vendredi 18 février 2022

الدولة الدينية فشلت... والدولة اللائكية أيضا فشلت فما العمل ؟

 


مقدمة:
صيحة عالِم السياسة الفرنسي أوليفِيِي رْوَاْ: "الجهاد الإسلامي هو القضية الوحيدة المتوفرة للشباب في السوق"

Le jihad est aujourd’hui la seule cause sur le marché. Olivier Roy, né en 1949, est un politologue français, spécialiste de l'Islam.

مقال مستوحى من حوار تلفزي دار بين الفيلسوفين الفرنسيين ريجيس دوبري وإدار موران. حاولتُ ترجمة الأفكار الأساسية فيه وصياغتها بتصرف وأقحمتُ نفسي طرفًا في هذا الحوار:

1. إدار: 

كلما ازدادت قوة الإنسان في المجال المادي (العقلي والعلمي والتكنولوجي والطبي، إلخ.) ونجح في إيجاد حلول لضعفه المادي أمام الطبيعة، كلما ازداد وبان ضعفه في المجال الروحي (الدين والأساطير والأوهام، إلخ.) وفشل في إيجاد حلول لضعفه الروحي أمام الموت والمرض والحرب والاغتصاب.

2. المؤلف محمد كشكار: 

- فشلت أيضا الديانات التوحيدية الثلاث في مرافقة الإنسان نحو المرض والموت وذلك بإإفراغ نفسها المبيّت من الروحانيات والقِيم الإنسانية السامية وحشوها قسرا بالماديات على شكل طقوس جسدية اجتماعية روتينية ببغائية غير واعية: فشلت اليهودية روحانيا (لا تسرق، لا تكذب، لا تقتل) مذ أبِيد سكان فلسطين العرب الكنعانيين على أيدي اليهود الغازين القادمين من مصر. فشلت المسيحية روحانيا (من ضربك على خدك الأيمن فأَدِرْ له الأيسر) مذ وظفها قسطنطين في دولته الرومانية واحتل العالم بتوظيف المسيحية كدين الدولة الوحيد. فشل الإسلام روحانيا (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) مذ وظفه معاوية في دولته المَلَكية واحتل العالم بتوظيف الإسلام كدين الدولة الوحيد. 

- فشلت أيضا كل الدول اللائكية في العالم في فصل دياناتها عن الدولة (الشيوعية، الثورة الفرنسية، الجمهورية، المَلَكية الدستورية وغير الدستورية) : فشلت الشيوعية روحانيا (من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته) مذ وظفها لينين وستالين وماو وبول بوت وكاسترو في دولهم الديكتاترية وقمعوا بتوظيفها عمال العالم وقتلوا منهم الملايين. فشلت الثورة الفرنسية روحانيا (البيان العالمي لحقوق الإنسان) مذ وظفها نابليون في احتلال مصر عشر سنوات فقط بعد ثورة 1789. فشلت الجمهوريات والمملكات الدستورية روحانيا (حرية، مساواة، أخوة) مذ وظفتها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولاندا لاحتلال العالم الثالث ونهب آثاره وعُماله وثرواته. فشلت الدول المَلَكية والقومية والاشتراكية العربية روحانيا (وحدة من المحيط إلى الخليج) وحاربت بعضها بعضا باسم العروبة والإسلام. فشلت اللائكية الفرنسية خصيصا في إدماج المهاجرين العرب على مدى قرن من الزمن رغم أنها نجحت في إدماج غير المسلمين من الإيطاليين واليهود والسود.

- فشلوا كلهم بمتدينيهم وعلمانييهم في نشر الأخوة والتضامن بين البشر وغلّب حكامهم الربح والاستغلال وتقديم مصالحهم المادية على القيم الإنسانية النبيلة فأضاعوا على الفقراء سعادتهم في الدنيا وفي الآخرة. لم يكفِهم فشلهم وحدهم فورّثوه لأجيالنا حروبا دينية في فلسطين وروسيا وسوريا وليبيا ومصر والعراق حيث غذّى فشلهم المزمن اللعين صراعا دينيا وإرهابًا إسلاميا لا علاقة له بروحانية وسماحة الدين الإسلامي.

3. ريجيس:

الشيوعية دين والجمهورية دين والليبرالية دين، كلها أديان تقدّس الربح والنهب بالقوة وتدنّس قيم التحابب والتعاضد والتآزر وقبول الآخر باختلافه وتهمل مبادئ المسالمة والمجاملة والتسامح والحب بين البشر، كل البشر دون تمييز عرقي أو لوني أو جَنْدَرِي (H-F) أو طبقي أو إيديولوجي. القيم الروحانية الإنسانية السامية (Les valeurs spirituelles) ليست حكرا على الأديان ولا على المتدينين وحدهم فبعض غير المتدينيين قد يكونون أرحم مثل أطباء بلا حدود وعمال المطافئ ومتطوعي الهلال الأحمر والصليب الأحمر والمحاضرون المتطوعون بالجامعة الشعبية المجانية بكانْ بفرنسا وعلى رأسهم مؤسسها فاعل الخير الفيلسوف اليساري التحرري الملحد المسيحي ميشيل أونفري.

أدعو إلى تدريس تاريخ الأديان (وليس الدعوى إلى دين أو تفضيل دين على آخر) في المدرسة الفرنسية اللائكية والتعريف بقيمها العالمية الإنسانية الراقية التي لا يخلو منها دين توحيديًّا كان أو غير توحيدي لكن النوايا الحسنة لا تكفي.

Et contrairement à ce qu`a affirmé Machiavel au XVIe S (la fin justifie les moyens), réellement  la fin ne justifie pas les moyens, plutôt les moyens nous donnent un signe prémonitoire sur la fin avant d`arriver à la fin.

4. إدار:

أفاق العلمانيون المعاصرون ونبذوا إرهاب القرن العشرين (الألوية الحمراء الإيطالية، الجيش الأحمر الياباني، بادرماينهوف الألمانية، الخمير الحمر الكمبودية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الهاڤانا الصهيونية، الجيش الإيرلندي، الفعل المباشر الفرنسية، الجمهوريون العالميون ضد فرانكو في اسبانيا) وسوف يأتي الدور قريبا إن شاء الله على المجاهدين الإسلاميين ويفيقوا من أوهامهم ويعرفوا أن ربهم قال لهم: " مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

توضيح حول مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" التي وظفها ماركسيّونا خطأ ضد مسلمينا وإسلاميينا:

تعريف المفاهيم: الإسلامي التونسي هو مسلم يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية إسلامية (نهضاوي، سلفي غير داعشي، تحريري). الماركسي التونسي قد يكون مسلمًا أو ملحدًا يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية ماركسية-لينينية-ستالينية-ماوية (بوكت، وطد).

"الدين أفيون الشعوب"، جملةٌ فعلاً أخرِجت من سياقها. أنقل لكم سياقها كاملاً من كتاب ماركس الشاب (1818-1883)، الفيلسوف الأكثر عمقًا من ماركس الكهل. كتابٌ نشره سنة 1844 تحت عنوان "مقدمة لنقد الفلسفة وقانون هيڤل"، حيث وردت هذه المقارنة بين الدين والأفيون أي بين جنة اصطناعية وسعادة وهمية. قال: "البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضده. الدين هو صرخة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين أفيون الشعوب.".

هذه الجملة التي يُشهِرُها الماركسيون التونسيون خطأ في وجه المتدينين التونسيين كحكم غير قابل للاستئناف، هي جملةٌ استُعمِلت فيها كلمة أفيون كمرادف لكلمة تسليةٍ، تسليةٍ عن بؤس حقيقي وليس استبلاهًا أو عجزًا وجُبنًا. الأفيون (البؤس الديني) كوسيلةٌ نظيفة لطيفة للتخلص من حقيقة كريهة بغيضة (البؤس الحقيقي). الدين هو عبارةٌ عن لوحةٍ فنية جميلة تزيّن جدارًا قبيحًا كقبح عالَمِنا المعاصر. الدين هو التحصّنُ بعالَم اللامادة المقدّس هروبًا من عالَم  المادة المدنّس.

جملةُ ماركس ليست جملةَ إدانةٍ بل جملةُ فهمٍ دون تقديم تنازلات للايديولوجيات الدينية (L`intégrisme islamique). ماركس يقبل المتدينين كما هم، خاصة المقصين منهم اجتماعيًّا الذين لا ملاذ لهم إلا ملاذ الدين ولا صوت لهم إلا الشكوى للخالق.

الماركسيون التونسيون يلوّحون بالمسألة الدينية عند الأزمات كفزّاعةٍ (أستثني الدواعش التونسيين، فهُم ليسوا فزّاعةً بل هُمُ واقعٌ خطيرٌ مريرٌ ووبالٌ رهيبٌ على الإسلام والمسلمين والناس أجمعين)، يلوّحون بها للتغطية على المسائل الديمقراطية التي تقضّ مضاجعهم لقلة عددهم مقارنة بالإسلاميين.

ماركس لا يهتم بمعتقدات العمال بقدر اهتمامه بتحريرهم من رِبْقَةِ استغلال الرأسماليين الذين لا دين لهم حسب رأيه إلا دين الربح السريع، متدينين كانوا أو لا دينيين.

ماركس الشاب الحالِم رهيف الإحساس، قبل أن يطلب من الفقير المتدين التخلي عن حلمه المشروع بجنة سماوية ، يريد أن يهبه جنّة أرضية ويطمح إلى تحقيق فلسفة الدين فوق أرض دون دين.

وأنتَ أيها الماركسي التونسي ماذا قدمت للفقير المسلم التونسي ؟ خاصة بعد أن سفّهتْ التجربة السوفياتية حلم ماركس ؟ بعد ماركس، أصبح الحلم كابوسًا بفضل بركات ستالين وماو وبول بوت، وضحاياهم من العمال والفقراء يُعدّون بعشرات الملايين.

ماركس، كان مثاليًّا في طرحه إلى حد السذاجة لأنه أراد تخطّي الوجود البشري (La condition humaine) حيث يبدو البؤس قدرًا منزّلاً لا فصال فيه، والدين أفيونٌ لا غنَى للبشرية عنه. في وطننا يبدو لي أن للدين الإسلامي مستقبلٌ طويلٌ زاهرٌ، لا بل أزليٌّ دائمٌ كديمومة الخالق.

شقيقتي فاطمة (81 عامًا) ضريرةٌ منذ سن الست سنوات، مؤمنةٌ إيمانًا راسخًا أنه سيأتي يومٌ تُبصِرُ فيه وترى أمها بواسطة النور الإلهي، ترى أباها وإخوتها وأخواتها وأبناءهم، ترى صديقاتها وزميلاتها القدامى في معمل النسيج للمكفوفين بمدينة سوسة. ائتني بإيديولوجية تمنح لها هذا الأمل وأنا أتبعها صاغرًا لك ممنونًا !

خاتمة: يقول العامل المسلم التونسي (Le prolétaire) للماركسي التونسي: أرجوك يا رفيقي، أرأفْ بحالي، فأنا بلا إسلامٍ بشرٌ معاقٌ، تمهّلْ.. تريّثْ.. أو أعطني عكّازًا قبل أن تكسر عكّازي ! عكّازي هو عكّازٌ ربانيٌّ لم يُصنَع أفضل منه بعدُ.. ولن يُصنعَ ! عكّازٌ رفعني من الحضيضِ إلى السماء. ملجأ ألجأ إليه حيث لا تصلُ يدُ المتكبّرِ الظالِمِ.

العامل المسلم التونسي يضيف: صيحةُ "لا إله إلا الله" التي أرفعُها صباحًا مساءً ويوم الجمعة، أرفعُها في وجه الطغاة فترفعني إلى السماء السابع، سماء لا يطالها جبروت العباد، فضاء ينتقمُ فيه رب العباد ممن استباح دم العباد، فضاء تنعدم فيه  المذلّة والمسكنة، فضاء يُذلّ فيه كل ظلاّمٍ للعبيد، أم تراكَ تبغي أن تمنعني من الشكوى للخالق بعد ما بُليتُ بظلم المخلوق ؟ اذهبْ في حال سبيلك، أنت حرٌّ، لكنني -ورأفةً بك وبأمثالك- أنصحك نصيحةً صادقةً خالصةً لوجه الله، اتركْ هذه التجارة الخاسرة واشتغلْ فيما ينفعُ الناس، كل الناس دون تمييزٍ دينيٍّ أو عرقيٍّ أو إيديولوجيٍّ، واتركْ لي عكّازي فلا عكازَ لي اليومَ غيرهُ.

Source d`inspiration: Edwy Penel (cofondateur et président de Mediapart), Pour les musulmans, Ed. La Découverte, Paris, 2014, p. 135.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire