dimanche 27 mars 2022

السلفيون يبرّرون ما وصل إليه العقل اليوم بما قيل بالأمس ! محمد الحدّاد

 

المصدر:

كتاب "حفريات تأويلية في الخطاب الإصلاحي العربي"، د. محمد الحدّاد، دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، بيروت، 2002، 224 صفحة.

نص الكاتب صفحة 70: أنهم يواصلون طريقة القياس الفقهية ويقابلون بين تجارب تاريخية ماضية وتجارب معاصرة، فيغيب عندهم نقد الماضي والمعاصر معا. فالخليفة يصبح رئيس دولة، وتوزُّعُ السلطات الصادرة عنه يصبح فصلا بينها، والشورى تصبح ديمقراطية، والانتماء الديني مواطنة، ورجال الدين وأعيان الدولة نواب برلمان، وعملية البيعة الصورية انتخابا حرا مباشرا.. إلخ ! إن هذه المقابلات المجانية تغطّي حقيقة الماضي وتنصّع صورته عوض أن تنقده لتفصل محاسنه عن مساوئه، وهي أيضا تحجب الإشكالات الحقيقية المعاصرة، وإلا فمن قال إن الديمقراطية المعاصرة هي أقصى ما يمكن أن يصل إليه العقل الإنساني ؟ ومن قال إن الانتخاب الحر المباشر هو النظام الأعدل للتمثيل ؟ ومن قال إن فصل السلطات لا ينتج مشاكل ؟ وفي حين تطرح كل هذه الإشكالات في العلوم المعاصرة، يبرر السلفيون ما وصل إليه العقل اليوم بما قيل بالأمس، ويبررون وضع الغد بما قيل اليوم، ويظلون متأخرين دائما مرحلة عن التطور البشري، مع أن المفروض أن ننقد تجارب الأمس من أجل غد أفضل، عوض أن نجرّد من الأمس صورة مثالية نريد فرضها على الغد، فيكون مصير الأجيال في المستقبل مصير أجدادهم في الماضي، ونعيد التجارب من دون اتعاظ.

وهكذا فإن "الفكر السياسي الإسلامي" لن يصبح فكرا سياسيا إلا إذا قبِل التخلص من المصادرات المجانية التي ينطلق منها، واليوتوبيا التي توجه رؤاه، لينخرط بوعي في إشكالات الفكر السياسي الحديث، وينطلق من التطلعات العربية، وينقد الماضي بكل موضوعية، وإلا فسنضيّع وقتا طويلا ونحن نبحث عن أشياء لا وجود لها، ونطرح إشكالات خاطئة ثم ننشغل بالبحث فيها، ونستعمل مناهج قديمة تعيد إنتاج نفس الخطاب السائد.. كل هذا والتجارب في ماضينا وحاضرنا ومن حولنا تتطور، والوضع المعاش هو دون تطلعاتنا وآمالنا.

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire