لم يكن المواطن التونسي، في
أي عصر من العصور، سفيها في تبديد قواه، كما هو اليوم بعد الثورة! مواطن العالَم
د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت:
حمام الشط، الاثنين 9 ديسمبر 2013.
قال سعد الله ونّوس: "لم
يكن الإنسان، في أي عصر من العصور، سفيها في تبديد قواه، كما هو اليوم في هذه
المنطقة من العالم."
قياسا على ما سبق أقول: لم يكن المواطن التونسي،
في أي عصر من العصور، سفيها في تبديد قواه، كما هو اليوم بعد الثورة!
و لكم بعض الأدلة المادية
الواضحة حسب وجهة نظري الانطباعية غير العلمية:
-
يبلغ عدد البلديات في تونس 264 قصر بلدية، و رغم هذا
الكم المهول من الميزانيات الضخمة المرصودة لها و رغم توظيف الآلاف من عمال
النظافة و ترسيمهم بعد الثورة و الترفيع في أجورهم و مِنَحِهِم، لا زالت شوارعنا و
ساحاتنا في مدننا و قرانا تغص بالقمامة المقرفة.
-
يشتغل في التعليم التونسي العمومي قرابة 120 ألف مدرس، و
رغم هذا الجيش العرمرم من المربين لا زال رب العائلة التونسي يلتجئ مكرها إلى
الدروس الخصوصية لضمان نجاح أبنائه في الأساسي و الثانوي.
-
كل سنة تُناقش في جامعاتنا الآلاف من شهائد الدكتورا و
الماجستير، و رغم هذا الوقت الثمين و الجهد الكبير المهدور في البحث العلمي لم
ننتج معرفة و لم نشارك و لو بالقليل في النهضة العلمية العالمية، و بقيت بحوثنا
مخزّنة على رفوف المكتبات الجامعية لأنها
نُسَخٌ باهتة من المعرفة الغربية القديمة المستهلكة.
-
نصرف على التعليم أكبر ميزانية، نسبيا في العالم، و رغم
هذه التضحية الكبيرة تلفظ مدارسنا و معاهدنا سنويا مائة ألف منقطع مبكر عن
التعليم، جلهم يرجع إلى الأمية.
-
رغم غلاء أسعار اللحوم الحمراء عندنا و رغم النقص الواضح
في ثروتنا الحيوانية (نستورد أضحيتنا من بلاد "الكفّار" بالعملة الصعبة،
صعبة فعلا بسبب تخفيض قيمة الدينار مقابل الدولار)، نضحّي سنويا بمئات الآلاف من
الخرفان و العجول و الماعز، ما ضرّ لو اقتصرنا ظرفيا على التضحية الروحانية على
الأقل لأجل مسمى حتى يرتفع مستوى معيشتنا و نقدر على التضحية المادية من إنتاجنا
الوطني.
-
رغم ضعف أجورنا و رغم إيماننا بأن شهر رمضان هو شهر
التقوى، نصرف فيه من المال ما يكفينا ثلاثة أشهر أو أكثر.
-
رغم أننا نخصص جوامع و مساجد مكيفة كالقصور للتقوى و نصلي
خمس مرات في اليوم، لم تنهنا صلاتنا عن الفحشاء و المنكر.
-
يتخرج من جامعاتنا سنويا عشرات الآلاف من حاملي الشهائد
بعد أن أنفقنا عليهم من الخزينة العامة عشرات
الملايين من الدينارات، و رغم هذا المجهود العظيم، يبقى جلهم غير منتج و معطل عن
العمل و عالة على والديه و على المجتمع.
-
يذهب الموظف التونسي إلى العمل تحمله وحده سيارة من
أربعة إلى 7 خيول، و آخر إحصاء يقول أن 5 في المائة فقط من الموظفين التونسيين
يقومون بواجبهم في العمل على أحسن ما يرام. أليس الحصان ينتج أكثر من الإنسان في
تونس؟ أليس الحصان يرقص في مهرجاناتنا و يحرث أرضنا و يسابق في مسابقاتنا و ينقلنا
في السهول و الجبال و يباع لحمه بأرخص الأثمان دواءً لفقر الدم.
-
رغم أن ثرواتنا الطبيعية من الفسفاط تضمن لنا - لو
استخرجناها و بعناها - دخلا سنويا يقدر بألفي مليون دينار تونسي، ما زلنا نتسول
قروضا مشروطة ومجحفة من البنك العالمي و صندوق النهب الدولي والاتحاد
الأوروبي واليابان و قطر.
-
دستور فرنسا كتبه شخصان فقط، ريجيس دوبريه و شارل ديقول،
ثم عُرِض على الاستفتاء. دستور اليابان كتبه المستعمر الأمريكي من ألفه إلى يائه
ولم يمنع هذا الدستور المستورد اليابان من التفوق على جميع الأمم في جميع
المجالات. بريطانيا العظمى لا تملك دستورا بالمعنى الشكلي للكلمة لكنها تمتلك فقه
قضاء مكتوب ضَمِن لها تحقيق الديمقراطية و الحرية على أفضل وجه موجود في العالم
الحر. أما نحن فقد انتخبنا مجلسا تأسيسيا لكتابة الدستور، مجلسا يتكون من 217 عضو،
مجلسا كلفنا عشرات الملايين من الدنانير التونسية، مجلسا مر على انتخابه عامان و
لم ينه كتابة الدستور (أنهاه في ثلاث سنوات بعد نشر هذا المقال في أول تاريخ).
الإمضاء
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن
يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن
يخضع لقانونه"، عبد الله العروي.
"المثقف لا يجيد فعل شيء على الإطلاق، اللهم، إلا
الإنتاج الرمزي، وإنتاج الأفكار و الكلمات. غبر أن هذه الأفكار تحتاج لما يجسدها
لكي تصبح موجودة، لكي تصبح قادرة على تغيير الواقع، أي أنها تحتاج لحركات
اجتماعية"، جان زيغلر.
"يخون المثقف وظيفته، إذا كانت هذه الأخيرة تتقوّم بالرغبة في
التأثير على النفوس"، ريجيس دوبريه.
"ما أسهل أن نرتدي عباءة أجدادنا و ما أصعب أن تكون لنا
رؤوسهم"، مطاع الصفدي.
م. ع. د. م. ك.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و
يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداءً بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما
أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد رغم أن الشكر يفرحني كأي بشر، لذلك لا يضيرني إن قرأني واحد أو ألف لكن يبقى الكاتب منعزلا إذا لم يكن له قارئ ناقد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم
بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا
بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire