نص أمين معلوف:
سألتُ نفسي،
ألا يوجد في تاريخ الشيوعية، منذ البداية، سوء فهمٍ كبيرٍ، رُوِّجَ بطريقة واعية،
وغير واعية، من قِبل المؤسسين والتابعين وحتى المعارضين لها. سوء فهمٍ، نستطيع أن
نسميه كالآتي: وَعْدُ ماركس بالخلاص لم يكن حكرًا على العمال بل شمل أيضًا الأقليات.
وهكذا فَهِمَ رسالتَه كثيرٌ من الناس.
ليس صدفةً أن يكون مؤسس الحزب الشيوعي العراقي من
الأقلية المسيحية الكلدانية. وُلِدَ الرفيق فهد في بغداد سنة 1904. أعدِمَ في ساحة
عامة سنة 1949.
ليس صدفةً أن يكون مؤسس الحزب الشيوعي السوري من الأقلية
الكردية (إضافة مواطن العالَم: بعض مؤسسي الحزب الشيوعي
المصري والحزب الشيوعي التونسي ينتمون للأقليات. ماركس نفسه كان من أصل يهودي،
تنصّرت عائلته حديثًا).
ليس صدفةً أن ينضم للحركة الشيوعية العالمية كثير من
يهود روسيا وألمانيا وبولونيا وبلدان أخرى.
ليس صدفةً أن يدخل عرب 48 وبكثافة إلى الحزب الشيوعي الصهيوني
بعد النكبة. كان آنذاك التنظيم الوحيد الذي يسمح لهم بالمشاركة في الحياة السياسية
على قدم المساواة مع اليهود دون الشعور بعقدة خيانة هويتهم العربية.
قالوا للأعمى: ماذا تشتهي؟ قال: قفة من العيون!
وماذا يشتهي أفراد الأقليات؟ يشتهون تجاوز هوياتهم
الضيقة والانصهار في هوية أرحب! لقد وجدوها في الهوية الشيوعية الأممية. وهذا
الشيء في حد ذاته يُعتبر تحررًا وتطورًا، ليس بالنسبة للمناضلين أنفسهم بل للمجتمع
كله. المنتمون الجدد أصبحوا يعتبرون أنفسهم ثوارًا ضد الاستلاب وضد استغلال
الإنسان للإنسان، وأصبح بعضهم يفتخر بخيانة الطبقة البورجوازية أو الأرستقراطية
التي ينحدر منها، ولن يقبلوا بسهولة أن يُقال لهم أن انتماءاتهم الدينية أو
العرقية قد تكون سببًا من أسباب انخراطهم في الحركة الشيوعية.
أنا نفسي (أمين معلوف)، وكمنتمٍ لأقلية لبنانية مسيحية،
شملتني هذه الموجة، لكنني دخلت ثم بسرعة وبعد عام انسحبت وفهمت أنني لست من طينة
المناضلين ولا حتى التابعين (إضافة مواطن العالَم: بما أنني أنتمي للأغلبية
السنية في تونس، لم أكن في حاجة للانتماء وربما لذلك السبب لم أنضم في شبابي
الماركسي لأي تنظيم شيوعي في تونس السبعينيات). لم أقطع علاقاتي مع أصدقائي
المنتمين ولم أحتفظ من الشيوعية إلا بالمبادئ التي لا تتناقض مع مبادئي القديمة
التي تتمثل في الإيمان بعالمٍ لا يُظلم فيه أي بشرٍ بسبب لونه أو دينه أو لغته أو
عرقه أو جنسه أو جنسيته أو ميولاته الجنسية أو انتمائه الطبقي.
هل
كانت البلدان العربية ستتطور لو لعبت فيها الأحزاب الشيوعية دورًا أهم؟
لا
أعتقد ذلك بل أنا مقتنعٌ بعكس هذا الاحتمال المتفائل خاصة بعد ما رأينا ماذا فعلت
الأحزاب الشيوعية في البلدان الشيوعية: ظهر فيها زعماءٌ نُسخٌ مصغرة من ستالين عوض
أن تحصل فيها معجزات تنموية. من هذه الناحية، لا أشعر بأي نوعٍ من الندم أو
الحنين.
Référence: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €, p. 96
إمضاء مواطن
العالَم
الاستقامةِ الأخلاقيةِ التي أتبنّاها تتجاوز الاستقامةِ الأخلاقيةِ
الدينية لكنها لا تنفيها، لا تناقضها ولا تعاديها بل تكمّلها وتحميها: الأولى تُمارَس
على المستوى الفردِيِّ (La spiritualité à l`échelle
individuelle)، وهي
فردية أو لا تكون، وقد تتوفّر عند المتدين (Le
croyant) وعند
غير المتدين (Le non-croyant)، وقد يكتسبها الفرد من الدين (الجهاد الأكبر) أو من
الفلسفة أو من الاثنين معاً كحالتي. أما الثانية فلا تُكتسَبُ إلا من الإيمان بِدينٍ
معيّنٍ، ولا تهم غير المتدينين، وهي كالدين اجتماعية أو لا تكون (La spiritualité d`une société ou d`un état).
الهُوية هُويّات، أنا
مواطن العالَم، كشكاري، ڤَصْرِي-شِتْوِي، حَمَادِي، جمني، حمّام-شطي، تونسي، شمال
إفريقي، أمازيغي، عربي، وطني، قومي، أُمَمِي، مسلم، عَلماني، يساري غير ماركسي،
عربي اللسان، فرنكفوني، محافظ، حداثي. كل هُوية تُضافُ إليّ، هي لشخصيتي إغناءُ
وكل هُوية تُقمَعُ فيّ هي إفقارُ.
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، السبت 3 ماي 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire