lundi 28 février 2022

محاولة في فهم العلاقة بين القرآن والعِلم الغربي الحديث

 

على سبيل الذكر لا الحصر، أعرض عليكم بعض نقاط المقارنة بين العِلم والقرآن:

-         القرآن عند المسلم كتاب إيمان يحوي كلام الله أما العلم فهو إنتاج بشري مائة بالمائة وشتان بين المصدرين لدى المسلم.

-         المسلم يعتبر القرآن يقينا وحقيقة من أوله إلى آخره أما العلم فأوله شك يقود عادة إلى مزيد من الشك وليس له يقين ثابت.

-         القرآن عند المسلم صالح لكل زمان ومكان والعلم محدَث وظرفي ومتغير ومنحاز لمموّليه ويختلط فيه الموضوعي بالذاتي.

-         القرآن عند المسلم أتى بالخير الكثير والعلم أتى بالخير القليل ورَجَمَنا بالقنبلة النووية في اليابان والأسلحة الكيميائية في سوريا والعراق والتلوث البيئي في العالَم أجمع وقائمة شروره تطول.

-          القرآن عند المسلم غير قابل للتكذيب بينما العلم يُعرَّف بقابليته وعرض نفسه للدحض والتكذيب (falsifiable).

-         القرآن عند المسلم لا يخطئ أما العلم فلا يتطور إلا عبرتداول الخطأ والصواب.

-         القرآن، لو شاء ربك لأنزله كتابَ علم مفصّلاً تفصيلاً.

-         القرآن، يؤمن به ويستفيد منه المسلمون فقط والعلم يؤمن به ويستفيد منه الناس جميعا.

-         القرآن عند المسلم أرقى من العلم بدرجات لا تُحصى ولا تُعدّ. فماذا دهى إذن المؤمنين بـ"الإعجاز العلمي في القرآن" أن يستدلّوا على صحة القرآن الإلهي بالعلم البشري ويريدون إثبات المجرد باستعمال المحسوس ويبدو لي أنهم لو عكسوا لأصابوا ؟ قال محاوري: "ليطمئن قلبي". قلت له: "أوَ لم يطمئن قلبك بالقرآن وحده ؟ وهل انتظر صحابة الرسول -صلى عليه وسلم- الإنجازات العلمية الحديثة حتى تطمئن قلوبهم ؟". قال: "لأقوّي إيماني بالله ؟". قلت له: "وهل تستمد قوة إيمانك من الدنيوي المتغير الهش الضعيف المبني على الخطأ والصواب وهو العلم، أم تستمدها من العالي الأزلي الثابت المتين القوي الذي يقول للشيء كُن فيكون ؟". أرجوك، اترك رأيي جانبا واسأل أهل الذكر من علماء الغرب، منتِجي العلم: لا يُسمّى العلم علمًا حديثًا إلا إذا اعترف به المجتمع العلمي العالمي وجُله غربي (la communauté scientifique)، ونُشِر في المجلات العلمية المختصة وجلها غربية، ويُدرَّس ويُدرَس في الجامعات وأفضلها غربي، ويُطرح للنقاش والدحض والتكذيب في المؤتمرات العلمية العالمية وجُلهاٌ غربية أيضًا. وعلى حد علمي لا يعترف المجتمع العلمي العالمي بمفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن"، ولا يصنّفه علما، ولم يُنشر بعدُ في المجلات العلمية المختصة، ولا يُدرَّس ولا يُدرَس في العالم إلا في بعض الجامعات السعودية والتركية، ولم يجرؤ دعاتُه قَطُّ على طرحه للنقاش والدحض والتكذيب في المؤتمرات العلمية  العالمية.

-         أضيف ولن أطيل: "الإيمان بالقرآن نورٌ قذفه الله في القلب" على حد قول الغزالي، أما العلم فهو معاناة وجهد وتعلم واكتساب وبناء وتراكمَ تجارب وليس فِطرا ينبت وحده في الأرض وليس اكتشافا دون عناء، ولا يمكن أن نعرف مسبقا علم القرن 35 في القرن 21 وبينهما 14 قرنا. الله وحده يعرف والمسلم يعرف أن الله يعرف ولا أظنه يحتاج للتدليل على أن العارفَ الأولَ يعرف !

 

خلاصة القول:

Dans le site « WIKIPÉDIA », j’ai lu sur S. J. Gould (paléontologiste marxiste américain) : « principe de NOMA (Non-Overlapping Magisteria) : non recouvrement des magistères, destiné à instaurer une autonomie réciproque des compétences de la science et de la religion dans leurs domaines respectifs. Au nom de ce principe, Gould fustige les fondamentalistes religieux, pour lesquels le texte de la Bible a la même valeur que les Proceedings of the National Academy of Sciences (2ème revue scientifique américaine). Mais il réprouve également les scientifiques qui, en raison de leur athéisme, attaquent les croyances religieuses. 

dimanche 27 février 2022

هل اكتشف علماء الإسلام نظرية علمية جديدة من البحث في الإعجاز العلمي في القرآن ؟

 

 

وشهد شاهد من أهلها

مصدرها قناة "دريم" الفضائية المصرية، برنامج "دين ودنيا"، الخميس 9/09/2010، الساعة الواحدة و النصف بعد الزوال بتوقيت تونس. رغم علمي بأن التلفزة ليست مصدرا علميا موثوقا به، سأنقل بعض ما ورد في البرنامج على لسان الأساتذة الثلاثة المشاركين فيه (عمار وإمام والبنّا) بكل ما استطعت من الأمانة العلمية التي تعلمتها في البحث العلمي. قد ينسب الناقل عن الكلام الشفوي حديث هذا لهذا، فاغفروا لي زلاتي في النقل إن خانتني ذاكرتي في هذا العمر، فهي والله غير مقصودة. حاولت التثبّت مما قيل بالرجوع للأنترنات ككل باحث كسول فلم أعثر على إثبات فقلت بيني وبين نفسي: زادي الوحيد هو النية الطيبة وعدم إضمار الشر لحضارتي ولأمتي العربية الإسلامية والصدق في القول والإخلاص في العمل وكما أكرّر قصدا في إمضائي على مقالاتي "أنا أكتب -لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع- بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى" وعلى القارئ الحصيف ترك الغث وأخذ السمين.

قال مقدم البرنامج الأستاذ عمار:

[الإعجاز العلمي في القرآن ثقافة شائعة ضارّة... قال "علي عبد الواحد وافي" عن الإعجاز العلمي في القرآن: "جناية كبرى" وقال عنه الإمام محمد الغزالي: "كلام فارغ"...قال كاتب إسلامي، مات سنة 1960، إن المقصود بالسماوات السبع في القرآن هي الكواكب السبعة التي اكتشفها العلم لكن ما لا يعلمه هذا الكاتب أن العلماء الغربيين وصلوا إلى حد الآن إلى اكتشاف تسعة كواكب، حذفوا منها أخيرا واحدا بعد ما عرفوا أنه نجم وليس كوكبا...

وفي الإعجاز العلمي اليهودي نُسِبت عظامٌ قديمة اكتُشِفت في فلسطين إلى يهود عاشوا منذ آلاف السنين في فلسطين وبعد مدّة كذّب العلماء مسعاهم  عندما تأكّدوا بعد تحليل الحمض النووي أن العظام المكتشفة عظامٌ حيوانية وليست بشرية...

الدكتورة بنت الشاطئ نقدت نقدا لاذعا الدكتور مصطفى محمود في إعجازه الذي ينسبه تعسّفا إلى اللغة العربية والقرآن... اعترف مصطفى محمود بنظرية النشوء والارتقاء لداروين ونسبها للقرآن رغم  رفض كل الأديان التوحيدية الاعتراف بها حتى الآن وليس الدين الإسلامي وحده.

قال الأستاذ إمام:

[القرآن ليس في حاجة للعلم ليثبته... نستطيع أن نقول الإعجاز العقلي في القرآن وليس الإعجاز العلمي في القرآن... الإغراق في هذا المجال يدفع إلى تكذيب النص والنص معجزة إلهية في حد ذاتها لا تحتاج إلى معجزة علمية بشرية لإثباتها... نحتاج العلوم الحديثة لنفهم فهما عصريا النص القرآني لذلك نقول أنه صالح لكل زمان و مكان]

قال الأستاذ جمال البنّا:

[من باب حرية التفكير، لا نحجر على أحد البحث في الإعجاز العلمي في القرآن، فإن اكتشف شيئا مفيدا فخير يفيد الأمة الإسلامية وإن لم يكتشف شيئا فقد أضاع وقته وماله وجهده] (إضافة المؤلّف محمد كشكار: نسي الأستاذ البنّا أن السعودية تصرف أموالا طائلة في هذا المجال من بيت مال المسلمين).

1.    رأي المؤلف محمد كشكار، رأي متواضع جدا إلى جانب رأي علماء الطبيعة الكبار أو علماء الدين الأجلاء:

يتصوّر البعض من المسلمين خطأً أنهم يرفعون من شأن القرآن عندما ينسبون إليه أحدث الاكتشافات العلمية (الإعجاز العلمي في القرآن). أنا لست مختصّا في تفسير القرآن، إذن فليس بوسعي تأكيد أو نفي الإعجاز العلمي في القرآن. لكن، رغم عدم اختصاصي في الفقه الإسلامي، أرى أنه يحق لي كمثقف أن أدلي بدلوي الإبستومولوجي في النقاش الدائر حول كيفية توظيف مفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن" بعد تصديقه من قبل بعض المسلمين لتثبيت إيمانهم أو بعد تكذيبه من قبل بعض الملحدين لنفي المصدر الإلهي للقرآن ولن أنحاز إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء متوخيا الحياد المنهجي. سأحاول فقط تسليط بعض النقد على الموقفين السابقين. لا نستطيع ولا نفكّر في محاكاة المعجزات الغيبية في القرآن لكننا مطالبون بنشر وإعادة إنتاج المعجزات العلمية المادية البشرية للاستفادة منها في حياتنا اليومية ولا غِنى لنا عنها مثل ما فعل الغرب مع كتاب "القانون في الطب" لابن سينا. القرآن معجزة إلهية، عندنا نحن المسلمين فقط، نحن خُمس سكان العالم، والعلم معجزة مادية بشرية معترف بجدواها ونجاعتها من قبل كل سكان العالم مع اختلاف عقائدهم السماوية منها والبشرية. على حد علمي، لقد توصّل العلماء المسلمون القدامى إلى تطوير العلوم دون اللجوء إلى القرآن كمرجع علمي و توصّل أيضا العلماء الغربيون المعاصرون إلى اكتشافاتهم الحديثة دون الاعتماد على الكتب المقدّسة. القرآن مقدّس عند المسلمين بطبيعته الإلهية ولا يحتاج إلى سند أو برهان من العلم ذي الطبيعة المادية البشرية الدنيا بل العكس هو الصحيح فالعالِم المسلم يحتاج للقرآن -وليس للعلم- لإثبات إيمانه وترسيخه في نفسه. القرآن كتاب إيمان وهداية للعالِم والجاهل والإسلام –كوحي- مبني على اليقين والتسليم بما جاء في القرآن، أمّا العلم فهو مبني على الشك والخطأ والصواب. القرآن ثابت والعلم متحوّل. القرآن عابر للزمان والمكان والعلم ابن بيئته. القرآن متماسك ومتجانس والعلم قد يناقض نفسه كل يوم. القرآن يدعو لتصديق ما جاء فيه والعلم يدعو لتفنيد ودحض وتكذيب حجج العلماء لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.

خلاصة القول:

أتوجه للقارئ كصديق حميم له وليس كباحث علمي. لم أعدْ أصلا باحثا علميا منذ حصولي على شهادة الدكتورا ككل الدكاترة العرب الذين يطلّقون البحث العلمي بمجرد توظيفهم بالجامعة ويتفرغون لنقل العلم وليس إنتاجه، ويجنّدون كل طاقتهم العلمية من أجل الترقية المهنية السخيفة لحشو سيرتهم الذاتية بأشباه البحوث المنقولة أو المسروقة من أصحابها الغربيين أو الآسيويين صناع الحضارة العلمية الحديثة. أعلمكم أساتذة جامعاتنا "العظام" أن الجامعات العلمية المتطوّرة علميا -ليس للجامعات العربية مكان في الترتيب العلمي للخمس مائة جامعة الأولى في العالم في البحث العلمي- أعلمكم أنها ألغت الملاحظات عند منح شهائد الدكتورا (لا حسن ولا مشرّف لأن كل بحث علمي هو حسن ومشرّف مهما كانت نتائجه) وألغت أيضا التصنيفات الأستاذية السخيفة من مساعد إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر إلى أستاذ فخري ووحّدتهم في صنف أستاذ تعليم عالي حتى يتفرّغ الأستاذ الغربي إلى البحث العلمي ولا تلهيه الترقيات المهنية عن مهمته الأساسية.

أنبه القارئ أنني لست مختصا في علوم القرآن ولست متبحّرا في العلوم رغم حصولي على الأستاذية في علوم الحياة والأرض والدكتورا في تعلمية البيولوجيا من جامعة تونس وجامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا لكن هذا لم يمنعني من الإدلاء برأيي في هذا الموضوع كمفكر حر ومستقل عن الإيديولوجيات. لا أقولها مجاملة أو تقية بل أؤمن إيمانا راسخا بعدم جدوى الإيديولوجيات لأنها كما قال سارتر: "الإيديولوجيات حرية في بداية تشكّلها وظلم و قهر بعد نهاية تشكّلها"

« Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites » (Jean-Paul Sartre)

وأضيف ما قاله جوزيف غابــل في نقد الإيديولوجيات: " فالإيديولوجيا، من حيث إنها متجهة صوب الماضي، ستكون وظيفتها هي الحفاظ على الوضع الاجتماعي، في حين أن اليوتوبيا، وهي مشرئبة نحو المستقبل هي عامل ثوري" : يكفي القرآن الكريم شرفا عند المسلمين أنه كتاب إيمان وهداية، يحثّ ويشجّع على العلم والعمل وإعمال العقل ولن يزيده رفعة وشرفا احتواؤه للاكتشافات العلمية الحديثة المادية البشرية ولن ينتقص من قيمته الروحية عند المسلمين خلوّه من النظريات العلمية الحديثة التي لا ترتقي في مجملها إلى حقائق ثابتة ثبوت النص المقدّس.

يهدف القرآن إلى بناء علاقة روحية عمودية سرية  شخصية ومتعالية على العقل والعلم والمادّة، علاقة مع المسلم العالم والجاهل على حد السواء ليهديه ويجذبه ويقرّبه من ربه وأما العلم فيبني علاقة ظرفية شكّية أفقية عمومية مشتركة ونديّة مع الإنسان مسلما أو غير مسلم ليربطه بواقعه المادّي المحسوس ويشدّه إلى جذوره المادية الطبيعية. لن يزيد المسلم إيمانا فوق إيمانه، اتساع القرآن ليشمل نظرية النشوء والارتقاء  لداروين أو نظرية النسبية لأينشتاين كما لا ينقص إيمانه عدم وجود النظريتين بوضوح في نصه المقدّس. المسلم الذي ينتظر من القرآن شواهد وإثباتات علمية مادية محسوسة وواضحة حتى يسلّم بإعجازه ومصدره الإلهي هو إنسان مادّي بالقوة (en puissance) "قد" يلتقي في شكّه مع الملحد الذي لا يؤمن بالقرآن كتابا مقدّسا والذي يؤكد جازما أن هذا الكتاب بشريّ لأنه لا يحتوي البتة على حجج وقرائن مادية مقنعة ودالة على وجود خالق وراء هذا الوجود المادي المحسوس وغير المحسوس والمرئي وغير المرئي. أما الملحد الذي يبحث في الغيبيات ويحاول تكذيب عقيدة غير مادية مستعينا بمنطق مادي فهو مؤمن بالقوة  لكنه ضعيف الإيمان.

خاتمة:

لنفرض جدلا أن كل الاكتشافات العلمية الغربية البشرية الحديثة موجودة في القرآن الكريم منذ 14 قرنا. فهل هذه الحقيقة تضيف شيئا من الاستحقاق العلمي للمسلمين المعاصرين الذين لم يشاركوا في صنع هذه الاكتشافات ؟ وهل تضيف شيئا إلى قدرة الله الذي يقول للشيء: "كن فيكون" ؟ ولماذا لا نقول الحق كما أمرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وننسب المجهود إلى أصحابه، علماء الغرب الذين ألهمهم الله -أليسوا من عباده الصالحين ؟- فاجتهدوا وعملوا ووصلوا ونجحوا بواسطة جهدهم البشري إلى صنع العلم وبناء المعرفة وسهروا وحرصوا على تطويرهما ؟ أما نحن المسلمون العرب المقيمون في بلدان إسلامية، فقد فشلنا أيما فشل في بناء العلوم وصنع أبسط الآلات، ولم يبق لنا سوى الادعاء الكاذب وانتحال صفة العلماء الغربيين (مسلمين وغير مسلمين) ونسبة اكتشافاتهم لأنفسنا زورا وبهتانا، والله -سبحانه وتعالى- غني عن عملهم وعملنا ووجوده لا يحتاج إلى برهان علمي إلا لدى ضعاف الإيمان من أمثالنا ولكنه في الوقت نفسه كريم وسيجازي العلماء الغربيين على ما فعلوه من أجل تقدم ورقي البشرية وسيلوم المسلمين المتقاعسين على ما فعلوه بأنفسهم.

وأخيرا أنوّه بالعلماء الغربيين المسلمين الذين شاركوا زملاءهم العلماء الغربيين غير المسلمين في بناء العلم والمعرفة (وليس اكتشافهما كما يُقال خطأ) وأشد على أياديهم وأقول لإخوانهم المسلمين المقيمين في البلدان الإسلامية، باستثناء ماليزيا: ما فعله إخوانكم المسلمون المقيمون في البلدان العَلمانية الديمقراطية هو الإعجاز العلمي بعينه، فعلوه بالعمل والمثابرة في المخابر العلمية الغربية جنب زملائهم العلماء غير المسلمين، ولم يفعلوه بالتعسف والإسقاط في تأويل آيات القرآن الكريم،  القرآن المنزّل النهائي هو كتاب يقين و إيمان ولا يجوز حسب رأيي مقارنته بكتب العلم البشرية المبنية أساسا على الجائز والطارئ والشك والخطأ والصواب، والإيمان أرقى ألف مرة من العلم لو كنتم تفقهون !

"الإعجاز العلمي" في القرآن (منتشرٌ بكثرةٍ في تركيا والسعودية وفضائياتها) أو في الإنجيل (منتشرٌ بقوةٍ وكثرةٍ في أمريكا الشمالية وبولونيا): عبارةٌ يرددها كثيرٌ من المسلمين وقليلٌ من المسيحيين. عبارةٌ، تبدو لي أنها تحملُ في الداخل ضدها: لو كان إعجازًا فهو ليس علمًا ولو كان علمًا فهو ليس إعجازًا، لأن الإعجازَ إعجازٌ إلهيٌّ، مُنزَّلٌ وأبديٌّ، يصيبُ دومًا ولا يخطئ أبدًا، أما العلمُ (La science moderne) فهو بشريّ، قاصرٌ وظرفيٌّ، يصيبُ ويخطئ، وقابلٌ للدحض والتكذيب بطبيعته (Falsifiable).

ملاحظة: لا أشك لحظةً في العلم الإلهي، تكفيني "كن فيكون"، ولا أحتاج لبهلوانيات الدعاة الجهلة تجار الدين، ولم يحتجْ إليها الصحابة قبلي حتى يؤمنوا. العلم الإلهي في القرآن معجزة ربانية، فما دخلك أيها المسلم فيها ؟ أوَ تظن أن الله ربك لوحدك ؟ الله رب العالمين مسلمين وغير مسلمين، فبماذا تتباهى أنتَ إذن على غير المسلمين ؟ الله قال لك: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ". غيّرْ يا سِيدي وانتجْ علمًا حديثًا وانسبه لنفسك عِوض التطاوُسِ بما ليس فيك، واتركْ ما لله لله، الله يهديك ! 

 

 

samedi 26 février 2022

مفاهيم إسلامية-كونية

 (des concepts islamiques)

 

لا أفهم لماذا إذا نطقتَها بالعربية، جُل الحداثيين التونسيين يشمئزون، ماركسيون وليبراليون، وإذا نطقتَها بالفرنسية ينشرحون ؟

 

مقدمة: تجنّبًا لمناكفات أصحاب العقول الإقصائية الإستئصالية المتحجرة المنغلقة لدى الجهتين، حداثيين وإسلاميين: أناقش الفكرة لا تطبيقاتها في التاريخ (تطبيقات سادت ثم بادت ولن تجدها مثلما كانت إلا في مخيلة الإسلاميين السلفيين الأرتدوكسيين)، ولا أناقش أيضًا تطبيقاتها في الماضي والحاضر لأنها ببساطة لم تُطبَّقْ بعدُ. أناقش الفكرة من وجهة نظر مواطن تونسي مسلم علماني يساري غير ماركسي وليس من وجهة نظر فقهية إسلامية أو إيديولوجية، لأنني لستُ ماركسيًّا ولا إسلاميًّا ولا قوميًّا ولا ليبراليًّا، فوجهوا سهامكم أيها المناكفون حيث تصيب أهدافَها. أناقشها بعفوية مَن تَرَبَّي في حضن أمٍّ لم ترضعّه إلا الحب وفطمته عن الكُرهِ، للأسف تَعَلَّمَ الكُرهَ عن الآخرين، ندم ورجع إلى أصله صاغِرًا (l’indigénisation). أنا وعيتُ حديثًا أنني لست مثل الآخرين، أنا عدوٌّ شرسٌ للحداثة وما بعد الحداثة في ثوبها الغربي الاستعماري وخاصة في ثوبها الفطري الغريزي الحيواني الرأسمالي المركزي-الأوروبي الحالي العنصري الإرهابي (l’eurocentrisme).

بعض المفاهيم الإسلامية التي خطرت ببالي:

1.    الخلافة (Aujourd’hui c’est l’union qui fait la force, exp: l’union européenne ou américaine):

نُطقُها بالعربية لا يوحي في أذهان "الحداثيين" إلا بـحزب التحرير وداعش، بالفرنسية مطلبٌ ملِحٌّ وأملُ العربِ والمسلمين أجمعين.

لا ألوم المنبَتِّين، اعني بهم جل اليساريين والليبراليين، لكنني أتعجب خاصة من القوميين الذين ينادون بوحدة عربية ويرفضون الوحدة العربية-الإسلامية، والغريب أن عربية الأولى عِرقية عنصرية وعربية الثانية لغوية، الثانية حضاريًّا وإنسانيًّا أرحب بكثير.

2.    الأحباس أو الوقف (Aujourd’hui c’est les fondations):

بالعربية يرونها مصيبة وبالفرنسية روعة.

3.    الزكاة (Aujourd’hui c’est l'impôt de solidarité sur la fortune):

بالعربية يرونها رجعية وبالفرنسية عدلاً وتضامنًا بين الأغنياء والفقراء.

4.    الشورى (Aujourd’hui c’est la démocratie):

نُطقُها بالعرابية وحده لا يوحي في أذهان "الحداثيين" إلا بالنهضة والنهضاويين، بالفرنسية عسلٌ مستورَدٌ.

5.    جهاد النفس

Maîtriser ses désirs, surtout ceux qui ne sont pas naturels et indispensables comme la plupart de nos désirs d’aujourd’hui, les désirs façonnés par notre société de consommation d’aujourd’hui (la société postmoderne liquide de Zygmunt Bauman).

جهادْ النفس.. أعدْها عليَّ  ثانيةً..

C'est-à-dire, comme l’a bien dit le philosophe athée, Michel Onfray : « philosopher, c’est philosopher sur ses désirs ».. Ah bon, si c’est Onfray qui l’a dit, pas de problème, on est totalement d’accord.

أضيفُ لك مصدرًا غربيًّا آخر مما تحب: عالِم الأنتروبولوجيا ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss, 1908-2009) قال: "وُلِدت الحضارة يوم تعلم الإنسان كَبْحَ رغباته الجنسية الحيوانية وصرف نظره نهائيًّا عن نِكاح المحارم (l’inceste)". وأنا أقول: كلما كَبَحَ الإنسانُ شهواته المضرّة بأخيه الإنسان، كلما ابتعد درجة عن أصله الحيواني وكلما صعد درجة في سلّم الإنسانية كلما اقترب أكثر من السعادة الروحانية.

6.     (...)، والقائمةُ تطولُ.

ملاحظة: أعي جيدًا أن لكل مفهومٍ تاريخًا، لكنني، وفي نفس الوقت، أعي أيضًا أن المفهومَ كالكائن الحي، ينمو ويتطوّر وتتغير ملامحه من زمنٍ إلى آخر.

أنهِي بسؤال: لماذا أرى حُسنًا فيما يراه رفاقي قُبحًا ؟ ربما لأنني اكتشفتُ بهاءَ بعض المفاهيم الإسلامية (certains concepts islamiques)، اكتشفتُها بلغة أجنبية، قرأتُ الأجنبيَّ الذي لا يكره الإسلام ولا المسلمين، وفي نفس الوقت لا يتعصّب للإسلام ولا للمسلمين، ومثله أصبحتُ أحب هويتي ولا أكره هوية مَن علمني.

 

 


vendredi 25 février 2022

هل الإيمان بالله وراثيّ أو مكتسب ؟

 

أنطلق هذه المرّة من جزء صغير من بحث علمي شخصي، أجريته علي عيّنة تتكوّن من 275 أستاذ تعليم ثانوي تونسيّ، وذلك في إطار الإعداد لشهادة دكتورا  في اختصاص تعلمية البيولوجيا  (la didactique de la biologie)، 2007، تحت إشراف جامعة كلود برنار ليون 1 بفرنسا وجامعة تونس.

 في سؤال من جملة 25 طرحتُ ما يلي: هل يوجد استعدادٌ جينيّ للإيمان بالله، يورّثه الآباء للأبناء ؟

 أجِب بنعم أو لا ثم علّل جوابك.

بعد فرز الأجوبة, توصّلت إلي النتائج الآتية:

78,5 % من الأساتذة أجابوا بلا و %14,3 بنعم و7,2 لم يجيبوا.

نصف المستجوبين لم يعلّلوا أجوبتهم و40 %  فسروا رفضهم لتوارث الإيمان  وعللوه بتأثير البيئة التي يعيش فيها الأبناء و10 % قدّموا حججا أخري.

قبل أن أشرع في التحليل أطرح وأجيب علي سؤال قد يُسأل:

السؤال: لماذا هذا البحث من أصله والمسألة واضحة ومحسومة لدي أهل العلم بأن الإيمان مكتسب وليس وراثيّا ؟

الجواب: كل العلماء يؤكدون أن لا وجود لأي مسألة علمية واضحة ومحسومة. والدليل أن نفس السؤال قد طُرِحَ في نطاق بحث علمي في أرقى الجامعات الغربية وأجابوا عليه كالتالي:

ورد في غلاف مجلة "العلم والحياة" بعنوان: "مخّ الإنسان مبرمج للإيمان. اكتشاف الجزيء  المسئول عن  العقيدة ؟". نتابع ما كُتب في الصفحة  49 من المجلة:

-         توّصل فريق من الباحثين في جامعة سويدية إلي ربط درجة  التديّن بنسبة "السروتونين"  في المخّ  وهي إفراز عصبيّ ينقل المعلومات من خليّة عصبيّة إلي أخري وهي هرمونة مخية مسؤولة عادة عن الإحساس بالجوع والعطش والنوم.

-          وتوصّل فريق آخر في جامعة أمريكيّة إلي ربط التديّن بما هو مكتوب  رمزيّا في الجينات (le code génétique) لا بالمحيط الذي ترعرع فيه الشخص المتدين.

انتهى الاستشهاد بالمجلة.

بكل احترام للعلم والعلماء، أوجه سؤالين إلي الفريقين المذكورين في المجلة:

-         أولا علي أي تديّن تتحدّثون ؟ المسيحيّة أم الإسلام أم اليهوديّة أم البهائية أم البوذيّة  أم  المجوسيّة ؟

-         ثانيا، أين  ذهبت  جينة  التديّن  عند الملحدين ؟ هل  هي  موجودة وصامتة أم مفقودة تماما ؟ ومن المسؤول عن عدم وجودها أو صمتها ؟

نترك العلماء الأفاضل يواصلون بحوثهم لعلّهم يكتشفون ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء، ونعود الآن إلي بحثنا الذي بيّن أنّ أكثرية الأساتذة يعتقدون أن الإيمانَ مكتسبٌ وليس وراثيّا. يقول المستجوبون أن الإيمان نابع من دور المحيط العائليّ والمدرسيّ والثقافيّ في نحت سلوكيّات الإنسان وأفكاره ومعتقداته خلال تجربته الشخصيّة في الحياة. أما الذين أجابوا بنعم فيبرّرون إجابتهم انطلاقا من نظرية الحتمية البيولوجية في إطار التفكير (أو  باراديـﭫـم) المسمى "كل شيء وراثي" والذي يؤكد على أن  كل الصفات الذهنيّة كالذكاء والإيمان بالله محدّدة مسبّقا في الجينات مثلها مثل الصفات الجسدية كلون العينين أو فصيلة الدم.

يبدو لي أن جل العلماء المعاصرين تقريبا قد أجمعوا علي أن كل الصفات الذهنيّة والسلوكيّة هي وليدة التّفاعل الدائم بين الموروث والمكتسب, أي بين الجينات والمحيط الداخلي والخارجي للخلية منذ نشأتها من اتحاد الخليتيّن التناسليّتين البويضة والحيوان المنويّ.

خلاصة القول:

الإيمان بالله هو سلوك ناتج عن إرث ثقافيّ مكتسب عبر العصور لكن لا يؤمن إلا من ورث مخّا بشرياّ لأن الحيوانات لا تدرك الأفكار المجرّدة وهمّها الوحيد هو البقاء علي قيد الحياة أطول مدّة ممكنة وإشباع رغباتها الغذائيّة وغرائزها الجنسيّة للمحافظة علي النوع.

نذكّر بأن الجدل العلميّ الذي كان قائما بين النسبة المئوية للموروث والنسبة المئوية للمكتسب في الصفات البشريّة وخاصة الذهنية منها، هذا الجدل أصبح جدلاً عقيمًا وقد ولّي وانتهي وأصبحنا نقول اليوم أن الصفات الذهنية مثل صفات الإيمان بالله والذكاء والعنف هي صفات وراثيّة بنسبة 100 %  ومكتسبة بنسبة 100 % ، وذلك لأن الأسباب الوراثية والمكتسبة المسؤولة عن  تشكّل الصفات الذهنية، عديدة ومتداخلة ومتشابكة فيما بينها وتتفاعل مع بعضها باستمرار فلا نستطيع  تجزئتها أو فصلها ميكانيكيا عن بعضها البعض أو تحديد نسبة الوراثي فيها من نسبة المكتسب.

 

 

 


jeudi 24 février 2022

العَلمانيون العرب

 

يبدو لي أن العَلمانيين العرب ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:

1.     العَلمانيون الليبراليون: هم الأغنياء العرب المسلمون والمسيحيون واليهود والملحدون  وفرقة من اليساريين. هم عادة ينتمون إلى طبقة البورجوازية الوسيطة بين الرأسمالية الغربية وخادمتها الرأسمالية العربية. يأخذون من العلمانية الغربية قشورها (مثل العادات المستوردة في نمط العيش المنبتّ) ولا يؤمنون بأهم مبدأ علماني وهو حرية الضمير والمعتقد ولا يحترمون إلا إيديولوجيتهم أو دينهم أو مذهبهم المحلي الضيّق. هؤلاء جميعا للأسف الشديد يمثلون أغلبية بين العلمانيين العرب.

2.     العَلمانيون القوميون والعَلمانيون الشيوعيون: أقصد الشيوعيين المُقصين للدين  المتأثرين بالستالينية أو المتأثرين باللائكية الفرنسية وريثة فكر الثورة الفرنسية المعادي للدين: نظام ستالين لم يكن نظاما علمانيا لأنه انحاز إلى عقيدة الإلحاد واضطهد المسيحيين والمسلمين واليهود ومنعَهم من ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية. أما مؤسسات الدولة الستالينية مثل الحزب الواحد وديكتاتورية البروليتاريا فهي مؤسسات تناقِض العلمانية وتصادِر حرية الضمير والمعتقد.

وأقصد أيضا القوميين الناصريين (نظام عبد النصر ونظام القذافي) والبَعثيين (نظام الأسد ونظام صدام وليس صدفة أن يُعجبَ هذا الأخير بزميله الديكتاتور ستالين): عندما استلم القوميون السلطة في العالم العربي أسسوا أحزابا على النمط الستاليني.

3.     العَلمانيون المستقلون: هؤلاء لسوء حظنا يمثلون أقلية. هم المؤمنون صدقا بحرية الضمير والمعتقد ويحترمون فعلا كل العقائد جميعا السنّية والشيعة والإباضية والمسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرتدوكسية واليهودية والبهائية والإلحادية واللاأدرية والبوذية والهندوسية. قد يكون من بينهم المؤمن والملحد على السواء. علمانيتُهم علمانيةٌ لا تهدف إلى إقصاء الدين أو استئصاله من المجتمع ذو الأغلبية المسلمة، علمانيةٌ تؤمن بالتعايش السلمي بين المواطنين التونسيين دون تفضيل لعقيدة على أخرى فالله وحده هو الأفضل والأكمل أما البشر مسلمون وغير مسلمين فهم ضعفاء خطاؤون ولا أفضلية لأحد على آخر إلا بالتقوى الدينية أو العلمانية، علمانيةٌ تتماهى مع مجتمعها وتفعل فيه من أجل ازدهاره وتقدّمه وإلحاقه بركب الأمم المتطورة، وكما قال الفيلسوف المغربي اليساري عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه"، علمانية غير ناكرة لجذورها الحضارية الأمازيغية-العربية-الإسلامية ومتصالحة مع مبادئ حقوق الإنسان الكونية وناقدة مغربِلة لتراثنا الغزير بغثه وثمينه. علمانيون يحِبون الجميع دون تفضيل ديني أو مذهبي أو قومي أو عرقي أو اجتماعي أو إيديولوجي. العلمانيةُ ليست عقيدة أو إيديولوجيا، هي نظام مجتمعي متسامح واسع رحِب تُصانُ وتُحترَمُ داخله العقائد والإيديولوجيات جميعا.

كيف لي أنا الـعـلماني الـيساري غير الـليبرالي وغير الـماركسي أن أكره صديقي المُصَلّي التقي الورع الشيعي أو الإباضي أو الـسُنِّي المالكي أو الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي أو أنبذ صديقي الماركسي غير الانتهازي أو أفضّل نفسي على صديقي البهائي أو المسيحي أو اليهودي أو ألعن صديقي الملحد.

كيف لي أنا الـعـلماني أن لا أطير فرحاً من فرط سعادتي بأختي الكبرى الضريرة المستنيرة عند رجوعها من العُمرة في آخر يوم من أيام شهر شعبان. هل الحداثة أو ما بعدها أو العقلانية أو الماركسية أو الإلحاد تقدَر على منحها الأمل في استرجاع بصرها ؟ إيمانها بالقدر واليوم الآخر،  هو وحده القادر على إعطائها الأمل بتحقيق أكبر حلم كانت وما زالت تنتظره منذ 75 عاما منذ أن فقدت البصر وهي طفلة جميلة بريئة في سن الست سنوات: أن ترى بأم عينيها أمها وأبيها وإخوتها وأخواتها وجيرانها وأقاربها وصديقاتها الضريرات زميلاتها في معمل الكفيف بسوسة.

لا ألوم العرب غير العلمانيين على كرههم للعلمانيين العرب، العَلمانيون القوميون (عبد الناصر والقذافي والأسد وصدام وبومدين) والعَلمانيون الليبراليون (بورقيبة وبن علي)، حكمونا ولم يروا منهم إلا الإقصاء والقمع والاستئصال. ولا ألومهم أيضا على كرههم للعلمانيين الغربيين (مثل حكام أمريكا وأوروبا وإسرائيل) على ما فعلوه فيهم من استيطان واستعمار وقتل وتجويع وتشريد ونهب لثرواتهم الطبيعية وتهميش لثقافتهم ودينهم ولغتهم وسرقة بُذورهم الزراعية الأصلية واستغلال عرق عُمّالهم في المهجر وفي الداخل (قانون أفريل 1972) وتلويث بيئتهم المحلية بالعناصر الكيميائية غير القابلة للرسكلة البيولوجية الطبيعية (ڤابس وصفاقس). كنتُ مخطئا عندما لُمتُهم (العرب غير العلمانيين) على عدم عِرفانهم بالجميل لفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول العلمانية في الداخل-الاستعمارية في العالم العربي، عندما آوت هذه الدول زعماء الإسلام السياسي وأكرمتهم، ولكن بعد "الربيع العربي" اكتشفتُ أن كرمَ الغرب كرمٌ مسمومٌ وتبيّن لي بالحجة الملموسة أنها كانت تعدُّهم لربيع مشؤوم،  تعدُّهم لنشر الفوضى المدمِّرة في سوريا وليبيا ونجحت في مسعاها الجهنمي  أيّما نجاح واستطاع المتطرفون الإسلاميون تدمير الدول العربية الأقرب للعلمانية تدميرا لم يقدر الغرب بجيوشه الاستعمارية المباشرة على تحقيق العُشرِ منه. الحكام الغربيون ليسوا علمانيين مستقلين حتى يُعِدّوا زعماءنا العرب لتقرير مصير شعوبهم وتحرير أراضيهم المحتلة في فلسطين ولواء الأسكندرون وسبتة ومليلة وجزيرتي طُنْب الصغرى وطُنْب الكبرى. في التاريخ، "العلمانية وَهمٌ لأن الرأسمالية لم تفصل بين اليهومسيحية والدولة، بل أوهمتنا بذلك وتاجرت بالعلمانية واغتنت بها" (نوال السعداوي، Tv. F24). يبدو لي أن القدوة الأقرب إلى علمانيتي هي العلمانية التي تجسمها اليوم الأنظمة العلمانية الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية.

من المؤسف جدا أن الصنف الثالث (العَلمانيون المستقلون) الذي أنتمي إليه كعَلماني يساري غير ليبرالي وغير ماركسي هو الصنف المضطهَد الأكبر من قِبل الغرب والعرب في نفس الوقت. يبدو لي أن العَلمانيين المستقلين هم أشخاصٌ مَكروهين من قِبل المسلمين العاديين ومُكَفَّرِين من قِبل الإسلاميين المتطرِّفِين ومَنبوذين من قِبل زملائهم من الصنفين العلمانيَّين الآخرَين (العَلمانيون الليبراليون والعَلمانيون اليساريون، شيوعيون وقوميون).


mercredi 23 février 2022

كيف ينظر العَلمانيون التونسيون إلى المتدينين التونسيين ؟

 

 

ملاحظة هامة للأمانة العلمية

النص الأصلي كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. شرح فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. يتحدث هذا النص، صفحة 226، عن الصراع المسيحي العَلماني في القرن التاسع عشر ميلادي. استعرت منه المنهجية في طرح الإشكالية والقالب اللغوي للنص الذي طوّعته وحشوته أفكارا شخصية عن الصراع الإسلامي (نسبة إلى الإسلام السياسي) العَلماني في تونس القرن الواحد والعشرين ميلادي. أتمنى أن أكون قد وُفِّقتُ في القيامِ بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجة أو سخيفة ودون تعسّف أو تحريف أو تجنّ على النص الأصلي ودون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة على حضارة أو دين على دين أو نقد على نقد.

نص مقال المؤلف محمد كشكار:

1.    مقدمة:

العلمانيون الملحدون هم فريق أقلّي في المجتمع التونسي الأمازيغي-العربي-الإسلامي-الأممي، هم أصحاب العَلمانية المتسلطة العنيفة الفجّة والاختزالية (التي تختزل الدين الإسلامي في بعض الممارسات الخاطئة لبعض المتدينين المسلمين المتزمتين العنصريين الرجعيين المتعصبين). أقصد العَلمانيين الذين يَسقُطون في إدانة الإيمان الصافي وإدانة الروحانية المنزّهة عن الأغراض الدنيوية والسياسية. أما العلمانيون غير الملحدين فهم أصحاب العَلمانية المنفتحة على كل أبعاد الدين الإسلامي بما فيها الأبعاد الإيمانية والدينية وحتى الروحانية منها المريحة للمؤمن.

2.    مواقف من الإلحاد:

ضمن المواقف المختلفة من الإلحاد، أبدأ بموقف الفيلسوف المسلم التونسي المستقل، الأستاذ الدكتور أبو يعرب المرزوقي: "الإلحادُ ظاهرةٌ طبيعية جداً إذا كان صاحبها صادقاً يبحث عن الحقيقة, ولم يجد الجواب. فيَصِل إلى نوع ٍمن اليأسِ الوجودي يجعله يلحد. ولكن هو في الحقيقة لا يلحد بمعنى أن ينفي وجود الله, هو ينفي وجود الله الذي عُرض عليه في الصورةِ الحالية. ثم يلاحظ أن هذه الصفات لا تطابق الموجود. الله عادل و لا يوجد إلا الظلم, الله رحيم و لا توجد إلا القسوة, فيجد تناقضاً بين الواقع والله. ولمّا كان هو يؤمن بأن الله قادر على كل شيء , فكيف يمكن أن يكون موجوداً وهو قادر على كل شيء. وهنا تحدث الأزمة الوجودية فيلحد، لكنه يلحد لأنه يُنزّه الله عن الموجود". انتهى الاستشهاد بأبي يعرب المرزوقي.

مع العلم أنني لا أدين الملحد على إلحاده الشخصي الذاتي في حد ذاته و قد كفل له حرية المعتقد كل من القانون الوضعي (البيان العالمي لحقوق الإنسان ودستور تونس 2014) والشريعة الإسلامية (لا إكراه في الدين...من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر... و لكم دينكم و لي دين و غيرها من الآيات القرآنية المتسامحة مع غير المسلمين من يهود ومسيحيين وصابئة ولادينيين أو لاإلهيين). وما دام الإلحاد مسألة ذاتية وشخصية، فلْيحتفظ الملحد بعقيدته لنفسه وهو ليس مطالبا أن يعلن عنها ولا يحق لنا نحن أن نطالبه بالإفصاح عنها لأن علاقته مع تصوره الخاص عن الله (حسب اجتهاد وفلسفة أبي يعرب المرزوقي) علاقة عمودية وربه ورب العالمين هو الذي يحاسبه يوم القيامة. إنما نحن التونسيون المسلمون تربطنا بالملحد التونسي علاقة مواطنة أفقية بشرية نتعامل معه على أساسها حسب الدستور الوضعي والقوانين الجاري بها العمل وحسب الاتفاقيات الدولية التي تضمن أيضا حرية المعتقد. لو حيّدنا العقيدة الشخصية الذاتية الخاصة جدا لوجدنا أنفسنا نحن التونسيون كلنا مسلمون حضاريا واجتماعيا، شاء الملحد أم أبى. وما دمنا نحن المسلمون التونسيون لم نتدخل في عقيدة الملحد فالأحرى به هو أن لا يتدخل في عقيدتنا الإسلامية وهكذا نتعايش بسلام في وطن واحد يشمل جميع المواطنين التونسيين ملحدين ومسلمين، سنّة وشيعة وإباضيين، مالكيين وسلفيين، يهود ومسيحيين و بهائيين والناس أجمعين.

نأتي الآن إلى الملحد الناشط السياسي، فيبدو لي أنه ليس من حقه نشر عقيدته بالقوة أو الإغراء أو الإكراه مثله مثل كل أصحاب العقائد الأخرى التوحيدية منها وغير التوحيدية وليس من حقه أيضًا الخلط بينها وبين السياسة وهو الذي يدعو -صباحا مساء ويوم الأحد- لفصل الدين عن الدولة وعن الحزب وعن السياسة ويطالب بعدم اعتماد الشريعة مصدرا أساسيا ووحيدا  في كتابة الدستور التونسي الجديد، لكن من واجبه، وليس مزية منه، أن يتصرف في المجتمع التونسي كمسلم (حضاريا واجتماعيا) ويحترم مقدسات مجتمعه ورموزهم الدينية المتنوعة وعليه ان لا يرى في هذا السلوك الحضاري المتسامح المنفتح تناقضا مع عقيدته الداخلية أو نفاقا مع المجتمع أو تقية خوفا من رد فعل المتطرفين الإسلاميين و إنما يرى كما يرى الفيلسوف عبد الله العروي، المسلم المغربي غير المنبت عن مجتمعه وجذوره وتراثه العربي الإسلامي، الذي قال: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه...لأن في التماهي شرط التحقيق، أي شرط المرور من التصور إلى الواقع، من الفكر المجرد إلى الحياة". انتهى الاستشهاد بعبد الله العروي.

3.    وهم الأيديولوجيات المستوردة:

أوهمتنا بعض الأيديولوجيات المستوردة في الستين عاما الماضية، منذ الاستقلال سنة 1956، أو حاولتْ أن توهمنا أننا قد تجاوزنا الأصولية الإسلامية الأرتدوكسية الدوغمائية أو الظلامية والرجعية بالمقارنة مع عصر التنوير العربي الإسلامي في القرن الثالث والرابع هجري أي الفترة الذهبية في العصر العباسي حيث التسامح والحرية والتعايش السلمي،  تسامح بدأنا نفقده في تونس ما بعد الثورة في القرن الواحد والعشرين. توهمنا أننا قد تجاوزنا لمجرد أننا رفعنا بعض الشعارات الماركسية المشوَّهة كشعارات اللينينية والستالينية والماوية أو التقدمية الليبرالية السطحية المنبتّة أو القومية الدكتاتورية الشوفينية العنصرية الناصرية أو الصَّدَّامية أو رأسمالية الدولة ملفوفة في غلاف اشتراكي أو الحرية الغربية المزيفة أو حقوق الإنسان المقتصرة على حرية البرجوازي الغربي... إلخ. لقد توهمنا أو أوهمنا أنفسنا بأننا متحررون ولكن دون تحرّر، وأننا مستنيرون ولكن دون استنارة فعلية. ثم أوهمنا أنفسنا وهذا هو الأخطر، أننا لسنا بحاجة إلى المرور بالمراحل التدريجية للتنوير لأن التنوير مرتبط في الأذهان بالأيديولوجيا الليبرالية الكافرة التي هي أيديولوجيا المستعمر بالذات. وبالتالي يصبح المرور بالمراحل التدريجية للتنوير خطأ كله وكفر كله ومسفَّه سلفا... ولكننا نعلم أن الأيديولوجيا الليبرالية لم تُستورد بشكل صحيح بل استُوردنا نُتَفٌ منها كما حصل للأيديولوجيا الاشتراكية التي تلتها (هذا بالرغم من أن مثقفي المرحلة الليبرالية في أوائل القرن العشرين كانوا أكثر جدية بكثير من مثقفي المرحلة الثورية الاشتراكية... مَن يجرؤ على مقارنة شخصية كطه حسين بالحداثيين المعاصرين ؟) ثم وجدنا أنفسنا في تونس منذ عام 1956 وقد دخلنا في مرحلة الأيديولوجيات والتصفية الجسدية والتعذيب والسجون للقوميين اليوسفيين ولمهندسي المحاولة الانقلابية بقيادة لزهر الشرايطي وللمعارضين اليساريين.

منذ سنة 1970  بدأنا ندخل في مرحلة استخدام الدين كسلاح سياسي من قبل الاتجاه الإسلامي أو إخوانُ الإخوانِ المسلمين أو حزب النهضة حديثا، فرُحنا نستغرب ونتعجب كيف حصل ذلك بعد أن تنوّرنا وتحدّثنا (من الحداثة الغربية) واستُلِبنا وانبتتنا (من الاستلاب الحضاري والإنبتات الاجتماعي) عن مجتمعنا التونسي الأمازيغي-العربي-الإسلامي-الأممي وعن تراثنا العربي الإسلامي النيّر (عصر الفكر والتنوير في القرن الثالث والرابع هجري أي العصر العباسي) وتمركسنا (من الماركسية) وتشرّكنا (من الاشتراكية) وتحررنا بين ظفرين من ديننا وماضينا وتاريخنا وتراثنا العربي الإسلامي وتشرّدنا فكريا وحضاريا وفقدنا مِشيتنا ولم نتعلم مِشية الغرب فأصبحنا معوقين ذهنيا وعضويا.

هكذا نجد أنفسنا إذن مضطرين للعودة إلى نقطة الصفر، نقطة بداية النهضة العربية على يد الأفغاني والطهطاوي وعبده وبن عاشور والحداد وطه حسين وقاسم أمين، إلى نقطة الأصل لبدء المعركة التنويرية والتحريرية لوعيِنا من جديد. فالقفز على المراحل وإيهام النفس بالتطور المزيّف أو الكاذب كرد فعل على الغرب أو كإحساس بعقدة النقص نحوه أو عقدة التفوق والعنجهية تجاهه، موقف سلبي انهزامي لا يفيد شيئا ولا يقدم الأمور في شيء بل لعله قد يُأخر ويُعطل نهضتنا ويُعيق تقدمنا نحو الأفضل وقد يُؤدي إلى الانتكاسة السريعة والارتطام بالجدار المنيع ككل مرة. لذلك يقول هاشم صالح بأن التنوير أمامنا، وليس خلفنا، على عكس الأوروبيين الذين يحتاجون اليوم إلى تنوير آخر من نمط جديد (أو قل إنهم يحتاجون إلى نفس التنوير، فالتنوير لا ينتهي، ولكن ضمن معطيات جديدة غير التي نعرفها في مجتمعاتنا). فما هو هذا التنوير الذي يخشاه البعض ويتلهف إليه الآخرون بكل قلوبهم ؟ ثم ما هو الطريق الأنجع للوصول إليه ؟ يبدو لي -و الله أعلم- أنه من الأفضل لنا أن نبدأ بتجاوز القطيعة الأولى التي أنجزناها خطأ مع تراثنا التنويري في العصور الوسطى قبل أن نجسّر(من الجسر أو القنطرة) علاقاتنا المقطوعة منذ أربعة قرون مع التنوير الأوروبي، منذ كوبرنيك وڤاليلي  وديكارت إلى فولتير وديدرو وروسو ونيوتن وكانْتْ وداروين حتى نصل إلى العلماء والفلاسفة المعاصرين مثل أنشتاين وباشلار وبياجي وسارتر وفوكو وهابرماس.

4.    لبّ الموضوع

يوجد في تونس القرن الواحد والعشرين، مُعسكر يتكون من أشخاص عَلمانويين -وليسوا عَلمانيين-  خالين تماما من أي شعور روحاني (وهذا من حقهم لو انحصر المشكل في ذواتهم ولم يتعدّ قسرا إلى غيرهم من المواطنين التونسيين المسلمين العاديين غير النشطاء السياسيين الإسلاميين) إلى حد أنهم لا يفهمون ولا يستطيعون ولا يريدون أن يفهموا قلق الذين يُعانون، ولا طمأنينة أولئك الذين يُصلون ولا يقدّرون مدى حاجة الناس إلى العامل الروحاني الضروري من أجل خلق توازن نفسي خاصة في غياب التوازن المادي والاجتماعي وفي غياب الحريات واستفحال قمع المعارضين والمثقفين والمبدعين والفنانين والمعطلين وسجنهم أو قتلهم أو نفيهم أو تشريدهم أو تهميشهم من قِبل سلطة دكتاتورية عربية مسلمة. ولم يكن المسلمون بالنسبة لهؤلاء العَلمانويين إلا عبارة عن ضعفاء أو جهلة متخلفين أو مسحورين ودجالين. وعندما لا يشعر العَلمانيون الملحدون التونسيون بالحاجة للإيمان والتديّن الخالص لوجه الله الذي نلاحظه لدى عامة التونسيين، فإنهم يحاولون تشويه التدين عن قصد أو عن جهل بقيمته المادية وفاعليته في توازن الفرد واستقرار المجتمع: حاجة المجتمع التونسي إلى الدين الإسلامي الوسطي المعتدل المتسامح كما عهدناه و تربينا عليه في المدن والأرياف في الخمسينات و الستينات من القرن العشرين (أنا أشهد أنني عشت طفولة سعيدة تحت إسلام جمنة، قرية جميلة تُكنّى بـ"مدينة العلوم" في ولاية ﭬبلي  التي تقع في الجنوب الغربي التونسي). ما زال العَلمانيون الملحدون التونسيون يبالغون في تصوير الدين الإسلامي بشكل كاريكاتوري، فالإسلام في نظرهم هو عبارة عن دين رجعي قمعي ويعتبرونه عن خطأ سببا أساسيا من أسباب تخلّفنا. وما زالوا يرون بأن الإسلام لم يولّد إلا الخرافات والأساطير والمعجزات التي لا يصدقها حسب رأيهم ولا يقبلها العقل، دين يبرِّر بالنقل ما لا يُبرَّر بالعقل. وما زالوا يعتقدون بأن كل الأمراض والمشاكل التي نعاني منها في تونس سوف تنتهي بمجرد أن ينفصل الإسلام عن الدولة والسلطة والتربية والتعليم ويختفي من الساحة السياسية العامة. وما زالوا يصوّرون التعسف والتجاوزات التي قام بها الحكام المسلمون عبر التاريخ القديم والحديث أو سمحوا بها أو شاركوا فيها أحيانا على أنها هي جوهر الإسلام ومقاصد قرآنه الكريم وتعاليم رسوله النهضوي التنويري العظيم (من مفهوم النهضة والتقدم و ليس من حزب النهضة التونسي)، محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم. فالإيمان والتدين وممارسة الشعائر بحسب زعمهم كانت عبارة عن سذاجة عبثية صالحة فقط للجَهَلَة والبُلَهَاء.

لكن هذا لا يعني أن المسلمين التونسيين ملائكة تمشي على وجه الأرض، على العكس نجد فيهم وبكثرة المُرائين والمنافقين والمداهنين والمستغلين الدين مطية لأغراض شخصية دنيوية مادية أو سياسية حقيرة. وقد سبق وكان الحاكمان الظالمان المستبدّان بورقيبة وبن علي مقتنعَين بأن الجهل بالدين والدنيا، المتفشي في المجتمع التونسي، ينبغي أن يبقى على حاله، لأنه مَرسوم ومُبرمج و مُبيّت لصالح حلفائهم الأجانب وصالح بطانتهم من الأقارب والأصهار والأغنياء ورجال الدين المتواطئين مع السلطة والمثقفين المأجورين والانتهازيين الذين يعدّون بمئات الآلاف من الدستوريين البورقيبيين والتجمّعيين البنعليّين. وما زالت هناك في تونس فئة خطيرة من رجال الدين المتطرّفين المتزمتين المتعصبين الإقصائيين الاجتثاثيين العنيدين قصيري النظر الذين يجدون من الأسهل أن يدينوا ويكفّروا المناضلين التونسيين المسلمين اليساريين والقوميين والليبراليين الثوريين الصادقين الوطنيين المخلصين ولو وصل هؤلاء المتدينين إلى السلطة فسيعاقبون مواطنيهم التونسيين المعارضين ويقطعون أيديهم وأرجلهم من خلاف (أذكّر هنا بالتصريح الخطير المُفزع و المُرهب المُخيف للنائب عن حزب النهضة في المجلس التأسيسي، السيد "صادق شورو" وأذكّر أيضا بالتصريحات المشابهة لنواب سلفيين مصريين). كان الأجدر بنواب حزب النهضة التونسي الحاكم، وهم في المجلس يمثلون كل فئات الشعب التونسي بعَلمانييه ومُلحديه وشيعته وبهائييه ويهوده ومسيحييه، أن يدخلوا مع معارضيهم السياسيين التونسيين في عمق الحوار كما هو الحال في الدول الديمقراطية الغربية. لم أنس الفئة الأخرى من التونسيين الأتقياء المزيفين الذين يختزلون الدين الإسلامي في أداء الشعائر من صوم و صلاة وحج وزكاة، والذين سرعان ما يصرخون ويولولون بمجرد أن تمس خرافة معينة أو تُنتقد ولا يثورون ولا يتظاهرون دفاعا عن عرضهم المهتوك في أفغانستان وفلسطين والعراق من قِبل الأمريكان، هؤلاء هُم مسلمون بالاسم ولكنهم أشد كفرا بالدين الإسلامي من الملحدين.