mardi 28 juillet 2020

طوفان.. طوفان.. ولا سفينة في الأفق! مواطن العالَم



ملاحظة:
هذه الصرخة أسفله، صرختي أنا، صرخة مستوحاة من مقال "الطوفان والسفينة" لــنجيب محفوظ في الأهرام بتاريخ 14 ماي 1987، ص 31 من كتاب "حول العلم والعمل"، أعده للنشر فتحي العشري، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، 1996، 223 صفحة.

خطاب أوجهه إلى ممثلي السلطة، قبل وبعد الثورة (مثقف فقير مغمور مهمش):
دومًا تحثوني على تصديق وعودكم وأقوالكم التي تنفثونها صباحا مساءً في قنواتكم التي تملكونها في القطاع العام والخاص، يا مَن صممتم آذانكم على صرخة المظلوم وترتعدون جزعًا لصرخة الظالم، يا مَن لم يردعْكم دينٌ أو قانون، يا تجار الأوهام الدينية والديمقراطية، يا أعداءَ العدالة الاجتماعية، يا أحطَّ من دود الأرض، يا طفيليات الجسم الإجبارية، يا أمرّ من الانتظار، يا قدرًا مُقدّرًا علينا ليس من الله بل منكم أنتم أسوأ البشر، يا شُؤمًا في الغداة والرواح، يا ظُلما لم يكتبْه الله لنا، يا سُنّة لم يفرضها علينا الرسول صلى الله وسلّم، يا قمرَا أكمَدَ لا يضيءُ، يا شمسًا حارقةً لا تنيرُ، يا بلاءً لا ثوابَ يتلوهُ، يا وطنًا نَفِرُّ منه في قواربَ نجاةٍ، يا زارِعِي الإرهابَ في ربوعنا، يا مَن قتلتم الحلمَ في أعين صغارنا وسرقتم اللقمة والبسمة من أفواهنا، يا مَن تحالفتم مع أعدائنا وقزّمتم رموزَنا وأبطالَنا ودجّنتم ثم أجّرتم مثقفينا وكفاءاتنا. إني والله يائسُ تماما منكم، متشائمٌ حتى الثمالة، لا ثقة لي البتة في قولٍ أو فِعلٍ قد يصدر عنكم ولا في رجلٍ أو امرأةٍ ينطقُ أو تنطقُ باسمكم ولا في تاريخ أو حاضرٍ أو مستقبلٍ، أسلافُكم أو أنتم أو نسلُكم يكونون أبطالَه. أحقِد عليكم حقدا وجوديا، والله العظيم لو لم يحتسب الله حسنة لي غيره لدخلت به الجنة!

تعلمتُ واجتهدتُ ونلتُ أعلى الشهادات في أرقى الجامعات الفرنسية، ولم ألحَق بالجامعة بسبب محسوبيتكم فحولتموني من أستاذ ناجح محتمل إلى جليس مقاهي  كسول مبتذل،  الله لا يسامحكم! كتبتُ ثلاثة عشر كتابا، لم يُنشَر واحدٌ منها بسبب عدم تشجيعكم للمثقفين الأحرار. عملتُ ثماني وثلاثين سنة في مؤسساتكم وتقاعدتُ بمرتب لا يشبع ولا يُغني من جوع، ولا يحقق لي العيش الكريم، عشتُ محروما من مطالب الحياة الأساسية كالصحة المجانية والسفر وشراء الكتب والمشاركة في بناء غدٍ أفضل لي ولأبناء وطني، حرمتموني حتى من شراء خروف مثل جيراني في العيد الكبير وذلك لضيق ذات اليد. اقتلعتم من قلبي الأمل وسجنتموني في بلد كئيب، محاصرا بالزبالة والتلوث واللصوص والانتهازيين من جهة، وبأصحاب المليارات العابثين والمسؤولين الفاسدين من جهة أخرى، سجنتموني في مجتمع متدين حتى النخاع لكنه في أغلبه ضعيف الإيمان عديم الضمير، مجتمع أرضعتموه الخداع والنفاق ومَن تربّى على شيء فلن يكتسب غيره، مجتمع ينادي بلسان كاذب بسيادة العدل والقانون، مجتمع يمارس الصلاة والمنكر في نفس اليوم دون حياء، مجتمع يقول ما لا يفعل. هذا هو حالنا نحن التونسيون اليوم ولا يُستثنى منه إلا مَن سانده الحظ بأب غني أو أم غنية أو قريب إطار عالٍ في وزارة من وزاراتكم أو مَن وجد في دول الإنسان أو دول الخليج فرصة عمل تغير موازينه، فلا تحدثوني بعد اليوم عن ديمقراطيتكم أو انتخاباتكم أو وعودكم بالأمل والفلاح فلم ولن أصدقكم واتركوني أقصّر مدة انتظار الأجل المحتوم بالسجائر الرخيصة المهرّبة، وإذا لم تستحوا فافعلوا ما شئتم!

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -واقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد ولا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 18 سبتمبر 2015.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire