lundi 22 juillet 2013

في عهد بورقيبة و عهد بن علي، كنا لأركان النظام و أذرعته في أجهزة الدولة معارضين و منتقدين، فما بالنا اليوم و بعد الثورة المغدورة أصبحنا لنفس العِصِيّ الغليظة موالين و عليها مدافعين شرسين متحمسين ؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

في عهد بورقيبة و عهد بن علي، كنا لأركان النظام و أذرعته في أجهزة الدولة معارضين و منتقدين، فما بالنا اليوم و بعد الثورة المغدورة أصبحنا لنفس العِصِيّ الغليظة موالين و عليها مدافعين شرسين متحمسين ؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

1.     الشرطة و قوات "البوب" و الحرس و الديوانة و حراس السجون:
كنا نقول عنهم أجهزة بطش و ظلم و قمع، و اليوم و بين 14 و 15 جانفي 2011، أصبحنا نريدهم أمنا جمهوريا بين عشية و ضحاها، و صدقناهم في شعارهم "أبرياء أبرياء من دماء الشهداء"، نسينا بسرعة ما فعلوه بنا في المراكز المحلية و الجهوية و في أقبية وزارة الداخلية و في السجون و في مراكز العبور الحددودية. فمن شرّد يا ترى و احتقر و عذب و قتل و نفى و طارد و سجن و فتش و أهان عشرات الآلاف من المناضلين القوميين و اليساريين و الإسلاميين و الليبراليين و الحقوقيين و المواطنين العاديين، المتهمون كلهم قبل أن يرتكبوا أي جرم؟

2.     الجيش:
كنا نقول عنه جيش النظام، و اليوم و بين 17 ديسمبر 2010 و 15 جانفي 2011، و بعد حياده السلبي أثناء الثورة (لا يقتل بل يتفرج و يترك قوات التدخل و القناصة المجهولين حتى الآن تقتل المتظاهرين العزل الأبرياء)، أصبحنا نريده جيشا وطنيا بين عشية و ضحاها، و صدقنا رئيس أركانه في كذبته "لا أعرف ما يجري في جبل الشعانبي على مدى عام كامل"، "رُبَّ عذر أقبح من ذنب"، نسينا بسرعة مساندته الفعّالة للديكتاتورية البورقيبية و البنعلية. فمن قتل منا يا ترى العشرات أو المئات في الانتفاضتين الشعبيتين سنة 1976 و سنة 1984؟

3.     الحزب الحاكم المنحل صوريا، التجمع الدستوري الديمقراطي:
كنا نقول عنه عيون لا تنام و لا تترك مَن ينام، و لجان يقظة تحرس النظام من غضب الشعب، و رادارات وشاية تعد أنفاس المعارضين العزل السلميين، و اليوم و بين 14 و 15 جانفي 2011، أصبحنا ضد إقصاء المنتسبين إليه من الحياة السياسية بعد ما أقصونا هم من الحياة البيولوجية، بل وصل بنا السقوط و الانحطاط إلى تمكينهم من منابر و أحزاب و فضائيات و إذاعات و جرائد و ندوات، لا بل انحدرنا إلى درجة المطالبة و المناشدة لترشيح رموزهم إلى رئاسة الجمهورية القادمة. فمن صنع يا ترى فرعونية بورقيبة و فرعونية بن علي و مَن صفق لظلمهما و بطشهما غير هؤلاء "القوادة" بصغيرهم و كبيرهم من رئيس شعبة إلى معتمد أو والي أو نائب أو مدير عام أو وزير؟

4.     مؤسسة المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل:
كنا نقول عنها بيروقراطية نقابية انتهازية تنكرت للفصل العاشر من القانون الداخلي للاتحاد و رفضت مبدأ التداول على السلطة بعد كل دورتين متتاليتين في المكتب التنفيذي، و اليوم و بين 14 و 15 جانفي 2011، أصبحنا ضد شطب هذه المؤسسة من الحياة النقابية و هي من أقصت كل النقابات العامة من المفاوضات المباشرة في الزيادة في الشهرية و أمضت على حساب العمال سلما اجتماعية لصالح النظام عوض أن تنحاز لمنخرطيها ضد حرب النظام التي يشنها صباحا مساء على الشعب المفقر المضطهد. فمن أمضى يا ترى على كل الزيادات الهزيلة و الاتفاقيات الجائرة في حق العمال من مجلة الشغل إلى الكنام إلى التفريط في ممارسة الاجتماعات  النقابية داخل المؤسسات، و من مارس المناولة و المتاجرة بعرق العمال غير الكاتب العام السابق للاتحاد الجهوي بقفصة، السيد العباسي عن طريق شركة مناولة يملكها ابنه، و من جرّد المناضل عدنان الحاجي من صفته النقابية إرضاء للنظام البائد في عز انتفاضة الحوض المنجمي، و مَن ناشد بن علي مرتين خلال هيئتين إداريتين للترشح غير الدستوري للرئاسة؟

5. البيروقراطية الإدارية المتكونة من 38 ألف مدير في الوظيفة العمومية (حسب شهادة سمعتها مباشرة من وزير التعليم العالي الحالي) و سلك القضاة و سلك المحامين:
كنا نقول عنهم بيروقراطية انتهازية تخطط و تنفذ سياسة النظام البائد، و اليوم و بين 14 و 15 جانفي 2011، أصبحنا ندافع  عن حيادهم و استقلاليتهم و نبرئهم من جرائم "الطرابلسية" (أصهار الرئيس المخلوع بن علي) التي مرروها و بالقانون. فمن يا ترى زوّر و حلل التفريط في الأملاك العمومية بأثمان بخسة و رمى بالمعارضين ظلما في السجون و أخذ الرشوة من الأغنياء و سلب حق الفقراء؟

5.     الإعلام المرئي و المكتوب و المسموع:
كنا نقول عنه بوق النظام، يضخّم و يطبّل و يزمّر و يهلّل لسياسة النظام البائد، و اليوم و بين 14 و 15 جانفي 2011، أصبحنا ندافع  عن حياده و استقلاليته و مهنيته و المنفذين هم نفس الأشخاص قبل و بعد الثورة، لم يصمتوا و لم يستحوا و عوض أن نحاسبهم على جرائمهم المتنوعة و المتعددة في تظليل الشعب، قامت بعض جمعيات الفنانين و الصحافيين "الأحرار" بمظاهرات أمام قصر العدالة للمطالبة بإطلاق سراحهم،  و وفرنا لهم منابر نجحت في استقطاب أكبر نسبة من المشاهدين حتى يبثوا سمومهم من خلالها 24/24. فمن يا ترى كذب علينا طيلة نصف قرن و أظهر لنا الاستبداد في حلة ديمقراطية تحسدنا عليها الأمم و من أقصى من دائرة الإعلام الوطني - الذي ندفع فاتورته من قوتنا اليومي العسير - أصوات المناضلين المعارضين الشرفاء و أسكت مفكرينا و علمائنا و همّش مثقفينا غير الانتهازيين و قدم عليهم مرتزقة من مثقفي السلطة ؟


توضيح ضروري حول مشكلتي مع مؤسسة الأمن التونسية:

نعم عندي مشكلة - كمواطن عادي معارض سلمي للنظام البائد بعهديه البورقيبي و البنعلي - مع القمع المسلط من قبل قوات التدخل "البوب" على المتظاهرين العزل الأبرياء ضد نظام بورقيبة و ضد نظام بن علي بصفة عامة و ليس بصفة شخصية، و ليس لي مشكلة مع وظيفة مؤسسة الأمن الاجتماعية الضرورية التي تتمثل في تطبيق القانون على الخارجين على القانون و ليس على المعارضين للنظام. لم أُسجَن يوما واحدا خلال ستين عاما من حياتي، و لا حُجزت ساعة واحدة داخل مركز أمني كمتهم، ضُربت مرة واحدة فقط بـ"الماتراك" في مظاهرات ما بعد 14 جانفي في شارع بورقيبة بالعاصمة، و أدمعَت عيناي ألما عديد المرات في المظاهرات جراء الغازات الضارة بالعيون، و خاصة يوم تجمّع 13 جانفي 2011 في ساحة محمد علي، و عَرّضت صدري للكرطوش أمام البالماريوم في شارع قرطاج بالعاصمة يوم 15 جانفي 2011، فطبطب الضابط المسؤول يومها على خدي و قال لي بكل لطف و مودة: "لن نضربك يا بابا".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 22 جويلية 2013.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire