jeudi 17 mars 2022

هل ضلت الحداثة الغربية الطريق ؟

 

 

أحيانا ندينها، وأحيانا نُبدِي إعجابنا بإنجازاتها، أحيانا نحبها وأحيانا نكرهها !

المصدر:

كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.

نص هاشم صالح

صفحة 192: نعم، إن الغرب يضغط على بلدان الجنوب ويعرقل تنميتها، أكثر مما يساعدها على الخروج من حمأة الفقر والتخلف والجهل. فهو القوي المسيطر على مقدرات العالم. وسياسته الخارجية في إفريقيا أو في منطقة الشرق الأوسط أو غيرهما من المناطق لم تكن دائما متوافقة مع مبادئ عصر التنوير وحقوق الإنسان والديمقراطية. وإنما كان يهدف بالدرجة الأولى إلى تأمين مصالحه وعقد أكبر ما يمكن من الصفقات التجارية. وهنا تكمن إحدى نقائص الحداثة أو انحرافاتها الأكثر خطورة. أعترف بأني أجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الموقف الأوروبي أو الغربي. وبما أني أحد المعجبين بالحداثة الأوروبية وبالمعارك الفكرية التي خاضتها على مدار أربعة قرون متواصلة، فإني لا أفهم كيف يمكن أن تنسى مبادئها إلى هذه الدرجة ؟! كيف يمكن لحضارة قامت على أكتاف فلاسفة همّهم البحث عن الحقيقة أن تهمل الحقيقة والمبادئ خارج حدودها ؟! هل ضلت الحداثة الغربية الطريق ؟  هل انحرفت عن براءة عصور التنوير الأولى ومبادئها في الحرية والعدالة والمساواة ؟ هل ينبغي التفريق بين العقل الأدواتي، البارد والعقل التنويري الحقيقي كما فعلت مدرسة فرانكفورت مثلا ؟ ربما. (هامش 1 صفحة 193: مدرسة فرانكفورت نقدت الانحرافات العقلانية الغربية).

يبدو أن الحداثة الغربية ذات وجهين. فهي من جهة حررت الشرط البشري (la condition humaine) بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وهي من جهة أخرى مارست الاستغلال والتوسع والهيمنة على الآخرين بشكل لم يسبق له مثيل من قبل أيضا. من هنا صعوبة اتخاذ موقف متوازن منها. فأحيانا ندينها، وأحيانا نبدي إعجابنا بإنجازاتها، أحيانا نحبها وأحيانا نكرهها. ولكن أليست كل حضارة بشرية ذات وجهين ؟ ألا تنطوي على صراع مستمر بين المعنى والقوة. فالحضارة في بدايتها تكون باحثة عن المعنى والمبادئ والمُثُل العليا والحقيقة، ثم تتحول بمرور الزمن إلى قوة أنانية تبحث عن التوسع والنهب والسلب. هكذا تنحرف الحضارات في التاريخ فتتحول من جهة الحقيقة إلى جهة القوة أو من جهة المعنى إلى جهة التعسف والأنانية.

نعم لقد انحرفت الحضارة الغربية عن مبادئ عصر التنوير وتحولت إلى أداة لخدمة مصالح طبقة قائدة تريد السيطرة على العالم كله. نعم إن التقدم الأخلاقي أو الروحي الذي حققته هذه الحضارة ليس على مستوى التقدم العلمي والتكنولوجي وهذا ما يقوله حكماء الغرب أنفسهم وليس نحن. وهنا تكمن أزمة الحضارة الغربية في الواقع. ولكن هذا لا يبرر إدانة التنوير أو التخلي عن مبادئه وإنجازاته، فكما أن المبادئ الإنجيلية ليست مسئولة عن محاكم التفتيش والأصولية المسيحية فإن مبادئ عصر التنوير ليست مسئولة عن انحرافات الحداثة الاستعمارية والرأسمالية (إضافة المؤلّف محمد كشكار: وكما أن المبادئ الدينية الإسلامية ليست مسئولة عن ظلامية بعض الأصولية الإسلامية الرجعية التوتاليتارية).

كل ما ينبغي أن نفعله هو مراجعة تجربة الحداثة ونقد انحرافاتها ومحاولة تصحيح مسارها. وهذا ما يفعله كبار المفكرين حاليا من أجل تجاوز الحداثة الكلاسيكية والدخول في عصر "ما بعد الحداثة". فالحداثة مشروع لم يكتمل، كما يقول الفيلسوف الألماني يورغين هابرماس، بمعنى أنها لم تحقق كل وعود فلسفة التنوير من جهة، ولم تعمَّم على جميع شعوب الأرض حتى الآن من جهة أخرى. وحدها الشعوب الأوروبية والأمريكية تنعم بثمار الحداثة: من رفاه مادي، وديمقراطية، وحريات دينية، وحقوق إنسان، ودولة قانون ومؤسسات. أما بقية شعوب الأرض (أي أربعة أخماس المعمورة) فلا تزال تئن تحت وطأة الفقر والجوع وشتى أنواع الدكتاتورية والاستبداد السياسي والتعصب الديني والطائفية الدينية.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire