وأنا أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه و أتبنى نقده للدين المسيحي وأسلّطه بدوري دون تعسف أو إسقاط على الدين الإسلامي مع التأكيد على حقيقة ثابتة عندنا وهي أن "القرآن الحالي هو نسخة أصيلة لم تُحرّف" وأقول: فالدين الإسلامي ليس منعا وزجرا، أو ردعا وتخويفا، وإنما هو محبة أولا وأخيرا، على الأقل كما أفهمه وأتذوقه أنا وأؤمن به، أنا المتطفل المؤمن المحب المسالم المتسامح غير المتعصب وغير المختص في الدين. هذا هو جوهر رسالة القرآن، محبة وشفقة وإحسان في نظر النهضويين المؤسسين: أمثال الحنيف قس بن ساعدة ومحمد صلى الله عليه وسلّم، وأبو بكر الصديق والمجتهد الأول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو ذر الغفاري، رضي الله عنهم جميعًا، والمجددون الأوائل: أمثال الطبري والأئمة الأربعة وابن رشد وابن سينا والفارابي، والمثقفون المسلمون الجدد والمعاصرون: أمثال جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين ومحمد أركون وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي وآمال قرامي والطاهر بن عاشور والطاهر الحداد ومحمد الشريف الفرجاني ومحمد الطالبي وأبو يعرب المرزوقي وهاشم صالح ومحمد الغزالي وجمال البنا وغيرهم من النهضويين التنويريين. و قد غطت قشور التديّن وقوالبه الجاهزة والمتكلسة عبر القرون على الجوهر الثوري في الدين الإسلامي عند بنائه في القرون الوسطى، ولا بد من عزل هذه القشور وإزالتها لكي ينبثق الجوهر الصافي النقي من تحت الركام أو من تحت الأنقاض. بهذا المعنى فقد كان المذكورون أعلاه، مصلحين من الطراز الأول. فالإصلاح يتطلب أولا العودة إلى سيرة السلف الصالح لمعرفة كيف كانت على حقيقتها وأين حصل الانحراف عنها ومتى ؟ فهناك التدين في أوله وهناك التدين في آخره وشتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن تقويم الإعوجاج الحاصل في فترة من فترات التاريخ. ولهذا السبب اهتم المصلحون النهضويون الجدد بتطبيق المنهجية اللغوية والتاريخية على تأويل القرآن والحديث من أجل تطهيره من الشوائب والأخطاء البشرية التي لحقت به فيما بعد.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire