mardi 22 mai 2018

الدين ليس مسألةً فرديةً كما يعتقدُ العلمانيونَ (علماني وأنا كنتُ من رأيهم)، الدينُ اجتماعيٌّ أو لا يكونَ! فكرة فيلسوف حمام الشط، الماركسي حبيب بن حميدة، تأثيث مواطن العالَم، يساري غير ماركسي، والجليس نهضاوي، علي ضِيفَلِّي، جليسنا اليومي في الطاولة الثقافية في المقهى


يعتقد العلمانيون عمومًا والماركسيون خصيصًا بأن الدينَ مسألةٌ فرديةٌ، وهو في الواقع مسألةٌ تهم المجتمع أكثر من الفرد، وأخص بالذكر الدين الإسلامي، ديننا في تونس: كل طقوسِ أركانه الخمسة تؤدَّى جماعيًّا، وقد تفقد معناها الديني لو أجبِر المسلم على تأديتها فرديًّا كما قد يقع أحيانًا لمسلمٍ مغتربٍ معزولٍ. ويبدو لي أن هذا الاعتقاد الخاطئ والسائد لدى جل الماركسيين التونسيين هو الحبلُ الذي قيّدوا به أنفسهم وبأيديهم، مما أدّى إلى تقوقعهم وانحسارهم داخل المجتمع التونسي، والشعبُ من فشلهم الاجتماعي، الثقافي والسياسي، براءٌ!  

الدعوةُ اللائكيةُ (نسبة إلى فرنسا) لنفي البُعد الاجتماعي للدين وإقصائه من الفضاءات العامة لا تعدو أن تكون إلا دعوةً غير مباشرة، وقد تكون غير مقصودة، لاستئصاله من المجتمع، وما صَمَدَ الدين قرنَين ضد الغزو الثقافي الفرنسي إلا بفضل بُعده الاجتماعي. لذلك نرى المجتمع متشدّدًا دينيًّا أكثر من الفرد، ونراه قد يغفر الأخطاء الفردية المخالفة للشرع والأخطر على المجتمع (الرشوة، الربا، الاحتكار، الزنا، الشطط في الأسعار، إلخ) ولا يتسامح مع الأخطاء التي تُرتكب في  الفضاءات العامة رغم أنها أقل ضررًا على المجتمع (الإفطار العلني في رمضان، اللباس الأفرنجي، المايو في الشط، إلخ).

لماذا بقيتُ أنا علمانيًّا إذن؟ بقيتُ علمانيًّا (Sécularisation) على الطريقة الأنغلوساكسونية (أمريكا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، الدول الأسكندنافية)، ولست علمانيًّا على الطريقة الفرنسية المعادية للدين والنافية لدور الدين الروحاني الإيجابي في المجتمع (La laïcité)، أي لستُ لائكيًّا خلافًا لجل العلمانيين التونسيين، ماركسيين، يساريين غير ماركسيين وليبراليين. بقيتُ علمانيًّا لأنني أؤمن بالفصل بين الدين والسياسة خلافًا لكل الإسلاميين. السياسة تدخل في مجال العقل، ولا شيء أفضل من العقل لسياسة الناس وتنظيم شؤونهم الدنيوية، أما الدين فهو يتجاوز مدارك العقل، هو مجال المعجزات، تؤمن بها أو لا تؤمن، لا مكان لمنطقة رمادية بين الأبيض والأسود أو لمنزلة بين المنزلتين. والسياسة ترعاها أحزابٌ تتنافس فيما بينها من أجل الوصول إلى السلطة والهيمنة على باقي الأحزاب الأخرى حتى في الأنظمة الديمقراطية، أما الدين فهو خنوع وتسليم لمشيئة الله والرضا بقدره، حلوه ومره.

قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". حديث يمكن تطبيقه في الدين، لكن يبدو لي أنه من المستحيل تطبيقه على الأحزاب السياسية: فهل يجوز أن نطلب من حزب الجبهة الشعبية أن يحب لأخيه في السياسة حزب النهضة ما يحب لنفسه؟ وفي المقابل، هل يجوز أن نطلب من حزب النهضة أن يحب لأخيه في السياسة حزب الجبهة الشعبية ما يحب لنفسه؟ حزبان متنافسان متصارعان وسيبقيان كذلك ما بقيت الديمقراطية، سُنّة السياسة في المجتمع.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأربعاء 23 ماي 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire