jeudi 30 juillet 2020

صرخة ضد التمييز حسب العائلة أو المهنة أو الشهادة العلمية (الإيجابي والسلبي)! مواطن العالَم

 

1.     صرخة ضد التمييز  حسب العائلة (الإيجابي والسلبي):

يقولون: هذا "وِلدْ عائلة أو وِلدْ أصل". أتساءل: والآخر، وِلدْ مَن؟ هل هو وِلدْ ك..؟ من حسن حظ البشرية أن الأخلاق الهابطة والتربية السيئة كما الأخلاق العالية والتربية الجيدة لا تُورَّث جينيا بل الأولى تُكتسب بالكسل والثانية بالكد والجد والعمل فكل فردٍ قادرٍ إذن على اكتساب أخلاق عالية وتربية جيدة إذا أراد واجتهد.

 

2.     صرخة ضد التمييز حسب المهنة (الإيجابي والسلبي):

يُكتب على قفا بطاقة التعريف الوطنية التونسية مهنة حاملها: أستاذ، طبيب، مهندس، عامل يومي، متقاعد، إلخ.

تقود سيارتك الخاصة، ترتكب خطأ مروريًّا، يوقفك شرطي المرور ويطلب أوراق السيارة مع بطاقة الهوية فيخاطبك مبتسما إن كنت طبيبا أو أستاذا وعابسا إن كنت عاملا يوميا. أتساءل: ما الفرق في السياقة بين سائق طبيب أو سائق عامل؟ لعل العامل السائق يكون أفضل في السياقة من الطبيب السائق! ما دخل المهنة الأصلية للسائق في حذق السياقة؟ ما ذنب السائق العامل وبماذا يمتاز عنه الطبيب السائق في احترام إشارات المرور؟ لماذا يُمنح الطبيب السائق امتيازا من قِبل الشرطي ويُعامل معاملة حسنة وفي جل الحالات يُعفى من تطبيق القانون إذا أخطأ؟ لماذا لا يُمنَح العامل السائق نفس الامتياز من قِبل الشرطي ولماذا يُعامل معاملة سيئة وفي أغلب الأحيان تُسلَّط عليه عقوبة مالية إذا أخطأ؟ يبدو لي أن العاملَ الطيبَ أجدر بالمعاملة الحسنة من الطبيب التاجر أو الأستاذ مقاول الساعات الخصوصية وقد تخفي المهنة عورات لا نراها.

أطالب بحذف المهنة من بطاقة التعريف حتى يُعامَلَ التونسي في الطريق العام كمواطن وليس كطبيب أو عامل لأن الطبيبَ طبيبٌ في المستشفى أما خارج المستشفى فهو مواطن متساوٍ في الحقوق مع جميع المواطنين، اللهم إذا كان في مهمة في سيارة إسعاف.

يبدو لي أننا، نحن التونسيون، نخلط بين الحقوق والواجبات. الناس ليسوا سواسية في أداء الواجبات، العامل ليس كالطبيب، كلٍّ حسب اختصاصه لكنهم سواسية في الحقوق وبهذا فقط المواطن المتحضر عن المواطن غير المتحضر.

يُحكَى أن في دولة مصر الشقيقة يُكتب اسم الدين على بطاقة الهوية. يُحكَى أن في دول الغرب الصديقة لا يُكتب نوع المهنة ولا اسم الدين على بطاقة الهوية إذا وُجدت (في أمريكا لا توجد بطاقة تعريف عليها بصمتك وكأنك متهم)، والمقارنة مع الأحسن أفضل. من حسن حظي أنني لم أعد مميزا في بطاقة التعريف: في بطاقتي، حُذِفت كلمة أستاذ وحلت محلها كلمة متقاعد فأصبح المتقاعدون من مختلف المهن سواسية رغم أنوفهم.

 

3.     صرخة ضد التمييز حسب الشهادة العلمية (الإيجابي والسلبي):

عادة ما يتكبر بعض الناس بشهاداتهم العلمية ويصرّون على البحث عن التمييز الإيجابي ولا يرضون إلا بـمخاطبتهم بـ: "يا دكتور، يا أستاذ". لا يكون الدكتورُ دكتورا إلا في اختصاصه وعادة ما يكون اختصاصه ضيقا ومحدودا جدا فمثلا أنا -وأعوذ بالله من كلمة أنا- أنا دكتور في تعلمية البيولوجيا (يعني كيف تُعلِّم أو تتعلم البيولوجيا)، لكنني لا أفقه إلا القليل في أقرب الاختصاصات إلى اختصاصي مثل تعلمية الرياضيات أو الفيزياء ولا أفقه شيئا في الفقه والفلك والشعر والفن والجغرافيا والاقتصاد وصيد السمك وقائمة جهلي بالمعارف المتبقية أطول من نهر النيل وأتساوى مع أي إنسان عادي في غير اختصاصي وقد أضرّك أكثر مما أنفعك إذا استشرتني ووثقت فيّ في غير اختصاصي وقد يفيدك آخر ممن هو أقل مني شهائد وقد تجد في مجتمعنا دكتورا جاهلا بعديد المواضيع الاجتماعية الهامة وتجد فاقدَ شهائد أعلم منه بكثير في هذه المواضيع وقد صادفت بنفسي هذا الصنف النوعي من العالمين العِصاميين.

 

خلاصة القول: أنا أقف بشدة ضد التمييز حسب العائلة أو المهنة أو الشهادة العلمية (الإيجابي والسلبي)، لكنني في الوقت نفسه أقف وبحماس مع التمييز الإيجابي للمعاقين وكبار السن كأن نخصص مثلا حصة خاصة في كل وزارة لانتداب المعوقين عضويا أو نبجّل مسنا في الحافلة أو في الصف.

 

إمضائي المحيّن:

قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".

قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".

قال مواطن العالَم: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد". لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي. عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك، فإذا كانت مخالفة لإيديولوجيته، شجعك وشكرك، وإذا كانت غير مخالفة لإيديولوجيته تجاهلك واحتقرك. "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلما ويخفّف عني حملي؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى".

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 7 أكتوبر 2015.


mercredi 29 juillet 2020

قبل أن ننقد الدولة على ما لم تفعله، علينا أولا أن ننقد أنفسنا على ما كان في وسعنا أن نفعله ولم نفعله! مواطن العالَم

 

Le macro-pouvoir et le micro-pouvoir

تحديد المفهومَين باختصار واختزال شديدين خوفا من الوقوع في الخطأ الذي قد يجرني إليه تواضع اطلاعي:
أقصد بالـ(Le macro-pouvoir)، سلطة الرئيس ومستشاريه والحكومة ووزرائها والبرلمان ونوابه والدولة وجميع كبار مسؤوليها من رئيس المركز ورئيس البلدية إلى الوالي والمندوبين وغيرهم من القائمين على تنفيذ سياسة الدولة حتى لو كانت ضد قناعاتهم الشخصية أو الإيديولوجية.
أقصد بالـ(Le micro-pouvoir)، سلطة المدرس في المدرسة والموظف في الإدارة والشرطي في المركز وفي الطريق العام والميكانيكي في الورشة والطبيب في المستشفى أو في العيادة الخاصة والتاجر في المغازة والعامل في المصنع أو في الحقل أو في مقاولة بناء.

 

ملاحظة منهجية: التركيز في هذا المقال على نقد الـ Le micro-pouvoir، لا يعني البتة إغفال أو إهمال نقد الـLe macro-pouvoir، فالإثنان تربطهما علاقة جدلية ولكن لكل مقامٍ مقالٌ.

 

أوحَى إليّ بهذا المقال ما سمعته اليوم في المقهى من أستاذ جامعي، قال: "على الدولة أن تغلق نهائياً جل المعاهد العليا التي توجد داخل الجمهورية وخارج العاصمة. لقد سبق لي و درّستُ في واحد منها وشعرتُ بأن الإدارة والطلبة لا يتركوننا نتعمق في اختصاصنا ويجروننا جرّا إلى تضخيم الأعداد (gonfler les notes)  حتى يحققوا أعلى نسبة نجاح، على عكس ما يقع في كلية العلوم بالعاصمة التي درّستُ فيها أيضاً".

 

تعليقي الذي لم أقله للأستاذ لأنني يئست من زملائي لأن جل مَن خاطبتُ منهم لا يقبل النقد الذاتي:

"لو درّستَ يا أستاذ في هذه المعاهد العليا بنفس الجدية التي درّستَ بها في كلية العلوم لَما أصبح التعليم العالي في الداخل على ما هو عليه اليومَ من تسيّب، تسيّب يتحمل مسؤوليته الأستاذ قبل الطالب. أنا درّستُ 38 عاماً في الثانوي في تونس والجزائر ولم يفرض عليّ أحدٌ يوماً كيفية إسناد الأعداد أو كيفية التدريس. فما بالك بالأستاذ الجامعي في تونس؟ أنا أعرف أنه بَايُ زمانه ويحكم بأحكامه لذلك أرجوك، فقبل أن تنقد وزارة التعليم العالي على التسيب الذي قد تكون ساهمتْ فيه في المعاهد العليا الداخلية وبصورة غير مباشرة، عليك أولا أن تنقد نفسك على ما تسببتَ أنت فيه وبصورة مباشرة من عدم تعمق في اختصاصك ومن تضخيم غير مبرر في الأعداد".

 

كل فئة قطاعية تتهم بالفساد غيرها وترى في نفسها الفرقة الوحيدة الناجية: 

- المدرّسون يحمّلون مسؤولية تردّي التعليم في تونس للوزارة والإدارة والميزانية والبنية التحتية والبنية الفوقية والأولياء والرأسمالية والليبرالية والإمبريالية، لكنهم يستثنون أنفسهم. أنا لا أنكر أن كل هذه العناصر لها ضلع في ما وصلنا إليه اليوم من تخلف علمي لكن كلها تُعدُّ خارجة عن نطاق نفوذ الأستاذ. ماذا يفعل المدرس إذن في مثل هذه الحالة؟ حسب رأيي يبدأ بإصلاح نفسه ولا يبقى مكتوف الأيدي ينتظر إصلاح المنظومة وكذلك يفعل المواطن الواعي الناقد أو يستحي ويصمت، طبيبا كان المتحدث أو تاجرا أو مهندسا أو ممرضا أو موظفا أو فلاحا أو عاملاǃ


-
هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه التلامذة وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للمدرسين والقيمين والإداريين؟
-
هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المرضى وأولياؤهم، ووجهوا خلاله النقدَ للأطباء والممرضين والإداريين؟
-
هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه اليساريون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لأحزاب الجبهة الشعبية؟

- هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الإسلاميون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لحزب النهضة؟

- هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الليبراليون المستقلون، ووجهوا خلاله النقدَ لحزب نداء تونس؟

- هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه المسلمون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض مظاهر التدين الشائع والسائد منذ 14 قرناً؟

- هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه الشيوعيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ لبعض تجارب الماركسية في القرن العشرين؟

- هل سمعتم يوماً بمؤتمرٍ نظمه النقابيون المفكرون، ووجهوا خلاله النقدَ للنظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل؟

- قتلنا التعصب الأعمى للوطن والإيديولوجيا والقطاعية السخيفة (Le corporatisme) .

- هل سمعتم يوماً صاحب مهنة ينقد في وسائل الإعلام أداءه أو أداء زملائه أو منتمياً ينقد حزبه أو إيديولوجيته؟

 

أنا من جانبي فعلتُها بما تيسر لي من معرفة، نقدتُ علنا سيرتي المهنية والنقابية والفكرية وكثيرا من المثقفين التونسيين فعلوها قبلي وأحسن مني.

ماركس وَعَدَ بها عند كتابة "البيان الشيوعي" ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على الماركسيين الأرتدوكسيين أرتودكسيتهم (رأيهم هو الصراط الوحيد المستقيم).

كان محمد صلى الله عليه وسلم مجددا ويبدو لي أنه لو قام اليوم لأنكر على المسلمين السلفيين سلفيتهم الشكلية.
سارتر تمنى وتنبأ بانقراض مهنته كمثقف يفكر للآخرين.

فوق وقبل هؤلاء جميعا بـ14 قرن، فعلها القرآن الكريم ونقل لنا حرفيا حجج الشيطان في عصيان أوامر ربه وحجج غير المصدقين بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم.

بعد حفظ مقام القرآن الكريم، تصور اليوم مثلا جريدة "الضمير" لحزب حركة النهضة تخصص صفحة حرة لنقاد الحركات الإسلامية أو جريدة "صوت الشعب" لحزب العمال تخصص صفحة حرة لنقاد الأحزاب الشيوعية أو جريدة حزب حركة الشعب تخصص صفحة حرة لنقاد عبد الناصر وصدامǃ  ما أحوجنا لمثل هذا في زمننا هذاǃ

 

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي. 


Ma devise principale : « Faire avec » les conceptions non scientifiques (celles-ci ne sont pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication qui marche) « pour aller contre » ces mêmes conceptions et simultanément aider les autres à auto-construire leurs propres conceptions scientifiques
Mon public-cible: les gens du micro-pouvoir comme les enseignants, les policiers, les artisans, les médecins, les infirmiers, les employés de la fonction publique, etc

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 2 جانفي 2016.

 


mardi 28 juillet 2020

طوفان.. طوفان.. ولا سفينة في الأفق! مواطن العالَم



ملاحظة:
هذه الصرخة أسفله، صرختي أنا، صرخة مستوحاة من مقال "الطوفان والسفينة" لــنجيب محفوظ في الأهرام بتاريخ 14 ماي 1987، ص 31 من كتاب "حول العلم والعمل"، أعده للنشر فتحي العشري، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، 1996، 223 صفحة.

خطاب أوجهه إلى ممثلي السلطة، قبل وبعد الثورة (مثقف فقير مغمور مهمش):
دومًا تحثوني على تصديق وعودكم وأقوالكم التي تنفثونها صباحا مساءً في قنواتكم التي تملكونها في القطاع العام والخاص، يا مَن صممتم آذانكم على صرخة المظلوم وترتعدون جزعًا لصرخة الظالم، يا مَن لم يردعْكم دينٌ أو قانون، يا تجار الأوهام الدينية والديمقراطية، يا أعداءَ العدالة الاجتماعية، يا أحطَّ من دود الأرض، يا طفيليات الجسم الإجبارية، يا أمرّ من الانتظار، يا قدرًا مُقدّرًا علينا ليس من الله بل منكم أنتم أسوأ البشر، يا شُؤمًا في الغداة والرواح، يا ظُلما لم يكتبْه الله لنا، يا سُنّة لم يفرضها علينا الرسول صلى الله وسلّم، يا قمرَا أكمَدَ لا يضيءُ، يا شمسًا حارقةً لا تنيرُ، يا بلاءً لا ثوابَ يتلوهُ، يا وطنًا نَفِرُّ منه في قواربَ نجاةٍ، يا زارِعِي الإرهابَ في ربوعنا، يا مَن قتلتم الحلمَ في أعين صغارنا وسرقتم اللقمة والبسمة من أفواهنا، يا مَن تحالفتم مع أعدائنا وقزّمتم رموزَنا وأبطالَنا ودجّنتم ثم أجّرتم مثقفينا وكفاءاتنا. إني والله يائسُ تماما منكم، متشائمٌ حتى الثمالة، لا ثقة لي البتة في قولٍ أو فِعلٍ قد يصدر عنكم ولا في رجلٍ أو امرأةٍ ينطقُ أو تنطقُ باسمكم ولا في تاريخ أو حاضرٍ أو مستقبلٍ، أسلافُكم أو أنتم أو نسلُكم يكونون أبطالَه. أحقِد عليكم حقدا وجوديا، والله العظيم لو لم يحتسب الله حسنة لي غيره لدخلت به الجنة!

تعلمتُ واجتهدتُ ونلتُ أعلى الشهادات في أرقى الجامعات الفرنسية، ولم ألحَق بالجامعة بسبب محسوبيتكم فحولتموني من أستاذ ناجح محتمل إلى جليس مقاهي  كسول مبتذل،  الله لا يسامحكم! كتبتُ ثلاثة عشر كتابا، لم يُنشَر واحدٌ منها بسبب عدم تشجيعكم للمثقفين الأحرار. عملتُ ثماني وثلاثين سنة في مؤسساتكم وتقاعدتُ بمرتب لا يشبع ولا يُغني من جوع، ولا يحقق لي العيش الكريم، عشتُ محروما من مطالب الحياة الأساسية كالصحة المجانية والسفر وشراء الكتب والمشاركة في بناء غدٍ أفضل لي ولأبناء وطني، حرمتموني حتى من شراء خروف مثل جيراني في العيد الكبير وذلك لضيق ذات اليد. اقتلعتم من قلبي الأمل وسجنتموني في بلد كئيب، محاصرا بالزبالة والتلوث واللصوص والانتهازيين من جهة، وبأصحاب المليارات العابثين والمسؤولين الفاسدين من جهة أخرى، سجنتموني في مجتمع متدين حتى النخاع لكنه في أغلبه ضعيف الإيمان عديم الضمير، مجتمع أرضعتموه الخداع والنفاق ومَن تربّى على شيء فلن يكتسب غيره، مجتمع ينادي بلسان كاذب بسيادة العدل والقانون، مجتمع يمارس الصلاة والمنكر في نفس اليوم دون حياء، مجتمع يقول ما لا يفعل. هذا هو حالنا نحن التونسيون اليوم ولا يُستثنى منه إلا مَن سانده الحظ بأب غني أو أم غنية أو قريب إطار عالٍ في وزارة من وزاراتكم أو مَن وجد في دول الإنسان أو دول الخليج فرصة عمل تغير موازينه، فلا تحدثوني بعد اليوم عن ديمقراطيتكم أو انتخاباتكم أو وعودكم بالأمل والفلاح فلم ولن أصدقكم واتركوني أقصّر مدة انتظار الأجل المحتوم بالسجائر الرخيصة المهرّبة، وإذا لم تستحوا فافعلوا ما شئتم!

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد ولا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 18 سبتمبر 2015.



ما هي مواصفات الفرد التونسي التي أنتجها النمط الحضاري-الرأسمالي-المافيوزي في تونس خلال الستين سنة الأخيرة؟ فكرة ميشال أونفري، ترجمة وإضافة وتَونسة مواطن العالَم



لقيطُ حضاراتٍ، ليس بِـملحدٍ وليس بِـمسلِمٍ، شِبْهْ شِبْهْ، نصفُ جاهلٍ نصفُ مثقفٍ، مغرورٌ ومحدودٌ، طيّعٌ لرئيسِه صلبٌ مع مرؤوسيه، ضعيفٌ مع الأشدّاء شديدٌ مع الضعفاء، خبيثٌ وخُبثُه مفضوحٌ، يعبد الفلسَ ولا يعصَى له أمرًا، وإذا لم يكن بين يديه فهو يعرف أقرب السُبُل للوصولِ إليه، عاشقٌ للحيلة وتاركٌ للفضيلة، نبيٌّ مختص في التفاهات والأفكار البتراء وحب الذات الصغيرة، أناني حتى النخاع، مستهلكٌ للأساطير والخرافات، ثقيل الظل لم تغير من قِيَمِه السوقية ثورةٌ بأكملها، غيرُ مهذبٍ، غيرُ قارئٍ للكُتُبِ، قصيرُ الذاكرةِ، مُنبتٌّ لكنه يرى نفسَه أكثر أصالةً من الأصلِ، يتكلم عدّة لغات ولا يتقن أي لغةٍ منها، له استعداد وقابلية للرشوة والارتشاء في آن، يُدينُ العنصرية في الخارج ويُمارِسُها في الداخلِ، يُدافعُ عن حقوقِ المرأة في المقهى ويَدوسها بقدمية في المنزل، يقدّس أمه ولا يحترم أم أولاده، انتهازي بامتياز، ثوريُّ الخطابِ رِجعيُّ الفعلِ. ربي يخليه لُمّو!

يبدو لي أن هذا النوع من البشرِ التونسي لا يحتاج إلى مخ يفكر به، فنخاعٌ شوكيٌّ يكفيه لقضاء حاجاته الحيوانية، دون تعميمٍ طبعًا على كل التونسيين الذين يوجد من بينهم فقراء شرفاء وهم والحمد لله كُثْرٌ.

إمضائي
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 1 أفريل 2017.

Source d’inspiration: Politique du rebelle. Traité de résistance et d`insoumission. Michel Onfray, Ed Grasset, 1997, page 193
Haut du formulaire





lundi 27 juillet 2020

ماذا أنتظر من وزير السياحة القادم؟ ترجمة وإضافة وتونسة مواطن العالَم



J’attends de lui un changement de paradigme, c'est-à-dire une autre manière de voir le tourisme dans notre pays

أنتظر منك يا سيادة الوزير أربع أولويات: 1. السعي نحو تحقيق الاعتدال في انبعاثات غاز الكربون الناتجة عن تنقل السيّاح (8% من الانبعاثات الغازية المتسببة في الاحتباس الحراري في العالم متأتية من تنقل السيّاح عبر البحر والجو). 2. المحافظة على البيئة والمحيط، وإحياء قِيم التعاون والتضامن بين البشر والتبشير بعصر تتحقق فيه العدالة الاجتماعية على البسيطة كل البسيطة. 3. الإشعاع على الاقتصاد المحلي. 4. إعطاء روح ومعنى لمفهوم السياحة عمومًا.

أنتظر منك يا سيادة الوزير تغيير النمط السياحي في تونس من سياحة عدوة للبيئة إلى سياحة صديقة للبيئة، أي "سياحة مستدامة" (Paradigme du tourisme durable, équitable et solidaire) وذلك بالتأليف بين الأهداف الاقتصادية (جلبُ العُملة الصعبة للبنك المركزي) والأهداف الاجتماعية (خلق مواطن شغل إضافية، وتخصيص نسبة من الأرباح لبناء مدارس، وتكثيف اللقاءات بين الوافدين والسكان الأصليين وأخص بالذكر منهم حِرَفِيِّي الصناعات التقليدية والفلاحين والفلاحات البيولوجيين والفنانين الحداثيين والشعبيين) والأهداف البيئية (التقليل من الفضلات والمحافظة على الشواطيء، وتخصيص نسبة من الأرباح لحفر آبار عميقة من أجل تشجيع التشجير) والأهداف الأخلاقية (احترام سيادة تونس المسلمة ومراعاة عاداتها وتقاليدها خاصة خارج النزل).

أنتظر منك يا سيادة الوزير التذكير بأهمية السياحة كعامل أساسي في إحلال السلم ونشر التعارف بين الشعوب عملاً بالآية الكريمة "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (قرآن)، أي كيف نشجع الانفتاح على الآخر وكيف نكثّف التبادل الثقافي بين الأمم وكيف ننبذ إطلاق الأحكام المسبقة جُزافًا على الغير وكيف نتريّث في السير بعيدًا وكيف نتعلّم أن لا نتسرّع في الهروب إلى الأمام  في نوبة تشييد نُزُلٍ أكبر وأفخم، نُزُلٍ تحتاج إلى استهلاك المزيد من الطاقة الكهربائية والغازية، نُزُلٍ تهدد التوازن البيئي الهش.


أنتظر منك يا سيادة الوزير إنهاء نوبة بناء نُزُلٍ عملاقة (démesurés) تُرهق مائدتنا المائية المصابة أصلاً بفقر الدم وتجعل شواطئنا تغصّ بالمصطافين وتتسبب في ارتفاع مشط في أسعار العقارات، ارتفاع جنوني لا يقدر على مجاراته زَهرة شبابنا المقبل على الزواج والاستقرار والاستقلال في سكنٍ بثمنٍ يناسب دخلهم المتواضع في المُدن والقُرى التي ترعرعوا فيها.

أنتظر منك يا سيادة الوزير "سياحة خضراء" (Le tourisme de demain sera vert)، لقد وَلَّى عهدُ "السياحة بأعداد ضخمة" (Le tourisme de masse est derrière nous)، أنتظر منك إذن بعْث منوال سياحي بسيط وطبيعي يكون أقرب للإنسان والبيئة التونسية المتوسّطيّة الجميلة، منوال يردّ الاعتبار لسياحة الدرّاجات غير النارية والتنزّه على القدمين لمسافات متوسطة وطويلة.

أدعوك بكل لطف سيدي الوزير أن تحث حكومتك على تقديم مشروع قانون إلى البرلمان، قانون يسنّ ضريبة على كل سيّاح نُزل خمس نجوم، أجانب أو تونسيين، ضريبة نسمّيها " ضريبة التلوث"، ضريبة تصاعدية، تُحمّل السائح مسؤوليته، فمَن يتمتع أكثر أوتوماتيكيًّا يُلوّث أكثر، إذن يدفع أكثر حتى ولو أدّى الأمر إلى تقليص عدد مرتادي النزل الفاخرة، فَصِحّة المواطن التونسي أهم من جلْب العُملة الصعبة فالصحة أبجلُ وأعزُّ وأدْومُ.

احْذَرْ سيدي الوزير من التعويل على وعي المواطن التونسي فلو كان مواطننا واعيًا بِحِيل تجار السياحة لَما كان يرضى بالمعاملة العنصرية التي يلقاها كلما دخل نزلا يعج بالسيّاح الأوروبيين.

احْذَرْ أيضًا سيدي الوزير من الشركات السياحية العالمية والمحلية غير المنضبطة بأخلاقيات المهنة والتي تتلاعب وتتاجر بقِيم التضامن والحفاظ على البيئة.

أعز حاجة أنتظرها منك أنا شخصيًّا سيدي الوزير هي التالية: تمتيعُ السيّاح اللّيبيّين والجزائريّين والتونسيّين بتمييز إيجابي في أسعار النزل كتعويض لِما عانيناه في النُّزل السياحية التونسية من تمييز سلبي طيلة عقود وما زلتُ أذكر تلك "الحُـﭬرة" التي كنّا نُعامَلُ بها من قِبل العاملين في القطاع السياحي بدءًا بالعسّاس حتى النادل والمدير. كنا في السبعينيات في نزل في دوز يُطلَب منّا بِشَزَرِ الخروج من المسبح حالَما يطل طيف سائح أوروبّي واحد.

أخيرًا سيدي الوزير، أوصيك بتقديم الأهداف الإستراتيجية العاجلة والآجلة (الصحية والاجتماعية والبيئية) على الأهداف الاقتصادية العاجلة والسلام على مَن اهتدَى واتبع الهُدَى.

Source d’inspiration: Le Monde diplomatique, juillet  2020, extraits de l’article de  Geneviève Clastres, journaliste «À la recherche du voyage ‘’écoresponsable’’», pp. 14 & 15

إمضائي:
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران): صديق فيسبوكي موريطاني فهمها على أنها انتفاخٌ للأنا. ومَن كان أقسى مني على الأنا؟  إمضائي هذا أعني به "إذا لم تقبل الفكرة اليومَ فقد يأتي يومٌ وتتبناها، لا أكثر ولا أقل".
"وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة" جبران خليل جبران
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 جويلية 2020.


samedi 25 juillet 2020

حضرتُ اليوم ندوةً حول الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من وجهة نظر المالية الإسلامية؟ مواطن العالَم أصيل جمنة ولادةً وتربيةً



الجهة المنظمة: الجمعية التونسية للمالية الإسلامية ورئيسها آمال عمري (Amel Amri). زوجها علي الطبيب كان جالسًا جنبي فسألته: لماذا لا نقول رئيسة مؤنث رئيس؟ قال: الوظائف في العربية لا تؤنَّث، نقول مثلا عضو لا عضوة ونائب لا نائبة لكن لا عيب في تأنيثها. ملاحظة: تأسست الجمعية سنة 2011 بعد الثورة بعد طلب ترخيص، اليوم لا تحتاج الجمعيات إلى ترخيص، الإعلامُ بها يكفي.
الجهة المموِّلة للندوة (sponsoring): مصرف الزيتونة (Banque Zitouna)، البنك الإسلامي للتنمية (IsDB)، البنك التونسي للتضامن (BTS Bank)، بيت الإيجار المالي التونسي السعودي (Best Lease) و(KPMG).
عدد المحاضرين (9) وعدد المحاضرات (10): محاضر واحد، د. سليم بسباس، وزير مالية سابق بالنيابة في عهد الترويكا، قدّم محاضرتين، واحدة في الحصة الصباحية والثانية في الحصة المسائية.
الحضور: في الحصة الصباحية 34 مشارِكًا منهم 7 نساء. في الحصة المسائية 26 مشارِكًا منهم 7 نساء. أستنتجُ أن النساءَ أكثرَ مثابرةً من الرجال أو أن المسؤولينَ الكبارَ كلهم رجالٌ فهم عادة مشغولين، يفتتحون  ولا يحضرون الندوات كاملةً.
المكان وما أدراك ما المكان(Hôtel 5 étoiles Mövenpick, 400d la nuitée) : لقد سبق لي وحضرتُ فيه مؤتمرًا حول "الإرهاب-الإسلامي-الفاحش" كما عنونَه منظموه (رئاسة الجمهورية في عهد السبسي والاتحاد الأوروبي)  بتاريخ الثلاثاء 26 فيفري 2019 وكتبتُ عنه حينذاك ما يلي: نزلٌ لم أر مثله في حياتي (وأنتَ ماذا رأيتَ في حياتك يا موظف يا فَڤرِي؟)، رأيتُ رُخامًا في رخامٍ، السورُ نصف-رُخامي، الجدرانُ رُخامٌ، الأرضيةُ رُخامٌ، الوحدة الصحية رُخامٌ ولها قاعة انتظار فيه صالون (تكلفة بيت حمّام واحد تبني دارًا في حمام الشط!)، في بيت الراحة لم أتعرّف على مكان وعاء الصابون السائل إلا عندما سألتُ ولم أعرف كيف تُفتح حنفية بيت الحمّام إلا بعد لَأيٍ، بابُ بيت الحمّام يشبه باب "كوفر-فور بْلَنْدِي". قال لي الحارس: النزل يُمنَع فيه "الشراب" بأمر من صاحب أرض البحيرة 1 و2، السعودي الشيخ صالح الذي لا يعرف من المحرّمات إلا الخمر، ونَهْبُ ثروات الشعب السعودي، أليس حرامٌ في حرامٍ يا شيخ؟
البورجوازية التونسية تركتْ لنا، نحن العمال والموظفون الفقراء، تركتْ لنا العاصمة القديمة نُرَيِّفُها كما نشاء (والله سوق الخميس في دوز أنظف ألف مرة من نهج الجزيرة في العاصمة)، وشيدتْ لنفسها عاصمةً أنيقة نظيفة على أرض البحيرة 1 و2 ورفّعتْ في الأسعار فهجرها الفقراءْ دون مَنْعٍ قانوني.

يشتمل المقال على العناصر التالية (Plan de l’article):
1.     التحضيرات الشخصية قبل السفر إلى تونس.
2.     تأثيث الوقت الضائع قبل افتتاح المؤتمر.
3.     الحصة الصباحية.

لُبُّ المقال:
1.     التحضيرات الشخصية قبل السفر من حمام الشط إلى العاصمة:
للمرة الـ21 يشرّفني طاهر الطاهري، رئيس جمعية حماية واحات جمنة، بتمثيل جمنة في الندوات التي تخصها بالعاصمة. شرفٌ وأي شرفٍ. ولتمثيل جمنة الغالية وجب عليّ تحسين هندامي والظهور في أجمل صورة يسمح بها الموروث الجيني لحامله عبدكم الفقير لله محمد كشكار: ارتديتُ أفضل ما عندي، سورية بوخمسين دينار وسروال بوسبعين، من أغلى ما اشتريتُ في حياتي، هدية من ابنتي عبير الطالبة المقيمة في كندا، الله يرحم كندا وأهل كندا ويُدخلهم الجنة، مسلميهم ومسيحييهم ووبوذييهم، آمين يا رب العالمين، رب المسلمين وغير المسلمين. تذكرتُ: أول سروال اشتريتُه في حياتي كان ثمنه 1600 مليم (أجر 4 أيامات مرمّة مع البوهالي بمعدل 10 ساعات في اليوم في الصيف الصائف وأنا عمري 15 عامًا سنة 1965)، وأول صبّاط اشتريتُه، صبّاط ماجول وكان ثمنه 1200 مليم وأنا عمري 17 عامًا سنة 1968، وأول بدلة متناسقة (Costume) لبستُها وأنا عمري 17 أيضًا بمناسبة أول مرة أسافر فيها للدراسة في صفاقس، كانت بدلة مستعملة، هدية جلبتها لي خالتي من تونس عند زيارتها لجمنة، لبسها قبلي قنصل قريبُنا، ورغم أنها كانت أكبر من مقاسي فقد فرحت بها كثيرًا كثيرًا.

2.     تأثيث الوقت الضائع قبل افتتاح المؤتمر:
دخلتُ إلى قاعة المؤتمرات الفاخرة جدًّا، سألتُ عن آمال عمري كما أوصاني الطاهر، دكتورا في إدارة الأوقاف سنة 2019 من جامعة الزيتونة، قدمتُ لها نفسي، رحّبتْ بي وكانت صُحبة زوجها علي الطبيب، مستشار الجمعية وعضو مجلس شورى حزب النهضة، رحّبَ بي بحرارة أكبر وقال لي: أنا أصلي من مطماطة لكنني أقيمُ في حلق الوادي وجار للجمنين، السيد إبراهيم الجمني الخبّاز (إبراهيم الشويرف) والسيد الصغير اللقاني أبو الفنانين عفيف وزبير وبشير.
ثم بدأ يحدّثني عن علاقة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمالية الإسلامية فقال والعهدة على الراوي:
-         يُعتبَر الوقف (Fondations) أحد مكوّنات المالية الإسلامية وفرعٌ من فروعِ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
-         كُتِبَ أول وقف في بريطانيا في القرن 17 وكان ترجمة حرفية لحجة وقفية إسلامية.
-         أكبر عشر جامعات عالمية خاصة هي عبارة عن مؤسسات مموّلَة من قِبل أوقاف وهي كالتالي: هارفارد، يال، تكساس (1)، ستانفورد، برنستون، ماساتشوسيس، بنسلفانيا، متشيجن، تكساس (2)، نورثويسترن.
-         الجمعية التونسية للمالية الإسلامية أسست مؤسسة وقف نقدي (Le cash Wakf) في النيجر بحضور 4 وزراء نيجريين وكان أول المتبرعين مواطن جزائري اسمه محمد بوجلال، أستاذ جامعي في الاقتصاد، تبرّع بـألف أورو وأخذ فيهم حجة وقف (Reçu pour la traçabilité et la transparence dans la comptabilité du Wakf). من المفارقات أننا لا نستطيع فِعْلَ نفس الشيء في بلدنا تونس إلا بالتحايل على القانون.
-         الأمانة العامة للأوقاف الكويتية كانت من أكبر المتبرّعين لمنظمة الصحة العالمية (OMS) في أزمة الكوفيد-19.
-         في المالكية يوجد الوقف المؤقت لغاية أو لزمن: لزمن، مثلا كأن توقف مسكنا ثانيا لا تحتاجه وقتيًّا للأيتام لمدة 20 سنة ثم تسترجعه عندما تحتاجه. لغاية، مثلا كأن توقف منحة لطالب علم حتى يتخرّج.
-         قال الرسول، صلى عليه وسلم، لعمر: "حبّس الأصل وسبّل الثمرة" أي اجعل الثمرة للسبيل.
-         أول وقف مكتوب في الإسلام هو وقفة عمر: خصص منابه في أرض خيبر للسبيل.
حديثه حديثٌ جميلٌ لم أقرأه في كتاب ولم أسمعه في وسيلة إعلام تونسية، ثقافة إسلامية اقتصادية يفتقدها جل التونسيين وخاصة اليساريين منهم (par manque d’indigénisation).  حديثٌ شغلني قليلاً  عن الندوة، فقلتُ له مازحًا سأشتكيك عند الرئيسة. فقال: كل شيء إلا الرئيسة (زوجته)! وفعلاً شكوته، فقالت لي: "حتى ما قِيل في الندوة مهمٌّ أيضًا".

3.     الحصة الصباحية:
-         محاضرة د. بلعيد أولاد عبد الله وعنوانها "الأشكال القانونية التي يمكن أن يستوعبها قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التونسي وتطبيقاتها في العالم"، انتقدَ فيها المحاضر القانون الجديد، سمعتها للمرة الثانية. بعضُ مما جاء فيها: للاقتصاد الاجتماعي والتضامني عدة مقاربات: قانونية وتنظيمية واجتماعية وأخلاقية. قال أيضًا أن تجربة أحمد بن صالح في التعاضد لم تفشل وإنما أفشِلت بفِعلِ فاعِلٍ، والدليل على وجاهة طرحي أن في عصرها وُجِدَ بائعٌ ووُجِدَ شارٍ! ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الشاري لم يشترِ إلا لأنه يعلم مسبقًا أن التعاضدَ لن يدومَ، أما البائعَ فهو شخصٌ "على نيّاته". حقيقةٌ أكّدها مشكورًا للمرة الثانية.
-         محاضرة د. جمال الدين الغربي، وزير التنمية السابق في عهد الترويكا وعنوانها "التوجهات الإستراتيجية لتنزيل قانون الاقتصاد الاجتماعي والتضامني". أفضل وأعمق محاضرة قُدِّمتْ في الندوة. حادثتُه أثناء استراحة القهوة وأثناء الغداء، نقدت في حضرته حزب النهضة نقدًا فكريًّا شديدًا، سمعني بانتباه ووافقني، فوجدتُه رجلاً مهذبًا رقيقًا خَلوقًا وعالمًا باختصاصه (savoir savant).
قال: L’ESS est un nouveau paradigme، والمهم فيه ليس نسبة مساهمته في الناتج المحلي الخام (PIB) بل في تحقيق سعادة المجتمع وإقلاعه نحو الرقي والتقدم وذلك عن طريق إعادة الثقة بين أفراده حتى يتحول الإنسان من ذئبٍ لأخيه الإنسان (هوبز) إلى سندٍ لأخيه الإنسان، وأعطَى مثالاً مقارنًا بين تونس وكوريا الجنوبية: سنة 1970 أخذت كوريا قرضًا أسست به شركة سامسونـﭬ، وفي نفس العام أخذت تونس قرضًا أسست به شركة الأثير. كيف أصبحت سامسونـﭬ اليوم وكيف أصبحت الأثير؟ الدور الأساسي للاقتصاد الاجتماعي والتضامني يتمثل أساسًا في استرجاع رأس المال القِيمِي الرمزي قبل رأس المال المادي. إهمالُنا لرأس مالنا الثقافي هو الذي أعاق نهضتنا، فبأي فردٍ سنؤسس اليوم تعاونيات؟ وهذا الهَمُّ الوجوديُّ لا يقدر على حمله إلا براديـم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ براديـم يرتكز على 6 أنواع مختلفة من رأس المال: Capital humain (moral et valeurs) + Capital social + Capital culturel + Capital naturel (pétrole, phosphate, Musée des Antiquités) + Capital de connaissances + Capital institutionnel  

أثناء النقاش، تدخلتُ أنا وقلتُ: "تدخلي هذا يحتوي على 4 عناصر وهي التالية:
-         ملاحظة أقولها على الهامش.
-         سؤالان للمحاضر بلعيد أولاد عبدالله.
-         لو تسمحوا سأوجه نقدًا جريئًا لمنظمي الندوة.
-         لو تسمحوا سأوجه لومَين لحزب النهضة لارتباطه إيديولوجيًّا بالمالية الإسلامية موضوع ندوتنا الموقّرة.
-         الملاحظة: اعذروني لصراحتي الفظّة، لقد استفدتُ من الحديث الجانبي مع علي الطبيب أكثر من استفادتي من الندوة رغم أنني لا أنكر أهميتها بالمرّة.
-         السؤالان للمحاضر بلعيد أولاد عبدالله: 1. ماذ تَعيب على تجربة جمنة؟ 2. لم أفهم جيدًا سبب إصرارك على عدم إطلاق مفهوم "المنوال" على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ (لم يمكّنوه من وقت للإجابة وبقي سؤالايَ معلّقَين).
-         النقدُ الجريءُ لمنظمي الندوة: إقامتُكم لندوتِكم هذه في نزل 5 نجوم لا يتماشى مع أخلاقيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ولا مع أخلاقيات المالية الإسلامية؟ (أجابتني الرئيسة كالأتي: "لسنا نحن مَن يدفع!". لم تقنعني إجابتُها لأن إدانتي موجهةٌ للفعل أكثر منها موجهةٌ للفاعل.
-         أخيرًا سأخبركم بما لم يسمحوا لي بقوله في الندوة، لا ألوم عليهم، لهم الحق في ذلك: 1. لوم جمني أوجهه لقيادات حزب النهضة على المستوى الوطني بالعاصمة، قلت قيادات حزب النهضة على المستوى الوطني بالعاصمة وأخص بالذكر منهم كبيرهم الشيخ راشد الغنوشي، ولم أقل قيادات حزب النهضة على المستوى الجهوي بـبلي (النائب محبوبة ضيف الله ساندتنا بقلبها وجوارحها ولسانها وفعلها كما لم يساندنا أحد، سلامي وشكري إلى محبوبة صديقتي وأخت صديقي المؤرخ محمد ضيف الله): قيادات حزب النهضة على المستوى الوطني بالعاصمة، لماذا لم تقفوا مع تجربتنا في أولها، باستثناء عبد اللطيف المكي وشكيب درويش وأمان الله المنصوري مشكورين. 2. لوم فكري عام: اعتمادًا على ما تعلمته اليوم من النهضاوي علي الطبيب حول المالية الإسلامية وعلاقتها بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني كان بإمكانكم النأيُ بأنفسكم وعن جدارة عن المنوال الاقتصادي الليبرالي والاقتراب أكثر من المنوال الاقتصادي الاشتراكي الديمقراطي على النمط الأسكندنافي، فعلٌ حسنٌ لم تفعلوه ووددتُ أنا اليساري محمد كشكار أن تفعلوه.

إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 25 جويلية 2020.