لم
أقل يتغيّب أو يتكاسل أو يتغافل أو يتحايل أو يتخلى عن واجبه في تربية النشء. على
العكس أطالبه بأن يعمل أكثر ويجتهد أكثر قبل الدرس دون أن يحرِم التلميذ في القسم
من فرصة التعلم البنائي الذاتي.
فَلْيعذِرني
زميلي في نقده والنقد هدّام أو لا يكون مع احترام شخص المَنقود. فبعد هدمِ نظرية
علمية لم تعد صالحة يأتي عادة البناء لنظرية علمية جديدة، ثم يتوالى الهدمٌ والبناءٌ
وهكذا دواليك يتقدم العلم: هذا التمشي يُسمي نظرية الهدم والبناء (Construction/Déconstruction) للعالم البيداغوجي-الديداكتيكي،
أستاذي وصديقي الفرنسي السيد "أندري جيوردان".
يبدو لي أنه من الأفضل على المدرس
التونسي معلِّما كان أو أستاذا أو مربِّيا للصغار في الروضة أن لا يفعل الآتي:
-
على المدرس التونسي أن لا يستعرض عضلاته في القسم لأن
التلميذ أوْلَى باستعراض عضلاته في قسمه. فالقسم ملكه وليس ملك المدرس. التلميذ هو
محور العملية التربوية ولا محور غيره وما أوجِدَ المدرس إلا لخدمة التلميذ.
-
على المدرس التونسي أن لا يحتكر الكلمة في القسم وخاصة
مدرِّسي اللغات، فإذا لم يتكلم التلميذ في القسم ويخطئ في القسم، فأين سيتعلم
البلاغة والنطق السليم في ثلاث لغات أجنبية على بيئته بما فيهم العربية الفصحى.
-
على المدرس التونسي أن لا يحتكر استعمال المُعِدّات
المخبرية العلمية أثناء حصة الدرس وخاصة مدرِّسي العلوم التجريبية، فإذا لم يستعمل
التلميذ هذه المعدات في القسم ويخطئ في القسم، فأين سيتعلم استعمالها، وإذا تكسر بعضها
فقد جُعلت أصلا للاستهلاك. "التلميذ إكسِّر والوزارة تعوِّض".
-
ليعلم المدرس
التونسي أن المُعِدّات المخبرية العلمية لم تُوفّرْ لتسهيل مهمته البيداغوجية بل
جُعِلت لتيسير مهمة التعلّم لدى التلميذ والدليل أنه لو نُقِلت مهمة اكتساب
المعرفة من المدرس وأوكِلت إلى التلميذ في علاقة تفاعلية مباشرة بينه وبين وسائل
التعلم العلمية لصَنَعَ هذا الأخير معرفته بنفسه دون مساعدة المدرس المباشرة في
عديد الوضعيات التعلمية (La situation didactique).
-
على المدرس
التونسي المجدِّد بيداغوجيا أن يكتفي بتحضير الوضعية التعلمية المناسبة ويجلب
المعدات والمواد الكيميائية اللازمة ويطرح الإشكالية بصورة واضحة ويستقيل كليا عن
التدريس ويتنحى جانبا مشكورا ويتخلى عن اعتبار نفسه محور العملية التربوية ويترك
مهمة التعلم الذاتي البنائي للتلميذ لأن
هذا الأخير ليس فرخ طير ينتظر في عشه ما تجلبه له أمه.
-
على المدرس التونسي أن لا يحتكر حل المسائل في القسم
وخاصة مدرسي الفيزياء والرياضيات، فإذا لم يتمرّن التلميذ على حل المسائل المعقدة
في القسم ويخطئ في القسم. فأين سيتعلم الذكاء الرياضي يا تُرى ؟
-
على المدرس التونسي أن لا ينهر التلميذ الذي يخطئ في
القسم مع الإشارة إلى أن العلماء هم أشهر الخطّائين. يُعتبر الخطأ في علوم التربية
مُحرّك القسم، فإذا لم يخطئ التلميذ في القسم، فأين سيخطئ دون أن يُعاقبَ يا تُرى ؟
-
على المدرس التونسي أن لا يقتل المبادرة الذاتية
الجنينية لدى التلميذ في القسم. فإذا لم يبادر التلميذ في القسم ويخطئ في القسم،
فأين سيتعلم الشجاعة الأدبية وحرية الرأي مع احترام المخالِف ؟ لذلك يبدو لي أن جل
تلامذتنا المتفوقين هم مقلِّدون فاقدو الشخصية المستقلة المتوازنة. لذلك نلاحظ
أيضا أن جل التلامذة المتمردين يُطرَدون من التعليم أو يكملون دراستهم المتعثرة
بعد سن الخامسة وخمسين مثلي !
المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي
التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 79-81).
إلى المنشغلين والمنشغلات
بمضامين التعليم:
نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام
التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire