dimanche 30 novembre 2014

رأي مخالف للسائد النقابي أو وجهة نظر انتحارية يساريا! مواطن العالم د. محمد كشكار

رأي مخالف للسائد النقابي أو وجهة نظر انتحارية يساريا! مواطن  العالم د. محمد كشكار

اعتذار مسبق
أعتذر مسبقا لكل أصدقائي و زملائي النقابيين الذين "ناضلت" معهم طيلة 28 عاما من النشاط النقابي في غار الدماء و جندوبة و حمام الشط و بن عروس و ساحة محمد علي إن أساؤوا فهم وجهة نظري و بصدق لم و لن أشك في صدق نواياهم رغم أنني لا أتفق معهم اليوم في الطرق المتوخاة من لدنهم لتحقيق نواياهم الحسنة.

مقدمة
أنا أعي جيدا أن موقفي التالي من إضراب المدرسين عموما (معلمون و أساتذة ثانوي و أساتذة جامعة و أساتذة تكوين مهني) سيجلب لي السب و الشتم و عبارات التحقير و التهميش من قِبل زملائي و خاصة النقابيون منهم. أنا مفكر انتحاري مؤمن برأيي خاصة في هذه الحالة الفريدة من نوعها إلى حد الجزم الإيماني غير العلمي و أنا لست مستعدا للتراجع عنه، كلفني ذلك ما كلفني حتى و لو - الله لا يقدّر - عاداني بسببه أعز أصدقائي النقابيين و هذا ما لا أنتظره منهم و لا أتمناه. فليعذرني زملائي الذين أحبهم جدا لكنني أحب حرية التعبير أكثر منهم. و أنبه رفاقي اليساريين أنني لست مسؤولا عن إمكانية توظيف هذا الموقف الشاذ عن السائد من قِبل خصوم الاتحاد العام التونسي للشغل - و أنا من أشد مناصريه -  أو بعض الأولياء الساخطين على المدرسين عموما.

موقفي
بعد ما تحملت المسؤولية النقابية طيلة 10 سنين (2 مندوب نقابي و مؤسس للنشاط النقابي بغار الدماء و 2 عضو النقابة الجهوية للتعليم الثانوي بجندوبة، و 6 كاتب عام لأول نقابة أساسية للتعليم الثانوي بحمام الشط) و بعد ما أشرفت على كل الإضرابات التي وقعت بحضوري في غار و حمام الشط و برج السدرية دون أن أدعو أو أقنِع أو أحرِّض أحدا قبل الإضراب إلا في الإضرابات الداخلية العفوية دفاعا عن كرامة الأستاذ و حرمته الجسدية و كمسؤول نقابي لم أمنح في حياتي رخصة بعدم الإضراب لمتربص أو معوض أو متعاقد.

لنتفق أولا على المبدأ الذي أتبناه اليوم و أنا متقاعد بعد مسيرة 37 عام عمل متواصل: ينص هذا المبدأ على تحييد التلميذ و الطالب تحييدا تاما عن الصراع النقابي الدائر بين المدرسين من جهة و وزارتي الإشراف (التربية و العالي) من جهة أخرى. يعني عدم حرمان التلميذ و الطالب من حقهما المقدس المكتسب في التعلم العمومي المجاني مهما كانت أسباب الإضراب و يجب أن لا نجرّهم قسرا للإضراب معنا حتى نقوّي من حظوظنا في التفاوض مع الوزارة أو نضغط على حسابهم على الرأي العام (و هذا الضغط يمثل سلاحا قد ينقلب ضدنا و قد انقلب ضدنا في جل إضراباتنا الفائتة). يبدو لي أنه ليس من أخلاقيات مهنتنا النبيلة أن نضغط على الحلقة المذنِبة المسؤولة عن وضعنا المتردي و هي الحلقة الأقوى في المنظومة التربوية (الوزارة) بواسطة حرمان الحلقة البريئة غير المسؤولة تماما عن وضعنا المتردي و هي الحلقة الأضعف في المنظومة التربوية (التلميذ و الطالب)!

لماذا نعاقب التلميذ و الطالب بحرمانهما من حق التعلم على ذنب لم يقترفاه و نحشرهما عنوة دون استشارتهما في قضية لا تخصهما مباشرة؟ هم أحرار يُضربون عن التعلم من أجل مصالحهم متى شاؤوا!
هل يُقبِل العامل المضرِب في القطاع الخاص على تحطيم أدوات الإنتاج و هي تمثل مصدر رزقه و رزق عائلته؟ طبعا لا، فهو يُضرِب عن إنتاج القيمة المضافة في السلع المصنّعة و بهذا الفعل الشرعي حسب النظرية الماركسية يُقلِّص العامل المضرِب من الربح المشِط غير الشرعي للرأسمالي الجشع صاحب المصنع. أما في حالة التربية فالتلميذ ليس سلعة و الوزارة لا تحقق من ورائه ربحا ماديا. التلميذ في هذه الحالة هو الإنتاج الذهني و آلة الإنتاج في نفس الوقت و إن حَصُل خللٌ أو عطبٌ في الآلة أو في الإنتاج فإصلاح أحدهما أو كليهما قد يصعب ترميمه أو تداركه حتى و إن حاولنا!

إذا اتفقنا على مبدأ تحييد التلميذ و الطالب - و هذا ليس بالأمر الهيِّن - نلتفت معا للبحث عن بدائل للإضراب التقليدي (حرمان المتلقي من الدرس). أنا لا أدعي أنني أملك بديلا جاهزا و البديل لا يُهدى بل يُصنع من قبل المدرسين أنفسهم و لنا أسوة في إضراب سائقي حافلات باريس و إضراب موظفي الصحة العمومية التونسية فعلينا إذن أن نستلهم من تجاربهم و نتعلم من بدائلهم الجديدة و الطريفة المستنبطة عندما باشروا عملهم اليومي العادي دون أن يأخذوا مقابل مالي من المستفيدين من خدماتهم العمومية.

أخف الأضرار إذا أصرّ الزملاء و ممثليهم النقابيين على الإضراب التقليدي:
كسبا لتعاطف الأولياء و تأكيدا على أن المدرس يحرص أكثر من الوزارة على مصلحة التلميذ، يبدو لي أنه من الأسلم و الأفضل أن يتفق كل فرع نقابة أساسية مع إدارة المؤسسة المعنية في كل مدرسة أو إعدادية أو معهد أو مدرسة مهنية أو كلية على روزنامة تعويض حصص يوم الإضراب  و يقع إعلام التلاميذ أو الطلبة قبل موعد الإضراب بأسبوع على الأقل.

ملاحظة:
ليعرف كل مَن سيهاجمني أنني اتخذت هذا الموقف بكل تجرد و الدليل أنني تبنيته و أنا أول الخاسرين ماديا لو طُبّق فعليا لأنني و أنا متقاعد أنتفع بنسبة 86،5 في المائة من كل زيادة في الشهرية تنتج عن خراج الإضراب التقليدي المطلبي المادي دون أن يُقتطع أجر يوم الإضراب من مرتبي. و ليهنأ رفاقي النقابيين أنه لم تعد لي سلطة نقابية من أي نوع و لا أتمتع بأي علاقة أو تأثير مباشر على زملائي المباشرين لكنني أعبر عن استعدادي - لو دعوني - أن أشارك خارج المعهد في إعداد و تنفيذ البدائل المعوِّضة للإضراب التقليدي. و رغم احترامي الشديد لمشاعر زملائي المضربين في كل أنحاء الجمهورية التونسية لم أعد أفرح لنجاح الإضراب بل أتمنى من كل قلبي فشله حتى لا يُحرم مزيدا من التلاميذ من حقهم في التعلم و في نفس الوقت أتمنى من كل قلبي أيضا و بصدق و حماسة أن لا يُحرم زملائي من نيل حقوقهم المشروعة دون الإضرار بلا قصد بمصالح التلميذ.

إمضاء م. ع. د. م. ك.
قال الفيلسوف اليساري المغربي العظيم عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه". و مجتمعنا التونسي عربي مسلم أو لا يكون مع احترام حقوق الأقليات العرقية و العقائدية.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد الهدام المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 1  ديسمبر 2014.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire