jeudi 8 mai 2014

الجانب السلوكي الانتهازي من حياة ابن خلدون بقلم محمد عزّام. نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

الجانب السلوكي الانتهازي من حياة ابن خلدون بقلم محمد عزّام. نقل دون تعليق مواطن العالَم د. محمد كشكار

المصدر:
كتاب "مسرح سعد الله ونّوس بين التوظيف التراثي و التجريب الحداثي"، محمد عزّام، منشورات دار علاء الدين، الطبعة الثانية 2008، دمشق، 264 صفحة.

صفحة 91:
أما ابن خلدون فيصف مقابلته المنفردة لتيمور: "و مد يده فقبلتها. و أشار بالجلوس فجلست حيث انتهيت، ثم استدعى من بطانته الفقيه عبد الجبار فأقعده يترجم بيننا. ففاتحته و قلت: أيدك الله، لي اليوم ثلاثون أو أربعون سنة أتمنى لقاءك. فقال: و ما سبب ذلك؟ فقلت: أمران، الأول أنك سلطان العالم و ملك الدنيا، و ما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد ملك مثلك، و لست ممن يقولون في الأمور بالجزاف، فإنني من أهل العلم. و الأمر الثاني هو ما كنت أسمعه من المنجمين و الأولياء بالمغرب عن ظهور ثائر عظيم في الجانب الشمالي الشرقي يتغلب على المماليك، و يقلب الدول و يستولي على أكثر المعمور. فسره كلامي و تبسط معي و قال لي: أين مولدك؟ فقلت: بالمغرب الجواني. فطلب مني أن أكتب عن بلاد المغرب كلها، أقاصيها و أدانيها، و جبالها و أنهارها، و قراها و أمصارها، حتى كأنه يشاهدها. فقلت يحصل ذلك بسعادتك".
هكذا يُوضَع العِلم الوطني في خدمة الغازي الهمجي. و هل أكثر من ذلك ولوغا في الخيانة، و استمراء في التزلف؟

صفحة 92:
و لا شك أن ابن خلدون كان يدرك أبعاد الموقف جيدا، و يدرك النتائج العظيمة التي يؤدي إليها الوصف الذي يقدمه لبلاده المغرب، و لكنه تغافل و تجاهل كي يكسب مرضاة تيمور. مدعيا (الحياد العلمي) و (الجدارة العلمية) و (المثقف التقني)، و ما هذه كلها سوى تِعِلاّت لا تخفي انتهازية ابن خلدون و طمعه في مال أو جاه يناله من تيمور الذي آلت إليه الأمور.
على الرغم من أن الولاة و السلاطين لم يقصّروا تجاهه، فقد كلفه كل مَن عرفه منهم، بالقضاء. و ظل طوال حياته يتقلب في المناصب و المراتب، و حتى عندما حضر في ركاب السلطان من مصر فقد كان قاضي المالكية فيها.
و تاريخنا القديم يحتوي على مثل هذا الموقف و نقيضه، فقد وُجّه اللوم للغزالي لأنه اعتزل الحروب الصليبية و آثر الابتعاد للتأليف بدلا من الإسهام في الحضّ على الجهاد، و لكنه لم يُعِن العدو على بني قومه.
و نقيض هذا الموقف موقف العزّ بن عبد السلام الذي تولى منصب الإفتاء في مصر، و كان جريئا في الحق، شديدا في معاملته للحكام.

صفحة 93:
و العودة إلى المصادر التي تناولت ابن خلدون و رسمت صورة ثابتة له. كان يعنيها إظهار الجانب النظري من علمه، دون كبير التفات إلى الجانب السلوكي من حياته، رغم أن ونوس لم يفتئت عليه، و لم يضف إليه أدنى مبالغة، بل حاول أن يكون موضوعيا جدا في رسم صورته و سلوكه في لقائه بتيمورلنك، مستمدا معلوماته من المصادر التاريخية القديمة.

صفحة 94:
و قد اختار ونوس فترة قصيرة من حياة ابن خلدون لا تتعدى الشهرين، هي الفترة التي أقامها في دمشق، و لم يتطرق إلى باقي حياة هذا الرجل و إنجازاته العلمية في مجال التاريخ إلا عرضا، و إنما وصف موقفا واضحا من مواقف ابن خلدون و هو لقاؤه بتيمورلنك.

تاريخ أول إعادة نشر على مدونتي و صفحتيّ الفيسبوكيتين (م. ع. د. م. ك.): حمام الشط، الأربعاء 8 ماي 2014.





mercredi 7 mai 2014

رسالة مضمونة الوصول إلى السيد الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض. مواطن العالَم د. محمد كشكار المنخرط تحت المعرّف الوحيد 0008649871

حمام الشط، الأربعاء 7 ماي 2014.

رسالة مضمونة الوصول إلى السيد الرئيس المدير العام للصندوق الوطني للتأمين على المرض عنوانها "من أجل السعي لتطبيق مبدأ التعاون و التضامن الذي قامت عليه فلسفة مؤسستكم". مواطن العالَم د. محمد كشكار المنخرط تحت المعرّف الوحيد 0008649871

قراركم:
Décision de prise en charge des frais d’actes de radiologie (65 : TDM ou scanner thoracique)  pour un montant de 135 dinars. Référence : 14 2014 12717.   Edité le 28/04/14. Date d’arrivée chez moi le 5/05/14

قراري:
-         أولا: شكرا للطبيبة التي طلبت هذا الكشف حرصا منها على صحتي.
-         ثانيا: شكرا لكم على استجابتكم لمطلبي.
-         ثالثا: شعورا مني بتحسّن صحي نسبي و وقتي بعد مرور شهر تقريبا على مقابلة الطبيبة، و اعتمادا على مبدأ التعاون و التضامن الذي قامت عليه فلسفة مؤسستكم، أتخلى طواعية عن التمتع بهذا الإعفاء لفائدة المنخرطين الآخرين من المرضى الذين هم في أشد الحاجة لمثل هذه المصاريف العلاجية التعاونية نصف المجانية.

تقبلوا مني سيدي احترامي و تحياتي و السلام.

الإمضاء
محمد كشكار


الأوراق المصاحبة: L’original de la décision de prise en charge

هل يوجد لدى الطفل مستويان من النموّ الذهنيّ ؟ د. محمد كشكار

هل يوجد لدى الطفل مستويان من النموّ الذهنيّ ؟ د. محمد كشكار

أعتمد في مقالي هذا علي كتاب بالفرنسيّة  عنوانه
 "Vygotsky aujourd’hui
 نشر بباريس سنة 1985 تحت اشراف
 B.       Schneuwly  و J.P. Bronckar

عندما نحدّد "العمر الذهنيّ"  l'âge mental
 لدى الطفل بواسطة اختبارات
 الحاصل الذكائي QI  
نتكلّم دائما على نوع واحد فقط من النمو و هو "النموّ الذهنيّ الفعليّ (الحالي)" لكن مثلما أثبتته التجارب, يعجز هذا الحاصل الذكائي  عن الإحاطة الكاملة بحالة النموّ الذهني عند طفل في لحظة معيّنة

لنفرض جدلا أن لدينا طفلين اجتازا اختبار الحاصل الذكائي و حدّدنا عمرهما الذهنيّ بسبع سنوات (لهما القدرة على حل المسائل المناسبة لأطفال في عمرهما). هل هذان الطفلان متساويان فعلا في النمو الذهني ؟ لو حاولنا إخضاعهما لإختبارات أخرى, قد يظهر بينهما اختلاف مهمّ : قد يستطيع أحدهما و بسهولة حل اختبارات مناسبة لأطفال يكبرونه بعامين, أما الآخر فلا يحل الا الاختبارات التي تفوق سنه بستّة أشهر. نستنتج إذا أنهما ليس متساويان في الذكاء  خاصة إذا أخذنا في الإعتبار القدرة الكامنة و الممكنة و المحتملة لدى الطفلين التي قد تظهر و تتجسّم لو وفّرنا لها وضعيّة إجتماعيّة تعلّميّة يحتكّ فيها الطفل مع الغير مدرّسين و أقران

نصل هنا إلى تعريف النوع الثاني, غير المعروف لدى غير أهل العلم, من النموّ الذهني و المسمّى
"المنطقة الأقرب للنمو"    ZPD : Zone proximale de Développement
هذا المفهوم اكتشفه عالم النفس و البيداغوجيا السوفياتي الاشتراكي "فيقوتسكي" في أوائل القرن العشرين و الذي يعرّفه في النقاط التالية

-         ما يقدر الطفل على إنجازه, بمساعدة المدرسين و بحضور أقرانه, يحدّد  مستوى "منطقته الأقرب للنمو
-         ما يقدر الطفل على إنجازه اليوم بمساعدة المدرّسين و بحضور أقرانه, يستطيع تحقيقه بمفرده غدا
-         يختلف مستوى حل المشاكل الذهنيّة الذي يصل اليه الطفل بمفرده عن مستوى حل المشاكل الذي يصل اليه مع أقرانه و تحت إشراف ومساعدة المدرّسين
-         نستطيع تحديد حالة النموّ الذهنيّ عند الطفل بالاعتماد على المستوين المذكورين أعلاه : "النموّ الذهنيّ الفعليّ ( الحاليّ)" و "المنطقة الأقرب للنموّ
-         لو تركنا الطفل المتخلّف ذهنيّا وحده دون رعاية تربويّة لما وصل الى أيّ شكل من أشكال التفكير المجرّد
-         لو أخذنا مثلا طفلا سليما يعيش في عزلة مع والدين "صم- بكم"’ سيبقى هذا الطفل أصم-أبكم رغم تمتّعه بالملكات البيولوجية للنطق و السمع و نتيجة لذلك لا تتطور في مخه الوظائف الذهنيّة العليا المرتبطة بالكلام و اللغة
-         لو أخذنا في الاعتبار في التعليم مستوى "النموّ الذهنيّ الفعليّ (الحاليّ)" فقط لما اكتشف الطفل طاقاته الكامنة و الممكنة مستقبلا
-         لو سبقنا نموّ الطفل المستقبليّ و قدّمنا له أنشطة أعلى من مستواه الحاليّ لكن تقع في "المنطقة الأقرب للنموّ" يعني غير مستحيلة الإنجاز و بحضور أقرانه و تحت إشراف و مساعدة مدرّسين لتحسّن مستواه
-         كل وظيفة ذهنيّة عالية تظهر مرّتين خلال نمو الطفل: أولا في شكل نشاط جماعيّ و اجتماعيّ كوظيفة ذهنيّة مشتركة و هذا يقع في القسم و أثناء التطبيق, ثم على شكل ملكية فردية كوظيفة ذهنية داخلية و هذا يحصل بعد الدرس عند إدراك عملية الإدراك من قبل المتعلم
-         نصل الي الإستنتاج التالي : من المفروض أن لا يتزامن التعليم الحديث مع النمو الذهني للطفل بل يسبقه و ينشّطه و يوقظ فيه التطوّر التدريجيّ للنموّ الذهنيّ

بعد هذا التقديم النظري المختصر و الضروريّ, نحاول توظيف هذه النظريات لتحليل واقعنا التعليميّ التونسي

-         هل اطّّلع  مدرّسونا, ابتدائي و ثانوي, على هذه النظريّات البيداغوجيّة "الخلاّقة بالمعنى الحرفيّ للكلمة" يعني تخلق الذّكاء و التي ترتكز عليها المدرسة البنائيّة لـ"بياجي" و هي الشعار المرفوع و غير المطبق لوزارة التربية و التكوين التونسية
-         لنفرض أن مدرّسينا اطّلعوا عليها و نسأل: هل الدولة أوجدت الأرضيّة و المناخ الملائم لتطبيقها ؟ طبعا الجواب بالنفي و الدليل الذي أستحضره الآن ويقظّ مضجعي هو "الستة و الثلاثون تلميذا" الذين ينتظرونني يومين في الأسبوع في المعهد الّذي أادرّس فيه
-         لنحلم قليلا, لو اطّلع (أكاديميّا يعني في الجامعة) مدرّسونا في الابتدائي والثانوىّ و الجامعيّ على البيداغوجيا و التعلميّة و علم نفس الطفل و الايبستومولوجيا
و علم التقييم   L’évaluation
و إدراك عملية الإدراك la métacognition
و لو وفّرت لنا الوزارة قاعات واسعة لسبعة عشرة تلميذ في القسم كما يطالب الفرنسيّون و لو جهّزت كل قاعات الدروس بالحواسيب و ربطتها بالأنترنات و لو ضرب أجرنا في خمسة لصنع التلميذ التونسي المعجزات كما فعل زميله الكوري الجنوبي حيث يخصّص في بلاده أكبر ميزانيّة للتعليم الابتدائي, يأتي بعده الثانوي ثم العالي عكس ما عندنا بالضبط فهرمنا التعليمي مقلوب و هرمهم ثابت على قاعدة عريضة و صلبة فنحن نبني على الرمل و هم يبنون على الاسمنت المسلح
-         نحن في تونس ما زلنا نعتبر التلميذ  فأر تجارب, نرسم له مسبّقا متاهة و نعرف مسبقا من أين سيدخل و من اين سيخرج فلا نترك له حرّية التفكير و التفاعل مع الوضعيات التعلّميّة الجديدة  و لا نلامس "منطقته الأقرب للنمو" و لا نعطي له الفرصة للتعلّم الذاتيّ  البنّاء لتفجير طاقاته الكامنة فننقل شيئا فشيئا فشلنا و جهلنا و محدودية تفكيرنا الى مخّه الفتي المرن.
-         عوض أن نوقظ فيه  التطوّر التدريجيّ للنموّ الذهنيّ كما يقول فيقوتسكي, بالعكس يأتينا الطفل متعطّّّشا للمعرفة - و بفضل أساليبنا البالية و جهلنا بالعلوم التربويّة و الإجتماعّة و النفسيّة الحديثة - يتراجع نموّه الذهني تحت مستوى "النمو الذهنيّ الفعليّ (الحاليّ)" فيصبح ابن الست سنوات يحمل عمرا ذهنيا متخلفا سنتين عن عمره البيولوجي

خلاصة القول
قال لي صديقي " أنت تحلم" فقلت أنا واع بأنني أحلم و أدرك حالة الحلم التي أمر بها. أحلم, لكنني واع أيضا بأن حلمي مشروع و ممكن التّحقيق لو توفّرت الظروف الملائمة فالكوريّون الجنوبيّون ليسوا أفضل منا كبشر عندما أقلعوا  نحو التقدم  في عشرين سنة بالاعتماد أساسا على تحسين التعليم

تاريخ أول نشر على النات
حمام الشط في 27 نوفمبر 2008


dimanche 4 mai 2014

باسم الإسلام و باسم الوطنية، لم نخدم الإسلام و فقدنا بعض الوطن! مواطن العالَم د. محمد كشكار

باسم الإسلام و باسم الوطنية، لم نخدم الإسلام و فقدنا بعض الوطن! مواطن العالَم د. محمد كشكار

ملاحظة منهجية:
لن أتعرض لنقد الكلمتين أو المفهومين لسببين اثنين: أولا لأنني لست مختصا في المجالين المشحونين إيمانا و عاطفة. ثانيا لأنهما مفهومان ساميان لو صدق المؤمنون بهما. آمن بالإسلام كل مسلمي اليوم دون إكراه أو عنف، وانتشر الإسلام المعاصر في الغرب دون سيف أو جزية. و باسم الوطنية تحررت كل مستعمرات القرن التاسع عشر و نهضت الشعوب المستقلة و تأسست الدول الحديثة.
سأرصد و أصف - دون خلفيات إيديولوجية أو حكم مسبق - المصائب التي أحدثها بعض الوطنيين العرب باسم الوطنية العربية، و بعض الإسلاميين العرب باسم الإسلام، و الواقع أن الوطنية العربية و الإسلام براء من أخطاء الاثنين.
و تجنبا للمزايدة المجانية و سوء فهم بعض النقاد، أذكّر أنه باسم المسيحية مرت أوروبا بحروب أهلية مدمِّرة، و باسمها أيضا أُبيد ملايين السكان الأصليين في أمريكا الشمالية و أمريكا الجنوبية، و باسم اليهودية اغتُصِبت فلسطين، و باسم الشيوعية قام ستالين و ماو و بول بوت بمجازر فظيعة ضد الإنسانية، و باسم الوطنية الغربية أقاما هتلر و موسولوني نظاميهما العنصريين الفاشيين النازيين، و الواقع أن المسيحية و اليهودية و الشيوعية و الوطنية الغربية براء من أخطاء بعض المنتسبين إليهم.

باسم الوطنية العربية:
-         باسم الوطنية العربية، نَوّمَنا عبد الناصر عقدين من الزمن فأفقنا على هزيمة 1967.
-         باسم الوطنية العربية، جاءنا عبد الناصر و سيناء جزء من الوطن، و فارقنا عبد الناصر و سيناء خارج الوطن.
-         باسم الوطنية العربية، جاءنا حزب البعث العربي السوري و الجولان جزء من الوطن، و ها هو الآن يفارقنا بتلكؤ و الجولان خارج الوطن.
-         باسم الوطنية العربية، خاض صدّام حربا ضد إيران من أجل استرجاع شط العرب، ففقدنا نصف مليون عراقي و لم نسترجع الشط و لا العرب.
-         باسم الوطنية العربية، احتل صدّام الكويت (الولاية 19) فخسرنا بعدها ثمانية عشرة ولاية عراقية بعد هزيمة مدوية و احتلال مقيت.
-         باسم الوطنية العربية، اختطف حزب الله جنودا إسرائيليين من أجل تحرير أرض "شبعا" اللبنانية، انتصرنا انتصارا معنويا باهظ الثمن (Une victoire à la Pyrrhus)، و فقدنا ألف شهيد و لم نربح سوى بنية تحتية مدمَّرة بالكامل و لم نحرر"شبعا".
-          باسم الوطنية العربية، حارب السودان الشمالي السودان الجنوبي فخرج من العروبة نصف الوطن.
-         باسم الوطنية العربية، قامت حرب بين الشقيقين المغرب و الجزائر، لم تتكون دولة الصحراء الغربية و ورث الجزائريون و المغاربة عداوة دائمة أضرّت بمصلحة الاثنين.

باسم الإسلام:
-         باسم الإسلام، تأسست منظمة "القاعدة" بقيادة بن لادن، فكانت أكبر مصيبة على الإسلام و المسلمين و الناس أجمعين.
-         باسم الإسلام، تدور الآن حرب أهلية ضروس بين السنّة و الشيعة في العراق.
-         باسم الإسلام، قُتِل مائة و أربعون ألف مواطن سوري و شُرِّد خمسة ملايين.
-         باسم الإسلام، انفصلت غزة على الضفة الغربية و تجزّأ المجزأ.
-         باسم الإسلام، تتناحر اليوم الميليشيات في ليبيا الشقيقة.
-         باسم الإسلام، تُهان المرأة على لسان "القصّاص" (النائب في المجلس الوطني التأسيسي).
-         باسم الإسلام، كُفِّرُوا ثم قُتِلُوا عشرات المثقفين المسلمين في لبنان و مصر و العراق و السودان و الجزائر.
-         باسم الإسلام، كُفِّرَ ثم قُتِلَ السياسي التونسي شكري بلعيد.
-         باسم الإسلام تُحارب جماعة "بوكو حرام" النيجيرية التعليم الغربي و تختطف 230 تلميذة ليلا من مبيتهن و تزوّجهن قسرا لــ"المجاهدين".

إمضاء م. ع. د. م. ك.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال ناقص أو سيء نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 4 ماي 2014.

samedi 3 mai 2014

تبسيط المفاهيم العلمية قد يجر التلميذ إلى الخطأ. مواطن العالم د. محمد كشكار

تبسيط المفاهيم العلمية قد يجر التلميذ إلى الخطأ. مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 29 نوفمبر 2008.

تتجاذب التفكير العلمي المعاصر مقاربتان المقاربة التحليلية (Approche analytique)  و المقاربة الشاملة   (Approche systémique  ).
 يقارن "جوآل دي روسناي" المقاربتين في كتابه "الرؤيا الشاملة" (Le Macroscope) صفحة  119.

1.     المقاربة التحليلية:
-         تعزل العناصر و تركز عليها.
-         تعتمد على الدقة في التفاصيل.
-         تبدل متغير واحد في الوقت نفسه.
-         مقاربة ناجعة عندما تكون التفاعلات خطية و ضعيفة.
-         تؤدي إلى التعليم التقليدي، يعني كل مادة تعليمية على حِده.

2.     المقاربة الشاملة:
-         تربط العناصر و تركز على التفاعلات بينها.
-         تعتمد على الإدراك الشامل للمسألة و الرؤية من كل الجوانب و لا تهمل أي زاوية من الزوايا مهما كانت ضعيفة
-         تبدّل مجموعات من المتغيرات في نفس الوقت.
-         مقاربة ناجعة عندما تكون التفاعلات غير خطية و قوية.
-         تؤدي إلى التعليم الحديث عبر تعّلمات المواد المشتركة مثلا الربط و الجمع في قسم واحد و فصل واحد بين تدريس الفيزياء و تدريس علوم الحياة و الأرض.

تكمن نجاعة المقاربة التحليلية السببية الخطية في بساطتها و سهولة استعمالها فهي مريحة و مطمئنة للإنسان لأنها ترسم علاقة خطية مباشرة بين السبب والنتيجة, مثلا: المرض نتيجة الجراثيم (قد يكون نتيجة دواء مثل مضادات الالتهاب) و السمنة نتيجة كثرة الأكل (قد تكون نتيجة قلة الحركة) والسلوكيات نتيجة الجينات (قد تكون نتيجة   التفاعل بين الجينات و المحيط.

رغم بساطتها أسهمت المقاربة التحليلية في تطور العلوم التجريبية كعلم الجراثيم و علم الوراثة لكنها أصبحت الآن عاجزة بمفردها عن تفسير بعض الظواهر المعقدة بل أصبحت عائقا في وجه التعلم لأنها تختزل العلاقة في سبب و نتيجة و تنسى أو تتناسى العلاقة الجدلية بينهما :  مثلا: المخ يؤثّر في السّلوك و السلوك يؤثّر في المخ, و المعلم يعلم التلميذ و يتعلم منه, و الإنسان يلوث المحيط و المحيط الملوث يضر بصحة الإنسان, الخ.

يعتمد بعض مدرسي البيولوجيا في تدريسهم لعلم الوراثة على المقاربة التحليلية السببية الخطية فقط. و في هذه الحالة تؤدي المقاربة الخطية إلى الحتمية الوراثية التي تؤكد أن كل جينة تحدد مسبقا صفة ما. و نحن نعرف أن الكائنات الحية معقدة بطبيعتها و كل عناصرها البيولوجية الداخلية متفاعلة فيما بينها و متفاعلة في الوقت نفسه مع المحيط الخارجي. إذا كانت الحياة معقدة بطبيعتها، فهل يمكن أن يكون تدريسها بسيطا ؟ اذا كان هذا التبسيط من أجل الضرورة البيداغوجية فالنتيجة عكسية لأن المعلومة غير العلمية ترسخ في ذهن التلميذ مثل المعلومة العلمية و يصعب تصحيحها في ما بعد كما ذكرت في مقالي السابق "التصورات الخاطئة لا تزول بسهولة".

عندما يعتمد المدرس المقاربة التحليلية الخطية يجد نفسه مجبرا على تبسيط الشبكات المعقدة:
 نأخذ مثلا علاقة الجينات بالصفات, صحيح أن لون العينين و فصيلة الدم صفتان محددتان مسبقا تماما بالوراثة وصحيح أيضا أن كثيرا من صفاتنا الشكلية كلون البشرة و السمنة و غيرها مكتوبة بصفة رمزية في الجينات لكن يجب علينا أن لا ننسى دور المحيط في تشكيل هذه الصفات فالأسمر تزيد سمرته أو تنقص حسب بيئتة و السمنة مرتبطة بالحمية و الحركة. لا يكمن الرهان على التحديد المسبق للصفات الجسمية الدنيا مثل لون البشرة بل يتمثل الرهان في تعميم هذه الحتمية الجينية على القدرات الذهنية فتصبح أفعال المرء وسلوكياته الاجتماعية نتيجة عوامل وراثية لا سلطة للمرء عليها مثلما يحاول بعض العلماء إيهامنا بأنهم اكتشفوا جينة إدمان الكحول و جينة الشذوذ الجنسي و جينة العنف و جينة الذكاء وحتى جينة الأيمان بالله (مجلة الحياة و العلم [ Science & Vie ] عدد 1055 أوت 2005   و قد أنتجت هذه المقاربة الخطية في علم الوراثة إطارا للتفكير (براديقم   paradigme) "الكل الوراثي" (paradigme du tout génétique) الذي هيمن على التفكير عشرات السنين لكن المنظّر في البيولوجيا "هنري اتلان" تنبأ بانهياره في كتابه "نهاية'' الكل الوراثي'' ؟ نحو براديقمات جديدة في البيولوجيا" الصادر في باريس سنة 1998.

تكمن غير علمية هذا الإطار للتفكير المسمى "الكل وراثي" في تاليه الجينات و التسليم بنتائجها, فالذكاء و الصحة هبة منها و المرض و العنف قدر مسلط منها. قد ينتج عن هذا النسق عديد المواقف غير العلمية,  فيصبح العنف والمرض و الذكاء وراثيا و ليس مكتسبا من التفاعل الاجتماعي. يبدو أن هذا البراديقم  المتسربل بالعلم ليس حياديا لأنه  يغلّب، في تفسيره للصفات الإنسانية، الجانب الو راثي على الجانب المكتسب. قد يؤدي الاعتماد على هذا البراديقم لتفسير أسباب المشاكل الاجتماعية كالعنف و الفشل الدراسي و تعاطي المخدرات إلى الاقتصار على العوامل الوراثية فقط و إهمال العوامل الاجتماعية المكتسبة.

خلاصة القول:
يتمثل تدريس البيولوجيا في تفسير الظواهر الطبيعية المعقدة و التركيز على التفاعلات التي تقع بين عناصرها المتعددة لذلك يحتاج المدرس إلى الاستعانة بالمقاربتين, التحليلية و الشاملة, لأن كل واحدة منها تكمّل الأخرى
يعتبر مفهوما التفاعل و التعقيد (l’interaction et la complexité) مفهومان مهمان في العلم يكملان مفهومي الخطية و التبسيط (la linéarité et la simplification)  و يؤسسان براديقم علمي جديد. هذان المفهومان الجديدان قد لا يسهلان فك رموز مسألة علمية ما بل بالعكس يعقدانها لكن في نفس الوقت يضعانها على الطريق السليم للوصول للحل العلمي. خذ مثلا الذكاء, فهو" وراثي % 100   و مكتسب%  100 " حسب المقولة الشهيرة لعالم الوراثة المشهور بنضاله الاجتماعي و مساندته العلنية لفاقدي السكن القار، العالم الجيني "ألبار جاكار". نرث عن والدينا مخا بشريا يتكون تقريبا من 10 مليار خلية عصبية. تقع داخل كل خلية مليارات من التفاعلات الكيميائية. الخلية ليست بمعزل عن محيطها فهي تتبادل معه مليارات من العناصر الكيميائية المتغيرة باستمرار. كل خلية قادرة على ربط 10 آلاف وصلة عصبية مع مثيلاتها. نكتسب من خلال تفاعلنا مع المحيط و حسب تجربتنا الشخصية مليون مليار وصلة عصبية (10   puissance  15 synapses)   تبنيها أو تعيد بناءها خلايانا المخية بعد الولادة. لنعلم أن عدد الجينات عند الإنسان حسب آخر إحصاء سنة 2001 لا يفوق 30 ألف جينة. نسبة %  98,9 منها مكررة أو صامتة أي لا دور معروف لها الآن و نسبة   1,1 % فقط  صالحة لصنع البروتينات. نصل إلى الاستنتاج التالي: النموذج التحليلي السائد « جينة واحدة تبرمج لصنع  بروتينة واحدة" لم يعد قادرا وحده على تفسير وجود عشرات الآلاف من البروتينات و مليارات الوصلات العصبية و مليارات الأجسام المضادة المكونة لمناعة الجسم المتطورة و المتجددة حسب تعرض الجسم لمضار الأجسام الدخيلة من جراثيم و بروتينات أجنبية و جزيئات معدنية ملوثة.

و أختم هدا المقال بطرح الإشكالية التالية: كيف ندرج المقاربة الشاملة في كل مستويات التعليم التونسي حتي لا تطغى المقاربة التحليلية وحدها على التفكير العلمي ؟

إمضاء م. ع. د. م. ك.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال ناقص أو سيء نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.