jeudi 24 mars 2022

إن بعض الظن إثم. سعد الله ونّوس

 

المصدر:

مسرحية "ملحمة السراب"، سعد الله ونّوس، مسرحي سوري، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية عام 2002، 160 صفحة.

نص الكاتب:

الفصل الثاني (بيع الأراضي يثير في القرية هيجانات وصدامات... وقابيل يقتل أخاه هابيل)، مشهد 6 (ركن نصف معتم تتراقص فيه ألسنة من ظلال داكنة الزرقة، يبدو عبود الغاوي وخادمه الأحدب مثل شبحين. وثمة تغيير طارئ وغريب قد ألمّ بهما ولا سيما الخادم).

صفحة 62: الخادم الأحدب: حين سمعتك تتحدث مع الشيخ عباس، تذكرت تلك الليلة الثلجية، التي كنت تسهر فيها على جثمان أخيك.

عبّود الغاوي: ومن أعماق روحي كنت أناديك.

الخادم: لبيت النداء. وعقدنا ميثاقا ممهورا بالدم. أليس بيننا ميثاق ؟

عبود: نعم.. بيننا ميثاق، لم أشعر يوما بالخوف أو الندم على توقيعه.

الخادم: وهذا ما يجعلني أتفانى في خدمتك، وفّرت لك ما تحتاجه من الثراء والقوة.

عبود: وبالمقابل أهديتك روحي اللطيفة.

الخادم: هدية ثمينة أخشى أن تنزلق من بين يدي في لحظة غفلة.

عبود: دع التلميح، وأفصح. ما الذي يضايقك ؟

الخادم: لا أعلم أن خطتنا تتضمن بناء الجوامع.

عبّود: (...) الجامع ! معك حق. هذا إلهام جاءني هنا. ولكن ليس هناك ما تخشاه.

الخادم: هل تسخر مني ؟ تريد أن تبني جامعا، وتقول لي ليس هناك ما تخشاه !

عبود: أتظن أنه سيكون مكانا للتقوى، ومعاكسة مشاريعنا !

الخادم: وماذا يكون إذًا ؟

عبود: هذا السؤال لا يليق بخبرتك ونباهتك. ألا تلاحظ ما يحدث حولنا ؟ لن يدخل الجامع إلا رجال يبتغون الدنيا لا الآخرة. تقواهم رياء، وصلاتهم زلفَى. رجال أفسدت إيمانهم الأطماع والشهوات، ولا يذكرون الله إلا لمنفعة من ثروة أو سلطة.. وبعد بضع سنوات أو أقل، سيكون هذا الجامع حاضنة تفرّخ القتل والتعصّب والظلام. نعم.. في هذا الجامع سيكون للشيطان نصيب أوفى من نصيب الله.

الخادم: أكنت تدرك هذه الحقائق كلها، حين اقترحت بناء الجامع ؟

عبود: وكنت أدرك أيضا أن اقتراحي سيضاعف مصداقيتنا، وأن بناءه سيوفّر لنا موقعا مهما لإدارة الأعمال وضمان نجاحها.

الخادم: لست نادما لأني اصطفيتك، ولبيت نداءك. قل لي.. هل تشعر أنك تتحسن ؟

عبود: لا أدري بعد.. على كل، إني أتسلى. هذه أول مرة أخالط فيها الناس، وأبادلهم الأحاديث والنظرات.

الخادم: يسعدني أنك تتسلى. ولكن مخالطة الناس لا تخلو من خطر.

عبود: وما هو هذا الخطر ؟

الخادم: أن تنزلق تحت وطأة النظرات والأحاديث إلى التعاطف.

عبود: لا تخف، ما يجذبني، ويسلّيني هو الطرافة لا أكثر.

الخادم: إذن. تسلّ.. كما تشاء. وأعدك أن تكون التسلية الكبرى من إعدادي وتحضيري (يخرج مرآة يمسحها، ويهزها بطريقة معينة، حتى تصفو، وتتجلى فيها صورة رباب.) تأمّل هذا الوجه، الذي يتفجر سحرا وجمالا.

عبود: (تبرق عيناه) حقا ! إنها آية ساحرة.

الخادم: هل أعجبتك ؟

عبود: (وهو يجاهد كي ينتزع عينيه من المرآة) لا.. لم نأت كي نبحث عن اللذات، بل كي نتجدد.

الخادم: ليكن.. حين تتجدد دماءك، ستكون تسليتي في انتظارك.

عبود: بدّد هذه الظلال. وأخرجني إلى الضوء.

(تتراقص الظلال والأضواء الشاحبة ثم تنطفئ الإضاءة)

انتهى المشهد 6

 

 

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire