dimanche 6 février 2022

سيرةٌ ذاتيةٌ لمواطن تونسي عادي في أوضاعٍ تونسيةٍ غير عاديةٍ. مواطن العالَم والديداكتيك، عَلماني، روحاني، دارويني، متعدّد الهُويات، أصيل جمنة ولادة وتربية، يساري غير ماركسي

 

   

(marxiste repenti)

لم أذقْ طعمَ الجوعِ يومًا واحدًا في حياتِي، مولودٌ في واحةِ نخيلْ. جنوبي-صحراوي، لم يقرُصْني بردُ الشمال الغربي. بورﭬيبي التعليم (1958-1974)، لم أدفعْ ولو مليمًا واحدًا حتى ولو كان مقابلَ رسوم التسجيل: مبيتٌ مجاني، أكلٌ مجاني، تنظيف ملابس مجاني، كُتبٌ مجانية، كراساتٌ وأقلامٌ مجانيةٌ ومنحةٌ جامعيةٌ تساوي مرتب معلم في السبعينات أو أقل قليلاً. دراسةٌ مسترسلةٌ عاديةٌ انتهت بتعييني أستاذ إعدادي ثلاثة أشهر بعد التخرّج من الجامعة.

معارضٌ من بعيد قبل الثورة وبعدها، لم تمسسْني يومًا عصا البوليس ولا اختنقتُ لحظة بغازاته المسِيلة للدموع ولم أبحثُ يومًا في مركز شرطة ولم يعذبْني شرطيٌّ أو سجّانٌ.

كل المواقف السياسية القاسية، لم أعشْها ولكنني كنتُ أراقبُها من فوق برجِيَ العاجيَ.

المفارقة أنني أهوى النقدَ، الهدّامَ وليس البنّاءَ، والنقد عندي هدّامٌ أو لا يكون. نقدٌ يأخذُ مسافةً عريضةً من الواقع المَعيش، لا بل ينظر إليه من علٍ. علٍ مسموحٌ به اجتماعيًّا بحكم مهنتي كأستاذ، أستاذٌ -ككل الأساتذة- يعيش على هامش المجتمع، قدَري لم أخترْهُ، مُكْرَهٌ أخاكم لا بطلْ !

أنا من دعاةِ التحليل البارد ولستُ من مناصري الاحتجاج الغاضب. يبدو أن وضعيتي الاجتماعية وفّرت لي مسافة أمان من مناطق الصراع الساخنة.

من حسن الصدف أنني في عملي لم أكنْ رئيسًا ولا مرؤوسًا: عُينتُ مدير إعدادي مرتين ولكنني في المناسبتَين رفضتُ، قبل الثورة وبعدها. كاتبْ عام نقابة أساسية لدورتين ولم أترشح للثالثة لذلك لم يراودْني يومًا حقدٌ على أحدٍ.

أنا أبدو هادئًا وعاديًّا لأنني ربما لم أتعرّضْ يومًا لأشياء غير عادية رغم الأوضاعٍ غير العاديةٍ التي مرت بها تونس منذ 1952، سنة ولادتي. لم أتعرّضْ لِما تعرّضَ له بعض رفاقي اليساريون وبعض إخواني القوميون والإسلاميون، من قمعٍ وسَجنٍ وتعذيبٍ وتشريدٍ وتجويعٍ.

لو كانت السياسة هي تلطيفُ الغضب فأنا لطيفُ بطبعي بحكم انتمائي إلى طبقة البورجوازية الصغيرة اللطيفةُ أيضًا بطبيعتها.

النقدُ الفكريُّ هو مشاركتي الوحيدة في الحياة السياسية، نقدٌ يُلزِمني وحدي ولا يُلزِم أحدًا غيري، والسلام على مَن اتّبع الهُدَى، والسلام أيضًا على مَن لم يتّبِعْها، على أملِ أن يَهديه ربي يومًا ويتّبعُها !

 

 

Source d’inspiration (idée et moule du texte): Le Monde diplomatique, février  2022, extraits de l’article « Colère », par François Begaudeau, écrivain, p. 28.

 

 

إمضائي:

« Il faut essayer de faire les choses très sérieusement, mais pas se prendre au sérieux parce que vraiment, on n'est que de passage ». Robert Hossein

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 6 فيفري 2022.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire