lundi 29 juin 2020

ما الفرقُ بين الأساتذة الجامعيين الذين يدرّسون في الدول المتقدمة وزملائهم الذين يدرّسون في الدول العربية؟ مواطن العالَم




في الدول المتقدمة (الغرب واليابان وغيرها) يشتغل الأساتذة الجامعيون على الواقع (Le réel) مُراوحَةً بين النظري والتطبيقي. التجريبيون منهم يسكنون المخابر ويقومون بالتجارب، والإنسانيون يَسبُرون غورَ مجتمعاتهم ومجتمعاتنا ويفككون تعقدها
 (La complexité). 
هم إذن منتِجو معرفة عقلانية ومولِّدو علماء شبان جدد. مَثَلهم كَمَثَلِ التكاثر الجنسي لا ينتج إلا الأفضل المختلف والمغاير.
أما في الدول العربية فالأساتذة الجامعيون يشتغلون على النصوص مركزين على الجانب النظري مهملين التطبيقي. ليست لهم مخابر مجهّزة حتى يسكنوها ولا تجارب يجرونها (في أول التسعينيات، قال لي بودبّوس، أستاذي في الميكروبيولوجيا، أن ميزانية مخبره السنوية في كلية العلوم بتونس لا تتجاوز الألف دينار، مبلغٌ زهيدٌ لا يزيد عن ثمن ثلاجة) ويُحرّم عليهم سياسيًّا سبرُ عمق مجتمعاتهم. هم إذن يكتفون مكرَهين بنقل المعرفة ولا يولِّدون إلا أمثالهم أي ناقلي معرفة شبان. مثلهم كمثلِ التكاثر اللاجنسي لا ينتج إلا النسخ الباهتة المطابقة للأصل الباهت.
يُعرّف العلمُ الحديثُ بأنه اشتغالٌ على الواقع من أجل تفكيكه وفهمه واستنتاج قوانين علمية جديدة تُسَمّى خطأ "اكتشافات"، أما السفسطة فتُعرّف بالعنعنة والنقل دون استعمال العقل، حالنا منذ 14 قرنًا.
يبدو لي - دون الاعتماد على دراسة علمية - أن الجيل المؤسس، جيل الستينيات والسبعينيات، من أساتذة جامعاتنا التونسية في العلوم الإنسانية (الفلسفة والتاريخ والأدب) درَسوا في الخارج على أيدي علماء، فتخرّجوا فلاسفة وأدباء وأساتذة مرموقين في علوم التاريخ والاجتماع، وأنتجوا لنا وللعالَم العربي معرفة، وهم على سبيل الذكر لا الحصر: محمود المسعدي، توفيق بكار، عبد الوهاب بوحديبة، هشام جعيط، عبد المجيد الشرفي، محمد الطالبي، يوسف الصديق، حمادي بن جابلله، أبو يعرب المرزوقي، محمد الشريف الفرجاني وغيرهم ممن لم يسعفني الحظ في الاطلاع  على كتاباتهم  وهم أكيدٌ كُثْرُ.
أما الجيل الثاني، جيل الثمانينيات والتسعينيات، الذي درَس في الداخل على الجيل الأول، فقد تخرّج دون القيام بتجارب لغياب المخابر، لذلك نراهم أساتذة جامعيين، ناقلِي معرفة وليسوا منتِجِي معرفة.

ما الحل؟

الحلُّ ليسَ جاهزًا.. ولا يمكن أن يملكه شخصٌ واحدٌ مهما بلغ من العبقرية. لكن ملامحَه واضحةٌ لمَن كان جادًّا في طلبِ الحلولِ العلمية -لا السياسية- وبعضها كالآتي: تقوية ميزانية التعليم في الابتدائي والثانوي والمهني والعالي، التركيز على الجانب التطبيقي دون إهمال النظري، تجهيز المخابر، تشجيع البحث الميداني في كل المؤسسات التربوية الابتدائية والثانوية والمهنية (La Recherche Action) وهو رافدٌ أساسيٌّ للبحث الأساسي (La Recherche fondamentale) في مخابر الجامعات، تدريس الإبستمولوجيا في كل العلوم الصحيحة منها والتجريبية والإنسانية، وغيرها من الإصلاحات الضرورية المستعجلة.

إمضائي
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)
النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، أنا لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 8 ماي 2017.
Haut du formulaire



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire