نقد
للديمقراطية و النقابة. مواطن العالم د. محمد كشكار
النقد الأول
في الأنظمة الغربية الديمقراطية بين ظفرين كنظام
فرنسا و بريطانيا و أمريكا، توجد وزارة للعدل خاضعة للسلطة التنفيذية. أنا لا أرى
مبرّرا لوجود مثل هذه الوزارة انطلاقا من قانون فصل السلطات الثلاثة: التنفيذية و
التشريعية و القضائية. يجب أن تكون السلطة القضائية منفصلة تماما عن التنفيذية حتى
تكون بالفعل مستقلة. أما الواقع في البلدان الغربية "الديمقراطية" فيقول
غير هذا: وزارة العدل أنشئت لتكون جهاز مراقبة و ضغط على القضاة من طرف السلطة
التنفيذية فهي التي تكوّنهم و تعيّنهم و
تنقلهم و ترقّيهم و تدفع لهم أجورهم فأصبح القاضي أجير و الحكومة مؤجر. فكيف إذا
نطلب من الأجير أن يكون مستقلا عن مؤجره؟
لنشر العدل بين الناس، أرى أنه من الأنسب أن تُفصل السلطة القضائية
عن التنفيذية فصلا تاما فيكون لها كيانها المستقل وميزانيتها الخاصة و تتولى
مؤسساتها الإشراف بنفسها على التكوين و التعيين و الترقية و النقل و دفع الأجور و
بذلك يتحرّر القاضي من التأثير الأدبي و المادي لأصحاب النفوذ فيصبح قادرا على
الحكم بالعدل بين الناس لا فرق بين مواطن عادي أو مسؤول صغيرا كان أو كبيرا.
النقد الثاني
من المتعارف عليه في الدول "الديمقراطية"
الغربية أن الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية و المتحصل على الأغلبية في
البرلمان هو الذي يشكل الحكومة. أين الفصل بين السلطتين التنفيذية و التشريعية إذا
كان نفس الحزب هو الذي يشرّع و هو الذي يحكم في الوقت نفس؟ فطبيعي أن يعدّل و يسنّ
القوانين حسب مصالحه الخاصة فيصبح الحاكم معصوما من الخطأ كالطائر يغني و جناحه
يرد عليه و أعتذر للطائر عن تشبيهه بالحزب.
النقد الثالث
قبل تأسيس النقابات على شكل
اتحادات رسمية تابعة للجهاز التنفيذي في السلطة في كل بلدان العالم "الديمقراطي"
و غير الديمقراطي. كانت الإضرابات فجائية و جماعية متماسكة تبث الرعب في قلب المُشغّل
و في الوقت نفسه تضمن حقوق العمال دون تنازل و لا رشوة و لا مقايضة. لحل هذه
المعضلة لدى أرباب العمل، خلقت البرجوازية في الدول الغربية "الديمقراطية"
مؤسسة النقابة كجهاز لتدجين العمّال و السيطرة عليهم عن طريق ممثليهم الشرعيين و
الوحيدين كما يحلو للمغفلين تكراره. و نحن نعرف و كما قال "معلم الأمة" معمر
القذافي "التمثيل تدجيل" و قد أثبت هو نفسه صحة ما قال، قالها و طبق عكسها و حصر تمثيل الشعب كله في
شخصه. من السهل جدا التنبؤ بمستقبل أمة، مُعلّمها القذافي!
تتركب الهياكل النقابية من بعض
الأفراد المستعدين مسبقا للتنازل و المقايضة
بعنوان التفاعل مع الحدث كما يروج منظريهم و "مناضليهم الأشاوس". تستطيع
البرجوازية، بأساليبها و حيلها المتعددة، التأثير علي هذه الهياكل (و هي هياكل بالمعنى
الحرفي للكلمة) بالإغراءات المادية أو الترهيب حتى يتخلوا عن مطالب العمال. و قد
أثبتت التجربة النقابية التاريخية أن هذه الهياكل المحترمة تخلت عن جل مطالب
العمال. في المقابل من الصعب جدا أو قل من المستحيلات رشوة أو ترهيب مئات العمال
في إضراب "فوضوي"، بالمعني الايجابي للكلمة، و من الأصعب افتكاك تنازلات منهم أمام الملأ. خذ
مثلا المكتب التنفيذي لأي نقابة في أي بلد في العالم: بعض الأفراد غير المعصومين و
المخلّدين في مناصبهم، بعض الأفراد الذين يمثّلون ملايين العمال لكنهم في
الواقع لا يمثلون إلا أنفسهم و لا يخدمون إلا مصالحهم المادية الخاصة و
الحزبية الضيقة في أغلب الأحيان لذلك يسهل
إقناعهم و إغراؤهم و تمرير الاتفاقيات الهزيلة عن طريقهم.
حال ما ينجح النقابي المحترف في
الحصول على كرسي داخل المكتب التنفيذي الوطني
ينقطع أوتوماتيكيا عن عمله الأصلي (المعذرة، لا تنسوا أنني أتحدث عن ممثلي العمال
و ليس عن العمال لأن العامل إذا انقطع عن العمل، مات جوعا، و لا يجد من يدفع له
أجره و هو لا يشتغل) و يغيّر طبقته
الاجتماعية و ينسلخ نهائيا عن الطبقة العمالية. تدفع أجره السلطة التنفيذية أو
الأعراف و يمنحونه التفرغ، طبعا لخدمة مصالح السلطة و الأعراف، لا لخدمة منوبيه من
العمال و نحن نعرف أن لا أجر دون عملن فما هو يا ترى هذا العمل الذي تقدمه للدولة آلاف
الإطارات النقابية المتفرغة حتى تعطيهم أجورهم دون تأخير و لا تحرمهم من الترقية
المهنية في سلّم حرفهم الأصلية و قد يصلوا في بعض الأحيان، زيفا و بهتانا، إلى
رتبة مدير عام.
البديل
أنا لا أملك البديل لوحدي. أنا
مواطن أفكر لنفسي و لا أترك هذه المهمة المصيرية للمثقفين مهما كان مستواهم و مهما
كان صدقهم. أنا مواطن أشير فقط إلى مكان الخور و على المجموعة الوطنية أن تصنع
بديلها الوطني بنفسها لا أن تستورده من الغرب. على الوطنيين الصادقين أن يستفيدوا
من تجارب الغرب و فكره و يتعظوا من أخطائه و ظلمه و جشعه و إجرامه في حقنا و
يصوغوا لنا ديمقراطية تتماشى مع تقاليدنا و ثقافتنا و تخدم كل المواطنين دون تمييز
في العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو السن أو القبيلة أو الجهة أو الإيديولوجية
أو الفكر أو الانتماء حزبيا كان أو جمعياتيا.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى
و على كل مقال سيء نرد بمقال
جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
تاريخ
أول نشر على النت: حمام الشط 29 ديسمبر 2009
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire