mardi 28 mai 2019

الإنسان بين رحمة خالقه الواسعة وضيق أفق بعض إخوانه الإسلاميين! مواطن العالم



تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 30 أفريل 2012.

1.     درس في الرحمة الربانية الواسعة: سمعتها من قسّ قِبْطي في قناة مصرية وسمعتها أيضًا من شيخ أزهري:
"من عادة سيدنا إبراهيم الخليل أنه كان يسهر ولا يتعشى في انتظار عابر سبيل يتقاسم معه لقمته. جاءه ضيف في الستين من عمره، أكرمه، أطعمه وأشربه فطلب هذا الأخير نارا، أشعل له سيدنا إبراهيم نارا ظنا منه أنه يريد أن يتدفأ. قام الضيف وبدأ يسجد ويصلي للنار. طرده سيدنا إبراهيم قائلا: أتُعبد النار في بيتي؟ خرج الضيف هائما على وجهه. هتف هاتف من السماء، كلّم الله عبده إبراهيم، أبا الأنبياء، معاتبا ومربيا ومعلما وقال له: تحمّلته أنا ستين سنة وأنت يا إبراهيم لم تصبر عليه ليلة واحدة!".
يا لروعة الحكمة ويا لحكمة الخالق، هو خلقنا مختلفين ولو شاء لخلقنا متماثلين متجانسين أما ضيق أفق المتعصبين فهو نابع من جهلهم والأمر من مأتاه لا يُستَغرب.

2.     قصة مواطن فرنسي شيوعي، أسلم بعد 69 عاما من الشك، موعظة وحكمة ربانية لمن يريد أن يتعظ:
هداه الله ولم تهده المواعظ المنفّرة كمواعظ بعض أئمة جوامعنا القدماء والحاليين أو محاضرات بعض الدعاة الإسلاميين الدجالين من أمثال وجدي غنيم وعمرو خالد. انتظره ربه 69 عاما (ولد سنة 1913 وأسلم سنة 1982)، لم "ييأس"، جل جلاله و علا شأنه على الغفلة واليأس والنسيان، و هو الأدرى بمخلوقاته، فلماذا تتجرأ بعض النفوس الجزعة على بعضها البعض.
أكبر تحول طرأ في حياة الفيلسوف الشيوعي الفرنسي روجيه ارودي كان تحوله للإسلام؛ لقد تعرّف على الإسلام مبكرًا جدًا قبل أن يسلم، حوالي سنة 1941، وهو يقول في أحد الحوارات التي أجريت معه:
"لقد عشت في بداية الحرب العالمية الثانية تجربة فريدة من نوعها: قبضت قوات الاحتلال الألماني على المجموعة الأولى للمقاومة الفرنسية حين سقطت باريس، وصدر الأمر بنقلها إلى معسكر (الجلفة) في جنوب الجزائر، وكنت أحد أفراد هذه المجموعة، فدعوت رفاقي إلى تمرد في السجن، وفي مارس من سنة 1941م دعوت حوالي خمسمائة منهم إلى التظاهر لتأكيد اعتراضنا على السياسة النازية .. حُكِمَ علينا بالإعدام، ويوم التنفيذ وبعد ثلاثة إنذارات من قائد المعسكر .. أصدر أوامره للجنود الجزائريين بإطلاق النار علينا ففوجئنا برفض الجنود ذلك الأمر حتى بعد تهديدهم بالسياط .. ولم أفهم للوهلة الأولى سبب رفضهم، ثم عرفت أن هؤلاء الجنود كانوا من الجزائريين المسلمين، الذين يرون أن شرف وأخلاق المحارب المسلم تقتضي ألا يطلق النار على إنسان أعزل...".
ويضيف ارودي: "لقد صوروا لنا المسلم على أنه متوحش همجي، فإذا بي أمام منظومة قيم متكاملة ولها اعتبارها. لقد علمني هذا الموقف، واستفدت منه أكثر من استفادتي من عشر سنوات بالسوربون".
كان ارودي شيوعيا، لكنه طُرِد من الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1970 م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفياتي، و بما أنه كان عضواً في الحوار المسيحي الشيوعي في الستينيات، فقد وجد نفسه منجذباً للدين وحاول أن يجمع الكاثوليكية مع الشيوعية خلال عقد السبعينيات، ثم ما لبث أن اعتنق الإسلام عام 1982 م وسمى نفسه رجاء.

3.     لماذا يتسرّع بعض الإسلاميين و يضيّقون في رحمة الله - سبحانه و تعالى - الواسعة ويكفّرون إخوانهم المسلمين العَلمانيين الذين يطبقون على الأقل ثلاثة أركان من أركان الإسلام الخمسة ولو أن الدين لا يجزأ؟
-         ينجح التلميذ أو الطالب باستحقاق وينتقل من مستوى إلى مستوى أعلى بمجرد حصوله على معدل سنوي يساوي 10/20 أو يُسعف بالنجاح في حال حصوله على 9/20. أما التلميذ الذي يجمع ثلاثة أخماس العشرين، يكون معدله 12/20، فينجح باستحقاق.
-         يفوز الحزب في الانتخابات ويستلم السلطة بمجرد حصوله على نسبة تفوق الــ50 في المائة من أصوات الناخبين.

لماذا نكفّر إذن مواطنا تونسيا عَلمانيا مسلما لا لشيء سوى أنه طبق ثلاثة أركان من أركان الإسلام الخمسة ولم يهده الله أو لم يهتد إلى تطبيق الركنين المتبقيين: شهّد وصام وزكى (أو دفع الضريبة لخدمة الصالح العام)، لكنه لم يقم بالصلاة - و هي عماد الإسلام - لأسباب لا يعلمها إلا هو، الحي القيوم، ولم يحج، لا لأنه يرفض الحج بل لأنه لم يستطع إلى ذلك سبيلا من شدة فقره وهذه حال أغلبية المسلمين. أمهله ربه الأعلى ولم يهمله، فلماذا يتسرع المسلم الإسلامي ولا يصبر على أخيه المسلم العَلماني، التلميذ المتوسط في مادة الدين، المتحصل على معدل 12/20 في مدرسة العقيدة الإسلامية وذلك بتطبيقه ثلاثة أخماس أركان الإسلام؟ فهل المسلم أعلم من خالق المسلم والإسلام؟ صبر عليه الله خالقه طوال سنوات عمره مهما طالت أو قصُرت، ولم يؤذه بل أعطاه ومنحه الحياة، ولم يقبض روحه وهو القادر على ذلك في كل حين. تحمّل الله خليقته الكسولة أو العاصية أو الغافلة أو الرافضة أو الشاكّة أو اللاأدرية لأنه هو وحده المسؤول عنها وهو الذي خلقها على هذه الجِبلّة، وإذا لم يرعاها هو الرحمان الرحيم، فلمن يتركها يا ترى؟ أيترُكها لمن هو مثلها من البشر، مثلها في الجزع والأنانية والضعف وقصر النظر، هذا البشر الذي لو اجتمع هو و إخوانه كل البشر، فلن  يقدروا لخلقة الله تبديلا.  ضاق الإنسان بأخيه الإنسان ذرعا وقد صدق قول الله فيه: "إن الإنسان خُلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا" . لماذا نضع الشوك في طريق هداية المسلم العَلماني والله، ربنا و ربه، يقوده ببطء - لحكمة لا يعلمها إلا هو - إلى نهاية الطريق الصواب والمستقيم.
-         قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كونوا دعاة إلى الله و أنتم صامتون. قيل: كيف ذلك؟ قال: بأخلاقكم. ولم يقل بتكفير غيركم أو التشهير بهم أو تخوينهم أو التشكيك في عقيدتهم أو تحقيرهم وكرههم و نبذهم و إقصائهم من دينكم الذي هو دينهم.

الإمضاء
على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري، وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
أكتب للمتعة الفكرية وللمتعة الفكرية فقط، لا أكثر ولا أقل، ولكن يسرّني جدا أن تحصل متعة القراءة أيضا لدى قرّائي الكرام والسلام.

ملاحظة حول تحديد المفاهيم المستعملة في عنوان المقال استجابة لبعض تعليقات القراء:
الإسلامي هو مَن ينتمي إلى التيارات السياسية الإسلامية المعاصرة مثل الإخوان أو السلفيين أو حزب التحرير، أما المسلم فقد يكون إسلاميا في نفس الوقت أو علمانيًّا أو يكون فردا مسلما غير منتم سياسيا إلى التيارات الإسلامية ومنتمي عقائديا أو حضاريا واجتماعيا إلى الإسلام.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire