mardi 21 juillet 2020

بماذا تتباهون على الصغارْ يا كبارْ؟ مواطن العالَم



خدعكم مخكم بِوهم "إعادة ترتيب الذاكرة" فزيّن لكم الماضي جنة وجعلكم تتباهون بذكريات من صنع خيالكم. أيَتباهى العاقل بخيبتِه، بفشلِه، بِخنوعِه لِنِظامَينِ ديكتاتورِيَّيْنِ طيلة نصفِ قرنٍ؟ خطّطتم لِما نحن فيه اليوم أم لم تخططوا؟ أنتُم في الحالَتَين مُدانونَ!
نحن الصغارْ كما تسمّوننا تحقيرًا، نحن نقرأ ونكتُبُ أكثر منكم ألفَ مرةٍ. نحن مُدوِّنون بالملايين في تويتر والفيسبوك. مَن أدراكم أن قِراءاتِكم أفضلُ؟ أو لغتُكم أسلمُ؟ أو ثقافتَكم أوسَعُ؟ ألَمْ نساهم بوسائلنا الحديثة في الاحتجاجات والانتفاضات والثورات في العالَم أجمع؟ مَن استعملها و مَن وظفها؟ ألم يُخلِّصنا الحاسوبُ من عقدة الخط الرديء التي طالما عانيتم أنتم منها؟  ألمْ يصحّح الحاسوب ويقلّل من أخطائنا المعرفية والإملائية والنحوية؟
ألَم يكن حُلم أجدعْ مثقفٍ فيكم أن ينشر مقالا في جريدة بعد استجداء رئيس التحرير؟ أما نحن اليوم فكل واحد فينا، مثقفٌ أو غير مثقفٍ، يملك جريدة ألكترونية، نكتب فيها بكل حرية ما نشاءُ، فيقرؤنا وأحيانًا يستفيد من خَربَشاتِنا - في لحظتها وبالآلاف - المصريُّ والعُمانيُّ والكَنديُّ والطليانيُّ.
ألسنا أبناءَكم وأحفادَكم؟ فلو كنا أشبالاً فأنتم أسودٌ، ولو كنا غير متربّين كما تلوكون فلمن يرجع "الفضلُ" يا فضلاء؟
في زمانكم، كانت كل القرية تطير فرحًا لو تخرّج لها طبيبٌ واحدٌ أو مهندسٌ واحدٌ. واليوم نحن جامعيون بمئات الآلاف، دون عملٍ قارٍّ..آيْ نعم.. لكننا أصحابُ شهائدٍ وأعلَمُ منكم.
تتباهون علينا بنظامكم التربوي البورﭬيبي بعد الاستقلال وأنتم أول ضحاياه، نصفكم مستوى ابتدائي ونصف النصف دون باكلوريا والباقي مثقفون جهلة بالعلم أو متعلمون غير مثقفين،  جلكم موظفون عموميون فقراء دائمون. فبماذا بربكم تتباهون؟ هو فقط الحنين هزكم إلى أيام طفولتكم وشبابكم. حنينٌ زيّن لكم أيامكم وردية وهي في الغالب رمادية، فاتركونا وشأننا نعيش زماننا كما عشتم أنتم زمانكم. 

خاتمة: مواليد الخمسينيات وشباب السبعينيات، أحييكم.. كثيرٌ منكم، قرأتم، تعلمتم، طالعتم، اطلعتم، تثقّفتم، ثقّفتم، ناضلتكم، سُجِنتم، اجتهدتم وبجِد ونزاهة عمِلتم، لكن وللأسف في كل مشاريعكم الثورية والفكرية فشلتم.
جُلكم، كذبتم، مبادءكم خنتم، خرجتم، هَمَلتم، سافرتم، شربتم، سكرتم، تنازلتم، ذللتم، جبنتم، بذّرتم، وعن العملِ في بعض الأحيانِ تقاعستم، وفي كل الدروبِ الملتوية مشيتم، وكل أبوابِ المتعة الرخيصة طرقتم، ولأحلام والِدَيكما ولطموحاتِهما فيكم في أغلب الحالاتِ خَذَلتم، واليوم وبعد نفاذِ البطارية تحوّلتم وربما ندمتم، فلم أعد أعرفكم، ثم عقلتم، تُبتُم واستغفرتم، وفينا حصدتم ما زرعتم.  الله يسامحنا ويسامحكم.
إنجازٌ "عظيمٌ" وحيدٌ فريدٌ، أشكركم عليه: أخفَيْتم عن أولادكم سِرَّكم وأظهرتم لهم حِرصكم على مستقبِلِهم، حِرصٌ فرضته عليكم العولمة الرأسمالية لكنه حِرصِ كحرص مربّ على فوزِ حصانه في السباق.

إمضائي
"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو
"نَحْنُ نسأل مَن نكون في هذا الحاضر؟ لا لنكتشف مَن نَحْنُ فقط بل لنرفض مَن نَحْنُ، أي أن نتخيل كيفية وجود مُغايِرة، تأكيدًا لحق الاختلاف، حق الآخر...". فوكو (عمر بوجليدة، 2013)
"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران)

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 5 أكتوبر 2017.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire