mercredi 5 novembre 2014

النقد استعلائي أو لا يكون. مواطن العالم د. محمد كشكار

النقد استعلائي أو لا يكون. مواطن العالم د. محمد كشكار

النقد استعلائي بطبيعته و الناقد متواضع بطبيعته.
يتواجد النقد داخل طبقة تعلو طبقة الإنتاج الذهني و اليدوي و يتواجد فوق النظريات و الممارسات حتى يستطيع رؤيتها بوضوح ليكشف كل أخطائها و كل عيوبها. أما الناقد فهو بحكم اختصاصه، يأتي دائما في المرتبة الثانية بعد المنتج الأصلي للعلم أو الأدب أو الفن لأن إبداعه ينبني بالضرورة على إبداعات الآخرين.

النقد لا يعجب من لا يعي فائدة و منفعة النقد. يمثل النقد مؤسسة قائمة بذاتها و لولا الإضافات النقدية من علماء الابستومولوجيا (نقد المعرفة) لما تقدمت العلوم. العالم الابستومولوجي هو شخص جالس على الربوة لكن يشتغل. يستعمل غير العارفين عبارة "جالس على الربوة" كسبّة و شتيمة لكل من ينقد الممارسة النقابية و الربوة هي موقع فيزيائي، بطبيعته عال عن الممارسات النقابية و ليس متعالي عليها.

لا يشارك  العالم الابستومولوجي تماما في عملية الخلق العلمي المباشر في العلوم الصحيحة و التجريبية  أو شارك و انقطع و لم يعد يقوم بتجارب في الغرض و إنما اختص في نقد ما يقوم به العلماء. لم يدعه هؤلاء الأخيرين يوما لمشاركتهم أبحاثهم بل يوجهون له التحية و هو رابض على ربوته و يقولون له شكرا على تقويم أخطائنا. مَثلُ العالم الابستومولوجي كمثل إنسان يحمل في يده كشاف نور و يتبع العالِم كظله حتى يكشف لنا كل أخطائه و كل عيوبه.  و كشف الأخطاء شيء لا يستهانُ به عندما نستفيد منه لتطوير العلم و توليد الذكاء الإنساني. لا يجب أن ننسى أن تطور البشرية بيولوجيا جاء نتيجة خطأ في الحمض النووي، انبثق عنه  و تفرّع الغصن البشري حذو فرع ابن عمنا و ليس جدنا القرد في شجرة الكائنات الحية التي بلغ عمرها حتى الآن أربعة مليار سنة.

 أنا أتمنى لكن لم أصل بعد إلى هذه المرتبة العليا من التنظير العلمي و ما زالت قيود الممارسة النقابية من إضرابات تنفذ لصالح الوزارة المشغلة و ندوات إطارات نقابية  كلامية فارغة مضيعة للوقت، يسود داخلها نقاش بيزنطي و تجمعات أمام الإدارة الجهوية، بعضها  من أجل مساندة  و حماية  زملاء متقاعسين في عملهم. ما زال و للأسف  يشدنا إلى الوراء هذا الانتماء الحِرفي (Corporatisme) و لم يع عامة النقابيين بعد أن النقد مهمة مكتملة و مستقلة و شريفة و لا تحتاج للممارسة حتى تثبت صحتها و نجاعتها و العكس صحيح فالممارسة هي التي تحتاج للنقد لأنها لا تستطيع المشي في الطريق السليم إلا بكشاف نور النقد. ينظر الناقد إلى الممارسة من علِ ليقيّمها بنظرة بانورامية تكشف كل جوانب المسألة. يكتسب الناقد العلوّ من موقع الإشراف و المقاربة الشمولية التي لا تهمل أي جانب من المسألة و لا يكتسبه من التعالي و التكبر.

يضطلع كل من الناقد النقابي و الناشط النقابي بمهمة مستقلة لكنهما يتكاملان في الأداء و لا يمكن جمع المهمتين في شخص واحد إلا في حالات نادرة جدا من النزاهة و نكران الذات و الأفضل فصلهما و الحفاظ على مكانة كل منهما على حده و يكون الاحترام شرط أساسي من شروط التعايش بينهما حتى يستفيد كل واحد منهما من خبرة و حرفية الآخر.
لا يمكن أن يستغني الممارس عن المنظّر و الناقد إلا إذا قرر الانتحار السياسي أما الناقد فهو في أمان فكري و ليس في أمن  فوق ربوته  و قد قُتِل الكثيرون من المنظرين و النقاد في عالمنا العربي لأنهم حسب رأيي أخطر من الممارسين. يمتاز الناقد على الممارس بالقدرة على الطيران من ربوة إلى أخرى، حر طليق كطيف النسيم. و السلام على أمة يكفر أكثر أبنائها بالنقد.

في النهاية, أنا لا أقصد إقناعكم بالأمثلة و البراهين بل أ دعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى. و على كل مقال سيئ نرد بمقال جيد لا بالعنف اللفظي.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط 14 أكتوبر 2010.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire