الجهة
المنظمة: الجمعية التونسية للمالية الإسلامية ورئيسها آمال عمري (Amel Amri). زوجها علي الطبيب كان
جالسًا جنبي فسألته: لماذا لا نقول رئيسة مؤنث رئيس؟ قال: الوظائف في العربية لا
تؤنَّث، نقول مثلا عضو لا عضوة ونائب لا نائبة لكن لا عيب في تأنيثها. ملاحظة:
تأسست الجمعية سنة 2011 بعد الثورة بعد طلب ترخيص، اليوم لا تحتاج الجمعيات إلى
ترخيص، الإعلامُ بها يكفي.
الجهة المموِّلة
للندوة (sponsoring): مصرف الزيتونة (Banque Zitouna)، البنك الإسلامي
للتنمية (IsDB)، البنك التونسي للتضامن (BTS Bank)، بيت الإيجار المالي
التونسي السعودي (Best Lease) و(KPMG).
عدد
المحاضرين (9) وعدد المحاضرات (10): محاضر واحد، د. سليم بسباس، وزير مالية سابق بالنيابة
في عهد الترويكا، قدّم محاضرتين، واحدة في الحصة الصباحية والثانية في الحصة
المسائية.
الحضور: في الحصة الصباحية 34 مشارِكًا منهم 7 نساء.
في الحصة المسائية 26 مشارِكًا منهم 7 نساء. أستنتجُ أن النساءَ أكثرَ مثابرةً من
الرجال أو أن المسؤولينَ الكبارَ كلهم رجالٌ فهم عادة مشغولين، يفتتحون ولا يحضرون الندوات كاملةً.
المكان وما
أدراك ما المكان(Hôtel 5 étoiles Mövenpick, 400d la nuitée) : لقد سبق لي وحضرتُ
فيه مؤتمرًا حول "الإرهاب-الإسلامي-الفاحش" كما عنونَه منظموه (رئاسة
الجمهورية في عهد السبسي والاتحاد الأوروبي) بتاريخ الثلاثاء 26 فيفري 2019 وكتبتُ عنه حينذاك
ما يلي: نزلٌ لم أر مثله في حياتي (وأنتَ ماذا رأيتَ في حياتك يا موظف يا فَڤرِي؟)،
رأيتُ رُخامًا في رخامٍ، السورُ نصف-رُخامي، الجدرانُ رُخامٌ، الأرضيةُ رُخامٌ، الوحدة الصحية
رُخامٌ ولها قاعة انتظار فيه صالون (تكلفة بيت حمّام واحد تبني دارًا في حمام
الشط!)، في بيت الراحة لم أتعرّف على مكان وعاء الصابون السائل إلا عندما سألتُ
ولم أعرف كيف تُفتح حنفية بيت الحمّام إلا بعد لَأيٍ، بابُ بيت الحمّام يشبه باب
"كوفر-فور بْلَنْدِي". قال لي الحارس: النزل يُمنَع فيه
"الشراب" بأمر من صاحب أرض البحيرة 1 و2، السعودي الشيخ صالح الذي لا
يعرف من المحرّمات إلا الخمر، ونَهْبُ ثروات الشعب السعودي، أليس حرامٌ في حرامٍ
يا شيخ؟
البورجوازية
التونسية تركتْ لنا، نحن العمال والموظفون الفقراء، تركتْ لنا العاصمة القديمة
نُرَيِّفُها كما نشاء (والله سوق الخميس في دوز أنظف ألف مرة من نهج الجزيرة في
العاصمة)، وشيدتْ لنفسها عاصمةً أنيقة نظيفة على أرض البحيرة 1 و2 ورفّعتْ في
الأسعار فهجرها الفقراءْ دون مَنْعٍ قانوني.
يشتمل المقال
على العناصر التالية (Plan de l’article):
1. التحضيرات الشخصية قبل السفر إلى تونس.
2. تأثيث الوقت الضائع قبل افتتاح المؤتمر.
3. الحصة الصباحية.
لُبُّ المقال:
1. التحضيرات الشخصية قبل السفر من حمام الشط إلى العاصمة:
للمرة الـ21 يشرّفني طاهر الطاهري، رئيس جمعية حماية
واحات جمنة، بتمثيل جمنة في الندوات التي تخصها بالعاصمة. شرفٌ وأي شرفٍ. ولتمثيل جمنة
الغالية وجب عليّ تحسين هندامي والظهور في أجمل صورة يسمح بها الموروث الجيني
لحامله عبدكم الفقير لله محمد كشكار: ارتديتُ أفضل ما عندي، سورية بوخمسين دينار
وسروال بوسبعين، من أغلى ما اشتريتُ في حياتي، هدية من ابنتي عبير الطالبة المقيمة
في كندا، الله يرحم كندا وأهل كندا ويُدخلهم الجنة، مسلميهم ومسيحييهم ووبوذييهم،
آمين يا رب العالمين، رب المسلمين وغير المسلمين. تذكرتُ: أول سروال اشتريتُه في
حياتي كان ثمنه 1600 مليم (أجر 4 أيامات مرمّة مع البوهالي بمعدل 10 ساعات في
اليوم في الصيف الصائف وأنا عمري 15 عامًا سنة 1965)، وأول صبّاط اشتريتُه، صبّاط
ماجول وكان ثمنه 1200 مليم وأنا عمري 17 عامًا سنة 1968، وأول بدلة متناسقة (Costume) لبستُها وأنا عمري 17
أيضًا بمناسبة أول مرة أسافر فيها للدراسة في صفاقس، كانت بدلة مستعملة، هدية
جلبتها لي خالتي من تونس عند زيارتها لجمنة، لبسها قبلي قنصل قريبُنا، ورغم أنها
كانت أكبر من مقاسي فقد فرحت بها كثيرًا كثيرًا.
2. تأثيث الوقت الضائع قبل افتتاح المؤتمر:
دخلتُ إلى قاعة المؤتمرات الفاخرة جدًّا، سألتُ عن آمال
عمري كما أوصاني الطاهر، دكتورا في إدارة الأوقاف سنة 2019 من جامعة الزيتونة، قدمتُ
لها نفسي، رحّبتْ بي وكانت صُحبة زوجها علي الطبيب، مستشار الجمعية وعضو مجلس شورى
حزب النهضة، رحّبَ بي بحرارة أكبر وقال لي: أنا أصلي من مطماطة لكنني أقيمُ في حلق
الوادي وجار للجمنين، السيد إبراهيم الجمني الخبّاز (إبراهيم الشويرف) والسيد
الصغير اللقاني أبو الفنانين عفيف وزبير وبشير.
ثم بدأ يحدّثني عن علاقة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالمالية
الإسلامية فقال والعهدة على الراوي:
-
يُعتبَر الوقف (Fondations) أحد مكوّنات المالية
الإسلامية وفرعٌ من فروعِ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني.
-
كُتِبَ أول وقف في بريطانيا في القرن 17 وكان
ترجمة حرفية لحجة وقفية إسلامية.
-
أكبر عشر جامعات عالمية خاصة هي عبارة عن مؤسسات
مموّلَة من قِبل أوقاف وهي كالتالي: هارفارد، يال، تكساس (1)، ستانفورد، برنستون، ماساتشوسيس،
بنسلفانيا، متشيجن، تكساس (2)، نورثويسترن.
-
الجمعية التونسية للمالية الإسلامية أسست
مؤسسة وقف نقدي (Le cash Wakf) في النيجر بحضور 4
وزراء نيجريين وكان أول المتبرعين مواطن جزائري اسمه محمد بوجلال، أستاذ جامعي في
الاقتصاد، تبرّع بـألف أورو وأخذ فيهم حجة وقف (Reçu pour la traçabilité et la transparence
dans la comptabilité du Wakf). من المفارقات أننا
لا نستطيع فِعْلَ نفس الشيء في بلدنا تونس إلا بالتحايل على القانون.
-
الأمانة العامة للأوقاف الكويتية كانت من
أكبر المتبرّعين لمنظمة الصحة العالمية (OMS) في أزمة الكوفيد-19.
-
في المالكية يوجد الوقف المؤقت لغاية أو
لزمن: لزمن، مثلا كأن توقف مسكنا ثانيا لا تحتاجه وقتيًّا للأيتام لمدة 20 سنة ثم
تسترجعه عندما تحتاجه. لغاية، مثلا كأن توقف منحة لطالب علم حتى يتخرّج.
-
قال الرسول، صلى عليه وسلم، لعمر: "حبّس
الأصل وسبّل الثمرة" أي اجعل الثمرة للسبيل.
-
أول وقف مكتوب في الإسلام هو وقفة عمر: خصص
منابه في أرض خيبر للسبيل.
حديثه حديثٌ جميلٌ لم أقرأه في كتاب ولم أسمعه في وسيلة
إعلام تونسية، ثقافة إسلامية اقتصادية يفتقدها جل التونسيين وخاصة اليساريين منهم
(par manque
d’indigénisation). حديثٌ شغلني قليلاً
عن الندوة، فقلتُ له مازحًا سأشتكيك عند الرئيسة. فقال: كل شيء إلا الرئيسة
(زوجته)! وفعلاً شكوته، فقالت لي: "حتى ما قِيل في الندوة
مهمٌّ أيضًا".
3. الحصة الصباحية:
-
محاضرة د. بلعيد أولاد عبد الله وعنوانها
"الأشكال القانونية التي يمكن أن يستوعبها قانون الاقتصاد الاجتماعي
والتضامني التونسي وتطبيقاتها في العالم"، انتقدَ فيها المحاضر القانون
الجديد، سمعتها للمرة الثانية. بعضُ مما جاء فيها: للاقتصاد الاجتماعي والتضامني
عدة مقاربات: قانونية وتنظيمية واجتماعية وأخلاقية. قال أيضًا أن تجربة أحمد بن
صالح في التعاضد لم تفشل وإنما أفشِلت بفِعلِ فاعِلٍ، والدليل على وجاهة طرحي أن
في عصرها وُجِدَ بائعٌ ووُجِدَ شارٍ! ماذا يعني ذلك؟ يعني أن الشاري لم يشترِ إلا لأنه يعلم
مسبقًا أن التعاضدَ لن يدومَ، أما البائعَ فهو شخصٌ "على نيّاته". حقيقةٌ
أكّدها مشكورًا للمرة الثانية.
-
محاضرة د. جمال الدين الغربي، وزير التنمية
السابق في عهد الترويكا وعنوانها "التوجهات الإستراتيجية لتنزيل قانون الاقتصاد
الاجتماعي والتضامني". أفضل وأعمق محاضرة قُدِّمتْ في الندوة. حادثتُه أثناء
استراحة القهوة وأثناء الغداء، نقدت في حضرته حزب النهضة نقدًا فكريًّا شديدًا،
سمعني بانتباه ووافقني، فوجدتُه رجلاً مهذبًا رقيقًا خَلوقًا وعالمًا باختصاصه (savoir savant).
قال: L’ESS est un nouveau paradigme، والمهم فيه ليس نسبة
مساهمته في الناتج المحلي الخام (PIB) بل في تحقيق سعادة
المجتمع وإقلاعه نحو الرقي والتقدم وذلك عن طريق إعادة الثقة بين أفراده حتى يتحول
الإنسان من ذئبٍ لأخيه الإنسان (هوبز) إلى سندٍ لأخيه الإنسان، وأعطَى مثالاً مقارنًا
بين تونس وكوريا الجنوبية: سنة 1970 أخذت كوريا قرضًا أسست به شركة سامسونـﭬ، وفي نفس العام أخذت تونس قرضًا أسست به شركة الأثير. كيف أصبحت
سامسونـﭬ اليوم وكيف أصبحت الأثير؟ الدور الأساسي للاقتصاد الاجتماعي
والتضامني يتمثل أساسًا في استرجاع رأس المال القِيمِي الرمزي قبل رأس المال
المادي. إهمالُنا لرأس مالنا الثقافي هو الذي أعاق نهضتنا، فبأي فردٍ سنؤسس اليوم
تعاونيات؟ وهذا الهَمُّ الوجوديُّ لا يقدر على حمله إلا براديـﭬم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ براديـﭬم يرتكز على 6 أنواع مختلفة من رأس المال: Capital humain (moral et valeurs) + Capital
social + Capital culturel + Capital naturel (pétrole, phosphate, Musée des
Antiquités) + Capital de connaissances + Capital institutionnel
أثناء النقاش، تدخلتُ أنا وقلتُ: "تدخلي هذا يحتوي
على 4 عناصر وهي التالية:
-
ملاحظة أقولها على الهامش.
-
سؤالان للمحاضر بلعيد أولاد عبدالله.
-
لو تسمحوا سأوجه نقدًا جريئًا لمنظمي الندوة.
-
لو تسمحوا سأوجه لومَين لحزب النهضة لارتباطه
إيديولوجيًّا بالمالية الإسلامية موضوع ندوتنا الموقّرة.
-
الملاحظة: اعذروني لصراحتي الفظّة، لقد استفدتُ
من الحديث الجانبي مع علي الطبيب أكثر من استفادتي من الندوة رغم أنني لا أنكر
أهميتها بالمرّة.
-
السؤالان للمحاضر بلعيد أولاد عبدالله: 1.
ماذ تَعيب على تجربة جمنة؟ 2. لم أفهم جيدًا سبب إصرارك على عدم إطلاق مفهوم
"المنوال" على الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؟ (لم يمكّنوه من وقت
للإجابة وبقي سؤالايَ معلّقَين).
-
النقدُ الجريءُ لمنظمي الندوة: إقامتُكم
لندوتِكم هذه في نزل 5 نجوم لا يتماشى مع أخلاقيات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني
ولا مع أخلاقيات المالية الإسلامية؟ (أجابتني الرئيسة كالأتي: "لسنا نحن مَن
يدفع!". لم تقنعني إجابتُها لأن إدانتي موجهةٌ للفعل
أكثر منها موجهةٌ للفاعل.
-
أخيرًا سأخبركم بما لم يسمحوا لي بقوله في
الندوة، لا ألوم عليهم، لهم الحق في ذلك: 1. لوم جمني أوجهه لقيادات حزب النهضة
على المستوى الوطني بالعاصمة، قلت قيادات حزب النهضة على المستوى الوطني بالعاصمة وأخص
بالذكر منهم كبيرهم الشيخ راشد الغنوشي، ولم أقل قيادات حزب النهضة على المستوى الجهوي
بـﭬبلي (النائب محبوبة ضيف الله ساندتنا بقلبها وجوارحها ولسانها
وفعلها كما لم يساندنا أحد، سلامي وشكري إلى محبوبة صديقتي وأخت صديقي المؤرخ محمد
ضيف الله): قيادات حزب النهضة على المستوى الوطني بالعاصمة، لماذا لم تقفوا مع تجربتنا
في أولها، باستثناء عبد اللطيف المكي وشكيب درويش وأمان الله المنصوري مشكورين. 2.
لوم فكري عام: اعتمادًا على ما تعلمته اليوم من النهضاوي علي الطبيب حول المالية
الإسلامية وعلاقتها بالاقتصاد الاجتماعي والتضامني كان بإمكانكم النأيُ بأنفسكم
وعن جدارة عن المنوال الاقتصادي الليبرالي والاقتراب أكثر من المنوال الاقتصادي
الاشتراكي الديمقراطي على النمط الأسكندنافي، فعلٌ حسنٌ لم تفعلوه ووددتُ أنا
اليساري محمد كشكار أن تفعلوه.
إمضاء مواطن العالَم
أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا
الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى
الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La
spiritualité à l`échelle individuelle).
"النقدُ
هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ
القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت
كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى
فجرٍ آخَرَ" جبران
لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ
والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ
بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 25 جويلية
2020.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire