dimanche 27 mai 2018

بطلٌ نقابيٌّ على قدرٍ كبيرٍ من النزاهةِ.. لم يجلسْ يومًا حول طاولةِ الصفقاتِ المشبوهةِ. مواطن العالَم



لم ينجح في اختصار مشقة الحياة على عكس بعض رفاقه الحزبيين والنقابيين الذين خلقوا بينهم وبينه فوارق طبقية في حزب واتحاد يناضلان الاثنان من أجل إلغاء الطبقية أو التخفيفِ منها. كان بإمكانه أن يفعل مثلهم، ولم يفعل. انتهازيتهم لم تعمّق فيه الشعور بالخيبة، بل على العكس، حثته على الصمود والتحدي، تحدي النفس، ثم مواصلة النضال والمضي في نفس الطريق الذي رسموه جماعة لأنفسهم بشهادة "الطبيب"، مؤسس حزبهم،  عندما كانوا مثله رجال!قسوةُ أبيه عليه في طفولته أصبحت مضربًا للأمثال، ودخلت في تراث مسقط رأسه، وهو لا يعلق على تلك الفترة إلا بعبارة واحدة، وبَسمة رضا تعلو محيّاه الجذّاب، "كان يعلّمني الشجاعة".
في الجنوب، امتهن "المرمّة" وهو تلميذ، ثم هاجر من الريف للعاصمة دون سبب واضح، حيث تقلّب بين المواظبة على الدراسة والانقطاع عنها، وأخيرًا رمت به الأقدارُ معلمًا في الشمال الغربي، أين أحَبَّ بعنف وتزوّج بسرعة. أخذ معه عائلته الجنوبية، لم تتأقلم، روّحت.
لم ينعم بشبابه كثيرًا، هبّت عليه ريح 17 فحوّلته من مُتَعِيٍّ (hédoniste) إلى ملتزِمٍ، "ما أقصر العمرَ حتى نضيّعه في النضال". دخل الحزب السري كما دخل طارق الأندلس، أحرق مراكبه، كلها، بعد نصف قرن لم يرجع، ولو عاش نصفًا آخرَ فعن مبادئه لن يتراجع. لا يشبه ملتزِمِي عصره، بشوشٌ لطيفٌ ظريفٌ، كل من جالسه مرة، رغب في مجالسته مرات. خَدَمَ الناسَ وأسعدَهم، لم يَخدمه الدهرُ ولم يُسعدْه. غريبٌ عن وطنه حبًّا في وطنٍ أفضل، غريبٌ في موطنه ط. جُحودًا من أهل موطنه ط. بطلٌ ملحميٌّ، صمد في العهود الثلاثة، البورڤيبي، البنعلي، البوعزيزي، وكالجبل لم يَنِخْ. أحِبه، أختلف معه، أحترمه، غير بعيدٍ عني لكن لا تمرّ لحظة إلا وأشتاق إليه.

إمضائي
"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 26 ماي 2018.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire