لا أعرف من أين
أبدأ؟ من عجزي أنا شخصيا، أو من عجز نخبنا العلمية والفكرية والسياسية، أو من عجز
سلطتنا ومعارضتنا، أو من عجز دعاتنا ورجال ديننا، أو من عجز إيماننا بقدرتنا على
التغيير؟
أبدأ بنقد
نفسي: عِلمٌ تعلمته على مدى سبع سنوات (عامان ماجستير وخمسة دكتورا) في أرقى
الجامعات الفرنسية، عِلمٌ عجزت عن تمريره لمن هم في أشد الحاجة إليه (رجال ونساء
التعليم). بعد التقاعد، مقال يومي في الفيسبوك ومحاضرة أو اثنتان مجانيتان في
العام والباقي كتب من المكتبة العمومية وحديث ثقافي في المقاهي. هل العِلة فِيَّ
أنا أم في البيئة الاجتماعية أم في الاثنين معا؟
نُخبنا وما
أدراك ما نخبنا! جل أساتذة جامعاتنا، ناقلون للعلم لا ينتجون. جل أطبائنا تجار
مستكرشون لا يشبعون وللبحث العلم تاركون. جل محامينا مرتشون وجل متهمينا راشون،
فأي عدالة نحن لها منتظرون؟ جل مثقفينا منبتّون وفي سحر الحلول الغربية الجاهزة يعتقدون
جازمون. أما نقابيونا القياديون المحترفون فهم لـ"التكنبين" وتدليس
الانتخابات متفرغون ولمرتباتهم دون شغل قابضون، وجلهم للأسف يساريون انتهازيون، للعمال
خائنون ومن جنة ماركس للبروليتاريا مخرجون وبمصالح الشغيلة يتلاعبون ومن مقايضة حقوقها
يسترزقون. جل أساتذة الثانوي ومعلمي الابتدائي هم للعلم في الدكاكين بائعون وللأطفال
الأبرياء مستغلون وبمستقبل باهر لهم واعدون. دنيا وآخرة، كلهم ملعونون.
جل حِرفيينا متكاسلون ولمهنهم غير متقنين وفي أعمالهم يغشّون
وفي تقدير عرقهم يُغالون ويبالغون. جل تجارنا للسلع الحياتية محتكرون ولعرق المنتج
سارقون وعلى المستهلك يتحايلون. جل موظفينا دون سبب يتغيبون وعلى الرخص المرضية
مقبلون وبعطل المرض طويل الأمد يتمتعون وخارج أماكن عملهم في صحة جيدة يشتغلون ولرواتبهم
مضاعفون ومن حرامه يكتسبون.
جل سياسيينا،
يسارا ويمينا، على الكراسي يتعاركون، والمصلحة العامة لها مهملون ولكل مشروع من
البنك العالمي يستلفون والتبعية الاقتصادية لنا جالبون. جل يساريينا مع اليمين
الليبرالي متحالفون وعن جرائم التجمعيين صامتون وللإسلاميين فقط معادون ومشيطنون.
جل إسلاميينا بمشروعهم غير مؤمنين ولمزايا العَلمانية عليهم ناكرون ومع التكفير
متسامحون وللجهاد ضد إخوانهم في سوريا والعراق داعون. أما رموز الدساترة فهم أزلام
لا يستحون.
جل أئمتنا بالمعروف يأمرون وعن المنكر ينهون في 52 خطبة جمعة عصماء، مثالية جوفاء. وعظهم
لم يتجاوز سور الجامع. جل مصلينا لم تنههم صلاتهم عن الفحشاء والمنكر لا لأن
الصلاة لا تنهى بل لأنهم هم لا ينتهون! القرآن خلق أمة والأمة لم تواصل الرسالة ولم
تخلق شيئا يُذكر فيُشكر. صحيح كنا "خير أمة أخرِجت للناس". مَن أخرجها
يا مسلمي اليوم؟ أخرجها سبحانه تعالى للعالمين وأسسها محمد صلى الله عليه وسلم وسلمها
لكم أمانة في رقابكم جميعا، خنتم الأمانة بعد ما استخلفكم الله في الأرض، فمن
أدراكم أنكم لا زلتم خير أمة أخرِجت للناس؟ من أدراكم أنه، سبحانه وتعالى، لم
يستبدلكم بأمة من أممه الراقية كالأمة الأسكندنافية مثلا؟ وبماذا تدافعون عن
أنفسكم؟ بنفاقكم أم بمتاجرتكم بدينكم أم بتناحركم وتقتيلكم لبعضكم أم بتخاذلكم
أمام العدو وعدم نصرتكم لإخوانكم في غزة أم باستئسادكم على الأقليات المستجيرة بكم
أم باستباحتكم قتل المستضعفين منكم ابتغاء لمرضاة أمريكا؟ هل خُلقتكم لتحمل مشقة
تبليغ الرسالة كما تحملها أسلافكم؟ والله العظيم أشك فيكم وفي نواياكم ما لم
تستقيموا وتعطوا المثال الطيب وتنتهوا عن الوعظ بما ليس فيكم وتنتهوا عن الدعوة زورا
لِما أنتم غير قادرين على تنفيذه. والله نبهكم وقال لكم: "لا يغير الله ما
بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فما بقي لكم إلا أن تشمّروا على سواعدكم وتبحثوا
عن أسباب الرقي خارج أسوار تخلفكم وتأخذوا بها ولو من عدوكم، وأنهِي بالآية الكريمة: "وقل اعملوا فسيرى الله
أعمالكم" آمين.
خاتمة: لم يدّع
العلم يوما أنه قادر وحده على تغيير قيم مجتمع ما، لكن لن يحصل تغيير بعد اليوم
دون علم.
إمضاء
يطلب
الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء
بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد
الهدام المفيد.
لا
أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر
أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو
جيد، لا بالعنف اللفظي.
تاريخ أول
نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 25 أوت 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire