jeudi 18 février 2021

هذا ما كنتُ أقوله لتلامذتي في الحصّة الأولى ؟ مواطن العالم


أطرح عليكم هذا الاجتهاد الشخصي حول طرق التدريس وأعرضه عليكم للنقد لأن النقد يصقل ويطور الفكرة أما الشكر فهو يخدّر العقل ويقتل الإبداع.

في الحصة الدراسية الأولى في أول السنة، أقول لتلامذتي ما يلي:

أهلا وسهلا بكم في قسمكم ومعهدكم وأتمني لكم عاما سعيدا سوف يتوج بالنجاح إن شئنا وشاء الله وعملنا وتعاونا لتحقيق ذالك.

بعد التحية, أعرّف بنفسي: أنا أستاذ علوم الحياة والأرض, عينوني منذ 37 سنة أستاذا لتدريس هذه المادة ومنحوني بكل مجانية "ترخيصا للتدريس مدي الحياة دون قيد أو شرط" ولا زلتُ أمارس هذه المهنة بكل رغبة في العلم ولذة في التدريس. آليت علي نفسي أن أحسّن مستواي العلمي والبيداغوجي والتعلمي،  لذلك لا زلتُ حتى اليوم أتعلم مثلكم وأتعلم منكم أيضا وأنا علي قاب قوسين أو أدنى من التقاعد.

نمر الآن إلي المهم وهو "العقد البيداغوجي" (Contrat pédagogique) الذي يربط بيني وبينكم وهو عقد ضمني غير مكتوب ومسكوت عنه للأسف من جل مدرسي الابتدائي والثانوي والعالي.

 

سأحاول شرح هذا العقد حتى تتبين الحقوق من الواجبات

v    سنبدأ ببعض الحقوق التي كفلها لكم القانون ولا تتمتعون بها فعليا إما لِتقصير منكم أو بسبب تعسف غيركم:

§                   أولا، حقكم في الاحترام الكامل من قِبل المدرس والإدارة والعملة، يعني ممنوع اللمس والضرب والسب والشتم والإقصاء المجاني وتخفيض العدد والتدخل في الشؤون الخاصة والتشهير بالأخطاء.

§         ثانيا حقكم في فهم الدرس حتى وإن أدى الأمر إلي ساعات إضافية مجانية دون تأخير في البرنامج.

§        ثالثا حقكم في نقاش العدد الذي يسند إليكم ومقارعة الحجة بالحجة ومراجعة الأستاذ بكل أدب ولياقة.

 

v    وعليكم  أيضا بعض الواجبات:

§        أول واجب هو احترام المدرس وليس تقديسه لأنك لو لم تحترم المدرس فلن تتركه يقوم بواجبه ولن تستفيد من علمه، ولو قدسته فلن تستفيد أيضا لأنك ستصدق كل ما يقوله وأنت مسلوب الإرادة. العلم لا يطلب التقديس بل يطالب بالنقد فهو مبني علي الخطأ والصواب ويعرض نفسه للدحض والتكذيب ولكن لن يقوم بهذه المهمة الأخيرة الصعبة إلا الراسخون في العلم من عباقرة العلماء.

§        ثاني واجب هو عدم التأخر في الحضور وعدم تعطيل سير الدروس والانتباه لكل ما يقوله الأستاذ أو التلاميذ المتدخلون في القسم.

§        الواجب الثالث هو مراجعة الدروس في المنزل ليس لأن المدرس كلفك بها فقط بل لأن المعلومات لا تُفهم ولا تستقر في الذاكرة إلا بالمراجعة والهضم المعرفي الشخصي المتأني والقيام بالتمارين واعلموا أن الذكاء يُكتسب ولا يُورّث.

 

v    أتطرق الآن إلى طريقتي الخاصة في العمل والتعامل مع تلامذتي وهي طريقةٌ وليدةُ تجربةٍ وعلمٍ، حيث أقول لهم:

§        لن أستعمل سلاح العقوبات المدرسية التأديبية مهما فعلتم حتى وإن وصل الأمر لا قدّر الله إلي التعرض لي في الشارع رغم إيماني الراسخ بأن انعدام الانضباط في المعهد قد يمثل صورة من صور إهمال تربية التلميذ. اشطبوا إذن وبالقلم الأحمر كلمة "عقوبة"، معي أنا علي الأقل، لأنني لستُ مسؤولا عما يأتيه زملائي ولا الإدارة ولا الوزارة. إن موقفي هذا من العقوبة ليس نتيجة طيبة أو كرم مني بل هو موقف مبدئي علمي مبني علي اطلاع -نسبيا واسع- علي تجارب تربوية في مجتمعات أخري راقية كالبلدان الأسكندنافية. وكلامي هذا لا يعني البتة التشجيع علي التسيب لذلك سأقترح عليكم بعض الإجراءات، إن وافقتم عليها فستقوم مقام القانون بيننا: يُقصي من القسم كل تلميذ  يعطل سير الدرس ولا يستجيب لتحذيرات المدرس المتكررة وكل من يقل أدبه علي زميله أو علي المدرس والحكمة من هذا الإجراء هو حماية الأكثرية من أخطاء الأقلية وتجنيب التلامذة الوضعيات غير الحضارية وغير التربوية كالمواجهة الكلامية بين المدرس والتلميذ في القسم. بعد إقصاء التلميذ المعني قد يهدأ المدرس ويواصل درسه وقد يهدأ التلميذ خارج القسم. فإذا كان المدرس مخطئا، يدعو التلميذ إلي الرجوع للقسم ويعتذر له أمام الملأ وإذا كان التلميذ مخطئا، يرجع للقسم بعد دقائق ويطلب العفو من المدرس ويواصل التعلّم. يُسند واحد علي عشرين لكل مَن يُضبط في محاولة أو عملية غش في الامتحان لأن هذا الأخير قد يتفوق علي زملائه دون وجه حق لو أسنِد له عدد مرتفع لا يدل على مستواه العلمي الحقيقي وقد يعلمه هذا السلوك غير التربوي الكسلَ والاعتماد على الحيلة لتحقيق النجاح. ولن أحيله على مجلس التربية لأن لا يُعاقب على جرم دفعته إليه الظروف المحيطة على ارتكابه مثل الضغوطات الخارجة عن نطاقه كاكتظاظ القسم أو كثافة البرنامج أو عدم ملاءمته لاهتمامات التلميذ.

§        سأقترح عليكم بعض الأدوات المدرسية وأترك لكم حرية اختيار النوعية الغالية منها أو الرخيصة حسب إمكانياتكم المادية إلا الكتاب المدرسي الرسمي فهو إجباري وضروري وسنستعمله في القسم وفي المنزل للاستفادة من المعلومات والتمارين الموجودة فيه ولَكَم تمنيتُ لو كان الكتاب اختياريا ومتنوع النُّسَخ في المستوى التعليمي الواحد، لكي يختار القسم نسخة مثل ما هو موجود في البلدان المتقدمة.

§        لاحظتُ في السنوات الماضية مستوي متواضعا في اللغة الفرنسية لدي تلاميذ السنة أولى الثانوي بسبب التعريب الكامل في التعليم الأساسي [في تونس يدوم التعليم الأساسي تسع سنوات من الأولى أساسي إلى التاسعة أساسي يعني مرحلة الابتدائي ومرحلة الإعدادي, يدرس التلامذة خلالها الرياضيات والفيزياء والتقنية وعلوم الحياة والأرض باللغة العربية] لذلك ألفتُ انتباهكم إلي أهمية هذه اللغة في تكوين مستقبلكم الدراسي والدليل أنكم في مرحلة الثانوي تدرسون بالفرنسية الرياضيات والفيزياء والكيمياء والتقنية وعلوم الحياة والأرض والإعلامية وفي مرحلة الجامعة  سوف تدرسون بالفرنسية أيضا الطب والهندسة والطيران وكل الشعب العلمية دون استثناء. لا تتجاهلوا إذن اللغة الفرنسية لأن لا يتجاهلكم العلم الحديث. وأحسن طريقة لتحسين مستواكم فيها هو استعمالها في القسم وخارج القسم. لا تغفلوا أيضا عن تعلم اللغة الأنـﭬليزية فهي اللغة العالمية الأولى. أما اللغة العربية فهي هويتكم ولغتكم الأصلية وأوصيكم بها خيرا لأن اللغة يفرضها رجالها ونساؤها وتقدم بلدانها وتراثها.

§        أرى أن "خطأ التلميذ في القسم" أصبح يُعتبر إيجابيا وهو محرك الدرس. كان وضع الخطأ سلبيا في المنظومة التربوية القديمة وأصبح اليوم إيجابيا. فكلما أخطأ التلميذ أكثر، استفاد هو وزملاؤه أكثر، ونجح الدرس أكثر.

§        أما تقييم الامتحانات فيخضع إلى ضوابط علمية : لديكم ثلاثة فروض كل ثلاثة أشهر, فرض في الأشغال التطبيقية داخل القسم وفرض مراقبة بنصف ساعة يحتوي علي أسئلة مباشرة حول الدروس الثلاثة الأخيرة وفرض تأليفي في آخر الثلاثي يتكون من أسئلة تخص الذاكرة والفهم والرسم والملاحظة وخاصة توظيف المعلومات والتأليف بينها.

§         أرى أن من حق التلميذ المطالبة بمقياس الإصلاح في بداية الامتحان حتى يستفيد منه أثناء الإجابة على الأسئلة وعند إصلاحها بعد الفرض.

§        يوجد -كما تلاحظون داخل القاعة- مخبر إعلامية خاص بعلوم الحياة والأرض، وهو الوحيد في المدارس الإعدادية والمعاهد غير النموذجية في الجمهورية التونسية. سنحاول استغلال الحاسوب والاستفادة من  مزاياه المفقودة عند المدرس وفي الكتاب المدرسي التونسي وهي كثيرة نذكر منها علي سبيل الذكر  لا الحصر : الحاسوب لا يضرب ولا ينهر. الحاسوب لا يتعب ولا يكل ولا يمل من الإعادة والتكرار. الحاسوب يوفر  أستاذا افتراضيا تحت الطلب في المعهد والشارع والمنزل وفي القطار إن شئتم. يوفر أستاذا افتراضيا يختاره التلميذ التونسي من تونس أو من الصين. الأستاذ الافتراضي في الحاسوب يملك من المعلومات ما لا يملكه كل أساتذة العالم مجتمعين. يقدم الأستاذ الافتراضي في الحاسوب صورا علمية تفوق ألف مرة في الدقة والوضوح والألوان ما يقدمه الكتاب المدرسي التونسي الوحيد والإجباري. الأستاذ الافتراضي يجعل القلب ينبض في الحاسوب أمام أعينكم ويُحيِي افتراضيا العظام وهي رميم فتري الديناصور يقفز ويطير.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 56-61).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي.

  

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire