هل ما حدث في مصر هو انقلاب
قام به الجيش ضد السلطة الحاكمة؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار
قبل أن أحاول الإجابة على هذا
السؤال و رفعا لكل التباس و تجنبا لكل مزايدة مجانية، أود توضيح موقفي الشخصي من
التيارات السياسية الأربعة المتنافسة في الوطن العربي منذ خمسينات القرن العشرين:
أنا أعارض سلميا - فكريا و ثقافيا و سياسيا - و لا أعادي إيديولوجيا سلطة القوميين
و لا سلطة الاشتراكيين و لا سلطة الليبراليين و لا سلطة الإسلاميين الحاليين،
لكنني في الوقت نفسه لا أكره الماركسيين بل أحبهم لأقليتهم، و لا أكره القوميين بل
أتعاطف معهم لحسن نواياهم الوحدوية، و لا أكره الإسلاميين بل أحترمهم لأغلبيتهم، و
لا أكره الليبراليين لغناهم الفكري و الأدبي و الفني و الإبداعي.
أكره و أمقت فقط الرأسماليين
الغربيين الاستعماريين الجشعين المتوحشين المحتلين المعتدين - بواسطة "وزارة البنتاغون
الأمريكية" و "حلف الناتو الأوروبي" - على العرب و المسلمين و جميع
المستضعفين في العالَم و خاصة في أفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية و أكره أيضا
حكم العسكر مهما كانت مرجعيته قومية أو اشتراكية أو إسلامية أو ليبرالية.
و لتوضيح انحيازي السياسي
أكثر، أنا أعتبر أن الدول الأسكندنافية الحالية (كالنورفاج و فنلندا و السويد) تمثل
أفضل الأنظمة السياسية في العالَم مع احترام الفوارق الثقافية و الدينية بين
الشعوب، لأن هذه الأنظمة - حسب اطلاعي المحدود على تجربتها - قد استفادت من
مكتسبات التجربة الاشتراكية و مكتسبات التجربة الرأسمالية و نجحت في توظيف أحسن ما
في النموذجين من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن
من العدالة الاجتماعية الممكنة اليوم.
أرجع إلى السؤال الذي طرحته
في العنوان و أقول أن ما حدث في مصر ليس انقلابا لأنني و بكل بساطة لم أقرأ في
التاريخ أن حدث يوما و انقلبت سلطة على نفسها! الجيش المصري حكم مصر منذ انقلاب
عبد الناصر ضد الملك فاروق و منذ ذلك التاريخ لم يتخل يوما عن حكمها حتى بعد ثورة
25 يناير 2011، و الإخوان المسلمون لم يحكموا مصر رغم فوزهم في الانتخابات
التشريعية و الرئاسية لأن - من سوء حظهم و فشل سياستهم - استعْدُوا كل أجهزة
الدولة من جيش و شرطة و قضاء و إعلام، و أضافوا - بمجانية كاملة - إلى خصومهم أنشط
مكونات المجتمع المدني من أحزاب و جمعيات يسارية و قومية و ليبرالية و مثقفين و
فنانين و عرب شيعة و مسيحيين.
أما وضع تونس فهو مماثل لوضع
مصر و مختلف في نفس الوقت. مماثل: إخوان تونس - كإخوان مصر - يملكون السلطة شكليا و لا يحكمون الدولة فعليا لأن
جل أجهزة الدولة و جل مكونات المجتمع المدني معارضون و معادون لسياسة حزب النهضة.
مختلف: جيش مصر ليس كجيش تونس و لا وجه للمقارنة بينهما:
-
الأول صنع تاريخ مصر الحديثة بهزائمها و انتصاراتها.
-
الثاني أقصاه النظام البورقيبي و أضعفه نظام بن علي، فلا
تاريخ حربي أو سياسي يُنسب له.
-
الأول كثير العدة و العتاد. خاض حروبا عديدة ضد الأشقاء
و الأعداء و تعلم من هزائمه و استفاد من انتصاراته. متهم بقمع و قتل العشرات أو
المئات من المواطنين المصريين العزل و المسلحين في عديد الانتفاضات الشعبية و
الحزبية.
-
الثاني قليل العدة و العتاد. لم يخض و لو جولة واحدة ضد شقيق
أو عدو خارجي و لم يذق يوما طعم الهزيمة و لا حلاوة الانتصار. متهم بقمع و قتل العشرات
أو المئات من المواطنين العزل في أحداث جانفي 1976 و أحداث الخبز في 1984.
-
الأول فاعل أساسي سياسي و اقتصادي و يسيطر على ما يقارب
الثلاثين في المائة من الاقتصاد المصري الحالي.
-
الثاني مهمش سياسيا و فقير اقتصاديا.
خلاصة
القول:
لا أتمنى أن يُعاد سيناريو مصر حرفيا في تونس،
لا تعاطفا مع النهضة بل كرها في حكم العسكر. كل ما أرجوه من حركة تمرد التونسية -
إن نجحت في تحشيد الملايين ضد حكم النهضة - أن تفرض على الحكومة الحالية تكوين
لجنة عليا للانتخابات، لجنة توافقية مستقلة عن كل الأحزاب، تحدد لنا موعدا قريبا
للانتخابات الرئاسية و البرلمانية و البلدية. و أتمنى أن تغادر النهضة الحكم الشكلي
- كما تسلمته - عن طريق الديمقراطية و السلمية و صناديق الاقتراع حتى و لو كانت
ديمقراطية نسبية، فالديمقراطية دائما أخف من حكم العسكر.
إمضاء
م. ع. د. م. ك:
على كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا
بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي.
تاريخ
أول نشر على النت:
حمام الشط في 7 جويلية 2013.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire