dimanche 28 février 2021

يبدو أنّ مهنة الأستاذ المباشر في القسم تسير في طريق الانقراض ! مواطن العالَم والديداكتيك

 


يبدو لي أنّ الأستاذ المباشر (الأستاذ الذي يحضر في القسم ويباشر التدريس لتلامذة حاضرين معه)، هو أستاذ ينفّذ سياسة تربويّة لم يشارك هو في إعدادها، ويبدو لي أيضا أنّه يتعرّض يوميّا لمشاكل عديدة منها على سبيل الذكر لا الحصر : كثافة البرنامج وضيق الوقت المخصّص لإنجازه واكتظاظ القسم وعدم انضباط تلامذته ونقص وسائل الإيضاح التعلمية. لذلك ما زال هذا الأستاذ يستعمل السبّورة العاديّة ويكتب بالطباشير ومازال يمتثل لتوجيهات متفقّد مجاز مثله ولا يتميّز عنه بأيّ شهادة جامعيّة في المجالات الأخرى مثل علوم التربية والإبستمولوجيا وعلم نفس الطفل وعلم التقييم وآليات التواصل (أستثني المتفقدين المتخرّجين الجدد). لذلك آليت على نفسي أن ألفت نظر زملائي وأنا أستاذ مباشر مثلهم منذ سبع وثلاثين سنة إلى بروز منافس خطير على السّاحة التربويّة يُدعى الأستاذ غير المباشر (الأستاذ الذي يمارس التدريس عن بُعد عن طريق الأنترنات أو عن طريق الرسائل الرقميّة).  يمتاز هذا الأخير عن الأوّل بأشياء أساسيّة في الحياة ما فتئ الأستاذ المباشر يناضل من أجل تحقيقها: التكوين الأكاديمي في المجالات المشار إليها أعلاه والحرّية في اتخاذ القرار والأجر المشجّع على الخلق والدعم المادّي وتوفير التجهيزات لتأدية رسالته وفق الطرق التربويّة العصريّة.

 

بعد هذا التمهيد القصير, سأحاول تقديم مقارنة بين الأستاذ المباشر والأستاذ غير المباشر:

الأستاذ المباشر

-         يحبّ ويكره ويكلّ ويملّ ويغضب وفي بعض الأحيان يخرج عن موضوع الدرس حتّى يروّح عن نفسه وعن تلامذته. وفي حالات نادرة قد يعشق الأستاذ تلميذته أو طالبته ويتزوجها على سُنّة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى حد علمي، لم يحصل أبدا الشيء نفسه مع أستاذة وتلميذها.

-         يختصّ في مادّة معيّنة فقط ولا يلمّ في جل الأحيان بكل معارفها.

-         يقدّم للتلميذ بعض وسائل الإيضاح التعلمية القديمة.

-         يقوم بالتجارب عوضا عن التلميذ لنقص في التجهيزات.

-         ينفّذ سياسة تربويّة واحدة ويرتبط ببرنامج سنوي موحّد.

-         لم يدرس أكاديميّا علوم التربية ولا علم نفس الطفل ولا الابستومولوجيا ولا علم التقييم.

-         يعتمد في القسم على نفسه فقط.

-         لا يجد عادة الوقت لإنجاز التمارين التطبيقيّة.

-         يوفّر للتلميذ وضعيّة تعلّميّة مباشرة فيها تفاعل مع أقران قارّين ومفروضين عليه.

-         يدرّس في القسم بمرتّب زهيد.

-         التلميذ لا يتمتع بحرية اختيار أستاذه المباشر بل يُفرض عليه.

 

الأستاذ غير المباشر أو الأستاذ الافتراضي المتواجد في الأنترنات أو الجاهز في الأقراص المضغوطة

-         يقدَر على إعادة الدرس ألف مرّة إن شاء المتلقّي. يحترم ويشجّع ولا يكره ولا يغضب ولا يُقصي التلميذَ من القسم.

-         يُتقن كلّ الاختصاصات لأنه يوفر عدة أساتذة مختلفين في اختصاصاتهم يقومون بإعداد الدرس المعروض في الأنترنات.

-         يعرض صورا رائعة ومتحرّكة ذات ثلاثة أبعاد.

-         التلميذ يقوم بنفسه بالتجارب الافتراضية.

-         يختار التلميذ برنامجا يتناغم مع قدراته ومستواه الذهني ونسقه الشخصي في التعلم والفهم.

-         يعدّ الأسئلة عن دراية وبدقّة مختص في علم التقييم.

-         يستطيع التلميذ أن يستشير عدّة أساتذة افتراضيين.

-         ينجز التلميذ تمارين فرديّة وتفاعليّة كما يشاء ومتى يشاء لا كما يشاء أستاذُه.

-         يوفّر للتلميذ تفاعلا افتراضيّا مع أقران من اختياره يستطيع تغييرهم حسب الوضعيّة.

-         جاهزٌ دومًا  تحت الطلب في كل زمان ومكان دون مقابل.

-         يختار التلميذ أستاذه الإفتراضي حسب حاجته وذوقه الجمالي أيضا.

 

بعد هذا العرض السريع وغير الشامل لمزايا التعليم غير المباشر, أسوق لكم على سبيل الذكر لا الحصر أمثلة منه في تونس:

-         أوجدت وزارة التربية جامعة افتراضيّة في موقع على الأنترنات. جامعة تونس الافتراضية (كانت تسمى سابقا المعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمر بباردو) تُقدّم "تعليما عن بعد" قد تفوق نجاعتُه بكثير "التعليم المباشر" في الجامعات الأخرى. يمتاز هذا المعهد بانضباط طلبته من أساتذة ثانوي ومعلّمين وينفرد بقلّة عدد الحاضرين في الحصص المباشرة مع الأستاذ المحاضر (في مدرّجات الجامعات الأخرى قد يحضرها المئات من الطلبة)، وهذا ممّا يزيد التعلّم جودة وفائدة. يختار المعهد أفضل الأساتذة من الجامعات التونسيّة والفرنسيّة. يختار الطالب فيه نسقَ تعلّمه بنفسه حسب قدراته وتفرّغه، مثلا ثلاث وحدات تعليمية كل ستة أشهر عوض خمسة. من شروط النجاح في هذا المعهد، التحصّل على معدّل عشرة في كل وحدة تعليمية (Unité de valeur)  يدرسها الطالب ولا أهمية للمعدّل العام ممّا يجبر المتلقّي على عدم إهمال أيّ مادة فيتخرّج مُلِمّا بجميع فروع اختصاصه. ينظّم المعهد إقامات مغلقة (séjours bloqués)  للقيام بالأشغال التطبيقيّة لصالح طلبة العلوم التجريبيّة. ونتيجة سوء تخطيط وزارة التعليم العالي لا يتمتّع هذا المعهد بميزانيّة محترمة ولا بدعاية كافية رغم الخدمات الجليلة التي يقدّمها للتعليم بجميع مراحله في تونس من بنردان إلى بنزرت.

قبل سنة 2000 ساعَدَ هذا المعهد "الأساتذة-الطلبة" المنتسبين إليه على الإرتقاء المهني عن طريق التحصيل العلمي وليس عن طريق الأقدميّة في الرتبة المتوفر لجميع الأساتذة. كان أستاذ التعليم الثانوي أو التقني يرتقي مباشرة إلى رتبة أستاذ أوّل فور حصوله على ديبلوم الدّراسات المعمّقة (DEA )، وهذا الإجراء ساهم في تحفيز الأساتذة على اكتساب العلم والمعرفة. حوالي سنة 2000, فرّطت في هذا المكسب نقابتُنا العامة للثانوي الموقّرة السّابقة واتّفقت مع وزارة التربية  على شرط قضاء سبع سنوات كاملة في الرتبة الواحدة قبل الإرتقاء إلى ما هو أعلى منها حتّى لو تحصّل الأستاذ القديم على شهادة الدكتورا. في الاتفاق الجديد, تمسّكت الوزارة، بموافقة النقابة، بالارتقاء المهني على أساس الأقدميّة في الرتبة مع تنفيل الشهادة العلميّةُ (DEA) بثلاث نقاط فقط والدكتورا بخمس عشرة نقطة.

-         نظام "التعليم عن بعد" بدأ قبل اكتشاف الحاسوب وتطوّر بعد عصر الأنترنات فأصبح يضاهي تقريبا نظام التعليم المباشر. وأنا من خرّيجي النظامين, 15 عام تعليم مباشر و11 عام تعليم مختلط، مباشر وعن بعد.

-         يتابع مئات الملايين من طلبة المرحلة الثالثة (في كل الاختصاصات وفي كل البلدان من العالم المتطوّر إلى العالم الثالث)  تكوينهم عن طريق الأنترنات ولا يقابلون مؤطّريهم مباشرة إلاُ في مواعيد قليلة ورغم ذلك يبدعون كلّ في مجاله.

 

رسالة طمأنة أوجهها إلى زملائي المباشرين:

 فليطمئنّ زملائي المباشرين إلى أن وظيفتهم التربوية لن تنقرض أبدا مع التعليم عن بُعد ؟ لا بل  على العكس, سيُخلّدون كمُبرمِجي الذكاء الصناعي  للحاسوب وكركن أساسي من أركان المعرفة مع الركنين المكمّلين وهما التلميذ والمعرفة،  وسوف تتحسّن صورتهم عند التلميذ ويزيد عطاؤهم ويتخلّصون من مضارّ الطباشير وعبء الاكتظاظ والتنقّل وملاحظات المدير وتوجيهات المتفقّد واحتجاجات الأولياء.

 

خلاصة القول

"التعليم الافتراضي" أو "التعليم عن بعد" نوعان من التعليم غير المباشر يتمتّعان بخاصّيات متعدّدة منها الحضور السّريع  في كل مكان وزمان  والتأقلم مع القدرات الذهنيّة المختلفة لدى المتعلّمين، أي البيداغوجيا الفارقية (La pédagogie différenciée) لذلك نجحا وانتشرا بسرعة في كل أنحاء العالم.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 98-103).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

 

samedi 27 février 2021

أحداثٌ طريفة لم أنسها، حدثت أثناء ممارستي لمهنة التدريس ؟ مواطن العالَم والديداكتيك

 


 

أحداثٌ وَقعت لِي ولبعض زملائي أثناء ممارستنا لمهنة التدريس، ندمتُ على بعضها وأعتزُّ بـبعضها واستغربتُ من بعضها:

1.    في معهد بومهل عام 1990، التحق بقسمي سابعة أساسي تلميذٌ متأخرٌ بعد شهرين. سألته لماذا تأخرتَ ؟ قال: رُفِتتُ من معهدي السابق. قلتُ: ما السبب ؟ قال: ضربتني أستاذتي الجميلة بكفها على خدّي فقلت لها "كفٌّ من يديك كالعسل". ضحكتُ في قلبي ورحّبتُ به في حصتي.

2.    في معهد برج السدرية في التسعينيات، أخطأتُ في حق  تلميذ و"ضربتُه" بكف صغير على خده وما أقبحه من فعل ! وخاصة الضربَ على الوجه، وهو من أسوأ أنواع الإذلال لأنه قد يعطِّل شغف التلميذ بالعلم وقد يحطم شخصيته والأسوأ من كل ما سبق أنه يصيب التلميذ بجرحٍ نفسي لا يندمل بمرور الزمن، ومَن منّا نسي صفعةً على وجهه تعرّض لها في حياته حتى وإن جاءت من أمه أو أبيه ؟ 

يا تلامذتي السابقون، تعدّدَت أخطائي، وعزائي الوحيد أن تتقبلوا اعتذاري وتصفحوا عن أخطائي وهي ولله الحمد ضئيلة. والله لقد خجِلتُ من التلميذ ومن نفسي ساعتها ولا زلتُ إلى اليوم وبعد التقاعد أخجلُ من الاثنين معًا، ولن يزول خجلي حتى أحاسَبَ وأعاقَبَ على ما اقترفت يدِي اليُمنَى. وبعدها تكررت أخطائي رغم قلتها مقارنة ببعض ما يقترفه زملائي ممن هم أكثر مني تعنيفًا لتلامذتهم. ومن سوء حكمتي وتدبيري، كنتُ أظن وقتها أنني أؤدبه رغم أنني أعرف أن العقاب البدني ممنوع في القانون التربوي منعًا باتًّا. وهل يؤدبُ الطفل بالعنف ؟ لا أظن ! توجدُ ألف طريقة تربوية لتأديبه من غير استعمال العنف، لكن غابت بصيرتي حينها في لحظة غضب وأجرمتُ في حقه والغريب أنني كجُل الأساتذة  أبرّر عجزي التربوي بالقول أن نيتِي حسنة.

لا أعرف كيف اتصل المُعتدَى عليه بأمه فورا وأعلمها بخطيئتي الكبرى. بعد رُبع ساعة تقريبا قرعتْ أمه بابَ القاعة فوجدتها في وجهي تلومني. قدّمت لها اعتذاري دون تردد. قالت: غَلَبْتَنِي وانصرفت. نادرًا جدا ما كنتُ أمارس الضرب رغم أنني كنتُ واعيًا تمام الوعي ومقتنعًا نظريا بعدم جدوى العقاب البدني وكنت أقول لزملائي ناصحًا: تسقط جميع حقوقكم الأدبية إن بادرتم بالاعتداء على أي تلميذ لفظيا أو ماديا وكنتُ ألوم كل زميل يظلم تلميذا ويكتب فيه تقريرا ويحيله على مجلس التأديب. فمَن أولَى بالتأديب في مثل هذه الحالة ؟ التلميذ أم الأستاذ ؟ 

3.    في معهد برج السدرية في التسعينيات، في الحصة الأولى أي حصة التعارف، قام تلميذ وفاجأني قائلا: "أنا أكره مادة العلوم وأستاذ العلوم". لا أعرف كيف نزلتْ عليّ سكينة لم أعهدها فيّ من قبلُ وقلتُ له هادئا: إن شاء الله معي أنا سوف تحب مادة العلوم وأستاذ العلوم. وكان الأمر كما وعدتُ. كبُرَ الشبل وأصبح مهندسًا "أدْ الدنيا" وحيث لاقاني حيّاني.

4.    في معهد غار الدماء في السبعينيات، جاءني تلميذ محتجًّا على تدنِّي أعداده وقال لي بالحرف الواحد: "موسِيو اهْرَدْتني في النُّوتْ". مسكتُ نفسي وقلت في نفسي "كل بلاد ورطالها" لأن كلمة " اهْرَدْتني"، لها مدلولات أخرى ولا نلفظها في مجتمعنا بموطني جمنة.

5.    في معهد غار الدماء في السبعينيات أيضا، وفدتْ علينا زميلة علوم جديدة وأخذت قسم الثالثة ثانوي "أ" (التاسعة أساسي اليوم)، وهو قسمي السابق في السنة ثانية ثانوي "أ". دخلتُ مع الزميلة في أول حصة لها مع هذا القسم ظنا مني أن تلامذتي يحبونني ويصعب عليهم فراقي وظنا مني أيضا أنني أقدم خدمة هامة لزميلتي. قدمتُ زميلتي الجديدة إلى قسمي السابق وعند مغادرتي القاعة فرحًا بما صنعتُ وقبل أن أغلق الباب خارجا، سمعت تلميذا من تلامذتي السابقين يودعني بكل حب قائلاً: "ارْتحْنَا من رَبَّكْ" (أعتذر من قرّائي عن نقل ما قاله التلميذ ولولا الأمانة الأدبية ما نقلتُها). حينها عرفتُ أن التلامذة قد يظهِرون لك  مودة ويبطنون العكس. لم أنسَ ذلك الدرس القاسي من تلميذي القاسي في بداية مهنتي، تعلمتُ من تلميذي الكثير ولو أنه كَسَرَ كبريائي إلى الأبد "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم".

6.    في معهد من المعاهد بالجمهورية التونسية، جاء متفقد علوم ليتفقد الأستاذ "أ" فلم يجده، فتفقد صديقي الراوي الأستاذ "ب". غادر المتفقد المعهد وبعد أسبوع بعث تقرير التفقد باسم الأستاذ "أ" الغائب أثناء زيارته للمعهد وأسند له 14 على 20. احتج صديقي الأستاذ "ب" لدى المتفقد ولدى الإدارة الجهوية ولا حياة لمن تنادي وبقي تقرير التفقد وعدد التفقد باسم الأستاذ "أ" (الذي لم يزره المفقد حينها) إلى يومنا هذا. ونحن نردد ونقول "لا يضيع حق وراءه طالبٌ" ولو حصل كل مطالبٍ في بلادنا على حقه لأصبحنا نرويج إفريقيا.

7.    في معهد من المعاهد بالجمهورية التونسية، أستاذة علوم متدينة أسرّت إلى زميلها وهو صديقي الراوي وقالت: "لن أدرّس تلامذتي وسائل الوقاية من الإصابة بالسيدا". قال لها مستغربًا: لماذا ؟ ردت: "لأن الإصابة بالسيدا هي عقابٌ يسلطه الله على عباده الزناة والشواذ". تعليقي: جمعتْ الأستاذة بين الجهل بالعلم والجهل بالدين: تجهل العلمَ لأن فيروس السيدا قد يصيب إمامًا متعبدًا عند حقنه صدفة أو خطأ بإبرة ملوثة، وقد يولدُ طفل بريء يرث الإصابة من أم مصابة، وقد حدث في فرنسا وتونس الثمانينيات حيث أصِيب عشرات الأطفال الأبرياء بالسيدا أثناء تلقيهم لدم حامل للفيروس عند تلقيهم للتزوّد الدوري بالدم علاجاً لمرض الناعورية (hémophilie)، وتجهل الدينَ أيضًا لأن القرآن يحثُّ على طلب العلم، واللهُ يعاقب العالِمَ الذي يحجب علما قد تكون فيه منفعة للناس. وأي ناس في هذه الحالة ؟ أطفالٌ في عمر الزهور، حرامٌ وألف حرامٍ يا زميلة يا ناقصة علمٍ ودين (لو كان المخطئُ رجلا لقلتُ له نفس الشيء: يا ناقص علمٍ ودين)، حرام عليك أن تحرمي تلامذتك من الاطلاع على وسائل الوقاية من الإصابة بالسيدا، وما ذنبهم يا تُرى ؟ ألا يكفيهم الابتلاء بنقصِ عِلمِكِ ونقصِ دِينِكِ !

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 94-97).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

.

vendredi 26 février 2021

موقف من ظاهرة تعنيف التلامذة من قِبل المدرسين. مواطن العالَم والديداكتيك

 


رأي شخصي: يبدو لي أن كرامة الأستاذ عالية جدًّا فلا خوف عليها إذن من تجاوزات التلميذ مهما بلغت.

À mes yeux, un professeur ne peut être lésé par son élève.

أعي جيدا أن زملائي المدرسين (ابتدائي وإعدادي وثانوي وعال) يتعرضون أيضا إلى ظاهرة العنف اليومي من قِبل بعض التلامذة أو الطلبة أو بعض الأولياء، لكنني اقتصرتُ اليوم منهجيا على تناوُلِ ظاهرة تعنيف التلامذة من قبل المدرسين:

أولا العنف لا يُعالج بالعنف والخطأ لا يُصلح بخطأ أفظع منه.

ثانيا يبدو لي أن التجاء المدرس لتعنيف التلميذ هو أكبر دليل على فشله البيداغوجي في تبليغ رسالته. وفاقدُ الشيء لا يعطيه في هذه الحالة، أعني أن المدرّس لم يدرُس جامعيا البيداغوجيا (كيفية التدريس) ولا التعلمية (كيفية تقبّل المعرفة من قبل التلميذ) ولا أعتبر الندوات البيداغوجية التكوينية في مراكز التكوين الجهوية تحت إشراف المتفقدين كافية لأن المتفقد نفسه لم يدرُس جامعيا البيداغوجيا ولا التعلمية ولا علم التقييم ولا علم نفس الطفل ولا علم التواصل ويصح على المتفقد ما يصح على المدرس: "فاقد الشيء لا يعطيه" باستثناء المتفقدين خريجي معهد قرطاج. ماذا بقي إذن للمدرّس غير المجتهد ذاتيا ؟ بقي له -للأسف الشديد- سلاح العنف، سلاح الضعفاء لكي "يسيطر" على قسمه.

ثالثا، هذا الموقف التي اتخذته من ظاهرة تعنيف التلميذ من قِبل المدرس، لا يعني البتة أن المدرس لا يخطئ وأنا أقر بأنني أخطأت عديد المرات لكن هذا لا يمنعني من تدارك نفسي ومحاولة إصلاح أخطائي ولا يمنعني أيضا من إدانة ظاهرة تعنيف التلميذ من قِبل المدرس (أدين أيضاً تعنيف المدرس من قِبل التلامذة أو الأولياء) إدانة شديدة لأنها تتنافى مع قداسة الحرمة الجسدية للإنسان ( وخاصة الطفل لأنه يمثل الحلقة الأضعف بدنيا وذهنيا).

يرد بعض المدرسين مبرّرين العنف بقولهم: وكيف نسيطر على قسم فيه ثلاثون عفريتا ؟ من طبيعة التلميذ أن يشوّش لكن من غير الطبيعي أن نعاقبه بالضرب.

ما هي الحلول المطروحة للسيطرة التربوية على القسم ؟

-         المدرس ليس مُطالبا بالسيطرة على القسم كما يَفهم السيطرة بعض المربين.

-         قبل البحث عن الحلول والبدائل، علينا تجريم العنف وتحريمه بكل وضوح وهذا ما كنت أقوله لبعض زملائي الذين يبدءون بتعنيف التلميذ وعندما يردّ التلميذ عنفا بعنف، يقدمون فيه تقريرا مطالبين بتأديبه: "يا زميلي العزيز، لو بدأت بالاعتداء على تلميذ، يسقط حقك في تأديبه حتى لو رد عنفك بعنف مثله أو أشنع منه، بل يصبح من واجبك الاعتذار للتلميذ والولي وللأسرة التربوية عموما، وعليك أن تخفض لهم جميعا جناح الذل من الرحمة فلعلك تستفيد من خطئك ولا تعود إليه البتة". 

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 92-93).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

.

jeudi 25 février 2021

رأي ضد السائد: كأستاذ متقاعد أقف اليوم 2015 ضد مشاركة المديرين في إضرابات الأساتذة. مواطن العالَم والديداكتيك

 


أعني مشاركة المديرين حضوريا في إضراب الأساتذة ومرابطتهم داخل قاعة الأساتذة كامل اليوم، تبدو لي هذه المشاركة وكأنها حركة  غير مسئولة، قد يهدف من أصحابُها ورائها إلى التقرب من زملائهم الأساتذة، وأراها من وجهة نظري تهرّبا غير لائق من تحمل المسؤولية، وتخليا إراديا عن أداء الواجب التربوي في أوقات الشدّة، وذلك -على سبيل الذكر لا الحصر- للأسباب التالية:

-         دون تلفيق سخيف، أعتبر أن المدير ليس أستاذا وذلك لأنه ببساطة لم يعد يباشر التدريس بل يقوم بمهمة إدارية بحتة. والدليل أن في فرنسا قد يُنتدب المدير من بين خريجي المدرسة العليا للإدارة أو جامعة الاقتصاد والتصرف. المدير يراقب إداريا عمل الأستاذ وقد يكتب تقريرا ضده لو أخل هذا الأخير بواجبه وقد يصل به الأمر إلى أن يخصم أجرة يوم عمل من مرتب الأستاذ المتغيب لأسباب غير قانونية.

-         المدير هو ممثل وزير التربية في المعهد وهو المسئول الأول والأخير على سير العمل في المؤسسة، وهو المكلف بمهمة مراقبة  أداء الأساتذة والإداريين والقيمين وأعوان المخابر والعملة والتلامذة، وهو الحارس المستأمَن على البناءات والجدران والسور والتجهيزات المخبرية وغير المخبرية. وبناء على ذلك يتوجب عليه استنفار جميع قدراته للسهر على السير الحَسن للعملية التربوية كامل أيام السنة الدراسية وحتى في العطل (ما عدا عطلته الشخصية بعد أن ينوِّب أحد مساعديه ليقوم بالمهمة مكانه أثناء غيابه القانوني). يتوجب عليه استنفارها وخاصة يوم الإضراب لِما قد يحدث في مثل هذا اليوم  من تجاوزات من الداخل أو الخارج. لنضرب مثلا كاريكاتوريا لكنه معبر: لو كان مدير المستشفى طبيبا، فهل يُعقل أن يشارك حضوريا في إضراب أطباء الصحة العمومية ويهمل المرضى المقيمين ويهمل إدارة المؤسسة بما فيها من عملة وإداريين وممرضين.

-         المدير هو المنفذ الفعلي والمباشر لسياسة الدولة في الحقل التربوي أما الأساتذة فهم يضربون احتجاجا على السياسة التعليمية للدولة. فهل يُعقل أن يضرب المدير ضد سياسةٍ هو الساهر على احترامها وتنفيذها ؟ من حقه كفرد أن يكون له رأي خاص لكن ليس من حقه كمسئول أن يتخلى عن صفته الإدارية وينضمّ إلى فئة الأساتذة المضربين ويهمل في الوقت نفسه حق العمل للأطراف الأخرى المكونة للأسرة التربوية. المدير المشارك حضوريا في إضراب الأساتذة والمرابط داخل قاعة الأساتذة صباحا مساءً، مثله كمثل رُبّان سفينة يترك سفينته تغرق بحجة التعاطف مع مطالب البحارة، أو قائد عسكري ينحاز يوم المعركة إلى جنوده غير المنضبطين عسكريا. من حقه أيضا أن يعارض الأداء التربوي للحكومة ويُضرب ويعتصم ضدها على شرط أن يقدم استقالته ويرجع إلى شرف المحفظة  ونبل الرسالة البيداغوجية واستقلالية الأستاذ الفرد. 

-         اختلطت الأمور بعد الثورة وتداخلت المسئوليات وغابت التراتُبية الإدارية الضرورية (لا أقصد البيروقراطية التسلطية) لتسيير المؤسسات وأصبح شعار "ديڤاج" يُرفع في بعض الحالات مِن قِبل "الذي ما يَسْوَاشْ" في وجه "الذي يَسْوَى" دون رَويّة أو تَثبّت. وإذا بلغ الشيء حدّه انقلب إلى ضده. تحضرني هنا الحادثة الأليمة والمؤسفة التي وقعت في أحد معاهد الأحواز الجنوبية للعاصمة: مدير محترم وضميره حي مات كمدا بسكتة قلبية بعد تعرضه لصاروخ "ديڤاج"، صاروخ فتاك من صنع تلامذته.

-         قبل التقاعد، كنت أشارك شخصيا في تنظيم وتنشيط إضرابات الأساتذة صباحا ومساءً لكنني في الوقت نفسه كنت أقول لمدير معهدنا ما يلي: لو وقع أدنى مشكل يهدد المعهد أو الأسرة التربوية من الداخل أو الخارج، أنا مستعد أن أوقف الإضراب وأنضمّ إلى الإدارة من أجل المصلحة العامة ومن أجل الحفاظ على الأمانة المُناطة بأعناقنا، ألا وهي سلامة التلامذة وسلامة المعهد، وهو الواجب المقدَّم على غيره من الواجبات وتهون حقوقنا أمام واجباتنا.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 89-91).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

.

كُرْسِيُّ الإعْتِرَافْ: شخصيتي تشقها وتشقيني مجموعة من التناقضات، شخصية معقّدة ومتناقضة ! مواطن العالَم والديداكتيك

 


 (personnalité paradoxale et complexe)

1.     أتبنى موقفاً ضد حكم الإعدام، ولكنني وفي نفس الوقت أتفهّم موقف أهل الضحية عندما يطالبون بالقصاص لأسباب دينية أو مدنية، ولو كنتُ مكانهم لفعلتُ مثلهم. العقل الجمعي في حالة إلغاء الإعدام (المشرّع والقاضي) عادة ما يكون أعقل وأرحم من العقل الفردي (أهل الضحية الذين يطالبون بالقصاص) !

2.     أعتبر نفسي حداثيّاً جداً ومنفتحاً زيادة عن اللزوم في تبني الأفكار، ولكنني وفي نفس الوقت أعتبر نفسي محافظٌاً في سلوكي الفردي وفي تربية أولادي، متماهياً مع مجتمعي التونسي المحافظ ، تماهٍ عن فِطرةٍ ووَعيٍ واقتناعٍ (l'indigénisation) !

3.     أومن بالديمقراطية في المجال  السياسي (الصندوق)، ولكنني وفي نفس الوقت أفضِّلُ عنها الانضباط الشديد في تسيير المؤسسات التربوية والصحية والإدارية والصناعية والاجتماعية عامةً !

4.     دراستي وثقافتي فركوفونية ولم أخترْها، ولكنني وفي نفس الوقت أكتب بالعربية الفصحى وأعشقها لجمالها !

5.     أومن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق، ولكنني وفي نفس الوقت لا أومن بالمساواة التامة بين الجنسَين في الواجبات !

6.     أنا أقف مبدئيّاً ضد الإضراب عن العمل في مؤسسات القطاع العام (كنتُ أستاذاً نقابيّاً وكنتُ أول المضربين، بل كنتُ  أشْرِفُ علي جميع الإضرابات التي وقعت في معهدي)، ولكنني وفي نفس الوقت مع  الإضراب عن العمل في مؤسسات القطاع الخاص !

7.     أنا أقف مبدئيّا مع حرية التعبير والنشر، ولكنني وفي نفس الوقت أقف أخلاقيّاً ضد المساس بمقدّسات جميع الأديان !

8.     أنا أقف مبدئيّا مع حرية الضمير والمعتقد، ولكنني وفي نفس الوقت لا أرى الدين، كما يراه رفاقي، مسألة شخصية بل أراه اجتماعيّاً أو لا يكون وخاصة ديننا الإسلام !

9.     أنا معجبٌ جداً بإنجازات الحضارة الغربية، ولكنني وفي نفس الوقت أراها أشد الحضارات ضرراً بالإنسان عموماً والبيئة !

10.                        أنا يساري غير ماركسي وأتمنى للفكر اليساري الأممي أن ينتشر لا أن ينتصر، ولكنني وفي نفس الوقت لا أرى لغةً يفهمها وطني اليوم أفضلَ من لغة الإسلام !

 

إمضائي: "إذا فهمتَ كل شيء، فهذا يعني أنهم لم يشرحوا لك جيّدًا !" (أمين معلوف)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 25 فيفري 2021.