mardi 29 mai 2018


سبعة اقتراحات قد تردّ الاعتبار لمدرستنا العمومية وتنقذها من الاندثار؟ مواطن العالَم

1.     أدعو إلى تصالح النخبة التونسبة المغرّبة
(L`Élite occidentalisée)
مع الهُوية  الأمازيغية-العربية-الإسلامية والاعتزاز بحضارة أهلها الأصلية، وما نهضت الدول الآسيوية إلا بالتصالح مع ثقافتها المحلية (ماليزيا، أندونيسيا، سنغفورة، إلخ.)

2.     أدعو إلى إنشاء ”مَلفّ متابعة النمو الذهني للتلميذ“، مَلفٌّ مفقودٌ اليوم في جميع مؤسساتنا التربوية الإعدادية والثانوية، لكنه مقترحٌ في مشروع الإصلاح التربوي.

3.     أدعو إلى إعادة الاعتبار للتجارب العلمية أو المحاكاة بواسطة الحاسوب التي يقومُ بها التلامذة وليس المدرّس داخل القسم
(Les travaux Pratiques en classe, la simulation ou l`EXAO)

4.     أدعو إلى إعادة الاعتبار للتعليم المهني مثلما فعلت ألمانيا حيث يُوَجَّه 70% من مجموع تلامذة الأساسي للمعاهد المهنية.

5.     أدعو إلى إعادة الاعتبار للعلاقة الودّية بين المدرّس وتلميذه: يصعب على أي تلميذٍ أن يتعلم من مدرّس لا يحبه ولا يحترمه، لذلك يجب أن نُحْيِي القِيَمَ التاليةَ:

-         إرساء علاقة واضحة، مباشرة ودون أقنعة بين المدرّس وتلميذه.
-         يجب احترام الذات المستقلة للتلميذ من قِبل المدرّس، يجب تَجنُّب تسليط  الأحكام المسبقة عليه، ويجب السماح له بالتعبير على وجهة نظره في أي موضوع يُطرح داخل قاعة الدرس حتى ولو كانت خاطئة، فالخطأ هو محرّكُ القسمِ.
-         يجب على المدرّس أن يتموضع ذهنيًّا مكان التلميذ حتى يتمكن من معرفة حاجات هذا الأخير وتحديد قدراته.
-         لكن في الوقت نفسه يجب أن لا ننسى أن الطفل يحتاج إلى سلطة البالغ الراشد، وأي تقصير في دور هذا الأخير يُعتبَر إهمالاً، حزمٌ دون صلابةٍ.
-         حديث: "عَلِّمُوا الأطفالَ وهم يلعبون".
-         فوكو: "يجب جعل المعرفة لطيفة، سارّة وممتعة. لا أفهم لماذا تصرّ مجتمعاتنا على جعلها حزينة، متعبة ومقرفة".
-         روسّو: "رغّبوا الطفل في التعلّم وسترون أن كل الطرق ناجعة ومجدية".
-         فيزيولوجيا المخ: تَوْلِيدُ المتعةِ لدى التلميذِ في القسمِ تحثّ مخَّه على إفرازِ هرموناتٍ قد تُحفّزهُ على تقبّلِ التدريبِ والتعلمِ بصفةٍ أنجعَ وأسرعَ.

6.     أدعو إلى إعادة الاعتبار لتنمية مَلكة الحفظ لدى الصغار:  تحفيظ القرآن للأطفال دون تفسير أو الشعر الفصيح دون شرح هو بمثابة حمام لغوي، يستوعبون التركيب الجميل والنطق السليم في مرحلة الاستيعاب ولو دون فهم (بين 3 و6 سنوات)، زادٌ لغويٌّ ثمينٌ قد يُعِينُهم على الفهمِ في مرحلة الاستيعابِ والفهمِ في آن (بعد 6 سنوات).

7.     أدعو إلى احترام القيمة الاعتبارية للمدرّس داخل المدرسة وخارجها ، وذلك من أجل مصلحة التلميذ قبل مصلحة المدرّس.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 29 ماي 2018.




dimanche 27 mai 2018

بطلٌ نقابيٌّ على قدرٍ كبيرٍ من النزاهةِ.. لم يجلسْ يومًا حول طاولةِ الصفقاتِ المشبوهةِ. مواطن العالَم



لم ينجح في اختصار مشقة الحياة على عكس بعض رفاقه الحزبيين والنقابيين الذين خلقوا بينهم وبينه فوارق طبقية في حزب واتحاد يناضلان الاثنان من أجل إلغاء الطبقية أو التخفيفِ منها. كان بإمكانه أن يفعل مثلهم، ولم يفعل. انتهازيتهم لم تعمّق فيه الشعور بالخيبة، بل على العكس، حثته على الصمود والتحدي، تحدي النفس، ثم مواصلة النضال والمضي في نفس الطريق الذي رسموه جماعة لأنفسهم بشهادة "الطبيب"، مؤسس حزبهم،  عندما كانوا مثله رجال!قسوةُ أبيه عليه في طفولته أصبحت مضربًا للأمثال، ودخلت في تراث مسقط رأسه، وهو لا يعلق على تلك الفترة إلا بعبارة واحدة، وبَسمة رضا تعلو محيّاه الجذّاب، "كان يعلّمني الشجاعة".
في الجنوب، امتهن "المرمّة" وهو تلميذ، ثم هاجر من الريف للعاصمة دون سبب واضح، حيث تقلّب بين المواظبة على الدراسة والانقطاع عنها، وأخيرًا رمت به الأقدارُ معلمًا في الشمال الغربي، أين أحَبَّ بعنف وتزوّج بسرعة. أخذ معه عائلته الجنوبية، لم تتأقلم، روّحت.
لم ينعم بشبابه كثيرًا، هبّت عليه ريح 17 فحوّلته من مُتَعِيٍّ (hédoniste) إلى ملتزِمٍ، "ما أقصر العمرَ حتى نضيّعه في النضال". دخل الحزب السري كما دخل طارق الأندلس، أحرق مراكبه، كلها، بعد نصف قرن لم يرجع، ولو عاش نصفًا آخرَ فعن مبادئه لن يتراجع. لا يشبه ملتزِمِي عصره، بشوشٌ لطيفٌ ظريفٌ، كل من جالسه مرة، رغب في مجالسته مرات. خَدَمَ الناسَ وأسعدَهم، لم يَخدمه الدهرُ ولم يُسعدْه. غريبٌ عن وطنه حبًّا في وطنٍ أفضل، غريبٌ في موطنه ط. جُحودًا من أهل موطنه ط. بطلٌ ملحميٌّ، صمد في العهود الثلاثة، البورڤيبي، البنعلي، البوعزيزي، وكالجبل لم يَنِخْ. أحِبه، أختلف معه، أحترمه، غير بعيدٍ عني لكن لا تمرّ لحظة إلا وأشتاق إليه.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 26 ماي 2018.


هذا الفارس المترجّل مؤقّتًا إن شاء الله، الذي أصبح ينافس الفلاسفة في احتلال كياني.. مَن هو؟ مواطن العالَم



هذا الأب الذي قال لابنته عندما زارته مؤخّراً: "يا أحلى لحظة في حياتي!".
هو الأب الذي انتظر غياب ابنه تسع سنوات، وعندما رجع، فتح له البابْ، ضمّه بشوقٍ، غمره أدْمُعًا، ولم يسأله لماذا كل هذا الغيابْ.
هذا الأخ الكبير للكل الذي لم يفرض يوماً سلطته الأدبية على مَن حواليه، توارَى مبارِكًا صعودهم.
هذا الأصيل  الذي قال في بداية "تجربة جمنة": "جمنة تنتشر". صدقت نبوءته، وانتشرت في العالَم أجمع.
هذا النقابي الذي لم يرضخ لإغراءات المسؤولية النقابية، كعضوٍ في الجهوية ورئيسٍ في المحلية، مارسها بتفانٍ وخرج منها كما دخلها موظفًا فقيرًا نظيفا.
هذا الرفيق الذي لم يتزحزح عن قناعاته رغم إلحاحي حبّاً له وخوفاً عليه من دود الأرض في سنين الجمر.
هو المدرّس الذي لم يَعرِض علمه للبيع خارج المدرسة رغم حاجته الماسة للمال.
هذا المواطن المسالم الأعزل.
وهو الذي كان يغادر الاجتماع الحزبي السري مع "الطبيب"، غير متأكّدٍ من أنه سيصل إلى بيته سالمًا، وسيفلت هذه المرة أيضًا من مراقبة عيون بورڤيبة الحديدية التي ترى في الظلام.
وهو الذي خبّأ انتماءه السرّي على كل الناس حتى على أخيه حرصاً على سلامة رفاقه.
هذا الرجل الذي أمنيتُه أن يكون الوطن بخير.
هذه الهامةُ التي ما انحنت يوماً طلباً لحاجةٍ مادّية شخصيّة. إنه هو.

ملاحظة: للأمانة العلمية، نص مستوحَى من رواية أحلام مستغانم، فوضى الحواس، دار الآداب، بيروت، الطبعة الخامسة عشرة، 2005، ص. 298.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 27 ماي 2018.


mardi 22 mai 2018

الدين ليس مسألةً فرديةً كما يعتقدُ العلمانيونَ (علماني وأنا كنتُ من رأيهم)، الدينُ اجتماعيٌّ أو لا يكونَ! فكرة فيلسوف حمام الشط، الماركسي حبيب بن حميدة، تأثيث مواطن العالَم، يساري غير ماركسي، والجليس نهضاوي، علي ضِيفَلِّي، جليسنا اليومي في الطاولة الثقافية في المقهى


يعتقد العلمانيون عمومًا والماركسيون خصيصًا بأن الدينَ مسألةٌ فرديةٌ، وهو في الواقع مسألةٌ تهم المجتمع أكثر من الفرد، وأخص بالذكر الدين الإسلامي، ديننا في تونس: كل طقوسِ أركانه الخمسة تؤدَّى جماعيًّا، وقد تفقد معناها الديني لو أجبِر المسلم على تأديتها فرديًّا كما قد يقع أحيانًا لمسلمٍ مغتربٍ معزولٍ. ويبدو لي أن هذا الاعتقاد الخاطئ والسائد لدى جل الماركسيين التونسيين هو الحبلُ الذي قيّدوا به أنفسهم وبأيديهم، مما أدّى إلى تقوقعهم وانحسارهم داخل المجتمع التونسي، والشعبُ من فشلهم الاجتماعي، الثقافي والسياسي، براءٌ!  

الدعوةُ اللائكيةُ (نسبة إلى فرنسا) لنفي البُعد الاجتماعي للدين وإقصائه من الفضاءات العامة لا تعدو أن تكون إلا دعوةً غير مباشرة، وقد تكون غير مقصودة، لاستئصاله من المجتمع، وما صَمَدَ الدين قرنَين ضد الغزو الثقافي الفرنسي إلا بفضل بُعده الاجتماعي. لذلك نرى المجتمع متشدّدًا دينيًّا أكثر من الفرد، ونراه قد يغفر الأخطاء الفردية المخالفة للشرع والأخطر على المجتمع (الرشوة، الربا، الاحتكار، الزنا، الشطط في الأسعار، إلخ) ولا يتسامح مع الأخطاء التي تُرتكب في  الفضاءات العامة رغم أنها أقل ضررًا على المجتمع (الإفطار العلني في رمضان، اللباس الأفرنجي، المايو في الشط، إلخ).

لماذا بقيتُ أنا علمانيًّا إذن؟ بقيتُ علمانيًّا (Sécularisation) على الطريقة الأنغلوساكسونية (أمريكا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، الدول الأسكندنافية)، ولست علمانيًّا على الطريقة الفرنسية المعادية للدين والنافية لدور الدين الروحاني الإيجابي في المجتمع (La laïcité)، أي لستُ لائكيًّا خلافًا لجل العلمانيين التونسيين، ماركسيين، يساريين غير ماركسيين وليبراليين. بقيتُ علمانيًّا لأنني أؤمن بالفصل بين الدين والسياسة خلافًا لكل الإسلاميين. السياسة تدخل في مجال العقل، ولا شيء أفضل من العقل لسياسة الناس وتنظيم شؤونهم الدنيوية، أما الدين فهو يتجاوز مدارك العقل، هو مجال المعجزات، تؤمن بها أو لا تؤمن، لا مكان لمنطقة رمادية بين الأبيض والأسود أو لمنزلة بين المنزلتين. والسياسة ترعاها أحزابٌ تتنافس فيما بينها من أجل الوصول إلى السلطة والهيمنة على باقي الأحزاب الأخرى حتى في الأنظمة الديمقراطية، أما الدين فهو خنوع وتسليم لمشيئة الله والرضا بقدره، حلوه ومره.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". حديث يمكن تطبيقه في الدين، لكن يبدو لي أنه من المستحيل تطبيقه على الأحزاب السياسية: فهل يجوز أن نطلب من حزب الجبهة الشعبية أن يحب لأخيه في السياسة حزب النهضة ما يحب لنفسه؟ وفي المقابل، هل يجوز أن نطلب من حزب النهضة أن يحب لأخيه في السياسة حزب الجبهة الشعبية ما يحب لنفسه؟ حزبان متنافسان متصارعان وسيبقيان كذلك ما بقيت الديمقراطية، سُنّة السياسة في المجتمع.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 23 ماي 2018.


lundi 21 mai 2018

أنا ضد التنمية مذ أصبحت لفائدة بعضنا فقط ! مواطن العالَم



ماذا جنينا نحن العرب من التنمية الرأسمالية الغربية؟ لم نجن منها سوى الهيمنة على شكل استعمار مباشر وغير مباشر، مباشر في فلسطين وغير مباشر في باقي الدول العربية!
ماذا جنت منها البيئة؟ تلوّثًا شمل الغذاء والهواء والأرض والبحر!
ماذا جنى منها العالَم؟ حربًا عالمية أولى وثانية، مات فيهما ما يقارب المائة مليون نسمة!
ماذا جنينا من التطور العلمي الجيني؟ بذورًا هجينة تحتكر بيعها بعض المخابر (Les graines génétiquement modifiées)! أما العلاج الجيني  فما زال يتعثّر (La thérapie génique).
ماذا جنينا من التطور التكنولوجي؟ قنابل نووية وأسلحة أخرى أشد فتكًا في الحروب الكلاسيكية المتعددة!

في المقابل، جنينا منها تطوّرًا في الطب، لا يستفيد منه على أحسن وجه إلا الأغنياء، وهؤلاء لا يمثلون إلا واحدًا بالمائة من سكان العالَم!
تطوّرًا في الاستهلاك لم يزدنا إلا أمراضًا مزمنة ومستعصية كالسرطان والسكري وأمراض القلب والشرايين!
تطوّرًا في الخدمات جعل منًّا رهائن لدى البنوك!
تطوّرًا في الاتصال أفقدنا استقلالنا وخصوصياتنا!
تطوّرًا في التعليم، تعليمٌ معلّبٌ خالٍ من القيم التضامنية!

خاتمة: أنا لا أطمح لتنمية تشيّد المصانع وتُعلِي البنيان وفي نفس الوقت تقتل الرحمة في قلب الإنسان. أنا لا أطمح لتنمية تضحّي بمستقبل الأجيال القادمة إرضاءً لأنانية الأجيال المعاصرة. أنا لا أطمح لتنمية تهدم الإنسانية في الإنسان وتنزّله منزلة أقل من الحيوان. أنا لا أطمح لتنمية تزيدني عمرًا 
(L`espérance de vie pour les deux sexes en Tunisie: 76 ans)
وتأخذ من عمر جاري الإنسان في أغلب البلدان الإفريقية (50-60 ans).

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الثلاثاء 22 ماي 2018.

dimanche 20 mai 2018

منذ القرن التاسع عشر، قالوا سننهض. مرّ قرن ونصف ولم ننهض! لماذا؟ مواطن العالَم



قالوا لو تحرّرنا من رِبقة الاستعمار، سننهض. تحررنا وللأسف لم ننهض!
قالوا لو أسسنا جمهورية قومية (Etat-Nation) مكان الملوكية، سننهض. أسسناها وللأسف لم ننهض!
قالوا لو حرّرنا المرأة، سننهض. حرّرناها وللأسف لم ننهض!
قالوا لو تعلّمنا علوم الغرب، سننهض. تعلّمناها وللأسف لم ننهض!
قالوا لو اعتمدنا الاشتراكية، سننهض. اعتمدناها وللأسف لم ننهض!
قالوا لو انفتحنا على اقتصاد السوق، سننهض. انفتحنا وللأسف لم ننهض!
قالوا لو طبّعنا مع إسرائيل، سننهض. طبّعنا وللأسف لم ننهض!
قالوا لو قمنا بثورة، سننهض. ثرنا وللأسف لم ننهض!
قالوا لو تبنّينا الديمقراطية، سننهض. تبنّيناها وللأسف لم ننهض!
قالوا لو أجرينا انتخابات نزيهة وشفّافة، سننهض. أجريناها وللأسف لم ننهض!
قالوا لو رجعنا إلى ديننا، سننهض. رجعنا وللأسف لم ننهض!

قلتُ لن تنهضوا ما لم تتصالحوا مع الفلسفة الإغريقية كما تصالح أسلافكم ونهضوا في القرن الثالث للهجرة، تتصالحوا معها ومع الأنتروبولوجيا والإبستمولوجيا، وتحكّموها جميعًا في كل صغيرةٍ وكبيرةٍ من شؤونكم الخاصة والعامة، الدنوية منها وحتى الدينية، فالفلسفة ليست علمًا جافًّا ولها ما تقول الكثير في الميتافيزيقا والأساطير. هذه الفلسفة التي طلّقتموها منذ ثمانية قرون أي منذ أن أحرقتم بأيديكم كتبَ ابن رشد (كان فيلسوفًا إغريقيًّا عربيًّا مسلمًا وعالِمًا بالدين). لن تنهضوا ما لم تتكوّن منكم وفيكم طبقة عقلانية مستنيرة تولَد من رحمكم، وكل الأرحام - على حد علمي - حُبلى بالأمل وولاّدة للمفاجآت السارّة، طبقةٌ تقودكم نحو مستقبلٍ - إن شاء الله وشئتم - أفضل، أفضل بالإيمانِ والعقلِ والعلمِ والعملِ!
إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الاثنين 21 ماي 2018.


مَن لا يحدّدُ عدوَّه لن ينتصرَ عليه! مواطن العالَم



الصهاينة اليهود وحلفاؤهم حدّدوا أعداءَهم بدقةٍ متناهيةٍ (هُمُ المسلمون العرب أولاً والمسلمون العجم ثانية)، حدّدوه خمسين عامًا قبل تأسيس دولتهم (نجح المؤتمر الصهيوني التأسيسي الأول، بمدينة بازل بسويسرا يوم 29 أوت 1897، في تشكيل المنظمة الصهيونية العالمية بقيادة تيودور هرتزل).

أنشِئ الجيش الإسرائيلي الهجومي وجُهِّزَ أفضل تجهيزٍ، بالسلاح الكلاسيكي والسلاح النووي، من قِبل أمريكا والصين وأوروبا الغربية والشرقية، لا من أجل محاربة الفلسطينيين والدول العربية المجاورة فقط، بل من أجل مهمةٍ أكبرَ وأخطرَ ألا وهي قبرُ كل محاولة نهضوية عسكرية جادّة في العالَم العربي وفي العالم الإسلامي خاصة إذا كان هذا الأخير حقًّا يهددها، والأمثلة كثيرة (مصر، العراق، حزب الله، سوريا، وإيران في الأفق). ولا زال الغرب إلى اليوم يسمّيه جيش الدفاع، ومَن تجرّأ حتى الآن على الهجوم عليه، إذا استثنينا محاولة الجيش المصري الناجحة-الفاشلة في 73 وعلى أرضها سيناء، فمصر كانت في حالة دفاع وليست في حالة هجوم.

ولتحقيق حلمهم المجنون، وَظَّفَ اليهود الصهاينة كل أسلحتهم المتباينة شكلاً والمتحدة مضمونًا في خدمة مشروعهم العنصري الاستيطاني: وظفوا وفي نفس الوقت الإلحاد والعلمانية والدين والاشتراكية والرأسمالية والليبرالية والعلم والتكنولوجيا العسكرية والهولوكوست. مفاهيم مختلفة ومتنازِعة في العالم أجمع إلا عند اليهود الصهاينة الذين نجحوا بذكاء في الاستفادة من تناقضاتها في سبيل خدمة هدف واحد موحّد ألا وهو تأسيس دولة على أرضٍ لم يملكوها وحدهم يومًا واحدًا في تاريخ للشعوب والملل والنحل، القديم والحديث.

قبل اتفاقية أوسلو سيئة الذكر، كانت حكومة إسرائيل تَتهِمُ بالخيانة العظمى كل مواطن إسرائيلي يتصل مجرد اتصال بصفة مباشرة أو غير مباشرة بأي مسؤول في منظمة التحرير الفلسطينية داخل الكيان المشبوه أو خارجه: إصرارٌ وشراسةٌ وتطرّفٌ في شيطنة كل تطبيعٍ مع عدوّهم الفلسطيني المباشر.

وما ذا يقابلها عند العرب والمسلمين: للأسف، يقابلها اعتدالٌ وانهزاميةٌ وليونةٌ حيالَ كل تطبيعٍ مع العدوّ الإسرائيلي. عدم وضوح في الرؤيا وصل بنا إلى حد اعتبار شطحات أردوڤان بطولةً ما بعدها بطولة: تركيا تقيم علاقات ديبلوماسية واقتصادية مع إسرائيل (سفارة وقنصليات وتبادل زيارات) وتنظم معها مناورات عسكرية وتصدّر لها الماء الذي تمنعه على جيرانها العرب.
-         شيوعيونا قديمًا طبّعوا باسم وحدة العمّال واقتداءً بموقف زعيمهم المفدّى جوزيف ستالين الذي ساند في آخر لحظة قرار الأمم المتحدة القاضي بتقسيم فلسطين، القرار المؤسس لدولة إسرائيل على أرض الفلسطينيين.
-         قوميونا طبّعوا باسم المحافظة على كياناتهم الدكتاتورية الهشة المتخفّية بشعارات الممانعة والصمود والتصدي.
-         إسلاميونا طبّعوا باسم للضرورة أحكام.
-         علماؤنا طبّعوا باسم حيادية العلم.
-         مفكرونا طبّعوا باسم عالمية الثقافة.
-         رأسماليونا طبّعوا باسم المنفعية.
-         فنانونا طبّعوا باسم سموّ الفن على الواقع.
-         مجلسنا التأسيسي "الثوري" طبّع باسم عدم أحقية تجريم التطبيع في الدستور.
-         ماذا بقي؟ السلطة الفلسطينية طبّعت باسم المفاوضات.

خاتمة: لم أقرأ في حياتي عن عدوٍّ بشريٍّ نجح في ترويضِ عدوِّه مثلما نجح العدوُّ الإسرائيلي في تدجينِ أعدائه العرب والمسلمين. لم أرَ مثل هذا النجاح إلا عند الفيروسات: الفيروس يخترق عدوّتَه الخلية، يندمج في آدِآنِها (ADN)، يغالطها فتصبح الخلية مصنعًا يصنّع عدوّها (الفيروس) بالملايين. كذلك فعل العدوّ الإسرائيلي مع مصر وتركيا ودول الخليج: الأولى تمدّه بالغاز، الثانية بالماء، والثالثة بالمال عبر أمريكا.
أيوجد ذكاءٌ أخبثُ من هذا الذكاءِ الإسرائيليِّ؟
     أيوجد غباءٌ أبهمُ من هذا الغباءِ الحكوميِّ العربيِّ-الإسلاميِّ؟

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 20 ماي 2018.


samedi 19 mai 2018

في النهاية لا يمكن حتى أن أعتب على أشباه الإعلاميين، سامي ونوفل وعلاء وعبد الرزاق وأمين، على ما يقدّمونه من تفاهة ورداءة في برامجهم الأكثر مشاهدةً في التلفزة! مواطن العالَم



ماذا يمكن أن يقدّمَ برنامجٌ علميٌّ أو ثقافيٌّ أو فكريٌّ أو فنيٌّ من متعةٍ أو ترفيهٍ للمواطن التونسي الذي يعيش على وشك الانفجار، بل الانتحار من مرارة الانتظار، ولا وقت له للتأمّل أو التذوّق، والذي يفضّل على ذلك البرامج الرديئة التافهة، حيث يمكن أن يفوز في لعبة قمار بنصف مليار أو بعمرة إلى أقدس الديار، يمكن له أيضًا أن يحلم، يتمنى، يرقص، يصرخ ومع الكمبارس يغني، منفقًا على "الآس آم آس" وعلى مهرجانات تلك الأغاني الشعبية المشبوهة (الرَّابْ والرِّيڤِي وما شابهما)، ما تبقّى في جيبه من دينارات، وما تراكم في مخه من عُقَدٍ نفسية وفي جسده من حرمانٍ جنسيٍّ؟
تلك "الثروة" الوحيدة التي يملكها شبابنا حقًّا، والتي لا يجد لها مجالاً للإنفاق غير مجالِ الرداءةِ والتفاهةِ.

للأسف الشديد يبدو أن الخُماسِيَ الشَّرِهَ المَرِحَ قد فهم شعبنا أكثر من عقلائنا، نجح نسبيًّا ووقتيًّا في خلق قاعدة شعبيّة غوغائيّة من المتابعين لبرامجه متدنيّة الذوق. وكأنه قال للمبدع بمزاحٍ لا يخلو من الجد، على لسان أحلام مستغانم: "أتدري أنك مغرورٌ؟ أجبته: أنا مغرورٌ لكي لا أكون ’’محقورًا’’ فنحن لا نملكُ الخيارَ يا صاحبي. إننا ننتمي إلى أمّةٍ لا تحترمُ مُبدِعِيها وإذا فقدنا غرورَنا وكبرياءَنا، ستدوسُنا أقدامُ الأمّيّينَ والجهلةِ! (...) فالذي يجلس أمام مساحةٍ بيضاءَ للخلقِ، لا بدّ أن يكون إلهاً أو عليه أن يغيّرَ مهنتَه".

ملاحظة: للأمانة العلمية، مقال مستوحَى من رواية أحلام مستغانم، ذاكرة الجسد، دار الآداب، بيروت، الطبعة الثلاثون، 2013، ص. 180.

 إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 20 ماي 2018.