أفكار و ممارسات إسلامية سابقة
لعصرها، ظهرت في نصف القرن الأول الهجري. مواطن العالَم د. محمد كشكار
أفكار و ممارسات "تقدمية"
في نصف القرن الأول الهجري، جُمِّدت و لم نستفد منها بعد الخلافة الراشدة، تبجحنا
بها طيلة خمسة عشر قرن و لم نطبقها يوما و لم نطورها بل قبرناها في المهد، تلقفها
الغرب و أعاد اكتشافها في بداية نهضته في القرن الثاني عشر ميلادي ثم صقلها و
هذبها و أنسنها و صاغها أفكارا نيرة و نظريات اجتماعية و حقوق إنسان و ساعده في
مسعاه توفر و نضج الأسباب المادية من علم و تكنولوجيا. و على سبيل الذكر لا الحصر
سأذكر البعض منها مع الإشارة الهامة أنني سأتناول الموضوع من الجانب الفلسفي و ليس
من الجانب الفقهي أو التاريخي الدقيق:
1.
العلاقة العمودية دون وساطة بين الخالق و المخلوق. اكتشفها
الغرب في القرن الخامس عشر ميلادي مع ظهور البروتستانتية التي أنكرت صكوك الغفران
الممنوحة من البابا. أما نحن المسلمون، فلم نعمل بها و في عصور الانحطاط وسطنا
الأولياء الصالحين بيننا و بين خالقنا و في العصر الحديث أصبحنا نوسط تجار الدين
من أمثال دعاة البترودولار المصريين و الخليجيين.
2.
آدمية الأنبياء و الرسل بما فيهم محمد صلى الله عليه و
سلم (قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ
لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ
لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا" و "هل كنت إلا بشرا رسولا" و " قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ
وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا
وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا" و "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ"). في بداية القرن
العشرين ميلادي، رُفِت أستاذ جامعي مسيحي من السربون بطلب من البابا، لمجرد أنه
أنكر ألوهية عيسى، عليه السلام. أما
نحن المسلمون، فقد أضفينا على الرسول قداسة و عصمة لم يدعيها لنفسه إلا في تبليغ
الوحي الإلهي و أحطنا صحابته و التابعين و تابعي التابعين بهالة من القدسية،
منعتنا من الاجتهاد و التفكر في ديننا و حنطنا نصوصهم و جعلناها عابرة للتاريخ.
3.
حرية المعتقد و احترام الأديان الأخرى ( قال تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ" و "لا نفرّق بين أحد من رسله، ونصدّقهم كلهم على ما جاؤوا به").
4. "متى استعبدتم
الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا"، صيحة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -
المشهورة في وجه عمر بن العاص، صيحة عمر، قوس أُغلِق مع وفاة عمر فبقيت شعارا
معلقا و حبرا على ورق و لم يتحرر العبيد المسلمين و غير المسلمين إلا بعد اكتشاف
الآلة في القرن التاسع عشر.
5. اجتهاد عمر -
رضي الله عنه - في تأويل أحكام القرآن و تحريمه إقامة الحد على السارق في عام المجاعة و منعه عطاءات المؤلفة قلوبهم. في
العصر الحديث، أوقفنا الاجتهاد فأصبحنا رجعيين متخلفين.
6.
إباحة الجنس الحلال (انظر كتاب "الجنسانية
في الإسلام" للفيلسوف التونسي المسلم عبد الوهاب بوحديبة)، تحليل الشهوات
الحسية من مأكل و مشرب و طِيب و زينة و عدم تحميل الذنب لمتعاطيّيها. في العصر
الحديث، حرمنا الفن و الإبداع و الغناء و الموسيقى و الرقص و التمثيل و النحت، فأصبحنا
مجتمعا بلا فن و جسما بلا روح.
7.
تقديم حفظ النفس على حفظ الدين و تقديم الحرية
على تطبيق الشريعة. بعد الثورات العربية، غزتنا إيديولوجية الإسلام السياسي فعطلت
فينا العلم و العمل و عوض أن نلتفت لحل مشاكلنا المادية و الاجتماعية، أرجأناها و
قدمنا عليها الحساب و الجزاء و العقاب و التكفير.
8.
يُرجأ الحساب و الجزاء و العقاب و التكفير ليوم
القيامة و هو اختصاص من صفات الله وحده. غريب أمرنا نحن المسلمون نقدم ما يجب إرجاؤه
و نرجئ ما يجب تقديمه.
9.
هداية البشر هي أيضا من صفات الله فقط (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). دخلنا في اختصاص رباني
و تجاوزناه فأصبحنا نحث الناس للصلاة بالسوط في السعودية و ندعو المسلمين للإسلام
بالديناميت و الكلاشينكوف في سوريا.
10.
إلغاء القبلية. بلال، العبد الحبشي أصبح من صحابة
الرسول المقربين و أول مؤذن في الإسلام. زوّج الرسول - صلى الله عليه و سلم - ابنة
عمه القرشية الأرستقراطية من عبد محرر و هو زيد ابنه بالتبني. بعد الخلافة
الراشدة، رجعت التقاليد الاجتماعية القبلية بقوة و أرسى الأمويون و العباسيون حكما
قبليا أرستقراطيا متوارثا و جاء من بعدهم السلاطين العثمانيون من عائلة واحدة.
11.
إلعن المعصية و لا تلعن العاصي لأن المعصية ضارّة
باتفاق جميع المسلمين أما العاصي فهو بشر قد يهديه يوما ربه و يغفر له سيئاته
كلها، كل إنسان غير مسلم هو مسلم بالقوة أو مشروع مسلم فلا تيئسوا من رحمة ربكم و
لا تضيّقوها بعد أن وسّع الله فيها - سبحانه و تعالى لحكمة لا يعلمها إلا هو الحي
القيوم - لتشمل عباده الضالّين فجادلوهم
بالتي هي أحسن إن كنتم حقا من المسلمين (قال تعالى: "فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم
بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله").
12.
التسامح
الديني في العهد العربي الإسلامي الذهبي الذي عاش تحت ظله مفكرون و أدباء و شعراء
و مغنون مختلفون عن السائد من أمثال المعري و أبو نواس و التوحيدي و مسكويه و أبو
الفرج الأصفهاني و الجاحظ و عمر ابن أبي ربيعة و غيرهم كثيرون دون أن ننسى أو
نتناسى من قضى نحبه من عظماء المفكرين و الكتاب جرّاء تحررهم و خروجهم عن خط
السلطة السائد و الظالم أمثال ابن المقفع و بشار و الحلاج مع التذكير المهم أن
القمع الذي وقع في تاريخ الحضارة الإسلامية لا يساوي واحدا في الألف مما عاناه و
قاساه روّاد النهضة الأوروبية في القرون الوسطى من مجازر اقترفتها في حقهم الكنيسة
المسيحية و محاكم تفتيشها المرعبة، سيئة الذكر.
13.
احترام
الوالدين و إكرامهما و تبجيلهما، قيما تجلت في أروع و أرق آية في القرآن حسب رأيي
المتواضع و غير المختص طبعا (قال تعالى: " وقضى ربك ألا
تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا
تنهرهما وقل لهما قولا كريما ( 23 ) واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني
صغيرا". انظر
كيف يعامل الغربيون كبارهم باحترام شديد و يوفرن لهم جراية تقاعد مرتفعة تقيهم
الحاجة و السؤال مع الإشارة أن أكبر لوبي في أمريكا الشمالية هو لوبي المتقاعدين و
ليس لوبي الصهاينة كما هو متداول عند أكثر الناس و انظر كيف يعامل أكثرية المسلمين
مسنّيهم و لا يضمنون لهم العيش الكريم و الرعاية الصحية و أكبر دليل على صحة كلامي
أن جل المتقاعدين التونسيين من عمالنا بالخارج يلجؤون إلى المستشفيات الفرنسية
لأقل وعكة صحية تلمّ بهم .
14.
عقلانية ابن رشد. تلقفتها جامعة السربون بباريس و
بنت على أفكار صاحبها نهضة علمية، نهضة عقلانية أشعت بشمسها على العالم أجمع بما
فيه العالم الإسلامي الذي طارد أكبر فيلسوف مسلم عربي عقلاني في العصور الوسطى و
أحرق كتبه و تبنى مكان عقلانيته أفكار خصومه الفلاسفة المسلمين من أمثال الغزالي و
ابن تيمية و منذ القرن الثاني عشر ميلادي لم تقم لعلمنا و عقلانيتنا قائمة.
خاتمة:
أربعة عشر مثالا من الأفكار العربية الإسلامية السابقة لعصرها، أعاد
اكتشافها الغرب و وظفها في نهضته و أخذها و طبّقها أفضل تطبيق ، أما نحن المسلمون
فمن عمانا لم نرها أو لم نرد أن نرها حتى بعد أن نضجت الأسباب المادية و
الاجتماعية لتطبيقها.
إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في
أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم
غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على
كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي
و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 12 جويلية 2013.
أضيف إلى المقال أعلاه المثال الخامس عشر:
RépondreSupprimer"إلا فاطمة يا علي": صيحة حنان أبوي صادق أطلقها رسولنا الكريم - صلوات الله عليه - عندما فكر صهره علي بن أبي طالب بالزواج من ثانية و فاطمة الزهراء ابنة الرسول لا زالت على ذمته. اقتداء بالرسول، و كآباء نحب بناتنا كما يحب الرسول ابنته، نطلق نفس الصيحة و نقول: "إلا ابنتي يا صهري فلان"، فكل ابنة عند أبيها فاطمة.