dimanche 30 novembre 2014

رأي مخالف للسائد النقابي أو وجهة نظر انتحارية يساريا! مواطن العالم د. محمد كشكار

رأي مخالف للسائد النقابي أو وجهة نظر انتحارية يساريا! مواطن  العالم د. محمد كشكار

اعتذار مسبق
أعتذر مسبقا لكل أصدقائي و زملائي النقابيين الذين "ناضلت" معهم طيلة 28 عاما من النشاط النقابي في غار الدماء و جندوبة و حمام الشط و بن عروس و ساحة محمد علي إن أساؤوا فهم وجهة نظري و بصدق لم و لن أشك في صدق نواياهم رغم أنني لا أتفق معهم اليوم في الطرق المتوخاة من لدنهم لتحقيق نواياهم الحسنة.

مقدمة
أنا أعي جيدا أن موقفي التالي من إضراب المدرسين عموما (معلمون و أساتذة ثانوي و أساتذة جامعة و أساتذة تكوين مهني) سيجلب لي السب و الشتم و عبارات التحقير و التهميش من قِبل زملائي و خاصة النقابيون منهم. أنا مفكر انتحاري مؤمن برأيي خاصة في هذه الحالة الفريدة من نوعها إلى حد الجزم الإيماني غير العلمي و أنا لست مستعدا للتراجع عنه، كلفني ذلك ما كلفني حتى و لو - الله لا يقدّر - عاداني بسببه أعز أصدقائي النقابيين و هذا ما لا أنتظره منهم و لا أتمناه. فليعذرني زملائي الذين أحبهم جدا لكنني أحب حرية التعبير أكثر منهم. و أنبه رفاقي اليساريين أنني لست مسؤولا عن إمكانية توظيف هذا الموقف الشاذ عن السائد من قِبل خصوم الاتحاد العام التونسي للشغل - و أنا من أشد مناصريه -  أو بعض الأولياء الساخطين على المدرسين عموما.

موقفي
بعد ما تحملت المسؤولية النقابية طيلة 10 سنين (2 مندوب نقابي و مؤسس للنشاط النقابي بغار الدماء و 2 عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بجندوبة، و 6 كاتب عام لأول نقابة أساسية للتعليم الثانوي بحمام الشط) و بعد ما أشرفت على كل الإضرابات التي وقعت بحضوري في غار و حمام الشط و برج السدرية دون أن أدعو أو أقنِع أو أحرِّض أحدا قبل الإضراب إلا في الإضرابات الداخلية العفوية دفاعا عن كرامة الأستاذ و حرمته الجسدية و كمسؤول نقابي لم أمنح في حياتي رخصة بعدم الإضراب لمتربص أو معوض أو متعاقد.

لنتفق أولا على المبدأ الذي أتبناه اليوم و أنا متقاعد بعد مسيرة 37 عام عمل متواصل: ينص هذا المبدأ على تحييد التلميذ و الطالب تحييدا تاما عن الصراع النقابي الدائر بين المدرسين من جهة و وزارتي الإشراف (التربية و العالي) من جهة أخرى. يعني عدم حرمان التلميذ و الطالب من حقهما المقدس المكتسب في التعلم العمومي المجاني مهما كانت أسباب الإضراب و يجب أن لا نجرّهم قسرا للإضراب معنا حتى نقوّي من حظوظنا في التفاوض مع الوزارة أو نضغط على حسابهم على الرأي العام (و هذا الضغط يمثل سلاحا قد ينقلب ضدنا و قد انقلب ضدنا في جل إضراباتنا الفائتة). يبدو لي أنه ليس من أخلاقيات مهنتنا النبيلة أن نضغط على الحلقة المذنِبة المسؤولة عن وضعنا المتردي و هي الحلقة الأقوى في المنظومة التربوية (الوزارة) بواسطة حرمان الحلقة البريئة غير المسؤولة تماما عن وضعنا المتردي و هي الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية (التلميذ و الطالب)!

لماذا نعاقب التلميذ و الطالب بحرمانهما من حق التعلم على ذنب لم يقترفاه و نحشرهما عنوة دون استشارتهما في قضية لا تخصهما مباشرة؟ هم أحرار يُضربون عن التعلم من أجل مصالحهم متى شاؤوا!
هل يُقبِل العامل المضرِب في القطاع الخاص على تحطيم أدوات الإنتاج و هي تمثل مصدر رزقه و رزق عائلته؟ طبعا لا، فهو يُضرِب عن إنتاج القيمة المضافة في السلع المصنّعة و بهذا الفعل الشرعي حسب النظرية الماركسية يُقلِّص العامل المضرِب من الربح المشِط غير الشرعي للرأسمالي الجشع صاحب المصنع. أما في حالة التربية فالتلميذ ليس سلعة و الوزارة لا تحقق من ورائه ربحا ماديا. التلميذ في هذه الحالة هو الإنتاج الذهني و آلة الإنتاج في نفس الوقت و إن حَصُل خللٌ أو عطبٌ في الآلة أو في الإنتاج فإصلاح أحدهما أو كليهما قد يصعب ترميمه أو تداركه حتى و إن حاولنا!

إذا اتفقنا على مبدأ تحييد التلميذ و الطالب - و هذا ليس بالأمر الهيِّن - نلتفت معا للبحث عن بدائل للإضراب التقليدي (حرمان المتلقي من الدرس). أنا لا أدعي أنني أملك بديلا جاهزا و البديل لا يُهدى بل يُصنع من قبل المدرسين أنفسهم و لنا أسوة في إضراب سائقي حافلات باريس و إضراب موظفي الصحة العمومية التونسية فعلينا إذن أن نستلهم من تجاربهم و نتعلم من بدائلهم الجديدة و الطريفة المستنبطة عندما باشروا عملهم اليومي العادي دون أن يأخذوا مقابل مالي من المستفيدين من خدماتهم العمومية.

أخف الأضرار إذا أصرّ الزملاء و ممثليهم النقابيين على الإضراب التقليدي:
كسبا لتعاطف الأولياء و تأكيدا على أن المدرس يحرص أكثر من الوزارة على مصلحة التلميذ، يبدو لي أنه من الأسلم و الأفضل أن يتفق كل فرع نقابة أساسية مع إدارة المؤسسة المعنية في كل مدرسة أو إعدادية أو معهد أو مدرسة مهنية أو كلية على روزنامة تعويض حصص يوم الإضراب  و يقع إعلام التلاميذ أو الطلبة قبل موعد الإضراب بأسبوع على الأقل.

ملاحظة:
ليعرف كل مَن سيهاجمني أنني اتخذت هذا الموقف بكل تجرد و الدليل أنني تبنيته و أنا أول الخاسرين ماديا لو طُبّق فعليا لأنني و أنا متقاعد أنتفع بنسبة 86،5 في المائة من كل زيادة في الشهرية تنتج عن خراج الإضراب التقليدي المطلبي المادي دون أن يُقتطع أجر يوم الإضراب من مرتبي. و ليهنأ رفاقي النقابيين أنه لم تعد لي سلطة نقابية من أي نوع و لا أتمتع بأي علاقة أو تأثير مباشر على زملائي المباشرين لكنني أعبر عن استعدادي - لو دعوني - أن أشارك خارج المعهد في إعداد و تنفيذ البدائل المعوِّضة للإضراب التقليدي. و رغم احترامي الشديد لمشاعر زملائي المضربين في كل أنحاء الجمهورية التونسية لم أعد أفرح لنجاح الإضراب بل أتمنى من كل قلبي فشله حتى لا يُحرم مزيدا من التلاميذ من حقهم في التعلم و في نفس الوقت أتمنى من كل قلبي أيضا و بصدق و حماسة أن لا يُحرم زملائي من نيل حقوقهم المشروعة دون الإضرار بلا قصد بمصالح التلميذ.

إمضاء م. ع. د. م. ك.
قال الفيلسوف اليساري المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 1  ديسمبر 2014.


بيّنت تبرئة المجرم حسني مبارك أن الحل القضائي في وجه أزلام النظام القديم لم يُجدِ نفعا! مواطن العالم د. محمد كشكار

بيّنت تبرئة المجرم حسني مبارك أن الحل القضائي في وجه أزلام النظام القديم لم يُجدِ نفعا! مواطن العالم د. محمد كشكار

1.     الحل القضائي المؤجل (التصويت ضد قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي) المسانَد من قِبل أكثرية النواب الإسلاميين و بعض النواب اليساريين:
يتمثل هذا الحل في عدم إقصاء رموز الدساترة و التجمعيين و الاكتفاء بإحالتهم على العدالة الانتقالية أو توكيل مهمة إقصائهم من قبل المنتخِبِين عن طريق الصندوق. رموز الدساترة و التجمعيين هم المجرمون أي جل الذين تحمّلوا مسؤوليات سياسية في نظام بورقيبة و نظام بن علي، بداية من خطة معتمد إلى خطة وزير أول زائد كل البرلمانيين و كل المستشارين الذين مارسوا السلطة الفاسدة بما فيهم كبيرهم المخضرم الباجي قايد السبسي. أما الدساترة و التجمعيين المهمشين - من قبل أسيادهم - كرؤساء و أعضاء الشعب فاعتذارهم علنا عن بعض الجنح يكفينا.

2.     الحل السياسي الإقصائي الفوري (التصويت مع قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي) المسانَد من قِبل أكثرية النواب اليساريين و بعض النواب الإسلاميين و أنا:
يتمثل هذا الحل في إقصاء رموز الدساترة و التجمعيين من الحياة السياسية على مدى الحياة (لا يَنتخِب و لا يُنتخَب و لا يتحمل أي مسؤولية سياسية في الحكومة و القطاع العام) و هذا يُعدّ أضعف الإيمان الثوري و إن لم يتحقق هذا الحل في بداية الثورة و هو لم يتحقق فالثورة إذن ليست ثورة، بل انتفاضة شعبية محدودة الأهداف و ضيقة الأفق.

تعليق:
- قبل فوات الأوان، أي قبل التصويت على قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي، جاء التكذيب الصارخ الأول للحل القضائي المؤجل عندما حصل آخر وزير أول في عهد مبارك، المجرم شفيق، على 49 في المائة في الانتخابات الرئاسية الأولى في مصر، و لم يتعظ نوابنا "الأشاوس" المدافعين عن الحل القضائي المؤجل.

- بعد فوات الأوان، أي بعد التصويت ضد قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي، جاء التكذيب الصارخ الثاني عندما فاز بعض رموز التجمع في الانتخابات التشريعة التونسية الأولى في 26 أكتوبر 2014 و لم يقصهم الناخب كما كانوا ينتظرون (يقولون - و الصرصار أعلم - أن نواب البرلمان الجدد المنتمون لحزب نداء تونس، ثلثهم ينحدر من رموز التجمع الفاسدين).

- بعد فوات الأوان، أي بعد التصويت ضد قانون تحصين الثورة في المجلس التأسيسي، جاء التكذيب الصارخ الثالث، مصدّقا للموقف السليم لأصحاب الحل السياسي الإقصائي الفوري و مكذّبا للموقف المتخاذل لأصحاب الحل القضائي المؤجل، عندما برّأت المحكمة المصرية المجرم حسني مبارك و نجليه و زبانيته. جاءت الثورة المضادة من حيث لا ننتظرها (أنا و الكثير من المثقفين المهمشين كنا ننتظرها)، جاءت من القضاء المصري المشهور زورا وبهتانا بالعدل و الاستقلالية. فكيف ننتظر، نحن التونسييون، عدلا من قضاء تونسي مشهور "و عن جدارة" بالرشوة و الفساد و شهد شاهد من أهلها (عديد القضاة و المحامين أقرّوا علنا بأن أكثرية القضاة و المحامين فاسدون جبناء مرتزقة مرتشون و للعدل خائنون).

أترككم في دعة الثورة المضادة إلى أن يعود التكذيب المجسم الرابع - لا قدر الله - من السعودية.

إمضاء م. ع. د. م. ك.
قال الفيلسوف اليساري المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 30 نوفمبر 2014.
Haut du formulaire
Bas du formulaire


mercredi 26 novembre 2014

مَن هم الأيتام في مأدبة اللئام؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

مَن هم الأيتام في مأدبة اللئام؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

الأيتام هم المؤمنون بالديمقراطية دون طمع، إلا في نمو تونس و تنميتها و تقدمها.
الأيتام هم التونسيون الذين لا يأتمرون بأوامر الخارج، غربا أو شرقا.
الأيتام هم المهمَّشون غير المنتمين حزبيا و لا إيديولوجيا و لا مذهبيا و لا طائفيا و لا جهويا.
الأيتام هم الحالمون دَومًا بغد أفضل لتونس و للتونسيين.
الأيتام هم الشجعان الذين قاموا بالثورة التونسية من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011، و قبل و بعد هذا التاريخ.
الأيتام هم الذين سُرقت من بين أيديهم ثورتهم، لا بسبب غبائهم بل بسبب نبذهم للعنف و الإقصاء.
الأيتام هم المغيَّبون قصدا في المنابر الإعلامية على الفضائيات التونسية قبل و بعد الثورة.
الأيتام هم الذين لم ينساقوا وراء هواجس وهمية مثل الخوف على الإسلام في مجتمع تونسي مسلم منذ خمسة عشر قرنا و هم مَن اقتدوا بالرسول الكريم، محمد صلى الله عليه و سلّم، عندما دعا إلى العدل و المساواة بين الناس بـ"التي هي أحسن" و هو وحيد و أعزل إلا من إيمانه بعظمة الإنسان جنب عظمة الله.
الأيتام هم الذين لم يدعوا العصمة لأنفسهم و لا لإيديولوجياتهم و أفكارهم و آرائهم، فحتى الرسول - محمد صلى الله عليه و سلم - لم يدّعيها لنفسه و لا لأصحابه.
الأيتام هم الذين لم يستبيحوا دماء المسلمين مثل دم شكري بلعيد و دم لطفي نڤض و دماء ما يقارب المائة ألف من إخوانهم العرب المسيحيين و المسلمين السوريين، شيعة و سنة و علويين نصيريين و دروز و أكراد و ملحدين و لا أدريين و بهائيين.
الأيتام هم الذين يرددون دوما و يعملون بحديث الرسول الكريم، محمد صلى الله عليه و سلّم: "قطرة دم مسلم أغلى من الكعبة الشريفة"، أما المتطرفون الإسلامويون المتاجرون بالدين لخدمة أغراض إقليمية  دنيوية رخيصة و دنيئة، فهم ينافسون العدو الأمريكي و الإسرائيلي في إراقة دماء إخوانهم المسلمين و غير المسلمين في تونس و ليبيا و مصر و سوريا و العراق و الباكستان و أفغانستان و السودان و الصومال و فلسطين و اليمن و الشيشان و كشمير و مادريد و لندرة و نيويورك.
الأيتام هم الذين يرددون وراء جان بول سارتر، فيلسوف الحرية و مناصر سابق لجبهة التحرير الجزائرية ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي: "الإيديولوجيات، حرية عند تشكُّلِها و ظلم و جور و اضطهاد و طغيان عند اكتمالها".
الأيتام هم الذين يرددون وراء محمد إقبال، شاعر و فيلسوف الإسلام بلا منازع، عندما قال قولته العميقة: «إن النبوة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها»، و محمد بن عبد الله هو خاتم الأنبياء و لا نبي بعده فليتحمل الإنسان مسؤوليته على أفعاله، شرا كانت أم خيرا. و قد صدق الصّدِّيق، رضي الله عنه، عندما صاح في الناس صيحته الشهيرة و المدوية بعد وفاة الرسول و لا زال صداها لم ينقطع و لم يمّح طيلة خمسة عشر قرنا: "من كان يعبد محمد فإن محمد قد مات ومن كان يعبد الله فان الله حي لا يموت".
الأيتام هم الذين يرددون شعر أولاد أحمد: "أحب البلاد كما لا يحب البلاد أحد، صباحًا مساءً و قبل المساء و بعد المساء و يوم الأحد".
الأيتام هم الذين يعتقدون كما يعتقد ڤاستون باشلار، الفيلسوف الفرنسي و ناقد المعرفة بلا منافس، بـأن  "الحقيقة هي خطأ مُصحَّح باستمرار".
الأيتام هم الذين يرددون شعر و حِكَمَ جمال الدين الأفغاني، مؤسس النهضة الإسلامية: "ملعون في دين الرحمن... من يسجن شعباً.. من يخنق فكراً.. من يرفع سوطاً.. من يُسكت رأياً.. من يبني سجناً.. من يرفع رايات الطغيان.. ملعون في كل الأديان.. من يُهدر حق الإنسان.. حتى لو صلّى أو زكّى وعاش العُمرَ مع القرآن".
الأيتام هم الذين  يؤمنون مثل كارل ماركس، فيلسوف العدالة الاجتماعية، بـأن "الدين زفرةُ الإنسان المسحوق، روحُ عالَمٍ لا قلبَ له، كما أنّه روحُ الظروف الاجتماعيّة التي طُرِد منها الروح".
الأيتام هم الذين  يعشقون قولة موهانداس كرمشاند غاندي، نبي مَن لا نبي له و نابذ العنف و مبتدع المقاومة السلمية  و بطلها و  شهيدها الأشهر: "أنا مستعد للموت من أجل عديد القضايا، لكنني في الوقت نفسه لست مستعدا للقتل من أجل أي قضية".
الأيتام هم الذين  يقدّرون قولة حسن البنّا (دون تبني فكره جملة و تفصيلا)، الداعية الإسلامي المصري و مؤسس حركة الإخوان المسلمين: "إن الناس قد بنوا لهم أكواخاً بالية من عقائدهم .. فلا تهدموا عليهم أكواخهم فيتنكرون للحق ولكن ابنوا لهم قصراً من العقيدة السمحة... فيهدمون أكواخهم بأيديهم ويدخلون القصر". أترجم قولته بلغة علوم التربية الحديثة: "أنا أعمل جاهدا من أجل الحث على التغيير الذاتي للتصورات غير العلمية (المفاهيم العامة غير الدقيقة أو السحرية و الغيبية أو العقائد الأسطورية و الخرافية الشائعة)، و  أسعى إلى تفكيكها من الداخل و تسليط الضوء على كل جوانبها و زواياها و تشريحها و تشخيص نقاط ضعفها و مرافقة حامليها إبستمولوجيا و بيداغوجيا عند التركيب لكي يعيدوا البناء الذاتي المعرفي لتصورات علمية جديدة مكانها".
الأيتام هم الذين يرددون صرخة محمود درويش، شاعر الإنسانية و المقاومة الفلسطينية: "احتمَي أبوك بالنصوص فدخل اللصوص".
الأيتام هم الذين يطبقون قولة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "كونوا دعاة إلى الله و أنتم صامتون. قيل: كيف ذلك يا فاروق؟ قال: بأخلاقكم". و لم يقل بفتاويكم أو قميصكم أو جلبابكم أو نِقابكم أو حجابكم أو ختانكم للبنات أو إرضاعكم للكبير أو شربكم لبول البعير.
الأيتام هم الذين يؤمنون كما يؤمن عبد الله العروي، الفيلسوف و المؤرّخ المغربي اليساري المتصالح مع بيئته المغربية الأمازيغية الإسلامية العربية، بأن "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".
الأيتام هم الذين لا ينظرون - كما نصحهم عمر بن الخطاب، رضي الله عنه - إلى صيام أحد و لا صلاته و لكن ينظرون إلى صدق حديثه إذا حدّث و إلى أمانته إذا أؤتمن.
الأيتام هم الذين يرون مثل ما يرى أبو يعرب المرزوقي، فيلسوف "النهضة" المستقل، أن "للشريعة في الواقع وجهان: وجه تربوي و وجه ردعي. فلو طوّرنا الوجه الأول فقد نستغني عن الوجه الثاني".
الأيتام هم الذين يعملون بصمت، يفلحون الأرض و ينشرون العلم و المعرفة و يعالجون المرضى و يكنسون الطرقات و يحترمون قانون الطرقات و لا يفرضون الأولوية.
الأيتام هم الذين لا ينتظرون أن تصل النار إلى باب بيتهم لكي يتحركوا لإطفاء الحريق.

الإمضاء
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 8 فيفري 2013.




mardi 25 novembre 2014

نقد تحسيسي ضد بعض الاعتقادات غير العلمية السائدة في مجتمعنا  التونسي! مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 4 جويلية 2010.

1.     قال صديقي رضا بركاتي، المسكون بحقوق الإنسان و الحيوان: لو دخلت منزلا و صَدَمَتْ أنفك رائحة مواد التنظيف فتأكد أن الدار لا يطيب فيها العيش الصحي السليم عكس ما يعتقد الكثيرون و لو وطئت قدماك سكنا تعيش فيه الحشرات و العنكبوت و الزواحف الصغيرة على الجدران و القطط في الأحضان فهذا دليل بيولوجي قاطع على خلوّه من مبيدات الحشرات و ما دامت الكائنات الصغيرة و الكبيرة ارتضته سكنا لها فهو أوتوماتيكيا صحي للإنسان.

2.     عن لسان العالِم "دودسون"، قال صديقي التهامي الشايب، متفقد الشباب و الطفولة و الساخط على أساليب رياض الأطفال التربوية المتخلفة: لو دخلت منزلا يسكنه أطفال صغار و وجدته مرتبا ترتيبا جيدا فثق أن أولياءهم غير مثقفين لأنهم يقمعون أولادهم دون قصد و لا يتركونهم يلعبون و يمرحون بحرية.

3.     قالت شخصية من الشخصيات المتعددة المعششة في مخ محمد كشكار و المتخصصة في فلسفة التعليم: لو مررت أمام قسم و سمعت الأستاذ يستعرض عضلاته الفكرية و اللغوية و يشرح الدرس بصوت عال و بضمير متيقظ و يحتكر الكلمة طوال الوقت فثق أن الدرس فاشل و تأكد أن التلامذة لا يعملون و لا يشاركون في صنع معرفتهم بنفسهم و لا يفهمون من كلام الأستاذ إلا النزر القليل و لو مررت أمام قسم و سمعت الصمت و رأيت التلامذة منهمكين فى حل المسائل المعقدة و الأستاذ يراقبهم من بعيد دون أن ينبس ببنت شفه، فثق أن الدرس ناجح و أمخاخ التلاميذ تشتغل و تتكون في هدوء.

4.     قال الأستاذ "العادل": أنا أعامل تلامذتي نفس المعاملة و أخصّص لكل تلميذ الوقت نفسه و أشرح لهم جميعا الشرح ذاته و أعطيهم التمارين عينها و ضميري مرتاح لأنني عدلت مثل "عمر". تقول البيداغوجيا الفارقية عكس هذا: يتمثل العدل العلمي في عدم المساواة بين التلاميذ لأن التلاميذ غير متساوين ذهنيا و اجتماعيا بطبيعتهم. على الأستاذ العادل أن لا يعدل بين تلامذته و يخصّص وقتا أكبر للتلاميذ الذين يلاقون صعوبات في الفهم فيكلّفهم بتمارين تفرق عن تمارين النجباء حتى يلحقهم بزملائهم فمن أجلهم و بأموال آبائهم العمال و الفلاحين الفقراء خُلقت المدرسة العمومية.

5.     قال لبيب، صاحب البيئة: لا ترموا الفضلات "البيودقرَدَابل" (Déchets biodégradables) مثل قشور البطيخ و الدلاع على حافة الطريق عند السفر. أما أنا فأقول: لا تسمعوا نصائحه غير البيئية فهو ليس بمحب للنباتات و العصافير و الحشرات و دود الأرض الذي يقتات من هذه الفضلات البيولوجية. أضيف و أنا أعتبر نفسي صاحب البيئة أكثر من لبيب: ارموا الفضلات "البيودقردابل" على حافة الطريق عند التوقف و الاستراحة من عناء السفر و لا ترموها على الطريق و أنتم تقودون سياراتكم حتى لا تتسبب في حادث سير لا قدر الله و لكن حذار أن ترموا المواد البلاستيكية و المواد الكيميائية المصنعة على حافة الطريق لأن هذه المواد المصنعة تلوّث الأرض و الجو و الماء و لا تتحلل إلا بعد مائة عام على الأقل و لا تمثل غذاء للحيوانات و النباتات بل تضر بصحة الإنسان و الحيوان و النبات.

6.     قال الحديث: "النظافة من الإيمان و الوسخ من الشيطان". لكن لم يقل النظافة المبالغ فيها بالمواد الكيميائية التي تعتدي على الجسم و تسبب له أمراض الحساسية. بعد عشرة طويلة مع أنواع الصابون الراقي توصلت أنا و زوجتي إلى الاكتفاء باستعمال الصابون الأخضر للاستحمام و لغسل الملابس الداخلية كما ينصح طبيب الجلدة المشهور بحمام الأنف الدكتور مصباح.

7.     قال الراوي: لكل دواء علاج. لكن لم ينصح بالإكثار من استهلاك الأدوية التي لا تترك فرصة للجسم حتى يدافع عن نفسه بنفسه دون مساعدة المضادات الحيوية و مضادات الالتهاب. كثرة استهلاك المضادّات الحيوية تقوّي و تزيد من مقاومة الجراثيم فتحصل نقلة بيولوجية نوعية في الحمض الأميني لهذه الجراثيم فتنبثق منها أنواع جرثومية أشد فتكا بالإنسان. لو بالغنا في استعمالها، فقد تأكل مضادات الالتهاب الخلايا السطحية و تحفر النسيج الداخلي للمعدة و الأمعاء الدقيقة و تتسبب في أغلب الأحيان في مرض "قرح المعدة".

8.     قال الحكام اللبنانيون بجميع طوائفهم بما فيهم حزب الله، الغيورون ظاهريا على مصلحة الفلسطينيين اللاجئين بلبنان: "لا لسياسة التوطين". أرد و أقول: لقد وُطِّن اليهود في عدة دول على مدى ثلاث آلاف سنة و رغم ذلك لم ينسوا فلسطين و أورشليم بل مثلت أوطانهم الجديدة نقاط ارتكاز لغزو فلسطين من جديد اعتمادا على الكذبة الكبرى، التي صدقها العالم الغربي المستعمر، "وطن بلا شعب لشعب بلا وطن". لقد جُنّس و وُطّن عمالنا بالخارج في فرنسا و ألمانيا و بريطانيا و أمريكا و كندا و البرازيل و فينزويلا و الأرجنتين و لم يتخلوا عن دينهم و لا عن تقاليدهم و لا عن أوطانهم الأصلية بل نفعوها بالعملة الصعبة و نشروا الإسلام و اللغة العربية بين الأوروبيين و الأمريكيين جنوبيين و شماليين. يعيش فلسطينيو لبنان اليوم  في  مخيمات ضيقة و وسخة و لا يتمتعون بأقل الحقوق في الشغل و التعليم و الصحة و التوظيف بدعوى حرص النظام اللبناني على القضية الفلسطينية، كلمة حق أريد بها باطل. ليس لهم الحق في التعليم الجامعي و محرومون من الوظائف العليا كالمحاماة و القضاء و الطب. ليس لهم مستشفيات مثل التي يتمتع بها الشيعة و المسيحيون. هل توطينهم في الدول العربية يقف ضد حق العودة أم يقوّيه؟  هل توطينهم في لبنان سيقلب التوازن الطائفي بين الشيعة و السنة و المسلمين و المسيحيين؟ هل توطينهم في الأردن سيزيد من عدد الأردنيين ذوي الأصل الفلسطيني؟ رغم كرهي الوراثي للنظام الدكتاتوري الحاكم بدءا من الأسد الأب وصولا إلى الأسد الابن، إلا أن الحق يقال أن اللاجئين الفلسطينيين في سوريا يتمتعون بنفس الحقوق الاجتماعية كأي مواطن سوري غير "علوي" و يشتغلون في شتى الميادين ما عدا الجيش و الأمن و الحكم. لكن لم يُمنحوا الجنسية السورية بحجة "لا لسياسة التوطين" و لنفس الأسباب الطائفية الشوفينية الضيقة عند حزب البعث الذي يدعي العروبة و القومية.

9.     يقول العارفون بالنصوص و المتجاهلون واقعنا المعيش: "المرأة غير مساوية للرجل و لا تتمتع بنفس الحقوق في المجتمعات الإسلامية و يتزوج الرجل المسلم بأربع أو أكثر في الوقت نفسه". عن أيّ مجتمع إسلامي يتحدثون و ما أكثرهم في تنوّعهم و اختلافهم؟ أنا سأتحدث عن الواقع دون الغوص في النصوص لأنني لست مختصا في فقه النصوص و سأحاول فقط نفي التهمة هذه عن مجتمعي الإسلامي الضيق جدا جدا و الذي عشت و ترعرعت في أحضانه الكريمة و سأروي الحياة اليومية لنساء مدينتي الصغيرة و مسقط رأسي "جمنة الستينات" الواقعة في الجنوب الغربي التونسي حيث عاشت المرأة طليقة حرة اجتماعيا تختلط بالرجال دون الخروج عن التقاليد الإسلامية المحافظة. ظلت المرأة الريفية تعمل فلاّحة بكفاءة عالية تضاهي كفاءة الرجل أو تفوقه أحيانا. تخرج عند السّحَر إلى العمل في حقلها أو غابتها أو "سانيتها" دون إذن يومي من زوجها و تشتغل طوال النهار سافرة و تقابل الرجال من أجوار و أقارب دون حجاب. تستقبل الضيف المُقرّب في بيتها رجلا كان أو امرأة بحفاوة كبيرة و تقدم له الشاي و الطعام في حضور زوجها أو في غيابه. تربّي أولادها باللين تارة و بالشدة تارة أخرى و تُدير بعضهن شؤون البيت بحنكة حتى رجوع أزواجهن من العمل في فرنسا. عندما تترمل المرأة عندنا، حتى في عز شبابها كما وقع لأمي و جاراتها، لا تتزوج و تحرم نفسها و تقمع شهواتها المادية و الجنسية بقوة رهيبة و تضحّي أكثر من الرجل ألف مرة و تسهر على تعليم أولادها و رعايتهم. يخشاها أعتي الرجال و يستشيرونها في الكبيرة و الصغيرة. تتجول المرأة داخل حيّنا الضيق بجمنة سافرة الوجه و تمشي على الأرض مرفوعة الرأس مزهوة بنفسها و بأنوثتها بثقة لا تتمتع بها النساء الأوروبيات الليبراليات. تتميز امرأتنا الجمنية بكنوز من العطف و الحنان ما يكفي للأجيال الحاضرة و القادمة. كنت عندما أعود في العطلة إلى مسقط رأسي و أنا تلميذ في الثانوية بـ"قابس" (مدينة بعيدة عن قريتنا)، تستقبلني جاراتي، متوسطات العمر، بالأحضان و القبل مثل أمي أو أكثر. فِعْلٌ مليء بالحب و الحنان و الصدق، لا تقدر عليه أكثر التقدميات تحررا. هل يجرؤ واحد من المتدينين الجدد أن ينعت "جمنة الستينات" بالمجتمع غير المحافظ؟ تعمل المرأة في المنزل في غزل الصوف و تعمل خارجه في جني التمور و تكسب قوتها و قوت عيالها من عرق جبينها. لا تمد يدها للقريب و لا للغريب. لا يوجد في بلدتنا سائل أو سائلة في الطريق. أختي، البعيدة عني جغرافيا و القريبة مني عاطفيا، أرق و أحن واحدة في أخواتي،  المدعوة "الصغيرة" و هي صغيرة في براءتها كبيرة في عشقها لأخوتها و أخواتها، دخلت المدرسة عام 1950 وكانت أول بنت تلتحق بالتعليم في القرية و تبعها في مسعاها بنات "جمنيات" كثيرات. في حيّنا امرأة تقوم بعمليات جراحية بسيطة دون غرفة عمليات، يتمثل هذا العمل الذي لا يقدر عليه الرجال الغلاظ في اقتلاع شوكة النخلة المذبّبة عندما تنغرس عَرَضًا في عمق قدم أحد سكان الحي. في قريتنا أرملة مشهورة بشدة المراس و إدارة التجارة البسيطة، ربّت بعد موت زوجها خمسة أولاد و كبّرتهم فتخرّج منهم المحامي المشهور و المعلم المدير و عندنا مهندسات و طبيبات و أستاذات في كل الاختصاصات و معلمات و ممرضات منذ زمان. عبر تاريخ قريتنا الحديث، قبل و بعد قانون بورقيبة الذي ينصّ في مجلة الأحوال الشخصية على منع تعدد الزوجات، لا يوجد في قريتنا التي تعد في الخمسينات تقريبا 4 آلاف ساكن إلا أربعة أو خمسة رجال قد تزوجوا كل واحد منهم امرأتين و قد توفوا هم و زوجاتهم رحمهم الله منذ أمد قريب حسب ما أذكر. قانون بورقيبة إذن ليس بدعة بل جاء ليقنن وضعا اجتماعيا سائدا و معيشا بغض النظر على الجدل القائم حول توافقه أو تعارضه مع أحكام الشريعة الإسلامية. لم تدخل المرأة "الجمنية" ميدان الاحتراف السياسي و حسنا فعلت عن قصد أو دون قصد و ماذا جنينا من بعض الرجال "الجمنين" المحترفين بالسياسة الهامشية سوى الكذب و النفاق و السرقة و الرشوة و الشعوبية و القبلية و الوشاية السياسية المغرضة حتى بأقرب الناس إليهم. في قريتنا يتساوى الإناث و الذكور حتى في تقسيم الإرث، لا لأننا لا نطبق القانون و الشرع بل بكل بساطة لأننا فقراء لا نرث شيئا و الصفر الذكري يتساوى مع الصفر الأنثوي. سأحكي لكم كيف قسمت عائلتنا الضيقة "الإرث الوفير" و أرجوكم، لا تضحكوا من فقرنا و عفتنا. مات أبي سنة 67 و كنت حينذاك تلميذا في معهد سيدي مرزوق بقابس، لم أقدر على السفر لحضور الجنازة لضيق ذات اليد. مات الوالد و ترك لنا منزلا، يعتبر محترما في "جمنةّ" الستينات و هو من مخلفات أيام العز و اليسر و ترك لنا "سانية" (تقريبا نصف هكتار من الأرض المشجرة) فيها 19 نخلة نوع "دقلة النور" و الباقي نخل عادي و خوخ و رمان و بعض أشجار الزيتون. من عاداتنا، أننا لا تُقسم "الثروة الموروثة" من الأب في حياة الأم احتراما لها. لحقت أمي "يامنة" بأبي في التسعينات. اجتمعت العائلة بحضور جارات أمي و صديقاتها لتقسيم الإرث و أي إرث؟ قالت جارتها و صديقتها الحميمة "للت امني": وعدتني يامنة بـ"العديلة" (قفة كبيرة من سعف النخيل، نملؤها بالتمر أو الحشائش و نحملها على ظهورنا أو على ظهر الحمار). و كان لـ"للت امني" ما طلبت و لأمي ما أوصت و وعدت. قالت "للت الزينة": أنا سآخذ لوازم "المنسج" من خشب و أوتاد حديدية (آلة تقليدية رخيصة و بسيطة لنسيج الزرابي و البطاطين). أخذت "للت الزينة" ما أرادت دون اعتراض من أحد و كيف لنا أن نعترض على وصية أمنا الغالية "يامنة"؟ قال أخي الأكبر: سآخذ هذه الطاولة الصغيرة المزينة معي إلى طبرقة لأشم منها و فيها رائحة المرحومة. قالت أختي الوسطى: سآخذ "المهراس النحاسي" (وعاء مصنوع من النحاس الغليظ يهرس فيه الثوم و الفلفل الأسود). لم يتحدث أي واحد عن قسمة المنزل أو قسمة "السانية" و بقي المنزل لمن يسكنه و "السانية" لمن يخدمها حتى هذه الساعة. أهناك إرث أكبر من هذا؟ أهناك قسمة أعدل من هذه؟ أهناك ذِكْر لذَكر أو أنثى؟

10.الاعتقاد السائد و الخاطئ في جدوى و نجاعة الشهائد العليا في مجال العمل و تقلّد المناصب السياسية العليا: تعتقد فئة كثيرة من مجتمعنا أنه كلما كبرت الشهادة العلمية، زادت معها الكفاءة السياسية. من أقوالهم: يجب أن يكون وزير الصحة دكتورا في الطب، كأنه هو الذي سيجري العمليات الجراحية للمرضى و وزير التربية أستاذا جامعيا، كأنه هو الذي سيدرّس للطلبة و وزير الاقتصاد دكتورا في الاقتصاد، كأنه هو الذي سيستنبط النظريات الاقتصادية. أنا أرى أن ما يجب أن يتوفر في السياسي هو الصدق في القول و الإخلاص في العمل قبل الشهائد العلمية التي قد تكمّل شخصيته الوطنية لكن لن تبنيها لو لم تكن موجودة أصلا. كان وزير تربية فرنسي في حكومة جيسكار ديستان لا يحمل شهادة الباكلوريا و قد اجتاز امتحان الباكلوريا كمترشح حر مع تلامذته و هو وزير. فهل تخلفت التربية في فرنسا بسبب فقدان الشهائد العليا عند الوزير؟ طبعا لا لأن الوزير لا يشتغل وحده و لا يقرر بمفرده. تأتي القرارات المصيرية من البرلمان المنتخب بنزاهة و حرية و شفافية و تمثيلية. تأتي القرارات من الخبراء و المختصين و أهل الذكر و المدرسين المشتغلين دوما بالوزارة و المتواجدين فيها قبل تعيين الوزير و بعد إقالته. ينسق الوزير بين كل هذه الأطراف فهو إذن منسق و ليس عليهم بمسيطر. ماذا نطلب من المنسق غير الصدق في القول و الإخلاص في العمل! ما هي المهنة الأصلية لوزير خارجية الـ"نورفاج" الذي أدار بحنكة مفاوضات أوسلو في 94 بين إسرائيل و عرفات؟ قال في تصريح عندما شكروه على مجهوداته العظيمة (لم تكن في صالح الفلسطينيين حسب رأيي): أنا لم أفعل شيئا سوى القيام بمهنتي الأصلية و هي موزع بريد فقمت بنقل الرسائل بين جهتي التفاوض. قاد "ليش فاليزا" نقابة "تضامن" التي أطاحت بمساعدة العالم الرأسمالي و الفاتيكان بأعتى حكومة شيوعية دكتاتورية في بولونيا. كان "ليش فاليزا"  يشتغل عاملا مختصا في الخراطة. فرحات حشاد، مؤسس الاتحاد العام التونسي للشغل، اكتفى بالشهادة الابتدائية فقط، صدقه في القول و إخلاصه في العمل ضد الاستعمار هي التي جعلت منه عدوا للنظام الفرنسي و بطلا شعبيا مخلدا في قلوب التونسيين. عمر المختار، قاهر الاستعمار الايطالي الفاشستي، كان مؤدب صغار في الكتاب.

أمضي مقالي كالعادة بالجملتين المفيدتين التاليتين: "أنا أكتب - لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع - بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى". "على كل مقال سيئ، نرد بمقال جيد لا بالعنف اللفظي.


dimanche 23 novembre 2014

رسالة غير مشفّرة إلى الشباب التونسي الذي يدعي احتكار الثورة. مواطن العالم د. محمد كشكار

رسالة غير مشفّرة إلى الشباب التونسي الذي يدعي احتكار الثورة: مَن يغرس شجرة يرعاها و مَن يفجر ثورة يحميها و إذا لم يفعل فهو ليس راعيهاو لا غارسها  و لا حاميها و لا يحق له تبنيها و لن يستطيع إنقاذها بعد أن يبست جذورها و سُرقت أحلامها و معانيها. باعث الرسالة من شباب الشيخوخة مواطن  العالم د. محمد كشكار الذي لم و لن يصوت للــسبسي و لا للــمرزوقي


موقف مستقل لمواطن غير منتمِ حزبيا من الانتخابات الرئاسية التونسية الأولى بالاقتراع المباشر النزيه و الشفّاف في دورتها الأولى و الثانية. مواطن العالم د. محمد كشكار

موقف مستقل لمواطن غير منتمِ حزبيا من الانتخابات الرئاسية التونسية الأولى بالاقتراع المباشر النزيه و الشفّاف في دورتها الأولى و الثانية. مواطن  العالم د. محمد كشكار

-         في الدورة الأولى:
مَنحتُ صوتي لــحمة الهمامي جزاءً له على نضاله ضد بورقيبة و بن علي و ليس اقتناعا ببرنامج الجبهة الانتخابي أو تصديقا لوعوده الانتخابية.

-         في الدورة الثانية:
لا أثق في وعود الفائزين في الدورة الأولى لأنني جرّبتهما، لكنني لن أعاقب المرزوقي (بالتصويت لمنافسه الوحيد السبسي) لأنه شخص لا يستأهل العقاب رغم فشله السياسي المؤقت في السلطة التنفيذية لكنني أحمّله المسؤولية القانونية و الأخلاقية لكل ما وقع في الثلاث سنوات من حكمه و أشنع ما حدث خلالها فاجعة رش سليانة الأليمة التي تسببت في فقدان البصر الجزئي لبعض المتظاهرين الشباب العزل السلميين، و في الوقت نفسه لن أجازي السبسي لأنه شخص لا يستحق الجزاء رغم نجاعته السياسية المؤقتة في المعارضة البورجوازية الليبرالية لكنني لم و لن أغفر له مشاركته البارزة في نظامين ديكتاتوريين (بورقيبة و بن علي)، لذلك سأقاطع الدورة الثانية و هذا أعتبره موقف مواطن حر من الديمقراطية السياسية (لم نلمس أي مؤشر إيجابي من الديمقراطية الاقتصادية) و ليس هروبا من تحمل مسؤولية المواطنة.

إمضاء م. ع. د. م. ك.
قال الفيلسوف اليساري المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 23  نوفمبر 2014.

samedi 22 novembre 2014

وجهة نظر في تعريف السياسي التونسي المستقل؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

وجهة نظر في تعريف السياسي التونسي المستقل؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 24 جويلية 2011.

-         لا يخضع لأي تأثير سياسي خارجي و لا ينفذ أي أجندة خارجية حتى لو كانت نابعة من البيان العالمي لحقوق الإنسان.
-         يبقى أبد الدهر مستقلا، لا ينتمي و لن ينتمي إلى أي حزب أو أي جمعية سياسية.
-         لا يشارك في الانتخابات ضمن قائمات بل يشارك منفردا إن رغب في ذلك.
-         لا يسعى من وراء مشاركته في الانتخابات كسب أصوات بغرض تأسيس حزب بعد انتهاء الانتخابات.
-         لا يهدف من وراء نقده للمسؤولين السياسيين في الدولة إلى احتلال مناصبهم بل يتمسك بدوره كناقد مستقل مثله مثل العالِم الإبستومولوجي الذي ينقد العالِم البيولوجي و لا يطمح البتة في أخذ مكانه.
-         لا يحمل و لا يدعو إلى تبني برنامج متكلس كامل متكامل و إلا لأصبح أسيرا لهذا البرنامج و تخلى عن استقلاليته.
-         لا يسعى إلى تقلّد أي منصب سياسي في الدولة و إلا لأصبح خادما مطيعا تابعا غير مستقل للنظام القائم، و يكتفي بقدره كمثقف مستقل يعش أبد الدهر على هامش المجتمع فقيرا قنوعا شريفا.
-         يتمسك بصفة السياسي المستقل الهاوي الذي لا يتقاضى أجرا على نشر و تقديم و عرض أفكاره السياسية و إن حدث و خالف مبدأه و احترف السياسة و قبض أجرا فسيصبح مرتزقا مأجورا ذليلا لتيار سياسي معين.
-         لا يؤمن إيمانا كليا و دوغمائيا بأي إيديولوجية و إلا لأصبح أسيرا لبراديغم معين داخل إطار تفكير ضيق.
-         يقدر على تبني الجيد و نقد السيئ في كل الإيديولوجيات.
-         يقدر على كتابة و رفع شعارات سياسية في المظاهرات السلمية دون أن يتلقى إيعازا أو أوامر من أحد.
-         قد يحضر اجتماعا حزبيا جماهيريا و يشكره و يحضر آخر في الغد لنفس الحزب و ينقده.
-         يؤمن بحرية المعتقد و من باب اللياقة و الأدب و احترام مشاعر الغير يصدمه من يصدم المواطنين التونسيين المتدينين بإعلان إلحاده أمام الملأ دون موجب أو حق مقدس في حرية التعبير و المعتقد و الضمير.
-         يساند كل الجمعيات المدنية التونسية في حقها في التعبير عن رأيها و ممارسة نشاطها بكل حرية دون قيد أو شرط مسبق  و يدين من يستقوي منها بالخارج على أبناء بلده مهما كان اتجاههم الفكري.
-         يحترم الرموز الدينية و الرموز الفكرية الوطنية منها و العالمية لكن لا يعبدهم و لا يحترم الرموز السياسية مهما أنجزت، إمبراطورا كان أو رئيسا أو ملكا أو وزيرا أو مديرا و خاصة العسكريين منهم.
-         يدافع عن العَلمانيين و اللائكيين إن شُوّهوا يوما من قبل الإسلاميين و لا يقبل أن يُقال عن الإسلاميين جميعهم ظلاميين.
-         يحمل همّ الأقليات في المجتمع التونسي من فنانين و مبدعين و يساريين و مسيحيين و يهود و شيعة و بهائيين و أمازيغ و غيرهم.
-         ينقد و يفتش عن الخلل في كل شيء و لا يقدم بديلا جاهزا لأي شيء لأنه يؤمن إيمانا راسخا أن البديل يُصنع من قبل أهل الذكر المعنيين بالأمر و لا يُهدى من قبل النشطاء السياسيين مهما علا شأنهم أو زاد تعصبهم لانتمائهم، يساريين كانوا أو إسلاميين أو ليبراليين أو قوميين.
-         متجذّر في هُويته العربية الإسلامية و مستقل عن المتعصبين من مريديها، منفتح على الثقافات العالمية و يتعامل مع الغير - مهما كان هذا الغير- دون إقصاء أو انفراد أو تكبر أو عنصرية.
-         يتمتع بصداقات لدى جميع ممثلي التيارات السياسية، يختلف مع جلّهم، يعتز بأغلبهم، يجامل أكثرهم، لا ينافق أحدهم و لا يحقد على المتطرّفين فكريا منهم ما لم يلتجئوا لسلاح الضعيف فكريا ألا و هو العنف المادي أو اللفظي.
-         لا يقدر أي حزب على استقطابه و يخطئ من يحاول.
-         يتعجب من أكثرية المنتمين المتحزبين الذين تخلوا عن التفكير و التخطيط لمستقبلهم و تركوا هذه المهمة المصيرية لقياديين انتهازيين في حزبهم و اكتفوا هم بنشر أفكار أقلية حزبهم المسيطرة و تطبيق أوامرها المتكلّسة العمياء و الانقياد لجبروتها دون تردد أو نقاش بدعوى الانضباط الحزبي أو التوضيب البافلوفي.
-         من باب اللياقة و الأدب، قد يتواضع الفرد السياسي المستقل، لكن يبدو لي أن فكرة "الاستقلالية السياسية" لا تتنازل، بل تتعالى على المواقف الانتهازية للأحزاب و من عليائها تنظر للحزبين بعين الشفقة.
-         ينشر حوله جوا متسامحا آمنا غير خانق للغير  و يرعى في محيطه تربة ديمقراطية خصبة تسمح بنمو تيارات سياسية مخالفة حتى و لو كانت داخل بيته و في صلب عائلته.
-         ينبذ العنف الرمزي و اللفظي و المادي نبذا تاما مهما كان مأتاه.

خلاصة القول
أنهي مقالي و اجتهادي بجملة مقتبسة و محوّرة للفيلسوف المغربي عبد الله العروي: " المفكر المستقل ليس مُجبرا على التماهي مع مجتمعه لكن إذا ما قرر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن  ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر رقيق و حسّاس.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي.