jeudi 24 février 2022

العَلمانيون العرب

 

يبدو لي أن العَلمانيين العرب ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:

1.     العَلمانيون الليبراليون: هم الأغنياء العرب المسلمون والمسيحيون واليهود والملحدون  وفرقة من اليساريين. هم عادة ينتمون إلى طبقة البورجوازية الوسيطة بين الرأسمالية الغربية وخادمتها الرأسمالية العربية. يأخذون من العلمانية الغربية قشورها (مثل العادات المستوردة في نمط العيش المنبتّ) ولا يؤمنون بأهم مبدأ علماني وهو حرية الضمير والمعتقد ولا يحترمون إلا إيديولوجيتهم أو دينهم أو مذهبهم المحلي الضيّق. هؤلاء جميعا للأسف الشديد يمثلون أغلبية بين العلمانيين العرب.

2.     العَلمانيون القوميون والعَلمانيون الشيوعيون: أقصد الشيوعيين المُقصين للدين  المتأثرين بالستالينية أو المتأثرين باللائكية الفرنسية وريثة فكر الثورة الفرنسية المعادي للدين: نظام ستالين لم يكن نظاما علمانيا لأنه انحاز إلى عقيدة الإلحاد واضطهد المسيحيين والمسلمين واليهود ومنعَهم من ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية. أما مؤسسات الدولة الستالينية مثل الحزب الواحد وديكتاتورية البروليتاريا فهي مؤسسات تناقِض العلمانية وتصادِر حرية الضمير والمعتقد.

وأقصد أيضا القوميين الناصريين (نظام عبد النصر ونظام القذافي) والبَعثيين (نظام الأسد ونظام صدام وليس صدفة أن يُعجبَ هذا الأخير بزميله الديكتاتور ستالين): عندما استلم القوميون السلطة في العالم العربي أسسوا أحزابا على النمط الستاليني.

3.     العَلمانيون المستقلون: هؤلاء لسوء حظنا يمثلون أقلية. هم المؤمنون صدقا بحرية الضمير والمعتقد ويحترمون فعلا كل العقائد جميعا السنّية والشيعة والإباضية والمسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرتدوكسية واليهودية والبهائية والإلحادية واللاأدرية والبوذية والهندوسية. قد يكون من بينهم المؤمن والملحد على السواء. علمانيتُهم علمانيةٌ لا تهدف إلى إقصاء الدين أو استئصاله من المجتمع ذو الأغلبية المسلمة، علمانيةٌ تؤمن بالتعايش السلمي بين المواطنين التونسيين دون تفضيل لعقيدة على أخرى فالله وحده هو الأفضل والأكمل أما البشر مسلمون وغير مسلمين فهم ضعفاء خطاؤون ولا أفضلية لأحد على آخر إلا بالتقوى الدينية أو العلمانية، علمانيةٌ تتماهى مع مجتمعها وتفعل فيه من أجل ازدهاره وتقدّمه وإلحاقه بركب الأمم المتطورة، وكما قال الفيلسوف المغربي اليساري عبد الله العروي: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه"، علمانية غير ناكرة لجذورها الحضارية الأمازيغية-العربية-الإسلامية ومتصالحة مع مبادئ حقوق الإنسان الكونية وناقدة مغربِلة لتراثنا الغزير بغثه وثمينه. علمانيون يحِبون الجميع دون تفضيل ديني أو مذهبي أو قومي أو عرقي أو اجتماعي أو إيديولوجي. العلمانيةُ ليست عقيدة أو إيديولوجيا، هي نظام مجتمعي متسامح واسع رحِب تُصانُ وتُحترَمُ داخله العقائد والإيديولوجيات جميعا.

كيف لي أنا الـعـلماني الـيساري غير الـليبرالي وغير الـماركسي أن أكره صديقي المُصَلّي التقي الورع الشيعي أو الإباضي أو الـسُنِّي المالكي أو الحنبلي أو الشافعي أو الحنفي أو أنبذ صديقي الماركسي غير الانتهازي أو أفضّل نفسي على صديقي البهائي أو المسيحي أو اليهودي أو ألعن صديقي الملحد.

كيف لي أنا الـعـلماني أن لا أطير فرحاً من فرط سعادتي بأختي الكبرى الضريرة المستنيرة عند رجوعها من العُمرة في آخر يوم من أيام شهر شعبان. هل الحداثة أو ما بعدها أو العقلانية أو الماركسية أو الإلحاد تقدَر على منحها الأمل في استرجاع بصرها ؟ إيمانها بالقدر واليوم الآخر،  هو وحده القادر على إعطائها الأمل بتحقيق أكبر حلم كانت وما زالت تنتظره منذ 75 عاما منذ أن فقدت البصر وهي طفلة جميلة بريئة في سن الست سنوات: أن ترى بأم عينيها أمها وأبيها وإخوتها وأخواتها وجيرانها وأقاربها وصديقاتها الضريرات زميلاتها في معمل الكفيف بسوسة.

لا ألوم العرب غير العلمانيين على كرههم للعلمانيين العرب، العَلمانيون القوميون (عبد الناصر والقذافي والأسد وصدام وبومدين) والعَلمانيون الليبراليون (بورقيبة وبن علي)، حكمونا ولم يروا منهم إلا الإقصاء والقمع والاستئصال. ولا ألومهم أيضا على كرههم للعلمانيين الغربيين (مثل حكام أمريكا وأوروبا وإسرائيل) على ما فعلوه فيهم من استيطان واستعمار وقتل وتجويع وتشريد ونهب لثرواتهم الطبيعية وتهميش لثقافتهم ودينهم ولغتهم وسرقة بُذورهم الزراعية الأصلية واستغلال عرق عُمّالهم في المهجر وفي الداخل (قانون أفريل 1972) وتلويث بيئتهم المحلية بالعناصر الكيميائية غير القابلة للرسكلة البيولوجية الطبيعية (ڤابس وصفاقس). كنتُ مخطئا عندما لُمتُهم (العرب غير العلمانيين) على عدم عِرفانهم بالجميل لفرنسا وألمانيا وبريطانيا، الدول العلمانية في الداخل-الاستعمارية في العالم العربي، عندما آوت هذه الدول زعماء الإسلام السياسي وأكرمتهم، ولكن بعد "الربيع العربي" اكتشفتُ أن كرمَ الغرب كرمٌ مسمومٌ وتبيّن لي بالحجة الملموسة أنها كانت تعدُّهم لربيع مشؤوم،  تعدُّهم لنشر الفوضى المدمِّرة في سوريا وليبيا ونجحت في مسعاها الجهنمي  أيّما نجاح واستطاع المتطرفون الإسلاميون تدمير الدول العربية الأقرب للعلمانية تدميرا لم يقدر الغرب بجيوشه الاستعمارية المباشرة على تحقيق العُشرِ منه. الحكام الغربيون ليسوا علمانيين مستقلين حتى يُعِدّوا زعماءنا العرب لتقرير مصير شعوبهم وتحرير أراضيهم المحتلة في فلسطين ولواء الأسكندرون وسبتة ومليلة وجزيرتي طُنْب الصغرى وطُنْب الكبرى. في التاريخ، "العلمانية وَهمٌ لأن الرأسمالية لم تفصل بين اليهومسيحية والدولة، بل أوهمتنا بذلك وتاجرت بالعلمانية واغتنت بها" (نوال السعداوي، Tv. F24). يبدو لي أن القدوة الأقرب إلى علمانيتي هي العلمانية التي تجسمها اليوم الأنظمة العلمانية الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية.

من المؤسف جدا أن الصنف الثالث (العَلمانيون المستقلون) الذي أنتمي إليه كعَلماني يساري غير ليبرالي وغير ماركسي هو الصنف المضطهَد الأكبر من قِبل الغرب والعرب في نفس الوقت. يبدو لي أن العَلمانيين المستقلين هم أشخاصٌ مَكروهين من قِبل المسلمين العاديين ومُكَفَّرِين من قِبل الإسلاميين المتطرِّفِين ومَنبوذين من قِبل زملائهم من الصنفين العلمانيَّين الآخرَين (العَلمانيون الليبراليون والعَلمانيون اليساريون، شيوعيون وقوميون).


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire