مَن هم الثوريون الأمميون
الجدد؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار
فكرة ضد السائد، سمعتها اليوم
أثناء دردشة الطاولة الثقافية بمقهى حمام الشط الغربية، من أستاذ فلسفة ماركسي
متقاعد. قال و جناحه الكشكاري يؤكد و يعزّز أقواله التالية:
-
يؤمن الماركسيون و اللينينيون و الستالينيون و التروتسكيون
و الماويون و الكاسترويون و الڤيفاريون بالعنف الثوري المسلح كطريق وحيد لتغيير المجتمع
و ذلك من أجل إقامة دولة تستأثر بالحكم فيها طائفة واحدة من البشر أو طبقة واحدة
من المجتمع من دون الطبقات الأخرى و يسمون هذه الدولة بــاسم "دولة ديكتاتورية
البروليتاريا".
-
يؤمن السلفيون الجهاديون بالجهاد المقدس المسلح كطريق
وحيد لأسلمة المجتمع و ذلك من أجل إقامة
دولة يستأثر بالحكم فيها مذهب واحد من الدين الإسلامي (مذهب أو منهج أو عقيدة
السلفية الجهادية أو العلمية أو الوهابية أو المنحازة ضمنيا إلى الحنبلية) من دون
المذاهب الإسلامية الأخرى (الشيعة و الخوارج و الصوفية و المالكية و الشافعية و
الحنفية) و من دون الديانات "السماوية" الأخرى (المسيحية و اليهودية و
البهائية) و من دون الديانات "الأرضية" الأخرى (البوذية و الكونفوشيوسية
و الهندوسية و الماسونية) و من دون الإيديولوجيات الحديثة (القومية و الليبرالية و
الشيوعية) و يسمون هذه الدولة بــاسم "دولة الخلافة الإسلامية".
-
لا يؤمن الماركسيون بالديمقراطية البورجوازية السائدة
اليوم و لم يمارسها أسلافهم في الحكم مثل لينين و ستالين و كاسترو و ماو و أنور
خوجة و بول بوت و دول أوروبا الشرقية أو نسخهم الأكثر تشويها في أمريكا اللاتينية
و مصر و سوريا و الجزائر و ليبيا، بل مارس هؤلاء الأخيرين كلهم الديكتاتورية باسم
البروليتاريا و كانت البروليتاريا أول ضحايا استبدادهم.
-
لا يؤمن السلفيون بالديمقراطية البورجوازية السائدة
اليوم و لم يمارسها أسلافهم في الحكم مثل الخلفاء الراشدين و خلفاء بني أمية و
خلفاء بني العباس، بل مارس هؤلاء الأخيرين كلهم الاستبداد شبه العادل باسم الشورى
الضيقة و المقتصرة على أهل الذكر من الصحابة و التابعين.
-
يؤمن الماركسيون بالأممية العمّالية، و من أجل تكريسها
في الواقع يتطوعون للنضال و التضحية بأرواحهم في أي بلد من بلدان العالم مثل ما
فعل الشيوعيون و الجمهوريون غير الاسبانيين الذين حاربوا بالسلاح ضد نظام فرانكو
في اسبانيا. كنت في العشرينات من عمري و أنا طالب ذو ميولات شيوعية، أحلم بالمشاركة
في النضال المسلح في فيتنام أو في ثورة ظُفَارْ الاشتراكية.
-
يؤمن السلفيون الجهاديون بالأممية الإسلامية و من أجل
تكريسها في الواقع يتطوعون للنضال و التضحية بأرواحهم في أي بلد من بلدان العالم
مثل ما فعل الجهاديون العرب و العجم غير الأفغانيين الذين حاربوا بالسلاح ضد غزو
الاتحاد السوفياتي في أفغانستان و مثل ما يفعل اليوم الجهاديون التونسيون في سوريا
ضد نظام بشار الأسد الديكتاتوري.
-
عندما يعتنق البورجوازي (مثقف أو رأسمالي) الماركسية،
ينسلخ فورا عن طبقته و ينتمي إلى طبقة البروليتاريا و يتخلى عن مبادئه الليبرالية
و عن أمواله المكتسبة ظلما من استغلال العمّال.
-
عندما يعتنق المسلم العقيدة السلفية الجهادية، ينسلخ من
مذهبه الأصلي (مالكي أو شافعي أو حنفي) و يتخلى عن قيم الإسلام المتسامحة و
المنفتحة و المسالمة و يتبرع بماله و نفسه للجهاد خدمة لمذهبه الجديد.
-
يؤمن الماركسيون
أنهم طليعة المجتمع، لذلك هم لا يؤمنون بالتعددية الحزبية و التداول على السلطة.
-
يؤمن السلفيون الجهاديون أنهم الفرقة الناجية و أنهم
المصطفون من بين المسلمين لذلك لا يؤمنون بالتداول على السلطة و لا بالتعددية
المذهبية الإسلامية (ليسوا مالكيين و لا حنفيين و لا شافعيين و لا حنبليين مع
الإشارة أنهم يحترمون جميع الأئمة و لا يفرقون بينهم و لا ينتصرون لأحد على حساب
آخر).
-
يتهرّب الماركسيون من التجديد الفكري و يتمسكون بـ"العنعنة"
عن نصوص ماركس و أنجلس و لينين و ستالين و تروتسكي و ماو و ڤيفارا.
-
يتهرّب السلفيون الجهاديون من مبدأ الاجتهاد في تأويل
النصوص المقدسة باستعمال العلوم الحديثة و يتمسكون بـ"العنعنة" عن القرآن
و السنة و أقوال السلف الصالح حتى القرن الثالث هجري.
-
يطلق بعض الماركسيين لحيهم و شواربهم و يلبسون أرخص
الثياب و لهم أسوة في زعمائهم و رموزهم مثل ماركس و أنجلس و لينين و هوشيمنه و
كاسترو و ڤيفارا.
-
يطلق السلفيون لحيهم و يحلقون شواربهم و يلبسون الجلباب الأبيض
الموحد اقتداء بالسلف الصالح.
-
لا يؤمن الماركسيون بحقوق الإنسان الكونية كحرية المعتقد
(في عهد لينين و ستالين كان الإلحاد هو دين الدولة العَلمانية بلا منافس) و حرية
الملكية الفردية (على العكس يسعون لإزالتها و القضاء عليها و تعويضها بالملكية
العمومية المشتركة).
-
لا يؤمن السلفيون بحقوق الإنسان الكونية كحرية المعتقد و يتمسكون حرفيا و نصيا ببعض ما جاء في الآيات، مثل
قال تعالى: "و مَن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه... و إن الدين عند
الله الإسلام" و لا يقبلون بمبدأ المساواة التامة بين المرأة و الرجل،
اعتمادا على تأويل بعض الآيات، مثل قال تعالى: "الرجال قوامون على النساء".
-
أقام الماركسيون دولتهم و جرّبناهم و كان نظامهم السياسي و الاجتماعي و الثقافي عنيفا
و مستبدا و قامعا و ظالما رغم بعض إنجازاته المادية على مستوى البنى التحتية
كالمصانع و السدود و الطرقات و بعض إنجازاته المعنوية على مستوى البنى الفوقية
كنشر التعليم و الحث على البحث العلمي.
-
يطمح السلفيون إلى إقامة خلافتهم الإسلامية و لا أظنها
ستكون أقل استبدادا من دولة الشيوعيين و لا أنتظر منها إنجازات، لا مادية على
مستوى البنى التحتية و لا معنوية على مستوى البنى الفوقية، و أقرب مثال سيئ يحضرني هو نظام طالبان في أفغانستان و أبرز
ضحاياه كانت المرأة الأفغانية.
خاتمة
-
تخلى الماركسيون المعاصرون الجدد في تونس و في العالَم عن
كل مظاهر الثورية المذكورة أعلاه - على الأقل في الممارسة و يا ليتهم يتخلون عنها
فكريا و نهائيا - و دخلوا في اللعبة الديمقراطية و التعددية و الانتخابات و التداول على السلطة و آمن جميعهم بالبيان العالمي لحقوق الإنسان و قبلوا بكل بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو اتفاقية "سيداو" اختصاراً.
-
لم يتخل السلفيون الجدد عن كل مظاهر الثورية
المذكورة أعلاه و لم يدخلوا في لعبة
الديمقراطية و التعددية و الانتخابات و
التداول على السلطة و لم يؤمنوا
بالبيان العالمي لحقوق الإنسان و لم يقبلوا بأي بند من بنود اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة أو سيداو اختصاراً.
فمَن
هم الثوريون الجدد؟ هم السلفيون الجهاديون، دون منازع و لا منافس. هذا لا يعني أنني أؤيد السلفيين الجهاديين في نظريتهم أو
أبارك مسعاهم في الجهاد الأممي ضد إخوانهم السوريين مسلمين و مسيحيين و إلا لَما
تخليت عن الماركسية، عقيدة زملائهم السلفيين الشيوعيين.
الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
الكتابة بالنسبة لي، هي
مَلْءُ فراغ، لا أكثر و لا أقل، و هواية أمارسها و أستمتع بها، متعة ذهنية لا يمكن
أن تتخيلوها.
تحية دائمة و متجددة لزملائي المربين: في ألمانيا المعلمون أعلى دخلاً في البلد، وعندما
طالب القضاة والأطباء والمهندسون بالمساواة ؛ ردت عليهم ميركل: كيف أساويكم بمن
علّموكم؟
قال ويليام بلوم: لو كان الحب أعمى فـالوطنية الشوفينية
الضيقة
الإقصائية و
المتعصبة فاقدة للحواس الخمس.
تاريخ أول نشر على مدونتي و صفحاتي الفيسبوكية الثلاث: حمام الشط في 19
مارس 2013.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire