.

إمضائي: لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 23 جويلية 2014.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire