mercredi 10 février 2021

في العاصمة أُسقِطَ مخلوعٌ وفي جمنة مخلوعانْ ! مواطن العالم، أصيل جمنة ولادة وتربية

 


المصدر: كتابي "جمنة وفخ العولمة"، طبعة حرة، 2016، 224 صفحة (ص. ص. 84-87).

ملاحظة: كتابٌ ألّفته تطوعًا لفائدة "جمعية حماية واحات جمنة" وهي التي دفعت مصارف الطباعة (3400 د). صدر في ألف نسخة: 900 نسخة أخذتْها الجمعية دون مقابل وَوَزّعتْها مجاناً على مساندي قضية جمنة في كامل أنحاء الجمهورية، و100 نسخة أخذتُها أنا وَوَزّعتُها بمعرفتي.

النص:

جل المعارضين التونسيين ينقدون السلطة ويغازلون الشعب لأنهم يسعون إلى السلطة عن طريق الشعب أما أنا فأنقد الشعب ولا أغازل السلطة لأنني لم أسعَ يوما ولن أسعى البتة لإرضاء الشعب نفاقا ولن أفعلها لإرضاء السلطة تقرِّبًا وتزلِفًا. أسعى فقط إلى تغيير التصورات غير العلمية حول العالم بالتعامل معها بحذر لدى من يحملها ومحاولة تعويضها قدر المستطاع بتصورات علمية بمساعدة من لديه رغبة ذاتية في التحول إلى الأفضل (Changement conceptuel positif).

يبدو لي أن شعبا لا يعمل ولا يبادر ولا يشارك ولا يتطوع لحل أزمته، هو شعبٌ واهم كسول ولا يستحق حرية ولا كرامة مع احترامي للمناضلين الطيبين فيه من كل الحساسيات السياسية دون استثناء أحد وهُم كُثْرُ. الحرية والكرامة ليستا هديتين تُمنحان من الحكومة أو من الخارج بل هما قِيمتان تُكتسبان وتُصنعان بعقل عمالنا بالفكر وعرق عمالنا بالساعد.

يقولون وأنا أول المصدّقين، أن العامل الألماني، بعد هزيمة بلاده في الحرب العالمية الثانية، كان يعمل 12 ساعة في اليوم ويتقاضى أجر 8 ساعات فقط وذلك من أجل إعادة تصنيع بلاده وإعمارها من جديد بسرعة البرق للحاق بركب الدول الغربية المتقدمة والمنتصرة. كذلك فعَل العامل الياباني والعامل الكوري الجنوبي.

لماذا لا نتخذ هذه الشعوب الكادحة قدوة لنا ونصبر ونصابر ونعمل حسب جهدنا ونأخذ حسب حاجتنا حتى تنهض بلادنا وبعد ذلك نطالب بالزيادة في الأجر وتحسين ظروف العمل ؟ لو لم نخلق ثروة بأدمغتنا وسواعدنا ونراكم رصيدا نقديا في البنوك، فمِن أين سنأتي بالزيادة في الأجر؟ أمامنا حل واحد لا ثانٍ له، نأتي بالزيادة من البنوك الأجنبية (صندوق النقد الدولي والبنك العالمي)، وهذا الإجراء يُعتبر في علم الاقتصاد الرأسمالي من أوهَى الحلول وهو في الحقيقة مجلبة للتبعية وبابٌ للتفريط في كرامتنا والتخلي عن استقلاليتنا الوطنية.

بِجِدٍّ وحزمٍ وبطريقة استباقية، سأردّ على كل مَن سيقول لي جدلا أن مقارنتي بين الشعب التونسي والشعب الألماني لا تجوز: لماذا دَومًا نحتقر أنفسنا ولا نثق في قدراتنا ؟ أهُمُ رجال، ونحن رجال مع تأجيل التنفيذ ؟ وها قد حان موعد التنفيذ ! نحن في جمنة قررنا ونفذنا ولم ننتظر.

يُقيَّمُ نجاح الثورة بتحقق أهدافها وتفعيل شعاراتها: في جمنة، تَجسَّمت شعارات الثورة التالية: "التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق" و"تونس حرة حرة والتجمُّع على برَّة". وفعّلتها جمنة بالكيفية التالية:

أسوق لكم مثالا تونسيا خالصا في الوطنية والتطوع ونكران الذات، مثال حدثَ في خضم ثورة 14 جانفي 2011، وقع في جمنة، قرية في ولاية قبلي: اعتصم أهلها 150 يوما من أجل استرداد حقهم في ملكية واحة تقع في أرضهم، واحة كبيرة تعدّ تسعة آلاف نخلة نوع "دڤلة نور"، استرجعوها من متسوغ ("عصابة السرّاق") كان تسوغَها بالرشوة وكان يكسب سنويا من ورائها ملايين الدنانير نهبا وظلما وبهتانا، اعتصموا 150 يوما ولم يقطعوا طريقا ولم يحرقوا شجرة ولم يقتسموا فوضويا أرض الواحة ولا نخيلها رغم احتياجهم الشديد و كثرة العاطلين في القرية.

تكونت في الإبان "لجنة حماية الثورة" التي تحولت فيما بعد إلى "جمعية حماية واحات جمنة" فمنعت أولا، المتسوغ المخلوع من دخول الواحة المعنية، وثانيا، حافظت على نخيل الواحة من الإتلاف والنهب والحرق، بل حسّنته ولقّحت أزهاره وغلفت عراجينه ضد الأمطار وداوَت ثماره ضد الأمراض وباعت محصوله لِخريف 2011 بمليون دينار، أكثر من العام السابق، وشغّلت ("التشغيل استحقاق") العشرات من أبناء البلد العاطلين عن العمل (تقريبا 114 عامل قارّ عوض 8 فقط في عهد المخلوعَين، السلطة المستبدة مجسمة في المخلوع بن علي وفي رَجلَيْ الأعمال الممثلَيْن في المخلوعين المتسوغين للواحة)، وتعتزم الآن تكوين شركة وبناء مصنع للتمور في نفس البلدة.

تتكون "لجنة حماية الثورة" أو "جمعية حماية واحات جمنة" لاحقا من أساتذة وعمال وفلاحين وتجار، فيهم القومي والنهضاوي والمستقل وناطقهم الرسمي نقابي يساري  وهو لم يدّع يومًا رئاستهم ولا قيادتهم، فكل أعضاء الجمعية كانوا ولا زالوا بعد خمس سنوات متطوعين ليلا نهارا دون مقابل ولا يوجد فيهم تجمّعي واحد ("تونس حرة والتجمُّع على برَّة"). عملوا متطوعين لوجه الله متضامنين بصدق وجِدّ وشفافية لمدة خمس سنوات ولا زالوا يسعون لتحقيق أهداف الثورة في سبيل المحافظة على المصلحة العامة وقد لاقوا المساندة الكاملة من كل الأطياف السياسية الجمنية دون استثناء، لكن -و للأسف الشديد- لا زالت الحكومة الحالية تماطلهم ولم تتنازل عن ملكية الأرض لأصحاب الأرض المواطنين الجمنين، ولم تفوّت لهم في هذه الواحة الواقعة على أرضهم بيعًا أو كراءً.

لقد فاق أعضاءُ "جمعية حماية واحات جمنة" العمالَ الألمان واليابانيين والكوريين في الوطنية والتضحية ونكران الذات وأصبح بعض أهالي ﭬبلي ينعتونهم باليابانيين الجمنين، عملوا خارج أوقات عملهم الرسمي ليلا نهارا دون أجر، خالِصِي النية والفعل، ناكرين لذواتهم، وتبرّعوا لموطنهم جمنة بأكثر ما تبرّع به العامل الألماني والياباني والكوري لأوطانهم، خدمة للمصلحة العامة دون أن ينتظروا جزاءً ولا شكورا من أحد.

وبما أنني أصيل هذه القرية العريقة، جمنة، شاركتُ عن بعد في إنجاح هذا المشروع الثوري الجبار بما أقدر عليه من مجهود متواضع جدا جدا، ماديا ومعنويا ودعائيا ولا زلت أتابع خطواته وأبارك طموحاته في إنشاء شركة رسمية تتولى إدارة المشروع، ومما أثار إعجابي أكثر بجميع أعضاء "جمعية حماية واحات جمنة" هو إصرارهم كلهم دون استثناء على عدم الترشح لتبوّء أي منصب في مجلس إدارة هذه الشركة المحتملة أو شغل أي وظيفة مستقبلية فيها.

وأستغل هذه المناسبة لأتقدم بالشكر والامتنان لجميع أعضاء "جمعية حماية واحات جمنة" لأنهم وفروا لي فرصة تجسيم "مواطنتي العالمية" أفضل وأنفع تجسيم قولا وفعلا: لقد ساندهم معنويا مدير أطروحتي بيار كليمان، الأستاذ المتقاعد من جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا، بمعية زملائه من عديد الجنسيات وزارهم في جمنة صحبة زميلة له من جينيف بعد ما قدم لهم في البداية مساندة مادية متواضعة تجسمت في حوالة بمقدار ألف أورو، جمعها من زملائه الفرنسيين المساندين للثورة التونسية والذين يرون كما أرى أن الثورة التونسية لم تتحقق على أفضل وجه إلا في جمنة. ويا ليتها تعمّمت بهذا الوجه في الشمال الغربي بجميع أراضي الطرابلسية وضيعات أزلام النظام القديم التي عُيِّن على رأس كل واحدة منها مؤتمن عدلي حكومي ولم ترجع لمستحقيها من المواطنين.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire