mercredi 31 juillet 2013

آراء غريبة سمعتها من بعض المنتسبين إلى الإسلام السياسي المعاصر، و كمسلم غير إسلامي، معارض غير مُعادِ، و غيور على تراثي، وددت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض و تبتلعني! مواطن العالَم د. محمد كشكار

آراء غريبة سمعتها من بعض المنتسبين إلى الإسلام السياسي المعاصر، و كمسلم غير إسلامي، معارض غير مُعادِ، و غيور على تراثي، وددت في تلك اللحظة أن تنشق الأرض و تبتلعني! مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 12 نوفمبر 2012.

ملاحظة منهجية هامة:
لن أذكر الأسماء و المكان و الزمان و القناة لأن غايتي ليست التشهير بالأقوال أو القائلين أو مرجعيتهم الدينية. لن أصدر حكما أخلاقيا على ما بدر منهم. لن أندهش مما سمعته و لن أعمّم صدمتي على كافة الإسلاميين و ذلك اقتداءً بالمنهجية العلمية المناهضة للتعميم و عملا بقيمها السامية. و أخيرا، أنا أنأى بنفسي عن ثلب و تجريح الأفراد مهما كان الانتماء الديني أو السياسي لهؤلاء الأفراد  مع احتفاظي بحق الانتقاد المطلق لبعض أفكارهم التي تبدو لي غير علمية.

أخذت كل هذه الاحتياطات المنهجية العلمية احتراما لأصدقائي الإسلاميين الحقيقيين و الافتراضيين و هم كُثرٌ، أصدقائي الذين يحترمونني و لم أتلق منهم حتى الآن أي رد وقح أو فج على مقالاتي العديدة النقدية لأفكار و سلوكيات القلة القليلة من بعض المنتسبين إلى الإسلام السياسي.

1.     قال المذيع
لن أتكلم عن المسلمين المدونين أو "الفيسبوكيين" العاديين المتعصبين و عن ما يكتبونه و ينشرونه من سموم عنصرية و عدوانية ضد غير المسلمين نكاية و شماتة في الأمريكان بمناسبة الكارثة الإنسانية التي حلت بمدينة نيويورك الأمريكية بعد مرور إعصار "صاندي".

سأتكلم خصيصا عن أحد أعضاء رابطة "العلماء" المسلمين، و أخص بالذكر "العالِم" الذي يحث المسلمين على الدُّعاء على الأمريكيين  بأن يهلك الله أكبر عدد منهم في إعصار "صاندي"، إعصار سلطه الله عليهم - حسب رأيه - عقابا لهم على إنتاج فيلم مسيء للرسول، صلى الله عليه و سلّم.
رد عليه محتجا، مفتي السعودية قائلا: لا يجوز دعاءك عليهم كلهم بالهلاك لأنه قد يكون فيهم مسلمين.
فأجابه "عالِمنا" "الجليل" قائلا: المسلمون منهم، ينجيهم الله.

2.     قال رئيس حزب إسلامي تونسي غير حاكم
باب التوبة الوحيد المتوفر للمسلم الشاذ جنسيا هو أن يقر بجرمه و يسلّم نفسه للحاكم المسلم فينفذ فيه هذا الأخير حكم الله الذي يتمثل في الإعدام و ذلك برميه على رأسه من أعلى قمة في البلاد. 
و قال أيضا أن أكل لحم الخنزير و شرب "الكوكا" إثر  الأكل مباشرة يسبّب الإصابة بالشذوذ الجنسي الخنثوي لأن هذا الخليط الغذائي يُكثر من الجينات الأنثوية داخل جسم الذكر.

3.     قال أحد رموز الإسلام السياسي المصري
لا يحق للأقباط المصريين أن ينشدوا و يرددوا ترانيمهم الدينية المسيحية خارج كنائسهم لأنهم موجودون في أرض الإسلام.
و قال أيضا، ردا على متدخل نعت الإسلاميين المتظاهرين المحتجين على النائب العام بالملتحين: أيها الحليق.

4.     قال الناطق الرسمي باسم السلفية الجهادية التونسية:
أسامة بن لادن شامة في جبين الأمة الإسلامية.

5.     قال أحد رموز السلفية المصرية الذي بارك أو شارك أو حضر و شاهد تفجير تمثال بوذا من قبل طالبان أفغانستان:
نحن مكلفون و يجب علينا تحطيم الأهرامات المصرية لأنها أصنام تُعبد من غير الله.
رد عليه مباشرة أحد قادة حزب حركة النهضة التونسي قائلا: لماذا لم يحطمها عمر بن العاص في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه؟
قال: لأن عمر بن العاص لم تتوفر لديه إمكانيات التفجير التكنولوجية التي تتوفر لدينا اليوم.

الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.



mardi 30 juillet 2013

La religion islamique : a-t-elle intérêt à s’allier aux gouvernements des pays musulmans ? C. M. Dr. M. K.


La religion islamique, a-t-elle intérêt à s’allier ou appuyer des gouvernements dans les pays islamiques ? Le cas de la Tunisie et de l’Egypte. Citoyen du Monde Dr Mohamed Kochkar.

En Tunisie et en Egypte, la société peut demeurer religieuse telle qu’elle l’a été depuis 15 siècles et telle qu’elle l’est maintenant, mais l’état moderne islamique - dans le sens civilisationnel du terme - doit, nécessairement, être laïque (ou populaire car le terme « laos » veut dire peuple. 

Si la religion islamique appuie ou s’allie aux gouvernements des pays islamiques, elle partagerait le discrédit éventuel que pourrait être subi par ces gouvernements temporels.

Il me paraît  que la religion islamique pourrait ajouter à cette influence qui lui est propre, la puissance artificielle et temporaire des lois de la charia et l’appui inconditionné des pouvoirs matériels qui dirigent la société islamique. On a vu dans l’histoire, ancienne et contemporaine, de la civilisation musulmane, des ulémas ou fakihs unis aux gouvernements (Exemples : les Mutazilites de Maamoun, les Quadirites de son successeur, Ibn taymya, Gazhali , Tourabi au Soudan, Gazhali en Algérie, Karadhaoui au Quatar, Taliban en Afghanistan, Hezbollah au Liban, chiites en Irak, les ayatollahs en Iran (ou docteurs iraniens en théologie musulmane), les frères musulmans en Egypte, la Nahda en Tunisie, etc.), dominer en même temps les citoyens musulmans et non musulmans par la terreur et par la foi ; mais lorsque la religion islamique contracte une semblable alliance diabolique, en tant que musulman, je ne crains pas de le dire, elle agit comme pourrait le faire un arriviste : elle sacrifie son avenir en vue de son présent, et en obtenant une puissance qui ne lui est point due, elle expose son légitime pouvoir spirituel aux attaques des opposants  autochtones et étrangers.

Il me paraît que la religion islamique n’a point besoin de l’appui d’un pouvoir temporel particulier, quelle que soit son poids matériel, pour se propager pacifiquement à travers le monde entier : l’exemple de la conversion volontaire de millions de musulmans occidentaux et le cas historique atypique de l’islamisation pacifique de l’Indonésie (le pays musulman, le plus peuplé de citoyens musulmans au monde, presque 200 millions d'individus indonésiens), grâce au prosélytisme des commerçants  musulmans, sans aucune participation des fanatiques d’Allah ou jihadistes armés, en sont des preuves intangibles.

J’ai paraphrasé et adapté, à notre situation socio-politique arabo-musulmane, le texte sur l'église catholique du Guy Haarscher dans son livre « La laïcité », 2010, page 105.

Date de la première publication sur le net
Tabarka, le 15 janvier 2013.



dimanche 28 juillet 2013

مقارنة طريفة بين الخطاب المزدوج لدى بعض النهضاويين و الهوية المزدوجة لدى بعض الشيوعيين؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

مقارنة طريفة بين الخطاب المزدوج لدى بعض النهضاويين و الهوية المزدوجة لدى بعض الشيوعيين؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 4 ماي 2013.

يلوم بعض الشيوعيون على بعض النهضاويين خطابَهم المزدوج و المراوح بين الديمقراطية و السلفية، و الواقع أن "الجمل لا يرى اعوجاج رقبته".
و يتميز بعض الشيوعيون بهوية مزدوجة و أنا لا أدين الاثنين بل أتفهم تذبذبهم الشرعي.
كيف و لماذا؟

أخص بالذكر من بين الاثنين المعنيين، أصدقائي الأعزاء الحميمين المحترمين الذين أعرفهم أكثر و أعتبرهم إليَّ أقرب، و هم رفاقي الشيوعيين حتى و لو خرجت عن خطهم الأرتودوكسي و انتقدتهم  بقسوة، فالاختلاف في الرأي و الإيديولوجية لا يفسد حسب ظني للود و الاحترام قضية. كنت أردد دائما أن الشيوعيين و أعني بهم بعض المنتمين إلى الأحزاب الشيوعية التونسية الكبرى الثلاثة (حزب العمّال و حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحّد و الحزب الوطني الاشتراكي الثوري) الذين ينهون عن ممارسة الازدواجية في الخطاب و يأتون بمثلَها، و أقول عنهم أنهم يحاولون - على الأقل في خطاباتهم العلنية و في بياناتهم الرسمية - الظهور بمظهر المواطن اليساري المسالم الاشتراكي الديمقراطي - من أمثالي و أمثال بعض رفاقي - و لا يعلنون عن "ستالينيتهم" إلا في الحلقات الحميمية الضيقة و يعترفون علنا بالهوية العربية الإسلامية و يضمرون سرا الهوية الماركسية اللينينية الستالينية الأممية.

عندما يسمع مني هذا النوع من الخطاب المشار إليه أعلاه، كان صديقي و جليسي في المقهى يحتج عليَّ قائلا: "الستالينية موجودة كانْ في مخك أنتَ"، فأجيبه الإجابة التالية لكنه يصرّ و يلحّ و يعيد على مسامعي نفس الاتهام و كأنني لم أحاججه و كأنه لم يسمعني:

-         قال أحد المنتمين إلى حزب العمال: لو نزعوا صورة من الصور الأربع (ماركس و أنجلز و لينين و ستالين) لاستقلت من الحزب.
-         قال الثاني غاضبا من انتقادنا جرائم ستالين ضد الإنسانية و هو المنتمي إلى الحزب الاشتراكي الوطني الثوري: ما العيب في أن يقتل ستالين الثلثين لإصلاح الثلث؟
-         أما الثالث و بعد سماع خطابي الهجومي على ستالين، أهداني مشكورا كتابا حول ستالين، و بعد قراءته لا زلت أحتفظ به حتى الآن في مكتبتي الفقيرة فقر صاحبها الفكري و المادي.
Un autre regard sur Staline, Ludo Martens, EPO, Belgique, 1994, 350 pages
-          و أما الرابع و هو أحد أهم منظري الحزب الوطني الاشتراكي الثوري فقد وضع في أعلى الصفحه الأولى (البروفيل) لحسابه الفيسبوكي، على اليمين صورة ستالين في زي عسكري و على اليسار صورة لينين في زي مدني و في الوسط صورة ستالين في زي بروليتاري و هو يخطب أمام مئات الآلاف من الجماهير السوفياتية.

أنا أتفهم موقف الرفاق و لا أنكر عليهم ازدواجية هويتهم لكن أذكّرهم فقط بالجملة البليغة للفيلسوف اليساري المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".

و لا أشك لحضة في حسن نواياهم حتى و لو كانت "ستالينية" الشعارات. و هذا الكلام لا أعتبره فارغا أو حشوا أو مجاملة أو رمي ورود و لو أنهم أحق الناس بأزهار الربيع كلها، و إنما العبرة بالوسيلة و ليست بالغاية عكس ما يقول المَثَل البراڤماتي الصلف الوقح "الغاية تبرّر الوسيلة". يبدو لي أن الغاية لا تبرر الوسيلة، و العبرة بالوسائل و ليس بالغايات، و الشعار الذي سبق بين ظفرين هو أخطر شعار على الديمقراطية و الأخلاق الحميدة لأن الغاية و مهما كانت نبيلة - و في الغالب كل الغايات نبيلة في جميع الأديان و الإيديولوجيات باستثناء غايات الشيطان الجهنمية - تسقط سقوطا عموديا لو اعتمدنا العنف للبلوغ إليها. هم يتبنون غايات ستالين الشيوعية النبيلة و لكن إلى حد الآن لم يستعملوا وسائله غير الإنسانية في السعي لتحقيق هذه الغايات.

و لا ألومهم لأنني كنت مثلهم - في السبعينات من القرن العشرين - شابا ثوريا، أردد شعارات لينين و ماو و ستالين الرنانة و الجذابة، و كنت مثلهم أيضا أتمنى أن ألتحق بالثورة الفيتنامية أو الثورة الشيوعية في ظُفار العُمانية، لكنني تغيرت و عدّلت مواقفي و تخليت نهائيا عن إيديولوجيتي الشيوعية و اقتربت أكثر من الاشتراكية الديمقراطية و ابتعدت أكثر عن ديكتاتورية البروليتاريا و تعلقت أخيرا و حديثا بالأنظمة الأسكندنافية التي زاوجت بنجاح بين مكتسبات الاشتراكية و مكتسبات الليبرالية الفكرية، و لا يضيرني البتة تذكيري بماضيَّ الشبابي، غير أنني أصبحت اليوم أنهي بصدق و إخلاص عن ممارسة الازدواجية في الخطاب و الهوية و لا آتي بمثلَها.

تفهّمت رفاقي الشيوعيين، لذلك أتفهم إخواني النهضاويين أيضا، و أظن أن  الإخوان صادقون - على الأقل على مستوى خطابهم - عندما يقولون أن السلفيين يذكّرونهم بشبابهم مثل ما تذكرني أنا الشيوعية بشبابي بعد أن تخليت عن أسوأ ما فيها (ديكتاتورية البروليتاريا و العنف الثوري المسلّح وعبادة الشخصية والحتمية و غياب حرية الرأي و المعتقد و الحزب الواحد المهيمن و الزعيم الأوحد المعصوم... إلخ)  و تمسّكت بأفضل ما فيها ("من كل حسب جهده و لكل حسب حاجته" و المساواة التامة و الكاملة بين المرأة و الرجل و صنع تاريخ البشرية بالبشر أنفسهم و مبدأ الأممية الرائع و التنكر للقومية و الوطنية الشوفينية الضيقة و نبذ العنصرية اللونية و العرقية... إلخ).

الإمضاء
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه" عبد الله العروي.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
الكتابة بالنسبة لي، هي مَلْءُ فراغ، لا أكثر و لا أقل، و هواية أمارسها و أستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن أن تتخيلوها.
تحية دائمة و متجددة لزملائي المربين: في ألمانيا المعلمون أعلى دخلاً في البلد، وعندما طالب القضاة والأطباء والمهندسون بالمساواة ؛ ردت عليهم ميركل: كيف أساويكم بمن علّموكم؟
قال ويليام بلوم: لو كان الحب أعمى فـالوطنية الشوفينية الضيقة الإقصائية  و المتعصبة فاقدة للحواس الخمس.




samedi 27 juillet 2013

دردشة طاولة ثقافية في مقهى عادي: هل حكومة النهضة تحكم أو لا تحكم الآن في الدولة التونسية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

دردشة طاولة ثقافية في مقهى عادي: هل حكومة النهضة تحكم أو لا تحكم الآن في الدولة التونسية؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 12 جانفي 2012.

عندما أُعلِن أنها دردشة مقهى فهي بالفعل دردشتها. جلسة مقهى مسائية تضم رجال تعليم متعاطفين مع النهضة  أو يساريين معارضين لها. سوف أصوغ مقالي هذا على شكل أسئلة إنكارية مع بعض الأجوبة السطحية البسيطة، و هذا التمشي الجديد في الكتابة ليس تقية مني بل هو اعتراف شخصي مني بأن الحقل السياسي التونسي الحالي، حقل ملغّم و أنا لا أملك خريطة توزع و انتشار ألغامه، و لست مختصا في التحليل السياسي. هي خواطر سمعتها و أحاول نقلها بكل أمانة صحفية علّها تساعدكم على طرح المزيد من الأسئلة، أو تشجع البعض منكم على مدّنا بأجوبة مقنعة و شافية إن كنتم من النهضاويين الصادقين المؤمنين بمشروعكم السياسي، الخائفين على فشله في أول تجربة ديمقراطية تونسية، العارفين بخبايا الأمور و الذين يؤمنون بتبادل الحوار البنّاء مع الفرقاء السياسيين و الأيديولوجيين و المثقفين و الفنانين، المثقفون المنادون بإضافة بند في الدستور الجديد، بند بجرّم الإقصاء، إقصاء التونسي المعارض أو المخالف.

قال المتعاطف الأول: لماذا لم تستشر النهضة حلفاءها قبل الإعلان عن التسميات التجمعية في قطاع الإعلام؟

قال المتعاطف الثاني: و لماذا تعين كوادر عُلْيَا من الموالين قديما للتجمع؟

قال اليساري الأول: أعضاء التجمع، يُعدّون بالملايين و كل حزب سياسي يسعى لاستقطابهم لتقوية شوكته الانتخابية المقبلة بتوظيف قوتهم و تنظيمهم المحكم و تواجدهم القديم في كل مفاصل النظام البائد و تجربتهم في ممارسة الحكم بحلاله و حرامه، و حزب النهضة سيد العارفين بالماكيافيلية السياسية، و الدليل تحالفه مع أمريكا و قطر، قطر أكبر حليف لأمريكا و توجد على أرضها الصغيرة أكبر قاعدة أمريكية انطلقت منها الطائرات الأمريكية لضرب العراق في حرب الخليج 2003.

قال المتعاطف الثالث: لماذا جنّدت حكومة النهضة مناضليها لاستقبال المقاوم المناضل الفلسطيني الغزاوي اسماعيل هنية استقبالا رسميا يليق برؤساء الدول، و هي تعي جيدا أن أكبر المساعدات الغربية يسيطر عليها اليهود الأمريكيون و الأوروبيون؟

قلت أنا: يبدو أن جل قطاعات السلطة غير خاضعة تمام الخضوع لسلطة حكومة النهضة: جل أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل المنتخبين الجدد بما فيهم الأمين العام يساريين و يبدو لي أننا قادمون على سجال عظيم مع حكومة الـ"ترويكا" و رب يستر من المواجهات العنيفة أو المعطلة للوظيفة العمومية و للاستثمار المحلي و الأجنبي، قطاع الصحافة يقوم بوقفات احتجاجية ضد قرارات التعيين الارتجالية المستعجلة في قطاعهم المستقل عن الحاكم و الحزب الحاكم، نقابة التعليم العالي استقبلت بـ"كل حزم" أمام وزارة التعليم العالي، الكوادر العليا للإدارة التونسية و معهم 12 ألف من الفنانين يتوجسون خيفة من وزراء النهضة و لم يطمئنهم أحد حتى الآن. هل استنفذ السبسي ميزانية الحكومة و عيّن المئات من السفراء و الديبلوماسيين و المديرين العامين قصدا لإفشال حكومة النهضة؟

قال اليساري الثاني: لماذا يتنازل التكتل و المؤتمر عن حقهم في ممارسة السلطة داخل الحكومة الثلاثية الائتلافية و هما مكونان من مكوناتها الأساسية؟

قال اليساري الثالث: لماذا أدان الغنوشي في تلفزة باعث القناة كل الاعتصامات الهمجية التي تعطّل سير المرافق العامة و لم يدن اعتصام كلية منوبة و لم يتحدث عنه تماما؟

قال اليساري الرابع: لماذا يصرّح المرزوقي في تونس تصريحا ديبلوماسيا يدعو فيه الحكومة الجزائرية للتعاون من أجل تنمية الشريط الحدودي المشترك، و عندما يذهب إلى ليبيا يصرّح تصريحا معاديا للنظام العسكري الجزائري الحاكم الذي قال عنه أن جيشه "الوطني الباسل" خطف عنوة و ظلما الحكم من أفواه الإسلاميين الذين فازوا بأغلبية الأصوات في الانتخابات الديمقراطية سنة 1988؟

قلت أنا: كيف يستقبل بوتفليقة ضيفه الغنوشي استقبال الرؤساء و نحن نعرف ماذا فعل جيش الأول بحلفاء  الثاني من سنة  إلى  1988 إلى 2012؟

قال المتعاطف الرابع شاهرا رأيه و ليس سيفه: اتركوا النهضة تعمل و امنحوها ثقتكم و هي ستوصلكم إن شاء الله إلى بر الأمان.

أضاف اليساري الأول: و كيف ستوصلنا إلى بر الأمان و الدولة فالسة و الاستثمار المحلي و الأجنبي خائف؟ اللهم تمطرنا قطر و أمريكا و أوروبا بسيل من القروض و المعونات و الهبات كما فعلوا مع الاقتصاد التركي في بداية حكم أردوقان التركي الإسلامي.

قلت أنا و كررها بعدي جل الجالسين: كان الأجدر بالنهضة أن لا تشارك في الحكومة المؤقتة و تتركها لحكومة توافقية واسعة مكونة من وزراء "تقنوقراط" مستقلين حتى يحين موعد الانتخابات البرلمانية و الرئاسية، لأن حكم تونس الآن يشبه عش الدبابير و كل من يدخله ملسوع ملدوغ مهما كانت مرجعيته و غطاءه و شعبيته و شطارته.

خلاصة القول: أنا كيساري غير ماركسي من نوع خاص و نادر جدا و منبوذ و مقصي من رفاق الدرب النضالي النقابي اليساري القاعدي على مدى 35 سنة تعليم ثانوي، غير منبت عن ثقافته التونسية العربية الإسلامية و متفتح على كل الأيديولوجيات و الأديان، أتماهى ببساطة و تبعية فكرية مع ما قاله برهان غليون في الفقرة الموالية: "أنا لست ضد تيارات الفكر الإسلامي أبدا. فهي تشكل في نظري رافدا أصيلا و أساسيا في الثقافة العربية الحديثة، و من دونها ستفقد هذه الثقافة الكثير من حيويتها و عمقها و توترها الذي يدفعها للتجديد و الإبداع. لكنني لا أعتقد أن تجسيداتها السياسية أو الحركات السياسية الناشئة في حضنها و التي تستلهم طروحاتها، تملك، على الأقل حتى الآن، حلا للأزمة المجتمعية العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية بسبب انهيار مشاريع تحديثها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. لكن ليس هناك ما يمنع هذه الحركات أن تتطور و تطور فكرها السياسي في المستقبل و تتبنى القاعدة الديمقراطية (هذه ما حصل إلى حد ما في تركيا). و عندئذ سوف تلعب من دون شك دورا أساسيا في إعادة البناء الاجتماعي و السياسي و الأخلاقي العربي، و في إخراج مجتمعاتنا المنهارة من أزمة ضياع الوجهة و الهوية و انعدام الآفاق و نقص القدرات و العجز عن مواجهة التحديات الخارجية و الداخلية، و بالتالي من التمزق و القلق و انعدام الاستقرار و انفلات النزاع و الصراع في كل اتجاه".

إضافة م. ع. د. م. ك: أما تشاؤمي أنا، فيبدو لي أكثر عمقا من تشاؤم برهان غليون لأنني أؤمن مثل ميشيل فوكو أن السلطة موزعة بين أفراد المجتمع و ليست مجمعة كما قد يتراءى للبعض في يد الثلاثي الائتلافي الحاكم المسمى بالـ"ترويكا" المتمثلة في  رئيس الحكومة النهضوي و رئيس المجلس التأسيسي التكتلي و رئيس الجمهورية المؤتمري أو السلط المركزية السيادية الثلاث. خلافا لما سبق، أنا أرى أن السلطة مبثوثة في المجتمع كالعهن المنفوش فالشرطي سلطة و الأستاذ سلطة و الجزار سلطة و البنّاء سلطة و العامل سلطة و النقابي سلطة و الأم في البيت سلطة أما الدولة و مهما كانت صِدْقِيتها و نزاهتها و حرفيتها فهي لن تستطيع وحدها تغيير كل هذه السلط إلى الأفضل في فترة وجيزة.

أنا منذ زمان تخليت عن إيماني بالثورة المفاجئة و الراديكالية و أصبحت أؤمن بالتغيير المفاهيمي البطئ الذي يحوّل تصورات المواطنين غير العلمية إلى تصورات علمية ناجحة و ناجعة و ذلك عن طريق مشوار فردي طويل و شاق بالتربية و التعليم و التكوين عبر جيل أو جيلين مثل ما فعلت كوريا الجنوبية في بداية نهضتها في السبعينات و لن تحدث هذه النهضة إلا بالتركيز على التعليم كقاعدة علمية للنهوض بالمجتمع دون تجاهل العوامل المهمة الأخرى كالصحة و الثقافة و التشغيل و إدماج القيم العلمية في تدريس المواد العلمية و لا نترك تربية أبنائنا لُقمة سائغة ينهشها الدعاة الدجالون المشعوذون السياسيون أو المفكرون أو المتدينون المتعصبون محدودي الثقافة حتى الإسلامية منها أو الأيديولوجيون أو المثقفون المنبتون أو الأجانب الانتهازيون الطامعون. كلهم محتكري منابر في الجوامع و المساجد أو قاعات السينما أو الصحف و الفيسبوك و التويتر و الأنترنات و الإذاعات و التلفزات الوطنية و الأجنبية.

إمضاء م. ع. د. م. ك. المتكرّر و المحيّن و المتطور و المتغيّر دائما حسب قراءاتي الجديدة و المتنوّعة في كل المجالات المعرفية الحديثة غربيا و عربيا

ينبغي التوضيح بداية أن النقد يعني عندي الكشف عن الاستخدامات المتعددة و المتباينة للمفهوم في السياقات الاجتماعية و التاريخية المختلفة. مما يعني أيضا كسر صنمية المفهوم أو عدم تحويل المفهوم إلى صنم جامد، له دائما المعنى نفسه و الاستخدام نفسه و الوظيفة ذاتها. برهان غليون.

إضافة م. ع. د. م. ك: كما وجهت نقدي للمفاهيم القاموسية المتداولة غير الدقيقة مثل مفهوم اليسارية و العَلمانية و الديمقراطية و الإسلام و الاشتراكية و حقوق الإنسان و حرية التعبير و المساواة بين المرأة و الرجل و حرية المعتقد و غيرها. و هو نفس النقد الذي وجهته و لا زلت أوجهه لمفاهيم العلم و المعرفة و التعليم و التربية و التكوين و اليسارية و العَلمانية و  القومية و التراث الإسلامي و الإسلاميين و الستالينيين و القوميين و المنبتين ثقافيا و المنحازين للغرب دون غربلة أو نقد، و قد حاولت من خلال هذا النقد الهدام و البنّاء في الوقت نفسه أن أبين الاستخدامات غير العلمية التي تعرضت لها كل هذه المفاهيم في السياق الغربي و العربي الحديث.

أنا أعتبر نفسي سليل الفكر الإسلامي و القومي و الماركسي و الليبرالي و الإنساني معا (إضافة م. ع. د. م. ك: أعيد الترتيب و أقول: أنا أعتبر نفسي سليل الفكر الماركسي و اليساري الليبرالي الإنساني النقدي معا و الإسلامي في العقد الأخير فقط). فليس هناك تمثل من دون نقد. فأنا أعتبر نفسي ثمرة النقد المثلث للإرث الإنساني الليبرالي و الماركسي و القومي (إضافة م. ع. د. م. ك: و الإسلامي منذ عام 2000) و لا أعتبر نفسي غريبا عنه في مكوناته المختلفة. و أنا سليل هذه المكونات الفكرية بمعنى أنني ثمرة لها و في الوقت نفسه ثمرة التأمل النقدي فيها. برهان غليون.

Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites. Sartre

جميع الأديان و النظريات الفكرية تتحول بعد فترة معينة من أنظمة منفتحة إلى أنظمة منغلقة و دغمائية. هاشم صالح.

فأي دين يستخدم سياسيا بدون أي تأطير علمي أو نقدي يتحول بسرعة إلى إيديولوجيا ظلامية. محمد أركون.

العقل الفلسفي هو نقدي تساؤلي استفزازي بالضرورة. و بالتالي فيشكل السلاح الفعال ضد جميع الانغلاقات الدغمائية و الأيديولوجية. هاشم صالح.

"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".

لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.

يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد، بناءً كان أو هدّاما.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.

"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".

عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو غير ديمقراطي من يتصور أنه يملك البديل جاهزا.

L’intellectuel est une création du XIXè siècle qui disparaîtra à la fin du XXè ou du XXXè parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même. Jean-Paul Sartre

Faire avec les conceptions non scientifiques pour aller contre ces conceptions et construire en même temps des conceptions scientifiques. Citoyen du monde Dr Mohamed Kochkar




vendredi 26 juillet 2013

ما الفرق بين التفكير العلمي و التفكير الديني؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار


ما الفرق بين التفكير العلمي و التفكير الديني؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 27 نوفمبير 2008.

أنطلق في هذا المقال من محاضرة ألقاها أحمد شبشوب, الأستاذ و الباحث التونسي القدير في علوم التربية, أثناء المؤتمر الوطني الرابع لتعلّمية العلوم أو فلسفة تعليم العلوم
Didactique des sciences ou épistémologie de la formation et de l’enseignement comme j’aurais voulu l’appeler   

نُظِّم المؤتمر بكلية العلوم في مدينة صفاقس التونسية سنة 1998 وعنوانه "التربية العلمية للتلاميذ: أيّ عوائق يجب تجاوزها؟" و الذي يقول فيها: "في الواقع نحن ننتمي إلى ثقافة ما زالت شديدة التأثّر بما هو سحريّ و / أو ما هو وراء الطبيعة مع العلم أن التعليم المكثف للعلوم العصرية مازال حديث العهد في تونس: في سنة 1875 بدأت مدرسة "الصادقية" تنشره لدى النخبة، و المفروض أن الإصلاح التربوي لسنة 1958 قام بتعميمه على كامل التونسيين، لكن علينا أن ننتظر قانون جويلية1991  ليصبح التعليم إجباريا حتى سن السادسة عشرة، ثم قانون التوجيه سنة 2002، و رغم تعليمه الطويل مازال التونسي المتوسط يعتمد في حياته اليومية على طريقة تفكير, في إدراك العالم و تفسيره, تتداخل فيها النتائج المادية و الأسباب غير المادية و هذا مخالف للتفكير العلمي".

نبدأ بتعريف التفكير العلمي الذي يعتمد منهجية تتألف من المراحل التالية:
-         الملاحظة : تنبع الملاحظة من نظريات مسبقة عند العالِم و هي لا تحدث صدفة كما يعتقد الكثيرون في أسطورة حادثة التفاحة عند "نيوتن". عين العالِم, عين واعية و مدركة و ليست كعيون غير العلميين و العامة.
-         الإشكاليات: تمثل مداخل البحوث العلمية و تأتي بعد الملاحظات الصادرة من العلماء بعد تفكير و ليس صدفة.
-         الفرضيات : تطرح قبل البحث وهي استشراف لنتائجه لكن تبقي رهينة التجارب, تؤكدها أو تنفيها.
-         التجارب: يقوم بها العالِم أو الباحث أو التقني و يتحرى فيها الدقة و الأمانة العلمية.
-         النتائج: يجمعها العالِم أو الباحث أو التقني و يتحرى فيها الدقة و الأمانة العلمية.
-         تحليل النتائج و تفسيرها: هي أهم مرحلة لأنها الأصعب و لا يقوم بها إلا العالِم أو الباحث الملم بالنظريات العلمية السابقة.
-         الاستنتاجات : هي خلاصات البحوث العلمية الذي ينشرها العالِم أو الباحث في المجلات العلمية المختصة أو يلقيها في المؤتمرات العلمية الجامعية لتوضيح رؤيته الجديدة للآخرين.

يبدو لي أنه لا يوجد فصل ميكانيكي بين هذه المراحل لا في الزمن و لا في الترتيب، بينما يوجد بينها تداخل و تدافع و تفاعل و أخذ و رد و تغيير في الترتيب.

بعد هذه المقدمة, نحاول مقارنة منهجين سائدين في العالم : التفكير العلمي و التفكير الديني:
- ينبني التفكير العلمي على الأرض فهو أرضي و على الإنسان فهو إنساني صرف يحرّكه الشك )الشك طريق إلى مزيد من الشك و ليس طريقا إلى اليقين(، و يحركه أيضا الخطأ و الصواب و التطور و الاختلاف في وجهات النظر و هو يحمل تاريخا و فلسفة و إيديولوجيا. يستطيع الإنسان أن يجدد و يضيف فيه بلا حدود و يعيد بناء أسسه و يفنّد نظرياته القاصرة أو غير العلمية.

- أما التفكير الديني فهو آت من "السماء"، فهو سماوي و إلهي و غيبي، و هو صواب لا يحتمل الخطأ، و يقين يقود حتما إلى مزيد من اليقين، و هو ثابت في نصه متحول في تفسيره. يستطيع الفرد أن يجتهد داخل دائرة صدقه دون أن يمس ثوابته.

- يتصف التفكير العلمي بالشفافية والتحدي فهو يعرض نفسه متطوعا للنقض على صفحات المجلات المختصة وفي المؤتمرات العلمية لكل من استطاع إلى ذلك سبيلا, لا يحمل جنسا و لا جنسية و لا هوية و لا وطنية و لا عصبية و لا لون و لا عرق و لا دين. يراجع نفسه بلا خجل و يتخلى في أكثر الأحيان على الأفكار السابقة التي كان يمجدها في يوم ما إن أثبتت التجربة خطأها.

- يتعالى التفكير الديني على التفكير العلمي بنسبه غير البشري  (الله مصدره و ليس الإنسان)، و  يقينه المطلق و عدم التزامه بالزمان و المكان (صالح لكل زمان و مكان)، و عصبيته للمؤمنين به و تكفيره للمكذبين به من غير المؤمنين، و إقصائه للمخالفين له حتى لو كانوا متدينين (الكفر ليس الإلحاد، المسلم كافر بالمسيحية و اليهودية و لا يؤمن إلا بالإسلام دينا غير محرّف على الأرض أما المسيحي فهو كافر بالإسلام. الملحد لا يؤمن بكل الأديان السماوية و لا يؤمن بوجود إله أصلا).

- يتواضع التفكير العلمي بإنسانيته و ماديته و نسبيته و تحديد مكانه و زمانه و شكه المتجدد و المتواصل.

- يقبل بالتفكير العلمي كل العالَم، و يؤمن بالتفكير الديني بعض العالَم. يعرض الأول نفسه على الدحض و التعديل و يطالب الثاني بالتسليم و التقديس دون جدل.

خطان متوازيان و لو حدث أن تواجدا في شخص واحد فهو ثنائي التفكير، و لا ضرر في ذلك عند عظماء العلماء المتدينين مثل الفيلسوف المسلم الكاتب و الطبيب "ابن سينا" (980-1037) و المعلم الثاني بعد أرسطو الفيلسوف المسلم "الفارابي" (872 - 950) و الراهب المسيحي عالم النباتات و الأب المؤسس لعلم الوراثة "مندال" (1822-1884).

أما الضرر الجسيم - حسب رأيي - فيكمن في الخلط بينهما، و هذا وارد في عقول  بعض المتدينين حين يستشهدون بالعلم لتقوية إيمانهم و لو عكسوا لأصابوا، و كأن العلم في أذهانهم أعظم شأنا من الإيمان، أما بعض العلمانيين  بفتح العين (و ليس بكسرها لأن المفهوم مشتق من كلمة العالَم و ليس من كلمة العلم كما يعتقد الكثيرون. العلمانيون بفتح العين هم الذين يؤمنون بهذا العالم الأرضي و يثقون بالإنسان و قدرته على صنع مصيره بنفسه)، لذلك يتنافسون في محاربة المقدس و تكذيب الدين بالعلم و هذه تجارة خاسرة لأن الإيمان إحساس ذاتي لا يخضع للتجارب العلمية أو العلوم الإنسانية.

خلاصة القول حسب اجتهادني المتواضع: للعلم منهج, من مشي فيه و احترم قواعده, حقق المعجزات، و للدين باب من دخل فيه و صدّق معجزاته وجد فيه راحة باله.

هذان النمطان من التفكير يستطيعان التعايش إذا احترم كل واحد منهما الآخر، لأن غاياتهما السامية تتمثل في تحقيق القيم الإنسانية النبيلة على الأرض, من عدالة و تضامن و صدق و إخلاص و سلم, و مقاومة القيم الهدامة - السائدة منذ ظهور الإنسان على الأرض -  من ظلم و جشع و كذب و خيانة و حرب.

العلم "عمومي مشترك" و الدين "ذاتي بحت", أنت حر في دينك تمارسه كيفما يشاء ربك و تشاء أنت في علاقة عمودية، و لن تأتي فيه بجديد مهما علا شأنك. أما العلم فتمارسه كيفما يشاء اتفاق العلماء و تشاء أنت في علاقة أفقية، لذلك تستطيع أن تبدع في مجالك و تثبت صحة فرضياتك فتجازى على قدر إبداعاتك أو تكذّب فرضياتك فيستفيد الآخرون من فشلك و من نجاحك.

الرسالات الدينية موجهة للبشرية جمعاء فهي ليست حكرا على المتدينين و العالَم الإنساني المادي المحسوس مِلك للعلمانيين و لغيرهم. من المفروض أن يكون العَلماني "متدينا محتملا" بالنسبة للمتدين المعتدل و المتسامح، و يكون المتدين "عَلمانيا محتملا" بالنسبة للعلماني المتفتح و المتفائل.

العلم و الدين - لكل محرابه - فلا يهدم الواحد منهما محراب الآخر، و إذا رُمت المقام في أحدهما أو في كليهما فالدين رحب، يسكنه المؤمنون فقط و هم كثر, و العلم أرحب يدخله المؤمنون و غير المؤمنين. من الأفضل أن لا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة مثل: أنت مؤمن بنظرية التطور لداروين، إذن أنت ملحد، أو العكس أنت مؤمن  بالله إذا أنت لا تعترف بهذه النظرية. مِن الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا بالله و يعترف بنظرية التطور أو ملحدا و لا يعترف بها. يكوّن التفكير الديني و التفكير العلمي عالَمَين مختلفين و منفصلين و مستقلين لا تطابق بينهما و لا تناقض و المواجهة بينهما معركة خاسرة للاثنين. قد يلتقيان في علم الأخلاقيات L’éthique

بعد ما نشرت هذا المقال في الجريدة الأسبوعية للاتحاد العام التونسي للشغل "الشعب", قرأت في موقع
 WIKIPÉDIA
 و اكتشفت أن ما قلته يتوافق تماما مع ما قيل عن لسان عالم الإحاثة
 Paléontologiste
  الأمريكي العظيم "قولد"
 Stephen Jay Gould
و هذا نصه:
  يهدف مبدأ "فصل السلطات العقائدية و الفكرية و الخلقية" بين الدين و العلم
Principe de NOMA : Non-Overlapping Magisteria ou non recouvrement des magistères  
إلى  إرساء استقلالية متبادلة في الاختصاصات. و باسم هذا المبدأ, يوبّخ "قولد" الأصوليين الذين يعتقدون أن قيمة  النص في الكتاب المقدس تساوي قيمة النص في المجلة العلمية الثانية في أمريكا, و باسم هذا المبدأ أيضا  يختبر العلماء الذين, بسبب إلحادهم, يهاجمون اعتقادات المتدينين


En français : Les fausses alternatives : créationniste religieux ou évolutionniste athée ? On peut être athée et créationniste comme on peut être religieux et évolutionniste
Deux mondes : Pas de concordisme, ni affrontement systématique entre les deux mondes

Dans le site « WIKIPÉDIA », j’ai lu sur S. J. Gould (paléontologiste américain) : « principe de NOMA (Non-Overlapping Magisteria) : non recouvrement des magistères, destiné à instaurer une autonomie réciproque des compétences de la science et de la religion dans leurs domaines respectifs. Au nom de ce principe, Gould fustige les fondamentalistes religieux, pour lesquels le texte de la Bible a la même valeur que les Proceedings of the National Academy of Sciences (2ème revue scientifique américaine). Mais il réprouve également les scientifiques qui, en raison de leur athéisme, attaquent les croyances religieuses

الإمضاء: "أنا أكتب - لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع - بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى و
"على كل مقال سيّئ نردّ بمقال جيّد لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي".