samedi 3 mai 2014

تبسيط المفاهيم العلمية قد يجر التلميذ إلى الخطأ. مواطن العالم د. محمد كشكار

تبسيط المفاهيم العلمية قد يجر التلميذ إلى الخطأ. مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 29 نوفمبر 2008.

تتجاذب التفكير العلمي المعاصر مقاربتان المقاربة التحليلية (Approche analytique)  و المقاربة الشاملة   (Approche systémique  ).
 يقارن "جوآل دي روسناي" المقاربتين في كتابه "الرؤيا الشاملة" (Le Macroscope) صفحة  119.

1.     المقاربة التحليلية:
-         تعزل العناصر و تركز عليها.
-         تعتمد على الدقة في التفاصيل.
-         تبدل متغير واحد في الوقت نفسه.
-         مقاربة ناجعة عندما تكون التفاعلات خطية و ضعيفة.
-         تؤدي إلى التعليم التقليدي، يعني كل مادة تعليمية على حِده.

2.     المقاربة الشاملة:
-         تربط العناصر و تركز على التفاعلات بينها.
-         تعتمد على الإدراك الشامل للمسألة و الرؤية من كل الجوانب و لا تهمل أي زاوية من الزوايا مهما كانت ضعيفة
-         تبدّل مجموعات من المتغيرات في نفس الوقت.
-         مقاربة ناجعة عندما تكون التفاعلات غير خطية و قوية.
-         تؤدي إلى التعليم الحديث عبر تعّلمات المواد المشتركة مثلا الربط و الجمع في قسم واحد و فصل واحد بين تدريس الفيزياء و تدريس علوم الحياة و الأرض.

تكمن نجاعة المقاربة التحليلية السببية الخطية في بساطتها و سهولة استعمالها فهي مريحة و مطمئنة للإنسان لأنها ترسم علاقة خطية مباشرة بين السبب والنتيجة, مثلا: المرض نتيجة الجراثيم (قد يكون نتيجة دواء مثل مضادات الالتهاب) و السمنة نتيجة كثرة الأكل (قد تكون نتيجة قلة الحركة) والسلوكيات نتيجة الجينات (قد تكون نتيجة   التفاعل بين الجينات و المحيط.

رغم بساطتها أسهمت المقاربة التحليلية في تطور العلوم التجريبية كعلم الجراثيم و علم الوراثة لكنها أصبحت الآن عاجزة بمفردها عن تفسير بعض الظواهر المعقدة بل أصبحت عائقا في وجه التعلم لأنها تختزل العلاقة في سبب و نتيجة و تنسى أو تتناسى العلاقة الجدلية بينهما :  مثلا: المخ يؤثّر في السّلوك و السلوك يؤثّر في المخ, و المعلم يعلم التلميذ و يتعلم منه, و الإنسان يلوث المحيط و المحيط الملوث يضر بصحة الإنسان, الخ.

يعتمد بعض مدرسي البيولوجيا في تدريسهم لعلم الوراثة على المقاربة التحليلية السببية الخطية فقط. و في هذه الحالة تؤدي المقاربة الخطية إلى الحتمية الوراثية التي تؤكد أن كل جينة تحدد مسبقا صفة ما. و نحن نعرف أن الكائنات الحية معقدة بطبيعتها و كل عناصرها البيولوجية الداخلية متفاعلة فيما بينها و متفاعلة في الوقت نفسه مع المحيط الخارجي. إذا كانت الحياة معقدة بطبيعتها، فهل يمكن أن يكون تدريسها بسيطا ؟ اذا كان هذا التبسيط من أجل الضرورة البيداغوجية فالنتيجة عكسية لأن المعلومة غير العلمية ترسخ في ذهن التلميذ مثل المعلومة العلمية و يصعب تصحيحها في ما بعد كما ذكرت في مقالي السابق "التصورات الخاطئة لا تزول بسهولة".

عندما يعتمد المدرس المقاربة التحليلية الخطية يجد نفسه مجبرا على تبسيط الشبكات المعقدة:
 نأخذ مثلا علاقة الجينات بالصفات, صحيح أن لون العينين و فصيلة الدم صفتان محددتان مسبقا تماما بالوراثة وصحيح أيضا أن كثيرا من صفاتنا الشكلية كلون البشرة و السمنة و غيرها مكتوبة بصفة رمزية في الجينات لكن يجب علينا أن لا ننسى دور المحيط في تشكيل هذه الصفات فالأسمر تزيد سمرته أو تنقص حسب بيئتة و السمنة مرتبطة بالحمية و الحركة. لا يكمن الرهان على التحديد المسبق للصفات الجسمية الدنيا مثل لون البشرة بل يتمثل الرهان في تعميم هذه الحتمية الجينية على القدرات الذهنية فتصبح أفعال المرء وسلوكياته الاجتماعية نتيجة عوامل وراثية لا سلطة للمرء عليها مثلما يحاول بعض العلماء إيهامنا بأنهم اكتشفوا جينة إدمان الكحول و جينة الشذوذ الجنسي و جينة العنف و جينة الذكاء وحتى جينة الأيمان بالله (مجلة الحياة و العلم [ Science & Vie ] عدد 1055 أوت 2005   و قد أنتجت هذه المقاربة الخطية في علم الوراثة إطارا للتفكير (براديقم   paradigme) "الكل الوراثي" (paradigme du tout génétique) الذي هيمن على التفكير عشرات السنين لكن المنظّر في البيولوجيا "هنري اتلان" تنبأ بانهياره في كتابه "نهاية'' الكل الوراثي'' ؟ نحو براديقمات جديدة في البيولوجيا" الصادر في باريس سنة 1998.

تكمن غير علمية هذا الإطار للتفكير المسمى "الكل وراثي" في تاليه الجينات و التسليم بنتائجها, فالذكاء و الصحة هبة منها و المرض و العنف قدر مسلط منها. قد ينتج عن هذا النسق عديد المواقف غير العلمية,  فيصبح العنف والمرض و الذكاء وراثيا و ليس مكتسبا من التفاعل الاجتماعي. يبدو أن هذا البراديقم  المتسربل بالعلم ليس حياديا لأنه  يغلّب، في تفسيره للصفات الإنسانية، الجانب الو راثي على الجانب المكتسب. قد يؤدي الاعتماد على هذا البراديقم لتفسير أسباب المشاكل الاجتماعية كالعنف و الفشل الدراسي و تعاطي المخدرات إلى الاقتصار على العوامل الوراثية فقط و إهمال العوامل الاجتماعية المكتسبة.

خلاصة القول:
يتمثل تدريس البيولوجيا في تفسير الظواهر الطبيعية المعقدة و التركيز على التفاعلات التي تقع بين عناصرها المتعددة لذلك يحتاج المدرس إلى الاستعانة بالمقاربتين, التحليلية و الشاملة, لأن كل واحدة منها تكمّل الأخرى
يعتبر مفهوما التفاعل و التعقيد (l’interaction et la complexité) مفهومان مهمان في العلم يكملان مفهومي الخطية و التبسيط (la linéarité et la simplification)  و يؤسسان براديقم علمي جديد. هذان المفهومان الجديدان قد لا يسهلان فك رموز مسألة علمية ما بل بالعكس يعقدانها لكن في نفس الوقت يضعانها على الطريق السليم للوصول للحل العلمي. خذ مثلا الذكاء, فهو" وراثي % 100   و مكتسب%  100 " حسب المقولة الشهيرة لعالم الوراثة المشهور بنضاله الاجتماعي و مساندته العلنية لفاقدي السكن القار، العالم الجيني "ألبار جاكار". نرث عن والدينا مخا بشريا يتكون تقريبا من 10 مليار خلية عصبية. تقع داخل كل خلية مليارات من التفاعلات الكيميائية. الخلية ليست بمعزل عن محيطها فهي تتبادل معه مليارات من العناصر الكيميائية المتغيرة باستمرار. كل خلية قادرة على ربط 10 آلاف وصلة عصبية مع مثيلاتها. نكتسب من خلال تفاعلنا مع المحيط و حسب تجربتنا الشخصية مليون مليار وصلة عصبية (10   puissance  15 synapses)   تبنيها أو تعيد بناءها خلايانا المخية بعد الولادة. لنعلم أن عدد الجينات عند الإنسان حسب آخر إحصاء سنة 2001 لا يفوق 30 ألف جينة. نسبة %  98,9 منها مكررة أو صامتة أي لا دور معروف لها الآن و نسبة   1,1 % فقط  صالحة لصنع البروتينات. نصل إلى الاستنتاج التالي: النموذج التحليلي السائد « جينة واحدة تبرمج لصنع  بروتينة واحدة" لم يعد قادرا وحده على تفسير وجود عشرات الآلاف من البروتينات و مليارات الوصلات العصبية و مليارات الأجسام المضادة المكونة لمناعة الجسم المتطورة و المتجددة حسب تعرض الجسم لمضار الأجسام الدخيلة من جراثيم و بروتينات أجنبية و جزيئات معدنية ملوثة.

و أختم هدا المقال بطرح الإشكالية التالية: كيف ندرج المقاربة الشاملة في كل مستويات التعليم التونسي حتي لا تطغى المقاربة التحليلية وحدها على التفكير العلمي ؟

إمضاء م. ع. د. م. ك.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال ناقص أو سيء نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire