المصدر: كتابي "جمنة وفخ العولمة"، طبعة حرة، 2016،
224 صفحة (ص. ص. 97-99).
ملاحظة: كتابٌ ألّفته تطوعًا لفائدة "جمعية حماية
واحات جمنة" وهي التي دفعت مصارف الطباعة (3400 د). صدر في ألف نسخة: 900
نسخة أخذتْها الجمعية دون مقابل وَوَزّعتْها مجاناً على مساندي قضية جمنة في كامل
أنحاء الجمهورية، و100 نسخة أخذتُها أنا وَوَزّعتُها بمعرفتي.
النص:
المكان: بلدية جمنة ولاية ڤبلي بالجنوب الغربي التونسي.
الزمان: العلم عند الله.
المساحة: 400 هكتار من نخيل دڤلة النور وشجر الرمان، تسرح فيها
حرةً طليقةً الحيوانات البرّية الصغيرة كالجرابيع والفئران الحُمر والطيور
المزركشة والحشرات والدود والعقارب الصفراء السامّة المسالمة.
الجهة المؤسسة والممولة والراعية
لـ"المنتزه البيئي بـجمنة": "جمعية حماية واحات جمنة" التي تأسست بعد
الثورة واسترجعت هنشير المعَمَّر بجمنة من مغتصبَيه الفاسدَين.
ثمن تذكرة الدخول: مجانا لكل أطفال العالَم ولكل مواطن أرضه محتلة. ثمن
تنازلي حسب بُعد المسافة من جمنة: دينار واحد لسكان بنزرت، ديناران لـلعاصمة،
ثلاثة لـسوسة، أربعة لـصفاقس، خمسة لـڤابس، ستة لـڤبلي، ستة ونصف لـبازمة، سبعة
لـلرحمات و12 دينار لـدوز مطابقة لاسمها (مشاكسة لطيفة موجهة لجيراننا وأحبتنا
المرازيڤ). جمنة أكرم من أن تطلب ثمنا من ضيوفها السياح الأجانب وقد ساندها بعضهم
ماديا في بداية المشروع من أجل تلقيح نخيل هنشير المعمّر وعلى رأسهم صديقي ومدير أطروحتي السابق، أستاذ إبستمولوجيا
التعليم، السيد بيار كليمان، وهي أكبر من أن تدعو الجمنين إلى دفع مقابل مادي
للتنزه في أرضهم وملكهم.
وصف الزيارة: انطلقت الحافلة من تونس العاصمة على الساعة التاسعة
ليلا. وصلنا جمنة السادسة صباحا. بدأ برنامج اليوم بجولة صحراوية قريبة من المنتزه،
تمتعنا خلالها بمشاهدة تجمع قطيع من الماعز قبل خروجه مع السارح للرعي البيولوجي، ثم
دعانا دليلُنا السياحي بعدها لمعاينة جحر الجربوع ومن حسن حظنا خرج الجربوع من عشه
تحت الأرض هرباً من ضجيجنا فتابعنا قفزاته الرشيقة. أمرَنا الدليلُ باقتفاء أثر
قدميه الخلفيتين الظاهر على الرمل النديّ، تساءلنا كلنا: لماذا، هل سنلحق به
وسرعته من سرعة البرق؟ قال: تابعوا السير، تنتظركم مفاجأة ! لم ننتظر كثيرا لقد
اختفى أو انتهى الأثر. صاح الدليل: "وجدته". قلنا: "لا نرى شيئا".
أشار إلى الأسفل وقال: "لاحظوا معي هذا الرمل الطري المفروش حول فتحة حفرة
مغلقة حديثة الجهر، انظروا إنه رملٌ مقلّبٌ حديثا ومغاير اللون، هذا جحره الجديد
ومن الأفضل أن لا نزعجه مرة ثانية". احترمنا رأيه وقفلنا راجعين إلى المنتزه
داخل الواحة الظليلة متعبين من صعوبة المشي على الكثبان الرملية.
فاجأنا
مرافقنا وعرض علينا الاستحمام في حوض السباحة الملِيء بالمياه المعدنية الجارية
الغنية بـالكبريت والكلور والمانغانيز. أخذنا قسطا من الراحة ثم التحقنا بالمطعم
البيولوجي، ناولَنا النادل قائمة الأطعمة: ملثوث بلحم الڤعود، بركوكش بالڤدّيد،
كسكسي بلحم الماعز، رفيسة بالدڤلة وخبز طاجين مع كأس شنينة، عصيدة بالحريڤة،
وغيرها من الأكلات المحلية الشهية. قيّلنا قليلا ثم زرنا متحف البرج المرمّم حديثا
وتفرجنا على فيلم وثائقي يحكي تاريخ
الهنشير وتاريخ جمنة القديم والحديث المتمثل في تجربة التسيير الذاتي وإنجازات "جمعية
حماية واحات جمنة".
في
المساء قمنا بجولة في الواحة صحبة خبير فلاحي محلي عِصامي. أطلعنا على كل أنواع
النخيل وجسّم أمام أعيننا جميع أنواع الأشغال التي يقوم بها عادة فلاح النخيل من
زراعة الغرسة وتلقيح أزهار النخلة الأنثى بأزهار النخلة الذكر وجنْي المحصول بقطع
العراجين الذهبية.
أنهينا
جولتنا على الساعة الرابعة مساءً بالتوجه إلى أرخص سوق دڤلة في العالم، سوق جمنة
الفلاحية المغطاة، سوق من المنتج إلى المستهلك مباشرة دون المرور عبر قنوات التجار
الوسطاء الجشعين. شرى كل واحد منا ما يحتاجه لعائلته وأصحابه وأقاربه. امتطينا
الحافلة ومعنا مدير المنتزه الذي رافقنا إلى الطريق الوطنية رقم واحد مودعا
مبتسما. حييناه بأحسن منها على أمل الرجوع في موسم "الڤطع". رجعنا إلى
تونس فرحين مسرورين بجولتنا ودڤلتنا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire