samedi 13 juillet 2013

الاتحاد العام التونسي للشغل: هل هو منظمة حزبية أو نقابية أو اجتماعية أو ثقافية، أو أربعة في واحد، أو أربعة في صفر؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

الاتحاد العام التونسي للشغل: هل هو منظمة حزبية أو نقابية أو اجتماعية أو ثقافية، أو أربعة في واحد، أو أربعة في صفر؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 13 سبتمبر 2012.

مقدمة و تنازل، لا أقدمه إلا نادرا و إن قدمته فللأصدقاء النقابيين المناضلين القاعديين الصادقين فقط:
هذا تنازل، أقدمه عن حب و طواعية إلى أصدقائي و رفاقي النقابيين المناضلين القاعديين الصادقين فقط، بعد عشرة طويلة معهم، دامت زهاء الثلاثين سنة من النضال القاعدي المشترك من أجل مصلحة الأستاذ و من أجل إصلاح المنظومة التربوية و التعليمية التونسية.

لذلك أرحب و أنتظر - أيها القراء الأعزّاء -  ردودكم الدفاعية المشروعة عن منظمتكم العتيدة، قلعة النضال القاعدي، الاتحاد العام التونسي للشغل، المنظمة الوحيدة، للأسف الشديد، التي أثبتت قواعدها و لو نسبيا مشاركتها الفعالة و الاستباقية في ثورة 14 جانفي 2011 المجيدة و أكدت انحيازها المطلق إلى طبقة العمال بالفكر و طبقة العمال بالساعد، و حاولت الدفاع عن مصالحهم المادية و الأدبية. و لن أستغرب تعليقاتكم العدوانية أو المتشنجة المنتظرة، لكن أرجوكم فقط أن تمنحوني مهلة زمنية - مع الإشارة أنني أعي أن طلبي مستحيل التحقيق - و ترجئوا حكمكم القاسي إلى حين لأنني شبه واثق أنكم ستغيرون رأيكم عندما تصلون إلى سن التقاعد و تجلسون على الربوة مثلي و تتجردون من ضغط المصالح الذاتية الضيقة، و لكم مني أجمل التحيات حتى و لو هاجمتموني بقسوة أو شتمتموني بتعال، و لو كنت في سن الشباب لفعلت مثلكم. أحبكم و أحترمكم، بغثكم و سمينكم، و أشدّ على أياديكم و أبوس الأرض تحت نعالكم، أيها النقابيون المناضلون القاعديون الصادقون أما النقابيين القياديين المحترفين الانتهازيين فلا و ألف لا.

ملاحظة منهجية:
رجاء، من فضلكم لا تحمّلوني ما لا أتحمل، أنا لست صحافيا و لا كاتبا محترفا و لا ناشطا سياسيا مدوّنا و لا داعية أيديولوجي أو فكري و لم و لن أدعي أن مقالي هذا أو باقي مقالاتي السياسية أو النقابية أو الثقافية أو التربوية ترتقي إلى المواصفات العلمية الدنيا أو ترضخ لأخلاقيات المهنة الصحفية التي يجب على كاتب المقالات الصحفية أن يتقيد بها. أنا كاتب هاو، يكتب لنفسه من أجل السعي إلى تحقيق متعته الفكرية، لا أكثر و لا أقل، و لا يعنيني البتة إن قرأني واحد أو ألف لكن يسرني جدا أن تحصل نفس المتعة الفكرية لدى قرّائي الكرام فالمعذرة مسبقا إن أسأت دون قصد لبعض النقابيين الصادقين و المصدّقين للدور "النضالي" للاتحاد العام التونسي للشغل على شاكلته الحالية.

هذا انتقاد شخصي لا يلزم أحد غيري، و هو عبارة عن رأي محدود و متواضع من نقابي قاعدي نكرة لم يواكب مسيرة الاتحاد من أوله إلى آخره، رأي ناتج عن تجربة نقابية شخصية متواضعة و محدودة في الزمان و المكان و المكانة. وجهة نظر شخصية بحتة تحتمل الخطأ أكثر مما تحتمل الصواب، لأنها غير مبنية على بحث نقابي أو اجتماعي جدي أو دراسة علمية أكاديمية، و إنما هي مجرد انطباعات ذاتية حامية نابعة من ضمير نقابي غيور على القاعدة النقابية بهياكلها الدنيا و الوسطى و العليا المنتخبة ديمقراطيا، و لكنه ليس غيورا على القيادة أو البيروقراطية النقابية، ممثلة في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي لا أرى لوجوده أي جدوى أو نجاعة أو فاعلية، و لا أرى أيضا أنه جلب أو سيجلب مصلحة أو منفعة أو خدمة لمنخرطي الاتحاد القاعديين من العمال بالفكر و الساعد، و الذي يدعي زورا و بهتانا تمثيلهم و هو في الواقع لا يمثل إلا نفسه و لو ألغيناه تماما لما لحق بقواعد الاتحاد العام التونسي للشغل و نقاباته العامة أي ضرر، بل العكس فغياب المكتب التنفيذي سيرجع القرار إلى أصحابه من النقابات الأساسية و النقابات الجهوية و النقابات العامة،  و ينزع سلطة رهيبة من مجموعة صغيرة احتكرتها منذ الاستقلال. و عوض أن يقتصر دور المكتب التنفيذي - المرتقب مني أنا، على الأقل - على التنسيق و التوفيق بين النقابات العامة في مختلف القطاعات المهنية، تجاوز هذا المكتب دوره المستحسن و  نصّب نفسه ناطقا رسميا باسم الطبقة العاملة كما أراد له مؤسسوه و الطفيليون و الانتهازيون و المنتفعون و المتمعّشون منه و وظف سلطته "الشرعية بالانتخابات شبه الديمقراطية و شبه المزيّفة رمزيا" لقمع الطبقة العاملة و تدجينها، و استغل نفوذه لخدمة خصوم الطبقة العاملة الممثلين في نظام بورقيبة و بن علي و في أصحاب رؤوس الأموال الوسطاء الانتهازيين الجشعين غير الوطنيين، متخليا عن دوره الذي خُلق و نُصّب من أجله، ألا و هو خدمة العمال التونسيين بالفكر و الساعد و الحفاظ على مصالحهم، على قلّتها و علّتها.

أما ذكر و تعداد إيجابيات الاتحاد العام التونسي للشغل (و مواقف مكتبه التنفيذي النضالية القليلة)، فهي عديدة و متنوعة لكن لا تدخل في الواجب الذي نذرت نفسي من أجله و الذي يتمثل أساسا في الانتقاد قبل النقد و في الكشف عن الخور قبل تقديم البديل الذي لا أملكه لوحدي، و يتمثل أيضا في وضع اليد على الجرح و تنظيفه و تعقيمه ضد الجراثيم قبل أن يُصاب العضو بالغنغرينة، أو يتغير مركز المرض و ينتقل و ينبث و يستشري كالسرطان في باقي أعضاء الجسد و حينئذ - لا قدّر الله - لن ينفع العقار في ما أفسده الدهر.

لمحة ضرورية عن سيرتي النقابية الذاتية:
انخرطت في النشاط النقابي للتعليم الثانوي منذ سنة 1976، شاركت في تأسيس أول نقابة  أساسية في قطاع التعليم الثانوي بمعتمدية غار الدماء حيث شاركت في التأطير و الإشراف على  كل الإضرابات و الاحتجاجات التي وقعت بالمدرسة الإعدادية الوحيدة آنذاك حتى موفى سنة 1980. ساهمت كعضو في إعادة هيكلة النقابة الجهوية بجندوبة سنة 1978.

سافرت إلى الجزائر كمتعاون فني، لم أشارك في أي إضراب على مدى 8 سنوات مدة التعاون الفني لسببين اثنين: أولا، لأنه لم يقع أي إضراب في التعليم الجزائري من 1980 إلى 1988 على الأقل في المعاهد التي درّست بها، ثانيا، حتى و لو وقع إضراب فليس لنا الحق كأجانب أن نشارك فيه.

دخلت معتمدية حمام الشط سنة 1992، شاركت في تأسيس أول نقابة أساسية و توليت كتابتها العامة لدورتين اثنتين لا ثالث لهما بإصرار و إلحاح مني على عدم التثليث إيمانا و تطبيقا لمبدأ التداول على السلطة، مهما كان نوع هذه السلطة و مهما كان المنصب محليا أو جهويا أو وطنيا. طوال عشرين سنة بالاتحاد الجهوي للشغل بن عروس، شاركت في التأطير و الإشراف على  كل الإضرابات و الاحتجاجات التي وقعت في معهد برج السدرية و لم يفتني تقريبا أي اجتماع أو وقفة احتجاجية أو تجمع نقابي جهوي في بن عروس أو وطني في ساحة محمد علي.

مهّدت لهذا المقال الفكري الانتقادي بهذه المقدمة حتى لا يُظنّ بي سوءا أو أُحسَبَ على جهة منافسة للاتحاد أو أُعتبَر صاحب أجندة معادية أو منافسة للاتحاد. أنا ابن الاتحاد البار حتى و لو كنت قاسيا في انتقادي لمؤسساته و دواليب سيره و هياكله، لذلك أصرّ على التعبير عن  احترامي لكل المناضلين النقابيين الصادقين النزهاء الذين اشتغلت معهم داخل الاتحاد الجهوي للشغل المناضل بجندوبة و داخل الاتحاد الجهوي للشغل المناضل ببن عروس طيلة 28 سنة، و أتمنى أن لا يأخذوا انتقادي اللاحق في هذا المقال بحساسية ذاتية بل أرجو أن يتفهموه - على الأقل - إذا لم يقبلوه. و في الآخر، على كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي، و أكرر أن مقالي هذا لا يدعي أنه يرتقي إلى المواصفات العلمية في التحقيقات الصحفية بل هو مجرد انطباعات نقابي يدعي أنه تقدمي، نقابي يحب أصدقاءه و رفاقه النقابيين و من فرط حبه لهم ينتقد بشدّة و حدّة منظمتهم العتيدة و خاصة مكتبها التنفيذي.

ما هي نقاط الضعف في الاتحاد العام التونسي للشغل حسب وجهة نظري و حسب وجهة نظر زميل (أستاذ فلسفة قدير متقاعد، خريج ما قبل تعريب الفلسفة في الثانوي و الجامعة)؟

1.     هل فشل الاتحاد العام التونسي للشغل في تحقيق أهداف رسالته النقابية المطلبية المادية؟
دخلت التعليم عام 1974، بدأت بمرتب شهري قدره 70 دينار و اليوم، 2012، أتقاضى 1100 دينار، بعد أقدمية 38 سنة في هذه المهنة النبيلة. دخلت فقيرا و سأخرج قريبا إلى التقاعد فقيرا أيضا.

تمتعت بالزيادة في الشهرية، زيادة تتلوها زيادة، نتيجة "مكاسب النضالات النقابية المعتبرة"، زيادات هزيلة لا يفوق أكبرها 30 دينار. و قبل أن تُصرَف الزيادة المتأخرة الدفع دوما، يهلل ارتفاع الأسعار فرحا لامتصاصها. زيادات لا تسمن و لا تغني من جوع، و لم أشعر يوما أنها حسّنت في مستوى معيشتي اليومي أو رفعت و لو درجة واحدة من مقدرتي الشرائية التي تتدهور باستمرار في حين أن موظفين أقل مني شهائد و خبرة يشتغلون في البنوك و الشركات يتقاضون 17 أو 20 أو 22 شهرية في العام. أأكتب أم أنفجر أم أموت كمدا؟

يقولون: اِحْمَدْ ربك و انظر لإخوانك الذين هم أقل منك مرتبا.
أقول: الحمد لله الذي لا يُحمدُ على مكروه سواه.

لكن أنا واثق أن ليس للنضالات النقابية أدنى استحقاق في التحصل على هذه الزيادات، هي زيادات طبيعية، زيادات الحاكم في القطاع العام و في القطاع الرأسمالي الخاص، و ليس صدفة أن يسميها النقابيون القاعديون "زيادة الحاكم"، زيادة لتحقيق السلم الاجتماعي للحاكم و للرأسمالي معا و ليس للعامل بالفكر و الساعد، فهذا الأخير لم و لن يتمتع في حياته بسلم اجتماعي ما دام في العالم نظام رأسمالي مجحف و متوحّش، تسوسه دولة لا تؤمن بالعدالة الاجتماعية. أرنو إلى العيش تحت نظام الدول الأسكندنافية، دول ديمقراطية، دول تقدمية حققت نسبة كبيرة من العدالة الاجتماعية لمواطنيها و رعاياها و ضيوفها و المهاجرين الوافدين عليها دون نضالات نقابية تُذكر لهم. و رجاء، لا تنسوا:

-         رجاء لا تنسوا أن الرأسمالي يعيش و يكسب و يكنز من حلاله و حرامه بفضل القيمة التي أضافها العامل إلى السلعة الخام و بفضل مرتب العامل الذي يمنحه مرتبا باليمين ليسلبه منه باليسار مقابل سلعة مفروضة و مغشوشة كالأغذية الملوّثة و الأدوية المعطّرة بتأثيراته الجانبية الفتاكة، يشتريها العامل من السوق بثمن باهظ مرتفع و مُشطّ.  يعامل الرأسمالي أجيرَه العامل معاملة أقسى من معاملة العبيد و الحيوانات الأليفة التي يُطعمها صاحبها لكي تعيش و تعمل أكثر ليستغلّها أكثر.

-         رجاء لا تنسوا أن النقابات خُلِقت في العالَم الرأسمالي من قبل البورجوازية لتدجين العمال و إحكام السيطرة على مصيرهم و مستقبلهم المظلم.

-         رجاء لا تنسوا أن الأنظمة الديمقراطية و الديكتاتورية على السواء تنزعج أيّما انزعاج من الإضرابات الفوضوية و العفوية غير المنظمة ألف مرّة أكثر من خوفها من برقيات الإضراب المطيعة التي تسبق موعد الإضراب الشرعي و القانوني بعشرة أيام.

-         رجاء لا تنسوا أن الثورات، مثل ثورة 14 جانفي 2011 التونسية المجيدة، قام بها و نفّذها و مات و استشهد و جُرحَ من أجلها المهمّشون و المعطلون عن العمل و المثقفون الفقراء أمثالي و أمثالك و لم تقم بها الأحزاب و النقابات المنظمة تنظيما حديديا.

-         رجاء لا تنسوا أن النقابات في الدول الرأسمالية تعمل من حيث تشعر و لا تشعر لتأبيد النظام الرأسمالي و لا تنسوا أن النقابات "الصفراء" في الدول الشيوعية عملت كبوليس سياسي يعدّ أنفاس العمّال و يبلّغ على أقل تحرّك نقابي عفوي قبل وقوعه، و ليس صدفة في تونس أن تدفع الدولة أجور النقابيين المتفرّغين للنضال النقابي، و يدفع الرأسماليون التونسيون ثمن التربصات النقابية لعمالهم في الجامعة النقابية لمالكها "بِن قيزة". هل فقدت الدولة و فقد الرأسماليون الحكمة و الصواب حتى يعطوا مرتبات و يمنحوا تربصات على حسابهم لنقابيين يعملون ضدهم؟ لا، لم يُجَنُّوا و لم يفقدوا صوابهم فهم أدرى بما يبذله النقابيون "اليساريون" "الطلائعيون" "المستقلّون" "المناضلون" من أجل الحفاظ على مصالح مؤجريهم و أولياء نعمتهم، و في الوقت نفسه يقوم النقابيون المحترفون بإيهام العمال المنخرطين في النقابات و يشعروهم خطا بأنهم يناضلون من أجل تحسين مستواهم المادي و هو فعليا لا يتحسّن.

-         رجاء لا تنسوا أن الدولة التونسية "الغافلة" و "المغفلة" تقوم على السهر "مجانا" على ترقية أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل و تنصِّبهم دون أقدمية أو كفاءة في مراتب مديرين و مديرين عامين في قطاعات لا تمت إلى اختصاصهم بصلة، و تسهّل لهم "دون فائض أو بفائض زهيد" القروض و المنح و تمكّنهم من السفر إلى الخارج في مهمات "نقابية" "نضالية"، أقل ما يُقال فيها أنها مشبوهة نقابيا.

لكل هذه الأسباب المذكورة أعلاه، يبدو لي أن الانخراط في النقابات على مستوى العالَم بات في تناقص سريع و خير دليل على صحة هذا الطرح أن 6 أو 7 في المائة فقط من عمال القطاع الخاص في تونس منخرطون في الاتحاد العام التونسي للشغل.

نظرة بَعْدِيَّة تقييمية للإضرابات العمالية في القطاع العام عموما و في وزارة التربية خصيصا:
-         رغم أنني ضحيت من أجل تلامذتي و من أجل  رفع مستواي العلمي و التعلّمي و أدائي البيداغوجي و ذلك بمواصلة تعليمي العالي - بعد تخرّجي كأستاذ إعدادي - خلال 11 سنة في الجامعات التونسية و الجامعات الفرنسية المرموقة كجامعة كلود برنار بليون 1، إلا أنني أحس بندم كبير و إحساس بالذنب الذي اقترفته في حق تلامذتي، ذنب يتمثل في تغيبي الإرادي عن حصصهم العلمية و مكوثي في قاعة الأساتذة أيام الإضرابات المطلبية الأستاذية المتعددة. مع الإشارة أنني لم أندم على تغيبي الناتج عن الإضرابات الفجائية العفوية غير المؤطرة نقابيا، التي نظمتها أنا بنفسي و أشرفت على إنجازها و إنجاحها شخصيا من أجل حفظ كرامة الأسرة التربوية المباشرة، أساتذة و إداريين. وددت لو نظم النقابيون أنفسهم و شعروا بالذنب مثلي، لكن في الإبان و قبل فوات الأوان، و قدموا مسبقا روزنامة تعويض يوم الإضراب و قبل 10 أيام كما يقدموا برقيات الإضراب إلى الوزارة. هل يُعقل أن نهدد وزارة التربية من أجل تحسين مرتباتنا و نضغط عليها عن طريق أضعف حلقة في المنظومة التربوية و هي التلميذ البريء و نحرم هذا الأخير من النهل من العلم و المعرفة، مثلنا كمثل عامل في شركة الكهرباء أو شركة الماء، يضغط على وزارته بقطع الماء و الكهرباء على المواطنين الأبرياء. و في المقابل  و طوال ثلاث عشريات من تواجدي في نقابة الثانوي، لم ينفذ الأساتذة إضرابا إداريا واحدا و إنما لوّحوا به عديد المرات تلويحا غير جدي. لو خُيّرت بين الإضراب العادي و الإضراب الإداري لاخترت الثاني لانعدام الإضرار فيه بمصلحة التلميذ العلمية و المعرفية. و الأغرب أن جل إضراباتنا لم تهدد الوزارة بل يبدو لي أن هذه الأخيرة تعودت عليها بل أصبحت ترحّب بها من أجل اقتطاع يوم عمل، اقتطاع مليارات تستغلها الوزارة لحل أزماتها المالية و ربما تستعملها لتأثيث مكاتب موظفيها السامين البيروقراطيين. لم نضرب يوما إضرابا منفردا من أجل تغيير البرامج أو إصلاحها لفائدة التلميذ و دفاعا عن مصالحه المهملة من قبل الأساتذة، و لم نضرب يوما إضرابا منفردا من أجل الحد من غطرسة المتفقدين. للشهادة و الأمانة، طلبت مرة مقابلة وزير التربية منصر الرويسي بصفتي النقابية و العلمية من أجل مطالبة الوزارة بإضافة نظرية علمية حديثة اسمها "المكتسب يترك بصماته البيولوجية على التركيبة المجهرية الموروثة للمخ
Le nouveau paradigme de l’ « épigenèse cérébrale » qui complète l’ancien et dominant paradigme du « tout génétique » dans l’enseignement actuel de l’anatomie microscopique et de la physiologie du cerveau
و أذكُر أنه قال لي الوزير المحترم آنذاك: "أول مرة يطلب مقابلتي نقابي من أجل مسائل تربوية بحتة" مع الإشارة أن هذه النظرية الجديدة نسبيا دخلت في برنامج السنة ثالثة ثانوي، عام قبل الباكلوريا، في فرنسا عام 2001.

-         عندما يُضرب العمال في مصنع قطاع خاص، قد يهددون بفعلهم هذا، صاحب المصنع في ربحه و لا يهددون المصلحة العامة إلا بصورة غير مباشرة. لكن عندما يُضرب عمال القطاع العام فالمتضرر الأول و الأخير هو الشركة العمومية التي يدفع مصاريفها و يتحمل خسائرها المواطنون العاديون الأبرياء دافعي الضرائب من أمثالي و أمثالك. هذه ليست دعوة لعدم المطالبة بالحقوق في القطاع العام لكن على النقابيين التجديد في أساليب نضالهم دون المساس بالمصلحة العامة أو الإضرار بالملك العمومي المشترك.

2.      هل فشل الاتحاد العام التونسي للشغل في تحقيق أهداف رسالته الحزبية؟
يبدو لي أنه فشل فشلا ذريعا على جميع المستويات:
- يتمثل المستوى الأول في الإقصاء المتعمد للإسلاميين من حقل العمل النقابي على المستوي المحلي و الجهوي و الوطني على مدى 23 عاما من حكم بن علي. و من حق هؤلاء الأخيرين اتهام الاتحاد العام التونسي للشغل و اليسار الناشط داخله بالتواطؤ مع نظام بن علي، طيلة حكمه الديكتاتوري. أظن أنها ليست صدفة أنني لم أصادف في حياتي النقابية الطويلة مشاركة إسلامي واحد في أي نقابة تعليم ثانوي في الاتحاد الجهوي للشغل بجندوبة أو ببن عروس.
- يتمثل المستوى الثاني  في عدم نجاح اليسار في استغلال الفرصة المتاحة له مجانا لنشر فكره و مبادئه الاشتراكية حول العدالة الاجتماعية و حقوق الإنسان. فوّت اليسار على نفسه فرصة ذهبية، فرصة استفراده بالسلطة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل على مدى ثلاثة عقود، فرصة تاريخية لن تتكرر بحول الله مرتين.
- يتمثل المستوى الثالث في عدم تشريك المرأة مناصفة في الهياكل النقابية شبه المنتخبة و شبه المنصبة (أنا أشهد أنني شغلت و لمدة دورتين متتاليتين خطة كاتب عام شبه منصب و شبه منتخب في نقابة أساسية للتعليم الثانوي بحمام الشط).
- يتمثل المستوى الرابع في عدم تطبيق مبدأ التداول على السلطة (أنا أشهد أنني شغلت و لمدة دورتين متتاليتين خطة كاتب عام في نقابة أساسية للتعليم الثانوي بحمام الشط و بعدها تنحيت طوعا عملا بمبدأ التداول على السلطة). بإلحاح و إصرار يطالب، النقابيون القاعديون و المتوسطون، من أعضاء المكتب التنفيذي تطبيق الفصل العاشر المنادي بعدم التجديد لفترة ثالثة و ينسوا أو يتناسوا أنفسهم و أكثرهم قد قضى في تحمل المسؤولية النقابية في الهياكل الأساسية و الجهوية و الوطنية أكثر من 10 سنوات و فيهم شخص طيب أعرفه جيدا، سامحه الله، تحمل المسؤولية على رأس نقابة عامة لمدة 19 عام تقريبا و لا زال جاثما على رأسها و رأس منخرطيها حتى اليوم.

3.      هل فشل الاتحاد العام التونسي للشغل في تحقيق أهداف رسالته الاجتماعية؟
أما هذا الملف، فلن أكتب فيه كثيرا، لا لأنه غير مهم بل لأن الاتحاد لم يهتم به تماما، على الأقل، في قطاع التعليم الثانوي، لم تسعَ نقابتنا العامة الموقرة إلى توفير أراضي صالحة للبناء بأسعار معقولة للأساتذة الفقراء أمثالي و أمثالك. في المقابل أعرف أن نقابة الشباب و الطفولة تبنت تعاضدية الشباب و الطفولة و افتكتها قبل الثورة من التجمعيين و بمساعدة الاتحاد العام التونسي للشغل و محامييه و مكتبه التنفيذي، و تمكنت من الحصول على قطعة أرض ببرج السدرية و قسمتها و باعتها بأثمان معقولة لمنخرطيها و عمّ الخير بعض النقابيين من أساتذة الثانوي المحظوظين الذين ساندوا نقابة الشباب و الطفولة في نضالها الاجتماعي رغم أن بعض منخرطي الشباب و الطفولة حُرموا من التمتع بحقهم في هذا المكسب النقابي العظيم. أوجه تحية بهذه المناسبة إلى هذه النقابة العامة الفذّة و المناضلة اجتماعيا بحق و حقيقة.

4.     هل فشل الاتحاد العام التونسي للشغل في تحقيق أهداف رسالته الثقافية؟
على حد علمي، يبدو لي أن هذا الملف فارغ أيضا، لكن للأمانة العلمية، عشت أخيرا تجربة رائدة و فريدة من نوعها في الاتحاد الجهوي المناضل و المهتم بالشأن الثقافي ببن عروس تحت قيادة الصديق و الزميل المناضل محمد المسلمي و من بعده محمد علي بوغديري، تتمثل هذه التجربة في تأسيس "نادي جدل"، نادي أثثناه بعشرة أو عشرين محاضرة علمية و ثقافية على مدى سنتين تقريبا و للأسف الشديد تجمد نشاطه تقريبا بعد الثورة لأسباب أجهلها و خارجة عن نطاقي.

5.     تجارب وددت أن يخضها الاتحاد العام التونسي للشغل و لم يخضها؟
-         وددت أن تتأسس داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، نقابات الكوادر العليا في الوظيفة العمومية و ذلك من أجل مساعدة زملائهم العمال بالفكر و الساعد على صياغة الاتفاقيات الشغلية حتى لا تغالطهم وزاراتهم المعنية و تستغل جهلهم بقوانين الشغل و حساب المرتبات و المنح و المردود المالي للترقيات. حسب قول أحد هذه الكوادر، قال إنهم حاولوا تأسيس نقابة في قطاعهم العام فاستشار عبد السلام جراد الرئاسة فأجابته بالنفي و هددته من مغبة تكرار الطلب أو المحاولة.

-         وددت تأسيس حزب عمالي كبير نابع من الاتحاد العام التونسي للشغل، حزب متعدد الأيديولوجيات لكن موحد الأهداف من أجل مصلحة العمال السياسية. حزب يسند الاتحاد و يسنده الاتحاد.

6.     الخاتمة:
هل أنا أجبت على سؤالي الذي طرحته بنفسي في العنوان أعلاه؟ و مَن أكون أنا جنب الاتحاد العام التونسي للشغل، فضاء الحرية و ساحة المظاهرات و قلعة النضال و رئة اليساريين التي بدونها لن يتنفسون، مَن أنا، أنا الذي تنشقت هواء الحرية و الاستقلالية في ردحات دور الاتحاد و تحت غطائه و حمايته، هل أنا ابن عاق؟ قد يكون. لكنني حتى و إن كنت كذلك فعقوقي يصبّ في النهاية لمصلحة الاتحاد العام التونسي للشغل و لفائدته و لو كره الجاحدون، حرّاس المعبد و القائمون عليه. عقوق أسعى إلى توظيفه لمنفعة أبي - أبي الاتحاد العام التونسي للشغل، أبي الذي لم أختره كأبي البيولوجي و ليس لي أبا نقابيا غيره، مكره أخاكم لا بطل -  و ليس ضده و إن فعلها غيري فلست مسؤولا عن سوء نيته. مَن أنا حتى أجيب على سؤال بمثل هذه الأهمية؟ لكنني ساهمت و بما أقدر في إضاءة ركن أحسبه كان مظلما في تاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل و السلام و الاحترام على كل النقابيين بما فيهم أعضاء المكتب التنفيذي الحالي الجدد و جلهم أصدقائي و رفاقي و لي فيهم ثقة كبيرة في إحداث تغيير ثوري داخل مؤسسة الاتحاد العام التونسي للشغل خاصة على مستوى قانونه الداخلي المتكلّس و المحنّط منذ 66 عاما منذ عهد مؤسسه الزعيم الشهيد فرحات حشاد.

البصمة الفكرية م. ع. د. م. ك
بكل شفافية، أعتبر نفسي ذاتا حرة مستقلّة مفكّرة  و بالأساس مُنتقِدة، أمارس قناعاتي الفكرية بصورة مركبة، مرنة، منفتحة، متسامحة، عابرة لحواجز الحضارات و الدين و العرق و الجنس و الجنسية و الوطنية و القومية و  الحدود الجغرافية أو الأحزاب و الأيديولوجيات.
على كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف المادي أو اللفظي أو الرمزي.
إمضاء مواطن العالَم، مسلم، عربي، تونسي، يساري غير ماركسي.

Mes deux principales devises dans la vie, du moins pour le moment 
-         Mohamed Kochkar : faire avec les conceptions non scientifiques (ou représentations) pour aller contre ces mêmes conceptions et en même temps auto-socio-construire à leurs places des conceptions scientifiques
-         J. P. Sartre : Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire