المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة
الإبستمولوجية في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر،
بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح
صفحة 160: ولكن من الواضح أن العلاقة
مع آخر ثقافة أو مع آخر طبقة جيولوجية هي أقوى بكثير من العلاقة مع الطبقات
السفلية أو الثقافات الغابرة التي لم نعد نتذكرها إلا عن طريق الحفريات
الأركيولوجية. ومن هنا فَشَلُ كل الدعوات العتيقة: كالقومية السورية، أو القومية
الفرعونية... إلخ، وذلك لأن الطبقة العربية-الإسلامية هي التي تهيمن على الوعي من
أقصاه إلى أقصاه، ولا يمكن للتغيير أن يحصل إلا من خلالها وبناء على تطويرها
وتحديثها (أضف إلى ذلك أن طبقة الحداثة التي حاولوا لصقها على الطبقة
العربية-الإسلامية وإعدام هذه الأخيرة تماما عن طريق القفز فوقها قد فشلت. وكانت
حداثة عدمية أو تخريبية لأن هذه الحداثة لم تتم عن طريق التفاعل الصعب والتدريجي
مع التراث العربي-الإسلامي
ذاته. لم تتم عن طريق المواجهة الصريحة والداخلية والعميقة، معه، كما حصل في
أوروبا بالنسبة لتراثها المسيحي)، (هامش الكاتب في نفس الصفحة: وفيما يخص مُعاركة
التراث من الداخل أو مصارحته ومكاشفته لا أجد أقوى من محاولة محمد أركون. (إضافة 1
المؤلّف محمد كشكار: وأضيف أنا إلى محمد أركون قائمة طويلة من رواد النهضة العربية
المعاصرة أمثال حسين مروة وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين وعلي حرب
ومحمد الشريف الفرجاني وجمال البنّا ونصر حامد أبو زيد وعلي عبد الرازق وعبد المجيد
الشرفي وهشام جعيط وآمال ﭬرامي ومحمد حداد ومحمد الطالبي وصادق جلال العظم وهاشم
صالح والطاهر الحداد وعبد الله العروي ومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم كثيرون).
صفحة 166: ما حققته أوروبا على مدار
ثلاثة قرون متتالية، وبشكل تدريجي وإنساني، نطالب نحن بتحقيقه خلال عدة عقود من
السنين ! وهذا أمر مستحيل، بل وخطر على توازن الشخصية التاريخية للأمة الإسلامية
والعربية. وربما لهذا السبب نشهد الآن مثل هذه التشنجات والاختلاجات الهائجة هنا
أو هناك. فصدمة التحديث موجعة إذا ما أتت دفعة واحدة، أو إذا ما كانت قادمة على
هيئة "غزو ثقافي" كاسح لا يرحم (هامش الكاتب في نفس الصفحة: لست من
مؤيدي مقولة "الغزو الثقافي" بالطبع لأنها مقولة أيديولوجية هدفها منع
التفاعل مع الحداثة. ولكن لا نستطيع أن نمنع الناس من الشعور بأن الحداثة الغربية
هاجمة عليهم وكأنها غزو. وبالتالي فلا بد من تهيئة عقول البشر لتقبل الحداثة
تدريجيا. فالمسيحيون الأوروبيون أنفسهم يشعرون بهذه الحداثة وكأنها عدوان عليهم
وعلى يقينيّاتهم ومعتقداتهم...).
ينبغي على التحديث أن يتم درجة
درجة، ومرحلة فمرحلة. ولا ينبغي أن ننتقل إلى المرحلة التالية قبل أن نهضم تماما
كل متطلبات المرحلة الأولى. حذار من عسر الهضم بالنسبة للتطور التاريخي، فأفضل منه
عدم الهضم على الإطلاق ! حذار من حرق المراحل والمغامرات الطائشة ومحاولة اللحاق
بالآخرين بأي شكل. فمن يريد كل شيء دفعة واحدة، سوف يحصد في النهاية اللاشيء.
ولذلك فإن التطور التدريجي المعقول -أي المهضوم والمستوعب جدا- هو التطور الوحيد
الباقي الذي يرسخ في الأرض. إنه التطور الذي يراعي عقلية الناس وتقاليدهم
وحساسيتهم ويمشي بهم خطوة فخطوة على الطريق الصحيح. (إضافة 2 المؤلّف محمد كشكار:
قال تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". وكيساري من نوع خاص يعني غير منبت عن
مجتمعه التونسي العربي الأمازيغي الإسلامي ومتماهِ مع بيئته وحضارته، هذا ما جعلني
شخصيا، لا أؤمن بمفهوم "الثورة" أو التغيير الفجائي العنيف ماديا أو
فكريا أو التغيير الحضاري الصادم ولا أؤمن بتاتا بالعنف الثوري الماركسي أو السلفي
وهذا ما دفعني إلى أن أجتهد فكريا وأحاول قدر المستطاع تعويض مفهوم الثورة بمفهوم
جديد، اشتغلت عليه في أطروحة الدكتوراه 2007، اسمه "التغيير المفاهيمي"
الفكري السلمي المتدرج البطيء أو ما يُدعى بالفرنسية:
Le changement conceptuel progressif :
renouvellement et dépassement des concepts périmés et simultanément
auto-construction des conceptions scientifiques afin d’essayer de remplacer les
conceptions non scientifiques résistantes et récalcitrantes dominantes chez
l’individu et dans la société arabo-musulmane.
يريد رفاقي في اليسار
الماركسي التونسي الأصولي الأرتدوكسي تغيير مجتمعهم التونسي الأمازيغي العربي
الإسلامي إلى الأفضل وأنا لا أشك البتة في صدق رفاقي وإخلاصهم لوطنهم، لكنني أشكك
في طريقتهم المتوخاة للتغيير وأشكك أكثر في عدم إلمامهم بالتراث العربي الإسلامي. يبدو لي أنهم يريدون تغيير مجتمع بآليات وفكر
مجتمع آخر، يريدون تغيير مجتمع دون أن يفهموه ويدرسوه ويطلعوا على تراثه الفكري
الغزير والغني والذي يحتوي على جوانب عديدة مضيئة -يجب إحياؤها- وأخرى مظلمة -يجب
نقدها- ككل حضارات العالم).
نرجع إلى نص هاشم صالح
ولذلك أقول إن استيعاب
المنهجية العلمية في كافة المجالات سوف يأخذ وقتا طويلا، بل وينبغي أن يأخذ وقتا
طويلا. ونحن إذا ما درسنا كيفية انبثاق العقلية العلمية في أوروبا وجدنا أنه كان
انبثاقا صعبا، طويلا، بطيئا، معقّدا. فقد اصطدمتْ أولا بالعقلية الأسطورية
والغيبية المسيطرة، ولم تستطع أن ترسّخ أقدامها جيدا قبل أن تزحزح العقلية
اللاعلمية (أو الماقبل علمية) عن مواقعها. هذا أول مبدأ من مبادئ الإبستمولوجيا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire