lundi 1 février 2021

في النصف الثاني من السبعينيات، كنتُ أظن أن جميع مُنْتَسِبِي الحركات الإسلامية يتحلّون بمثلِ هذا السلوك الإسلامي المثالي ! تأليف أمين معلوف وترجمة مواطن العالَم

 


نص أمين معلوف: "المكان: مدينة فاس المغربية. الزمان: أواخر القرن الخامس عشر ميلادي، سنوات قليلة بعد سقوط غرناطة الأندلس (1492 ميلادي). كان يعيش بها "جماعة الحمّالين"، مجتمع صغير منظم يتكون من 300 رجل مع عائلاتهم، كلهم بسطاء، كلهم فقراء، جلهم أمّيين، ولكن رغم ذلك نجحوا في تكوين منظمة اجتماعية (Corporation-"نقابة")، منظمة الأكثر احترامًا والأكثر تضامنًا والأحْكَم تنظيمًا. كل سنة ينتخبون رئيسَا يدير نشاطهم بدقة متناهية. وفي أوّل كل أسبوعٍ، هو مَن يعيّنُ مَن مِن رجالِه سيشتغلُ، ومَن منهم سيرتاحُ حسب حالة نشاط السوق وتوافد القوافل وتَوفُّر المرافقين لها. ما يكسبُه الحمّالُ خلال يومِ عملٍ، لا يحملُه إلى منزلِه بل يضعه كله في صندوقٍ مشتركٍ، وفي آخرِ الأسبوعِ يُوزَّعُ المالُ المتجمِّعُ بالتساوي بين مَن اشتغلوا، باستثناء حصةٍ صغيرةٍ تُنفَقُ بكرمٍ في الأعمالِ الاجتماعيةِ المتعددةِ، مثلا: عند موتِ عاملٍ، تتكفلُ المجموعةُ بالمصاريفِ الكاملةِ لعائلتِه ويساعدونَ زوجتَه على البحثِ على زوجٍ جديدٍ ويرعَوْن أطفالَه الصغارَ حتى يبلغوا أشدَّهم ويتعلموا مهنةً شريفةً. ابنُ أحدِهم هو ابنُ الجميعِ. أموالُ الصندوقِ تُنفَقُ أيضًا في الأفراحِ: كلهم يساهمونَ في توفيرِ مبلغٍ محترمٍ للزوجينِ، يمكِّنهما من بناءِ عُشِّ الزوجيةِ بأريَحيةٍ مريحةٍ.  يراقبونَ كل ما يُعرضُ في السوق، يضمنونَ سلامتَه، ويَشهِرون محاسنَه في السوقِ بالصوتِ، طبعاً بِمقابل. كل المستهلكين وكل التجار يثقونَ في شهادتِهم ونزاهتِهم.

 

لا يتجرأ على أحدهم أحدٌ لأن هذا الأخير يعرف مسبقًا، إذا أصرّ وتمادَى، أنه سيواجه 300 رجلٍ وليس رجلاً واحدًا معزولاً. شعارُهم حديثٌ للرسول (صلى الله عليه وسلّم): "انصرْ أخاكَ ظالمًا ومظلومًا": نادرًا ما يتسبب أحدهم في شجارٍ، ولو حصلَ فسيجدُ دائمًا بين إخوته عاقلاً يرده عن غِيِّهِ.

هكذا كانوا، متواضعين جدًّا، لكنهم فخورون جدًّا بمهنتهم, محتاجين جدًّا، لكنهم كرماء جدًّا، بعيدين جدًّا عن سرايا السلاطين، لكنهم حاذقون جدّاً في حُكمِ أنفسهم بأنفسهم.".

 

تعليق مواطن العالَم: مرّ نصفُ قرنٍ على تأسيس "الاتجاه الإسلامي" في تونس (حاليّاً "النهضة")، كَبُرْتُ أنا في السن، فاكتشفتُ أن إسلاميينا التونسيين لا يختلفون كثيراً عن باقي التونسيين، هُم أبناءُ مجتمعِهم وبيئتِهم ونشأتهم، وليسوا أبناءَ إيديولوجيتِهم الإسلامية، فيهم الصالحُ وفيهم الطالحُ،  كإخوانِهم السلفيين واليساريين والقوميين والليبراليين، كلنا في الأنانيةِ والخبثِ والطمعِ والجشعِ والكسلِ، كلنا تونسيون "كِيفْ كِيفْ"، والحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواهُ !

 

Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C Lattès, 2012, p.p. 111-112.

 
إمضائي

"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو

"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

"لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين، بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الخميس 22 فيفري 2018.

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire