mardi 15 février 2022

الدين ليس مسألةً فرديةً كما يعتقدُ العلمانيونَ (علماني وقد كنتُ من رأيهم)

 

 الدينُ اجتماعيٌّ أو لا يكونَ !

 يعتقد العلمانيون عمومًا والماركسيون خصيصًا بأن الدينَ مسألةٌ فرديةٌ، وهو في الواقع مسألةٌ تهم المجتمع أكثر من الفرد، وأخص بالذكر الدين الإسلامي، ديننا في تونس: كل طقوسِ أركانه الخمسة تؤدَّى جماعيًّا، وقد تفقد معناها الديني لو أجبِر المسلم على تأديتها فرديًّا كما قد يقع أحيانًا لمسلمٍ مغتربٍ معزولٍ. ويبدو لي أن هذا الاعتقاد الخاطئ والسائد لدى جل الماركسيين التونسيين هو الحبلُ الذي قيّدوا به أنفسهم وبأيديهم، مما أدّى إلى تقوقعهم وانحسارهم داخل المجتمع التونسي، والشعبُ ليس مسؤولاً عن فشلهم الاجتماعي والثقافي والسياسي ! 

الدعوةُ اللائكيةُ (نسبة إلى فرنسا) لنفي البُعد الاجتماعي للدين وإقصائه من الفضاءات العامة لا تعدو أن تكون إلا دعوةً غير مباشرة، وقد تكون غير مقصودة، لاستئصاله من المجتمع، وما صَمَدَ الدين زمن الاستعمار ضد الغزو الثقافي الفرنسي إلا بفضل بُعده الاجتماعي. لذلك نرى المجتمع متشدّدًا دينيًّا أكثر من الفرد، ونراه قد يغفر الأخطاء الفردية المخالفة للشرع والأخطر على المجتمع (الرشوة، الربا، الاحتكار، الزنا، الشطط في الأسعار، إلخ) ولا يتسامح مع الأخطاء التي تُرتكب في  الفضاءات العامة رغم أنها أقل ضررًا على المجتمع (الإفطار العلني في رمضان والبيكيني في الشط، إلخ).

لماذا بقيتُ أنا علمانيًّا إذن ؟ بقيتُ علمانيًّا (laïc ou laïque) على الطريقة الأنغلوساكسونية المتصالحة مع الدين (أمريكا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، الدول الأسكندنافية)، ولست علمانيًّا على الطريقة الفرنسية المعادية للدين والنافية لدور الدين الروحاني الإيجابي في المجتمع خلافًا لجل العلمانيين التونسيين. بقيتُ علمانيًّا لأنني أؤمن بالفصل بين الدين والدولة خلافًا لكل الإسلاميين. الدولة تدخل في مجال العقل، ولا شيء أفضل من العقل لسياسة الناس وتنظيم شؤونهم الدنيوية، أما الدين فهو يتجاوز مدارك العقل، هو مجال المعجزات، تؤمن بها أو لا تؤمن، لا مكان لمنطقة رمادية بين الأبيض والأسود أو لمنزلة بين المنزلتين. والدولة ترعاها أحزابٌ تتنافس فيما بينها من أجل الوصول إلى السلطة والفوز على باقي الأحزاب الأخرى حتى في الأنظمة الديمقراطية، أما الدين فهو خُنوعٌ وتسليمٌ لمشيئة الله والرضا بقدره، حُلوه ومُرّه.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". حديث يمكن تطبيقه في الدين، لكن يبدو لي أنه من المستحيل تطبيقه على الأحزاب السياسية: فهل يجوز أن نطلب من حزب يساري أن يحب لأخيه في السياسة حزبً إسلاميًّا ما يحب لنفسه ؟ وفي المقابل، هل يجوز أن نطلب من حزب إسلامي أن يحب لأخيه في السياسة حزب يساري ما يحب لنفسه ؟ حزبان متنافسان متصارعان وسيبقيان كذلك ما بقيت الديمقراطية، سُنّة السياسة في المجتمع.

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire