يقول
فيلسوفنا المهمَّش من قِبل القمة والقاعدة: لكل رتلٍ من العربات لا بد من قاطرة (Une locomotive)، عربةُ قيادة تُقلِعُ بها نحو أفقٍ أفضل. وقاطرة
المجتمع هي طبقة منظمة، مهيكلة، طبقةٌ تمتلك وعيًا طبقيًّا بدورِها القيادي مثل
طبقة النبلاء أو الأرستقراطية أو طبقة البورجوازية في الدول الأوروبية والآسيوية
خلال تاريخها القديم والحديث. طبقيةٌ غير عادلة لكنها اليوم تبدو "ناجحةً"،
تبدو شيّادةً لبِنيةٍ تحتيةٍ (طرقات، قناطر، سكك، معامل، فلاحة مصنّعة، إبداعٌ
علمي وتكنولوجي، إلخ)، وخلاّقةً لبِنيةٍ فوقية (ديمقراطية، مؤسسات، تعليم جيد
وناجع، قوانين وضعية، حرية فردية، صحافة حرة، لا سقف لحرية الفنان والأديب
والمفكر، مساواة تامة بين الرجل والمرأة، إلخ).
يُواصل
فيلسوفُنا الجهبذْ، وتحت إلحاحِي، يُضيفُ: من المفارقات الكبرى (Notre grand
paradoxe) أن سبب تخلفنا يكمن في أفضل قيمتين
فينا ألا وهما قيمة العدالة وقيمة الانفتاح على الحضارات الأخرى، قيمتان تتميزان
بهما حضارتنا العربية-الإسلامية (إضافتي الخاصة: قرآن: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، لم يقل
سبحانه أغناكم أو أشرفكم أو أوجهكم. حديث: "لا فرق بين
عربي ولا أعجمي ولا أبيض ولا أسود إلا بالتقوى". فقه: يكفي أن تنطق بالشهادتين لتتمتع فورًا بكامل حقوق أخيك
المسلم حتى ولو سبقك بنصف قرنٍ (Absence de méritocratie)، وذلك مهما كان دينك السابق أو حضارتك السابقة أو
طبقتك الاجتماعية السابقة). يبدو أنه بسبب "تفشي" هذين القيمتين
الساميتين فينا، لم تبرز في مجتمعاتنا طبقة نبيلة ولا أرستقراطية ولا بورجوازية
ولا بروليتارية حتى، فبقيت مجتمعاتنا-عرباتنا العربية تراوح مكانها ولم تنطلق!
تعليقي المتواضع كغير مختص في الفلسفة: نحنُ أمام مأزقٍ
(Un dilemme): نُقلدُهم ونأخذُ بأسبابِ
نَهضتِهم (الغرب) لنصلَ إلى ما وصلوا إليه من رأسماليةٍ متوحشةٍ: دولٌ وحكوماتٍ
تَسرقُ، تَنهبُ، تَحتلُّ، تَقتلُ، تُبيدُ، تَغتصبُ، تَكذبُ، تَتَحايلُ، تُزوّرُ،
تُلوّثُ العقلَ والجسمَ والبطنَ والجوَّ والأرضَ والبحرَ، تُجوّعُ، تَحتكرُ،
تَربحُ، تَبني، وإلى زوالِ حضارتِها اليهوديةِ-المسيحيةِ بِخُطًى حثيثةٍ
تَتَقَدمُ، ولا يَغرّنّكم البُهرُجَ؟ وشَهِدَ شاهدٌ من أهلها، الفيلسوف الفرنسي
الأشهر ميشيل أونفري: (La civilisation judéo-chrétienne est une
civilisation en décadence irréversible, la civilisation islamique est une
civilisation jeune)
أم نتمسكُ بِقيمِنا المكتوبةِ في جيناتِ هويتِنا
العربية-الإسلاميةِ، نَنقدُها، نُغربلُها، نُصفّيها، نُحيّنُها، نُؤقلمُها،
نُطوّرُها، نُغذيها بالعلوم الغربية الحديثة، نُعقلنُها تعليمًا وممارسةً، نَفصلُ
اللاعقلاني فيها عن العقلاني فيها، نَتَوكّلُ على الله وعلى العقل في آنٍ، الله مَنَحَ لنا مُخًّا شبه-ناضج
خَلقيًّا (La genèse) لكنه قابلٌ لمزيدٍ من النضجِ بعد
الخلق (L`épigenèse). علينا أن نَستعينُ بالاثنينِ دون الخَلطِ بين الاثنينِ،
العقلُ ولا شيء غير العقلِ في التكوينِ والتعليمِ وتسييرِ دواليبِ الدولةِ
ومؤسساتِها، والميتافيزيقا في الإيمانِ وممارسة الشعائر الدينية بكامل الحرية لكل
المؤمنين؟
خاتمة: أنا اخترتُ الحلَّ الثاني وأنتُم؟
إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 19 ماي
2018.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire