mardi 23 juillet 2013

ماذا يعنى مبدأ "حرية الضمير" في الدستور (La liberté de conscience)؟ نقل و تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

ماذا يعنى مبدأ "حرية الضمير" في الدستور (La liberté de conscience)؟ نقل و تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

لقد اكتفيت بنسخ و لصق الفقرة القصيرة التالية فقط، خدمة للقارئ المتعجل، و على المتابع المهتم أكثر أن يقرأ الـ26 صفحة (بوليس 16) التي وردت في الرابط التالي:


1. حرية الضمير في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان:

اهتمت الصكوك الدولية لحقوق الإنسان بحرية الضمير وأولتها مكانة متميزة ضمن الحقوق والحريات، إذ تنص المادة 18 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان[1] على أن : "لكل شخص الحق في حرية التفكير والضمير والدين" وتضيف توضيحا لمضمون هذا الحق، أنه يشمل "حرية [الشخص في] تغيير ديانته أو عقيدته، وحرية الإعراب عنهما بالتعليم والممارسة وإقامة الشعائر ومراعاتها سواء أكان ذلك سرا أم مع جماعة". فالإعلان يدرج حرية الضمير في المنزلة بين منزلتي حرية التفكير وحرية الدين اعتبارا للارتباط الوثيق بين الحريات الثلاثة ودرءا لكل التباس أو اختزال وتوسيعا لنطاق هذه الحريات.

وفي سياق التأكيد على الحق في حرية الضمير وترسيخه، تنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أن "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين." وتحدد الأبعاد الأربعة الأساسية التي ينطوي عليها هذا الحق وهي:
أـ حرية المرء في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره؛
ب ـ حريته في إظهار دينه أو معتقده، بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة؛
ج ـ عدم جواز إخضاع أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في أن يدين بأي دين أو معتقد يختاره؛
د ـ إمكانية إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، ولكن في حدود القيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
وتؤكد المادة 19 من العهد انسجاما مع هذه المقتضيات على أن لكل إنسان الحق في اعتناق الآراء التي يرتئيها دون أية مضايقة.
وتوضح الملاحظة العامة للجنة المعنية بحقوق الإنسان على المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية[2] أن المقصود بالدين أو المعتقد هو "معتقدات في وجود إله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد."

وترسيخا لنفس المسار، فقد حرص المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان المنعقد بطهران ما بين 29 أبريل و13 ماي 1968 على التأكيد على أن من واجبات الدول احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية دونما تمييز لأي سبب، وأن الهدف الرئيس للأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان هو تمتع كل إنسان بأقصى الحرية والكرامة، وأن تحقيق هذا الهدف يقتضي أن تمنح قوانين كل بلد لكل فرد، بصرف النظر عن عنصره أو لغته أو دينه أو معتقده السياسي، حرية التعبير والإعلام والضمير والدين، بقدر ما حرص على حث جميع الدول على الولاء الكلي للمبادئ المجسدة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعلى مضاعفة جهودها من أجل توفير حياة تتفق مع الحرية والكرامة وتفضي إلى الرفاهة الجسدية والعقلية والاجتماعية والروحية للبشرية جمعاء[3].

ومع أن الإعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد[4] لا يكتسي أية صبغة إلزامية، فإنه يعتبر أهم تقنين دولي معاصر لمبدأ حرية الضمير والديانة أو المعتقد، من حيث كونه يقدم في المادة الأولى منه تعريفا واضحا لحرية الفكر والوجدان والدين أو المعتقد المنبثقة من حق الإنسان في اعتناق ما شاء من أفكار ومعتقدات ودين وفي ممارستها والجهر بها، ويحدد بكيفية دقيقة نطاقها وفقا لما جاء في المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، ويعتبر في المادة الثالثة منه التمييز على أساس الدين أو المعتقد إهانة لكرامة الإنسان وإنكارا لمبادئ الأمم المتحدة، مضيفا أنه مدان بوصفه انتهاكا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية.

غير أن عدم إلزامية الإعلان لم يمنع بعض الدول من تسجيل تحفظاتها عليه، إما لأنه لم يأخذ المعتقدات الملحدة بعين الاعتبار (رومانيا، بولونيا، بلغاريا، تشيكوسلوفاكيا...)، أو لأنه يتعارض في بعض بنوده مع قوانينها الداخلية (رومانيا، سوريا، الاتحاد السوفياتي السابق...)، أو لأنه يخالف الشريعة الإسلامية (العراق نيابة عن منظمة المؤتمر الإسلامي)، الشيء الذي يؤكد حساسية بعض الدول، التوتاليتارية و/أو الثيوقراطية إلى هذا الحد أو ذاك، تجاه موضوع حرية التفكير والضمير والمعتقد والدين، ويجلو، في ذات الآن، الحاجة إلى اتفاقية دولية ملزمة بخصوص حرية التفكير والضمير والدين أو المعتقد.

2. التعليق:

تعليقات م. ع. د. م. ك و جلسائه خلال دردشة رماضنية في مقهى الويفي بحمام الشط الغربية حول مبدأ "حرية الضمير" قبل قراءة الوثيقة أعلاه، بتاريخ 22 جويلية 2013 من التاسعة مساء إلى الحادية عشر مساء، أمام المقر المحلي للحزب الجمهوري بحمام الشط، المجاور للمقهى، مع العلم أننا لسنا كلنا منتمين لهذا الحزب المحترم، و إنما اخترنا المكان و أعجبنا لانزوائه قليلا عن ضجيج لاعبي الورق و الديمينو. مع الإشارة أنني أنا أول من فتح النقاش و قلت أنني لم أفهم مبدأ "حرية الضمير" و تساءلت عن الفرق بينه و بين حرية التفكير و حرية المعتقد. إنها دردشة مقاهي لا أكثر و لا أقل، فلا تحمّلوها من فضلكم أيها القراء الكرام أكثر مما تتحمل مع الإشارة أن المشاركين في النقاش ليسوا مختصين في القانون و لا في الدستور، أساتذة ثانوي مختصون فقط كجل التونسيين في السهر الرمضاني المتأخر في المقاهي و النقد الهدام و البناء و اللاذع و المؤذي للحكام و المحكومين و الناس أجمعين:

-         قلت: حرية التفكير تتمثل في التفكير كما تشاء دون رقيب و لا حسيب من أحد في السلطة أو في المجتمع.

-         ثم أضفت: حرية المعتقد تتمثل في أن تعتقد في ما تشاء من الأديان (اليهودية أو المسيحية بجميع مذاهبها أو الإسلام بجميع مذاهبه أو البهائية أو البوذية أو الكونفوشيسية أو الهندوسية أو الماركسية و غيرها من الديانات السماوية و الأرضية)، أو لا تعتقد تماما في جميع الأديان و تكون ملحدا، أو أن تؤمن بقوة خفية تسيّر هذا العالم لكنك لا تحددها في دين محدد و تكون حينذاك لاأدريا.  أما حرية الضمير فتتمثل حسب رأي الأستاذ الماركسي الحقوقي رضا بركاتي في أن لا يحق لأحد أن يسأل الآخر عن انتمائه الديني أو الإيديولوجي أو عن ممارسته لشعائر دينه أو شعائر إيديولوجيته. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         قال كبيرنا في العمر و الفلسفة و العقلانية، الماركسي الهوية و هو من أكبر نقاد الماركسية الأورتودكسية،  أستاذ الفلسفة الفرنكوفونية و الألمانية، السيد المحترم حبيب بن حميدة: حرية الضمير هي ماهية الدستور و أهم بند فيه بل هي الدستور نفسه، لذلك فضّل كاتب دستور أسبرتا اليونانية الانتحار على أن يغير حرفا واحدا في الدستور لا يمليه عليه ضميره الحي. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         قصصت عليهم أنا قصة واقعية قد تقترب من موضوع نقاشنا أو تبتعد، لا أدري: في مرة من المرات عندما كنت أستاذ علوم الحياة و الأرض، طلبَت مني زميلتي أن أضخّم معدل ابن أختها في العلوم و هو ثلاثة على عشرين حتى يتجاوز مرحلة الإسعاف و ينجح عن "جدارة" إلى المستوى الموالي. قلت لها: طلباتك أوامر يا سيدتي، كم تريدين أن يصبح معدله في العلوم و كنت جادا في عرضي و هذا تصرف "مخالف للضمير المهني"، لكنه متداول بين الزملاء. أجابتني قائلة: "أنت و ضميرك". في آخر السنة الدراسية تفاجأت الزميلة المعنية أن ابن أختها لم ينجح أو نجح بالإسعاف - لا أذكر ما حصل بالضبط - و تفاجأت أكثر عندما اطلعت على بطاقة أعداده في الإدارة و اكتشفت أنني لم أغير عدده و أسندت له معدله الذي يستحقه و هو ثلاثة على عشرين، و ذلك ما أوصتني به هي بنفسها حرفيا عندما قالت لي: "أنت و ضميرك". و ضميري، أمرني بالإبقاء على عدده الفعلي دون زيادة أو نقصان. اغتاظت مني الزميلة كثيرا و قاطعتني بسبب تطبيق ما أملاه عليّ ضميري الذي ما زال - و الحمد لله -  ينبض ببعض الحياة. فهل هذه هي حرية الضمير؟


-         يقول أستاذ الفلسفة الفرنكوفوني أن في أمريكا و بريطانيا، لا يُعطى للقاضي مرتبا قارا بل يُمنح له صكا على بياض يضع عليه القاضي المبلغ الذي يكفي احتياجاته المعيشية خلال شهر، و ذلك حتى يحمونه من مجرد التفكير في الرشوة لحل مشاكله المادية. فماذا يبقى له إذن يوم النطق بالحكم؟ يبقى له ضميره الحر الذي يملي عليه الأحكام العادلة دون أي ضغط مادي أو سياسي لأن القضاء مستقل في الدول الغربية المتقدمة. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         يقول أستاذ الفلسفة المعرّب: خذ مثلا غريقا يستنجد بك، عقلك يقول لك لا تنجده لأنك ربما تغرق معه، أما ضميرك فيحثك على نجدته دون التفكير في العواقب التي قد تنجرّ عن نجدته. فهل هذه هي حرية الضمير؟ ثم أضاف قائلا: هل الضمير البشري هو مُعطى فطري خيري بطبيعته أم هو فعل مكتسب من التجارب المعيشة و القيم السائدة في المجتمع؟ أجبته علميا و قلت له: زمن الفصل بين الفطري و المكتسب زمن قد ولى و مضى و انتهى علميا، أما اليوم فالفطري و المكتسب، هما عاملان متواجدان في تفاعل مستمر، و لتعقّد تشابكهما لا نستطيع الفصل الميكانيكي بينهما إلا لأسباب بيداغوجية تعليمية و تعلّميّة، و لا نستطيع حتى تجزئة النسب الراجعة لكل عامل منهما، إذن كل قدرة ذهنية بشرية هي - في الوقت نفسه - مائة بالمائة فطرية و مائة بالمائة مكتسبة،  و على قياس الشعار المشهور لعالم الوراثة الفرنسي ألبار جاكار: "الذكاء البشري - في الوقت نفسه - وراثي مائة بالمائة و مكتسب  مائة بالمائة".

-         قبل ظهور الإسلام في الجزيرة العربية، وُجد فريق من الناس و هم الحنفاء الموحدون على دين سيدنا إبراهيم الخليل سلام الله عليه، الذين لا يعبدون الأصنام الموجودة في مكة المكرمة، و أشهرهم قس بن ساعدة و  محمد بن عبد الله الرسول الكريم - صلى الله عليه و سلم - و لم يتبعوا دين آبائهم و أجدادهم إرضاءً لضميرهم الحي قبل أن ينزل الوحي على الرسول و يأمره ربه بعدم عبادة الأصنام. و بقيت حرية الضمير مصانة في الحضارة العربية الإسلامية إلى حد القرن الثالث و الرابع هجري و بدأت هذه الحرية تنقرض في القرن الثاني عشر ميلادي بعد مطاردة ابن رشد و تكفيره و حرق كتبه في الأندلس و بقيت حرية الضمير و حرية المعتقد و حرية التفكير محرمة على هذه الحال حتى عصرنا الحاضر. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         رفض الملاكم الأمريكي المسلم المشهور محمد علي كلاي الرضوخ لأوامر الجيش عند ما أراد تجنيده ليحارب في فياتنام. حبسوه بسبب ضميره الحي الذي نهاه على قتل المواطنين الفيتناميين الأبرياء. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         رفض ثمانية ضباط إسرائيليين طيارين الرضوخ لأوامر الجيش الإسرائيلي عندما أمرهم برمي القنابل على فلسطينيّ الضفة الغربية خلال الانتفاضة الفلسطينية الشعبية الأولى المشهورة قبل اتفاقية أوسلو. حبسوهم بسبب ضمائرهم الحية التي نهتهم عن قتل المواطنين الفلسطينيين الأبرياء. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         جان بول سارتر، الفيلسوف الفرنسي اليساري العظيم انحاز إلى قضية جبهة التحرير الجزائرية ضد حكومة و جيش بلاده و لم يتبع كالقطيع الضمير الفرنسي الجماعي الموالي للاستيطان الفرنسي في الجزائر. ساند مناضلي الجبهة، و شهد لصالحهم في المحاكم الفرنسية، و قام بجولة عالمية للدعاية لعدالة قضيتهم، و فعل ما أملاه عليه ضميره الحي حتى و لو خالف هو نفسه كشخص الإجماع حول الوطنية الفرنسية و الضمير الجمعي الاستعماري السائدين لدى الشعب الفرنسي في تلك الحقبة من أوائل القرن العشرين. فهل هذه هي حرية الضمير؟

-         رغم أحداث 68 اليسارية بفرنسا، فاز بعدها مباشرة  اليمين في الانتخابات البرلمانية بأغلبية مريحة، لكن ضمير الرئيس ديڤول لم يرتح لهذا الانتصار الانتخابي و نظم استفتاءً شعبيا حول برنامجه السياسي الجديد، فصوّت الشعب ضده، فاستقال من الرئاسة قبل نهاية دورته الانتخابية. فعلها ديڤول فرنسا سنة 1969 و لم يفعلها مرسي مصر سنة 2013. فهل هذه هي حرية الضمير؟

تاريخ أل نشر على النت: حمام الشط، في  24 جويلية 2013.




[1]   10 دجنبر 1948
[2]   الملاحظة رقم 22، بتاريخ 30 يوليوز 1993
[3]  حقوق الإنسان، مجموعة صكوك دولية، المجلد الأول، الأمم المتحدة، نيويورك 1993 ،  A, 94, XIV- vol. 1 part. 1 ص. 69
[4]  اعتمد حسب القرار عدد: 36/55 المؤرخ في 25 نونبر 1981 والذي اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثالثة والسبعين

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire