jeudi 31 mars 2022

ما لِقومي وماذا دهاهم ؟ أمين معلوف

 

 

"إنما الأمم كالمعادن، لا يتلألأ منها إلا السطحُ" أنتوان ريفارول، 1753-1801.

الغريب أن الشعوبَ العربية أضحت شعوباً كارهةً لنفسها مما دفعها دفعاً إلى الحنين لزمن الاحتلال الغربي. نادرًاً ما تجد في تاريخ البشرية شعوباً مثل العرب، كُرههم لأنفسهم أوصلهم إلى التطرف ! فعوض أن يرفعوا من شأن ماضيهم الحضاري المشرّف ويفتخروا بمساهماتهم الهامة في بناء الحضارة الإنسانية، مساهماتهم في الرياضيات والفلك والهندسة المعمارية والموسيقى وفن الخط والطب والفلسفة، وعوض أن يُذكّروا معاصريهم بأمجاد قرطبة وغرناطة وفاس والأسكندرية وسِيرتة وبغداد ودمشق وحلب، عوض كل هذا نرى أحفادَ عظماء بنّائي الأمس غير قادرين على إثبات أحقيتهم في إرثٍ هُمُ أصحابه الشرعيون، وكأنهم يتعمّدون إحراجَ عشاق حضارتهم ويمنحون مجاناً حُجَجًاً لذامّيها.

قديما، كل من كان يكره العرب كان يُنعت بالعنصري المعادي للأجانب والمشتاق لزمن الاستعمار، أما اليوم فكُره العرب أصبح عند غير العرب كُرهًا شرعيا وغير مخالف للضمائر. باسم الحداثة أصبح العرب يوصَمون بمعاداة المرأة، وباسم العلمانية أصبح العرب يُنعتون بأعداء حرية الضمير والتعبير.

أشَد ما كان يضايقني في شبابي هو تفشي ظاهرة فقدان الثقة لدى بني قومي (p. 18: l’auteur a écrit: ma nation arabe) وانعدام القدرة لديهم على تولي مستقبلهم بأيديهم. يبدو أن هذه الظاهرة السلبية ليست حكرا على العرب أو المسلمين بل هي ظاهرة نجدها عند كل الشعوب التي خضعت للاحتلال طويلا أو رضخت لأوامر تأتي من سلطة تقع وراء البحار (العثمانيون والغرب). شعوبٌ مستلبة السيادة والإرادة. شعوبٌ تابعة للدول العظمى (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الباب العالي). شعوبٌ تنتظر قرارا قد يأتي أو لا يأتي من هيئة خارجية عُليا. شعوبٌ لا تثق في قراراتها السيادية خوفا من أن تُحتقر أو لا تُؤخذ في الاعتبار أو تُرفض تماما ودون مبرر معقول. تبعيةٌ نتجت عن شعور بالنقص جراء تاريخ طويل مليء بالهزائم والنكسات والإحباطات المتعاقبة واليأس الموروث والمكتسب في آن: ما الفائدة من المقاومة، من الاحتجاحات، من الغضب، من المطالبة بالحقوق ما دمنا نعرف مسبقا أن كل هذا سينتهي بحمّام دم؟ ومَن يدّعي عكس هذا فهو ساذجٌ أو جاهلٌ.

مهما كان مضحكا ومزعجا، فإن ظاهرة فقدان الثقة في النفس تبدو مع ذلك خفيفة بالمقارنة مع ما بدأ ينطلق منذ عقد أو عقدين وينتشر في العالم العربي والإسلامي وفي أماكن تواجد العرب والمسلمين بالخارج، ألا وهي ظاهرة كُره النفس وكُره الآخر. ظاهرةٌ مقرونةٌ بتبجيل الموت وتمجيد العمليات الانتحارية. ليس من السهل ترتيب الكلمات لتفسير مثل هذا الانحرافُ المَسْخُ: "إلى الجنة ذاهبينْ، شهداء بالملايينْ" (شعار رُفع في سوريا، فيديو نُشِر في أفريل 2011). شعارٌ رُدِّد في عدة بلدان مجاورة. كنتُ أنظر إلى هؤلاء الرجال بإعجاب مخلوط بِرعبٍ. لقد أثبتوا شجاعة كبيرة في مواجهة الطلق الناري بأيدي فارغة وصدور عارية. لكن كلماتهم هذه كشفت عن نفوسٍ مكسورةٍ، وعرّت كل مأساة العالم.

عندما ييأس فردٌ معزولٌ ويفقد الأمل في الحياة، نُحمِّل المسؤولية لعائلته في بعث الأمل فيه من جديد. لكن عندما تيأس شعوبٌ بأكملها وتستسلم لشعور الرغبة في تدمير الآخر وتدمير نفسها في آن، هنا نُحمِّل المسؤولية لأنفسنا كلنا، للشعوب الأخرى المعاصرة، لشركائنا في الإنسانية، نُحمِّلهم جميعًا مسؤولية إيجاد علاج ودواء. إن لم يكن من باب التضامن مع الآخر، يكون على الأقل من باب إرادة الحياة، لأن اليأس، في زمننا هذا، بدأ ينتشر ويَنفُذ إلى ما وراء البحار، من مسامّ الجدران، ويَعبُر خطوط الحدود الجغرافية والذهنية، وليس من السهل صدّه أو الحد من انتشاره.

Référence: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €, pp. 85-92.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire