mardi 30 juin 2020

يخربون بيوتهم بأيديهم! مَن هم؟ هم المدرِّسون المقاولون والمدرِّسون النقابيون! مواطن العالَم الكسّار-الجسّار




ملاحظة ديونتولوجية:
في النقطة الثانية، وكنقابي سابق، سأكتفي بمحاكمة نفسي بنفسي وسأقسو عليها جدًّا جدًّا.. أنا رئيسُ جمهورية نفسي.. أنا حرٌّ في نفسي.. non

الموضوع:
1.     جل مدرّسي الدروس الخصوصية يساهمون في تخريب المدرسة العمومية التونسية وذلك عن طريق الكسب المشط من بيع الدروس الخصوصية، كسبٌ حرامٌ دينيًّا، ومخالفٌ للقانون رسميًّا.
ماذا يقول القانون؟
القانون يقول: لكل مدرّسٍ الحق في تنظيم دروس خصوصية خارج المدرسة لغير تلامذته في القسم على شرط أن لا يفوق العدد الجملي 12 تلميذًا، يقسّمهم إلى ثلاث مجموعات منفصلة.  
يبدو لي والله اعلم أن مدارسَنا العمومية -وللأسف الشديد- تعُجّ بعشرات الآلاف من المدرسين المقاولين، والمصيبة أن هؤلاء الأخيرين غير واعين أنهم للتعليم العمومي مخربون، غير واعين، إما عن جهلٍ بماهية التخريب أو عن نقصٍ في الكفاءة البيداغوجية والإبستومولوجية (كلهم تقريبًا ناقصون) أو عن جشعٍ وطمعٍ لا يليقان برسالة المعلّم.
2.     حالة وعي شخصية متأخرة: بعدما كنتُ مسؤولاً نقابيًّا ماركسيًّا (كاتب عام نقابة أساسية لثلاث دورات منفصلة) وكنتُ أحرِّضُ وأنظِّمُ وأشرِفُ على تنظيم الإضرابات في الإعداديات والمعاهد التونسية طيلة 28 عامًا على 38 "كَرْيارْ"، أصبحتُ اليومَ في التقاعد مفكرًا يساريًّا غير ماركسي أدعو إلى دسترة "تجريم الإضراب" في القطاع العمومي.. إيه "تجريم" ضربة واحدة.. وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر أو أهلاً بك في مقهى الشيحي التعيسة التي لم تعد تعيسة، لا لإقناعِك أيها الضيف المحتمَل بل لمواصلة النقاش بمحبّةٍ واحترامٍ، لا أكثر ولا أقل!

إمضائي:
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 30 جوان 2020.



lundi 29 juin 2020

حول مشروع إدراج التربية الجنسية في المؤسسات التعليمية التونسية؟ مواطن العالَم



مقدمة:
لم أقرأ بعدُ برنامج المادة التربوية الجديدة المُدرجة هذه السنة في التعليم الابتدائي، المستقلة والمسمّاة رسميًّا "تربية جنسية"، ولم أطّلع أيضًا على فلسفة مصمِّمِي برنامجها، ولكنني أشك في أهلية مَن سيدرّسها من المعلّمين. مادة التربية الجنسية تسمَّى "مادة تَقاطُع اختصاصات" (Une discipline-carrefour): بيولوجيا، الطب الوقائي، علم اجتماع، أنتروبولوجيا، علم نفس الطفل، قانون، فقه، إلخ. لذلك لن أبدِي فيها رأيًا حتى أعرف عنها أكثر، وسأكتفي بعرض تجربتي البيداغوجية المتواضعة في هذا المجال كأستاذ سابق في علوم الحياة والأرض طيلة 38 سنة (1974-2012).

تجربتي في تدريس ما بدا لي أنا أنه "تربية جنسية علمية بحتة" في ذلك العصر (سنة 1974، أول عام تدريس كأستاذ إعدادي وعمري 22 سنة)، درّستها  ليس كمادة تربوية مستقلة بل داخل مِحورٍ مُهِمٍّ (Un chapitre important des SVT) من محاور اختصاصي (سأحكي عن نفسي فقط ولا أتحمل أخطاء بعض زملائي، هذا إذا وقعوا في أخطاءٍ بيداغوجية خلال تدريسهم لهذا المحور):
-         درّستُها لتلامذة الثالثة إعدادي منذ 1974 (في التاسعة أساسي حديثًا درّستها  بالعربية، وفي الثالثة ثانوي سابقًا درّستها  بالفرنسية، أي في عمر مراهقة التلميذ، سن 15). نعم درّستُها في الجمهورية التونسية منذ 1974.
-         ماذا كنتُ أدرّس بالضبط؟ كنتُ أدرّس: 1. تركيبة الجهاز التناسلي الذكري والأنثوي ووظائف أعضائه بالتفصيل مستعينًا بقالب بلاستيكي مجسّم لكل الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية، مجسّمٌ قابلٌ للتفكيك والتركيب من قِبل التلامذة في حصص الأشغال التطبيقية. 2. الأمراض والإصابات المنقولة جنسيًّا (MST & IST مثل السيدا والتهاب الكبد "نوع ب"، وكيفية الوقاية منها. 3. وسائل منع الحمل (كنتُ أطلب من تلامذتي جلبَها من أقرب مركز للتنظيم العائلي).
-         كان هذا المحور يشدّ التلامذة شدًّا، وكنتُ أدرّسه بكل مِهَنِيةٍ وجديةٍ وصرامةٍ علميةٍ، وكنتُ أقول لتلامذتي: "لا حياءَ في العلم كما لا حياءَ في الدين". من حسن حظي المِهَنِي أن تدريسَ هذا المحور بالذات لم يتسبب لي في أي مشكلة، خلال مسيرتي المهنية التي دامت 38 سنة بالتمام والكمال، لا مع التلامذة ولا مع أولياء أمورهم ولا مع الإدارة، وكنتُ أرى في تدريس "التربية الجنسية العلمية" مصلحة كبيرة وفائدة مباشرة للتلميذ كفرد وللمجتمع كعلاقات سليمة بين الأفراد، وأرى أيضًا في تدريسِ هذا المحور الجذّاب لاهتمام التلامذة، كل التلامذة دون تصنيفٍ سخيفٍ، كنت أرى فيه تَجْسِيرًا بين العلم والحياة، فالعلم -هنا- خرج من دائرته الضيقة، المخابر والجامعات، خرج إلى أفقٍ أرحبَ بكثيرٍ، ألا وهو أفقُ الحياة. صادَفَ مرة أن كانت ابنتي الكبرى من تلامذتي وقدّمتُ الدرسَ كما عهدتُ تقديمَه في الأقسام الأخرى دون زِيادةٍ أو نُقصانٍ، وإيمانًا مني بأهمية التربية الجنسية العلمية ولتعميم الفائدة درّسته -وعن وعي- لولدَيَّ الآخرَين في المنزل، ولدَيَّ اللذيْن لم يسعفهما الحظ بالتتلمذ على أبيهم في السنة تاسعة أساسي.
-         في برنامج هذا المحور، لا توجد أي إشارة لتناول موضوع التحرّش الجنسي ولا الوقاية منه، وأنا، تمسّكًا ديونتولوجيًا مني بأخلاق المهنة، لم أتناوله في حصصي، لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ. لذالك أقترح إدراجَه لاحقًا، في نطاق الإصلاح التربوي المرتقَب، في محور اختصاصنا بعد تكوين أساتذة العلوم في هذا المجال تكوينًا علميًّا معمقًا على أيدي أطباء نفسانيين وأساتذة جامعيين مختصين وليس على أيدي متفقدين غير متكوّنين أكاديميًّا في هذا المجال.

إمضائي (مواطن العالَم البستاني، متعدّد الهُويات، l’homme semi-perméable، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري غير ماركسي حر ومستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية على المستوى الفردي" - Adepte de l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours et non par la violence. Le Monde diplomatique


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 1 جانفي 2020.

عام 2020، إن شاء الله، وشاء معه البشر، يكون عامًا سعيدًا على الإنسانية جمعاء. آمين
(إضافة بتاريخ 27 جوان 2020 عند إعادة النشر: بعد مرور ستة أشهر على تاريخ أول نشر للمقال أعلاه، تبين أن الله شاء أن يكون "عام الكورونا"، الكورونا خيرٌ أو شرٌّ.. الله أعلم؟)

شهادة الدكتورا في البلدان العربية: الكثرة وقلة البركة! مواطن العالَم، دكتور عربي الأصل والتربية فرنسي اللغة والتكوين



اِقرأْ، قُصّْ، لَصِّقْ، اسأل عيّنةً صغيرةً أو لا تسأل واختلق الأجوبة، رَكِّبْ، رَتِّبْ، صَنِّفْ، لَخِّصْ، استنتجْ، اسرقْ علمًا ولا تَنسِبْ ولا تُنَسِّبْ، انتهزْ فرصة، استشهدْ ومن عملِ غيرك ودون جهدٍ استنفعْ، أعِدْ بناءَ عِلمَ العلماء الغربيين ودون تجديدٍ حقيقيٍّ جدّدْ، اجترْ اكتشافاتهم، صُغْها كما يحلو لك ولصورتِهم العلميةِ شوِّهْ، ولكلامهم دون رقيبٍ ودون ضميرٍ حَرّفْ، ثم ضعْ كل ما جنيتَ في سلّةٍ جميلةٍ وسمِّها أطروحةً، اعجنْ محتواها، اعصِرْ، جفّفْ وانشُرْ، وقبل النشرِ لا تغفل على عرضِ بضاعتك المستوردة على المؤطّرِ وأمامه اِركعْ وسَلِّمْ لعل في طاحونته قد يُصحَّح اجتهادك أو يُهمَلْ، شأن لا يعنيكْ حتى ولو لم "يُرضِيكْ"، هو يُعدّلْ ودون استشارتك يشطِبْ ويُبدّلْ، ومن عليائه ودون تمحيصٍ يَحذفْ، وبين مطرقة مدير أطروحتك وسندان البحث العلمي، إرادتَكَ تُطحنْ وعفويتَكَ تُكبَتْ وعبقريتَكَ تُكتَمْ وحريتَكَ تُقمَعْ وشجاعتَكَ تقتَلْ، أكيدٌ ستنجحْ، زَوِّقْ عملَك زَوِّقْ، وفي النهاية وعلى شكل مسرحيةٍ وأمام لجنةٍ غير مختصة مسرحيتَك قدّمْ، عشرون دقيقة لا أكثر لتقديمِ وشرحِ بحثٍ دام سنوات، وفي كل الحالات لا تخَفْ، جمهورٌ أبكمٌ لك يصفق، أباطرة علمٍ فيك تمجّد وتشكر، يدخلون الخُلوةَ وأنت تخرجُ، تُشعِلُ سيجارةً بينما اللجنةُ تقرّرْ، وبعد دقائقَ يدعونك فتهرولْ لتسمع دون مفاجأةٍ ما على الملأ سيُعلَنُ: مبروك الحج (الدكتورا) يا حاج (دكتور). حاجٌّ لم يزُرْ مكةَ (مخبر البحث العلمي الذي بعدُ لم يُدَشِّنْ). نِلتَها وكأن ما نالَها قبلك أحدٌ، نِلتَها دون عناءْ أو بعناءْ لكن دون لذةٍ وانتشاءْ.

الملخص، عفوًا أيها السادة الدكاترة العرب، في بحوثكم لم تكتشفوا شيئًا يُذكرْ فيُشكرْ. شَغَّلتُم أدمغتَكم في الفراغ، استهلكتم طاقةً وللأسف طاقةٌ لم تُنتِجْ معرفةً ولم يصلْ ولو واحدٌ منكم: المقيمُون والمشتغِلُون في الدول العربية) إلى جائزة نوبل (نجيب محفوظ، ومن حُسْنِ طالِعِه، لم يكن باحثًا ولا دكتورًا، كان أديبًا رائعًا وربما تكون مساندتَه المعنوية للسادات ومبارك المُطَبِّعَين هي التي مهّدت له الطريقَ إلى ستوكهولم، أما أحمد زويل، فمِن التعسّفِ أن ننسبه إلي جِلدتكم، فهو أمريكي الجنسية يُقيمُ ويشتغلُ في أمريكا ومع أمريكان.
تترشحُ لِلتدريس بالجامعة، تُقدّمُ ملفًّا، تُعيد المسرحية وأمام لجنة غير مختصة أيضًا، وفي جل الحالات بالمعارف والمحسوبية تُنتدَبُ أستاذًا جامعيًّا، وفي غير اختصاصك غالبًا ما تُعيّن، ولطلبتك نَسخًا تُلقّنْ، ولماكينة إنتاجِ الرداءةِ تؤبّدْ، وللعلم مثلك مثل أستاذ ثانوي تَنْقُل، وللمعرفة دومًا لا تنتِج، وبترقياتك قبل البحث تهتمْ ومن أجل تحقيقها تتنازل، تصغرُ، تهرمُ، تذبلُ وتتحطّمْ، إلا مَن رَحِمَ ربي، وهم في بلادنا قلةٌ قليلةٌ جدًّا. لا أدّعي بطولةً وهميةً ولا أستثني نفسي، ولو انتُدِبتُ فلن أكون أفضل من زملاء الدراسة لأن "السيستام" أقوى من إرادة الأفراد ولو قُدّت من حديدٍ.

تصلك دعوةً للمشاركة في برنامج تلفزي أو إذاعي أو جمعياتي، أي برنامج مع منشطٍ أو مقدمٍ جاهلٍ، ودون تريثٍ أو سؤالٍ عن الموضوع، بسهولةٍ توافق، يهزك الطمع المادي أو المعنوي، تحتقرُ الجمهورَ المتعطِّشَ للمعرفةِ من مصادرها، وبشهادتك مغرورًا تذهبُ مسرِعًا، قديمًا لم تراجِع وجديدًا لم تقرأ وكأن الإنتاج َ العلميَّ توقف يوم نُصِّبتَ أنت دكتورًا. تُفاخرُ بعلم الغربيين ودون حياءٍ بإنتاجِ غيرك تُقايِضُ وتُتاجِرُ، تَقبِضُ وإلى اصطبلِك، عفوًا إلى مكتبِك، ترجع مرتاح البال والضمير وكأنك لم ترتكب جرمًا في حقك وفي حق السامعين والمشاهدين وفي حق المعرفة العارفة، وبِلقبِ دكتور تصولُ، وفي غير اختصاصك ودون تواضع العلماء تجوبُ وتجولُ، وبسلطتك العلمية في غير محلها تؤكد ودون حجة تقول، فهل أنت دكتورْ أم طرطورْ؟ على الأقل وفي هذه الوضعية الأخيرة، أنا لم ولن أتصرّف مثلهم، أحترمُ جمهوري، أحضِّرُ محاضراتي شكلاً ومضمونًا، لا أحاضرُ إلا في اختصاصي الديداكتيك ومجانًا.

حاشا شهادة الدكتورا أن نحمِّلها ما لا تتحمّل أي ما فعله بها الدكاترة الانتهازيون منّا، بقصدٍ أو دون قصدٍ، أعني الدكاترة أو العلماء العرب منتحلي صفة المزيفين المقيمين في عالمنا العربي! الدكتورا هي أعلى درجة علمية، تُمنَح ُ في اختصاصٍ ضيقٍ جدًّا، وهي في الواقع ليست نهاية المعرفة بل هي عبارة عن بطاقة دخول تُخوِّل لحاملها عن جدارة وُلوجَ مجال البحث العلمي داخل مَخبَرٍ مُختَصٍّ ومُجَهَّزٍ.
الدكتور خارج اختصاصه هو متعلّمٌ عاديٌّ وهو حسب رأيي لا يصلح تمامًا لشغلِ أي منصَبٍ سياسيٍّ وذلك لسببٍ أراه جليًّا وهو التالي: السياسيُّ يشتغلُ بالمستقبلِ، يوزعُ الوعودَ الكاذبةَ، ويزرعُ الأوهامَ الزائفةَ، أما العالِم فيشتغلُ على الواقع، يبغي تغييره، يحفر في الماضي والحاضر، ويزرعُ الأملَ ويقلعُ اليأس.

خاتمة: مقال كاريكاتور.

إمضائي
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 3 ديسمبر 2017.



ما الفرقُ بين الأساتذة الجامعيين الذين يدرّسون في الدول المتقدمة وزملائهم الذين يدرّسون في الدول العربية؟ مواطن العالَم




في الدول المتقدمة (الغرب واليابان وغيرها) يشتغل الأساتذة الجامعيون على الواقع (Le réel) مُراوحَةً بين النظري والتطبيقي. التجريبيون منهم يسكنون المخابر ويقومون بالتجارب، والإنسانيون يَسبُرون غورَ مجتمعاتهم ومجتمعاتنا ويفككون تعقدها
 (La complexité). 
هم إذن منتِجو معرفة عقلانية ومولِّدو علماء شبان جدد. مَثَلهم كَمَثَلِ التكاثر الجنسي لا ينتج إلا الأفضل المختلف والمغاير.
أما في الدول العربية فالأساتذة الجامعيون يشتغلون على النصوص مركزين على الجانب النظري مهملين التطبيقي. ليست لهم مخابر مجهّزة حتى يسكنوها ولا تجارب يجرونها (في أول التسعينيات، قال لي بودبّوس، أستاذي في الميكروبيولوجيا، أن ميزانية مخبره السنوية في كلية العلوم بتونس لا تتجاوز الألف دينار، مبلغٌ زهيدٌ لا يزيد عن ثمن ثلاجة) ويُحرّم عليهم سياسيًّا سبرُ عمق مجتمعاتهم. هم إذن يكتفون مكرَهين بنقل المعرفة ولا يولِّدون إلا أمثالهم أي ناقلي معرفة شبان. مثلهم كمثلِ التكاثر اللاجنسي لا ينتج إلا النسخ الباهتة المطابقة للأصل الباهت.
يُعرّف العلمُ الحديثُ بأنه اشتغالٌ على الواقع من أجل تفكيكه وفهمه واستنتاج قوانين علمية جديدة تُسَمّى خطأ "اكتشافات"، أما السفسطة فتُعرّف بالعنعنة والنقل دون استعمال العقل، حالنا منذ 14 قرنًا.
يبدو لي - دون الاعتماد على دراسة علمية - أن الجيل المؤسس، جيل الستينيات والسبعينيات، من أساتذة جامعاتنا التونسية في العلوم الإنسانية (الفلسفة والتاريخ والأدب) درَسوا في الخارج على أيدي علماء، فتخرّجوا فلاسفة وأدباء وأساتذة مرموقين في علوم التاريخ والاجتماع، وأنتجوا لنا وللعالَم العربي معرفة، وهم على سبيل الذكر لا الحصر: محمود المسعدي، توفيق بكار، عبد الوهاب بوحديبة، هشام جعيط، عبد المجيد الشرفي، محمد الطالبي، يوسف الصديق، حمادي بن جابلله، أبو يعرب المرزوقي، محمد الشريف الفرجاني وغيرهم ممن لم يسعفني الحظ في الاطلاع  على كتاباتهم  وهم أكيدٌ كُثْرُ.
أما الجيل الثاني، جيل الثمانينيات والتسعينيات، الذي درَس في الداخل على الجيل الأول، فقد تخرّج دون القيام بتجارب لغياب المخابر، لذلك نراهم أساتذة جامعيين، ناقلِي معرفة وليسوا منتِجِي معرفة.

ما الحل؟

الحلُّ ليسَ جاهزًا.. ولا يمكن أن يملكه شخصٌ واحدٌ مهما بلغ من العبقرية. لكن ملامحَه واضحةٌ لمَن كان جادًّا في طلبِ الحلولِ العلمية -لا السياسية- وبعضها كالآتي: تقوية ميزانية التعليم في الابتدائي والثانوي والمهني والعالي، التركيز على الجانب التطبيقي دون إهمال النظري، تجهيز المخابر، تشجيع البحث الميداني في كل المؤسسات التربوية الابتدائية والثانوية والمهنية (La Recherche Action) وهو رافدٌ أساسيٌّ للبحث الأساسي (La Recherche fondamentale) في مخابر الجامعات، تدريس الإبستمولوجيا في كل العلوم الصحيحة منها والتجريبية والإنسانية، وغيرها من الإصلاحات الضرورية المستعجلة.

إمضائي
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 8 ماي 2017.
Haut du formulaire



dimanche 28 juin 2020

المدرّسُ التونسي: كيف حالُه؟ مواطن العالَم



ملاحظة منهجية: سأتحدّث عن النظام التربوي الحالي في تونس، وسأركّز جلَّ نقدي على المدرّس، وأهملُ ظرفيًّا ومنهجيًّا الأطراف الأخرى (التلميذ، الوزارة، الإدارة، الأولياء، المتفقدين، إلخ.). هذا لا يعني البتة أن المدرّسَ هو المسئول الأكبر أو الأساسي، والمسئولية الأخلاقية عندي لا تُجزَّأ فكل طرفٍ في المنظومة التعليمية هو مسئول أخلاقيًّا 100% ولا أحد يحق له التنصُّلَ من تحمّل مسئوليتِه كاملةً.

1.     لتبليغ المعرفة للتلميذ (L`apprenant)، يحتاجُ المدرّسُ (L`enseignant في الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي) إلى وسائل التبليغ
 (Les théories et les moyens d`apprentissage).
ما هي وسائل التبليغ؟
هي صِنفانِ: صِنف مادي تكنولوجي وصنف معنوي معرفي:
-         يتمثل الصنفُ الأولُ في وسائل الإيضاح (ما أعرفه منذ سنوات: سبّورة تفاعلية، فيديو بروجكتور، خرائط، إلخ.) وآلات قياس وتجريب (ما أعرفه منذ سنوات: فولتماتر، أنبيرماتر، أوسيلّوسكوب، مِجهر، حاسوب للمحاكاة ومتابعة التجارب، إلخ.). هل هي متوفّرةٌ وبصفة كافيةٍ في جميع مؤسساتنا التربوية من بنزرت إلى بنڤردان (مؤسسات الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي)؟ الجواب بالنفي طبعًا! في هذه الحالة فقط، المدرّس ليس مسئولاً، لكن في المقابل لقد عاينتُ بِنفسي مرة في مدرسة ابتدائية تَوفُّر وسائل إيضاح بسيطة مركونة في مكتب المدير ولم يستعملْها المعلّمون، يصح ذلك على بعض الأساتذة في بعض الإعداديات والمعاهد والكليات، يفعلون ذلك عن جهلٍ أو عن كسلٍ.
-         الصنف الثاني يتمثل في المعارف الضرورية لتبليغ المعرفة، لا أقصد معرفة المدرَّس لاختصاصه كالرياضيات أو الفيزياء أو غيرها، بل أقصد المعارف التالية: إبستمولوجيا الاختصاص وعلوم التقييم (La docimologie) والمنهجية (La méthodologie) وعلوم التربية (البيداغوجيا، علم النفس التربوي، علوم التواصل، علوم الحاسوب ووسائطه - Les interfaces informatiques) وفلسفة التربية (ديداكتيك الاختصاص). هل تلقّى المدرسُ التونسي تكوينًا في هذه المعارف؟: أنا بدأتُ دراستها في عمر 46 سنة بعدما درّستُ دونها 24 عامًا. هل بذل المدرسُ التونسي مجهودًا ذاتيًّا لتفادي هذا النقص الفادح، والعلمُ اليومَ منشورٌ على قارعة الطريق، في المكتبات العمومية والافتراضية، وعلى قنوات اليوتوب؟ وهل مدرّسُ اليوم يُطالعُ أكثر من تلميذ اليوم؟ وحتى إذا طالع المدرّسُ في اختصاصه، فهل يطالع في غير اختصاصه أو في علوم التربية وفلسفتها وبلغة أجنبية؟ الجواب وفي كل الحالات بالنفي طبعًا!

2.     حسب التقارير الرسمية لوزارة التربية التونسية، 100 ألف تلميذ تونسي ينقطعون سنويًّا عن الدراسة مبكّرًا (عمر 15 أي في نهاية المرحلة الإعدادية أو قبلها قليلاً)، جلهم يعود للأمية المركّبة.
مَن يتحمّل مسئولية هذا النزيف في الشريان الأبهر ( Aorte) للنظام التربوي التونسي، التلميذ أم المدرّس؟ المسئولية الأكبر تقع على عاتق المدرّس والوزارة، أما التلميذ والولي فيتحملان قسطًا مهمًّا منها، مع الإشارة الهامة إلى أنني لا أميل إلى مبدأ تجزئة المسئولية الأخلاقيّة فكلهم مسئول 100% وكلهم مشارك 100%  في تردّي الوضع التربوي الذي وصلنا إليه اليوم.

خلاصة القول: لِنفرضْ جدلاً أن التلميذَ هو المقصّر، فحتى في هذه الحالة فالمسئولية الأكبر يتحمّلها المدرّس لأنه لم يعرف كيف يتعامل مع هذا التلميذِ المقصّر، ولم ينجح في زرعِ الأملِ ورغبةِ التعلّمِ في نفسِ الفاشلِ، وحبِّ العملِ في دماغِ الكسولِ، وعِشقِ العلمِ في قلبِ الجاهلِ.
Le grand épistémologue français Gaston Bachelard a dit: «Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas». C`est le titre de l`un de mes trois ouvrages sur le système éducatif tunisien

3.     فقرةٌ خاصةٌ بأولاد الفقراء وهم الأغلبية الساحقة في التعليم العمومي شبه المجاني:
ما حظ أولاد الفقراء اليوم من التعليم العمومي في شكله الحالي؟ يبدو لي أن حظَّهم كحظِّ الكرامِ في مأدبةِ اللئامِ!
أ‌.        كيف كانت المدرسة العمومية في العشريات الثلاث الأولى بعد الاستقلال (60-90):
-         كانت مجانية 100%: أنا درستُ في التعليم العمومي المجاني من 1958 إلى 1972 (باكلوريا)، أي لم أشترِ كرّاسًا ولا كتابًا ولا قلمًا، ولم أدفع يومًا معاليم الترسيم. كنا في الابتدائي نتناول وجبتين صحيتَين ساخنتَين،  واحدة صباحًا والأخرى في منتصف النهار. في الثانوي 
(Logé nourri blanchi). 
في الجامعة منحة بـ35د، أقوى من شهرية موظف في البنك وأقل قليلاً من شهرية معلّم.
-         كانت مدرسة جمهورية 
(École républicaine):
كل تلميذ يحصدُ ما زرعَ (La méritocratie) دون تمييز بين ابن غني وابن فقير، ودون دروس خصوصية خارج أسوار المدرسة (كان معلمو السيزيام وأساتذة الباكلوريا يتطوّعون لتدريسنا ساعات زائدة مجانًا داخل المؤسسة). كنا نتقن الفرنسية والعربية قبل التعريب المشوّه بداية من سنة 1975 تاريخ تعريب تدريس مادة الفلسفة في عهد وزير التربية  إدريس ڤيڤة قبل مجيء محمد مزالي. لكننا كنا ونحن أساتذة (1974) ننتقد سياسة الانتقاء التي انتهجتها الدولة (يُحكَى أن من بين 100 يدخلون المدرسة الابتدائية، 14 منهم فقط كانوا يصلون إلى الجامعة).
-         كانت المدرسة توفّر لأولاد الفقراء القاربَ الوحيدَ للنجاة من الفقر، وتفتح لهم باب المِصعد الاجتماعي ليرتقوا من طبقةٍ إلى طبقةٍ أعلى وأفضلَ اجتماعيًّا ومادّيًّا.
-         كان الانضباطُ سائدًا (La discipline absolue) في كل المؤسسات التربوية وفي مراحل التعليم الثلاث، ابتدائي (6 سنوات) وثانوي (6 ثم 7 سنوات) وعالٍ (2 أو أربع سنوات).
Perrenoud, un grand pédagogue a dit : L`absence d`autorité chez les enfants est une forme de maltraitance
-         كان الدافع (La motivation) لدى التلميذ والمدرس دافعًا قويًّا ذاتيًّا داخليًّا (Un moteur interne).
-         كان المدرسُ مؤمنًا برسالته التربوية، وإيمانه القوي هذا هو الذي غطّى على عيوبه الأخرى، كالنقص في الكفاءة العلمية والنقص في التكوين البيداغوجي. كان إخلاصُه في العملِ يجعله يُعطي بسخاءِ، كان يُحضّر درسَه بِجِدٍّ ويُلقيه بجِدٍّ أكبرَ.

ب‌.   كيف أصبحت المدرسة العمومية اليوم في العشريات الثلاث الأخيرة (90-2019):
-         غابت أو قلّت فيها المبيتات المجانية في الثانوي.
-         لم تعد مجانية التعليم مطلقة: التلميذ الفقير اليوم مجبرٌ على دفع رسوم ومجبرٌ أيضًا على شراء كتبه وكراريسه وأقلامه.
-         ذهب الانضباط وحل محله التسيب لدى التلامذة والأساتذة والقيمين وضاع الاحترام الهرمي الضروري لسير الدروس في هدوءٍ وتركيزٍ.
-         الناجحون كثروا و"البركة ربي إجيبها".
-         فقدتْ المدرسة العمومية نقاوتَها وتراتُبِيّتَها وانضباطَها وعدالتَها وحسنَها وجمالَها وجاذبيتَها وحِنيّتَها وجمهوريتَها وإشعاعَها.. فقدت كل شيء إلا مًن رحمَ ربي.. وربي يستر العاقبة!
-         انتشرتْ الدروس الخصوصية باهظة الثمن، فانتفى تكافؤ الفرص بين أبناء الوطن الواحد وقلّ الخيرُ في بلادي وعمّت الأنانية والله يقدّر الخير!
-         ابن الفقير هو المتضرر الأكبر من هذا التغيير إلى الأسوأ: بيئتُه المتواضعةُ ماديًّا وثقافيًّا لا تؤهّله لمنافسة ابن الغني المسنود بالدروس الخصوصية، فعادةً ما يكون التلميذ الفقير ككيس تدريب على الملاكمة يُفرغ فيه المدرّس شحنةَ غضبِه، فينفر ويفشل ثم مبكرًا ينقطع تمامًا.  وإذا لم نُرَغِّبْه في التعلم ونُبَجله في القسم 
(Pédagogie différenciée
 فالعدالة في القسم تكمن في عدم المساواة بين الفقراء والأغنياء، نميّزُ ابن الفقير حتى يصل إلى مستوى ابن الغني في نفس القسم، خاصة إذا كان هذا الأخيرُ متفوقًا عليه بفضل الدروس الخصوصية. ابن الغني له سندٌ وهو المدرس المقاول، يأتيه إلى داره طامعًا صاغرًا ذليلا، أما ابن الفقير فلا سندَ لَهْ إلا الله والمدرسة العمومية.
Rousseau a dit: Donnez à l`enfant le désir d`apprendre et toute méthode sera bonne


خاتمة: تونس اليوم ليست أفقر ماديًّا من تونس الأمس، حتى توفر لتلاميذها ما وفرته تونس الأمس لتلاميذ الأمس، لكن يبدو أن إرادةَ تونس اليومَ أضعفُ ألف مرة من إرادة تونس الأمس.
Conclusion générale: Contrairement à ce qui a été décrit ci-haut, jamais je n’oserai affirmer que « c’était mieux avant » car ça se discute au café Chihi à Hammam-Chatt!
إمضاء مواطن العالَم
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
 و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الجمعة 22 مارس 2019.