jeudi 31 mars 2022

اليوم فقط فهمتُ حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن دخلَ بيتَ أبي سفيان فهو آمِنٌ" و"اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وحكمة ميركل مع المليون لاجئ

 


يبدو لي أن ميركل قرأت التاريخ جيداً، أما الرسول فقد يكون وحياً أو اجتهاداً، الله أعلَم !

ماذا يقول التاريخ ؟

نص أمين معلوف: أسوق إليكم خمسة أمثلة من التاريخ الحديث والمعاصر:

1. فرنسا: سنة 1685، قرر لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، تهجير الأقلية البروتستانتية الفرنسية (Les huguenots). هؤلاء المهجّرون من فرنسا ساهموا وبصفة كبيرة في نهضة العواصم الأوروبية الثلاث التي احتضنتهم، أمستردام ولندن وبرلين التي أصبحت بفضلهم مدينةً منافسة لباريس (La grande rivale de Paris). في المقابل، ساهم هذا التهجير المكثف في إفقار فرنسا ثقافيًّا.

2. أسبانيا: سنة 1492، سنة سقوط غرناطة، هُجِّر اليهود والمسلمون قسريّاً من قِبل كاثوليك أسبانيا المنتصرين، فنتج عن ذلك أن أسبانيا فقدت نخبتها وعجزت عن الاستفادة من فتحها لأمريكا، ولم تتجاوز تخلفها مقارنة بالأمم الأوروبية إلا بعد 500 عام.

3. أمريكا: ليس صدفةً أن تختص أمريكا، أقوى دولة في العالم، في استقبال أفواجٍ متعاقبةٍ من المُهجَّرين المغضوبِ عليهم في بلدانهم الأصلية مثل المتشددين البريطانيين واليهود الألمان والناجين من الثورات الروسية والصينية والكوبية والإيرانية والبروتستانت الفرنسيين.

4. جنوب إفريقيا: نجح مانديلا في تحويل العسكر والشرطة، أدوات القمع لدى نظام البِيض العنصري، إلى مساندين لـ"أمة-قوس قزح" (Nation arc-en-ciel).

5. مصر: مباشرة بعد ثورة 52، اتخذ عبد الناصر حُزمةً من الإجراءات القمعية: مصادرة، سجن، نزع ملكية، تأميم، إلخ. بهدف سلبِ الأقليات الأجنبية أملاكهم، لا لذنبٍ اقترفوه بل لكونهم أقليات احتفظت بهُويتها وثقافتها وتعايشت مع السكان الأصليين في وئام وسلام، ولكون بعضهم يحمل جنسية دول العدوان الثلاثي في 56 بعد قرار تأميم قناة السويس (فرنسا، بريطانيا، إسرائيل). وبهذه الإجراءات التعسفية أصدر عبد الناصر حكمًاً بالإعدام على مصر الليبرالية والعالمية (L`Égypte cosmopolite et libérale)، حكمًاً تسبب في هجرة مكثفة لكل الأقليات "المتمصِّرة" على ضفاف النيل، البعض منها منذ عدة أجيال والبعض الآخر منذ عدة قرون. الأقليات، هُمُ اللبنانيون والسوريون واليهود والأرمن واليونانيون والإيطاليون والفرنسيون والأنڤليز والأتراك، إلخ. هذه الأقليات كانت تفضل حكم الباشوات على حكم العسكر، وكانت تنظر بعين الرضا إلى تواجد الجنود البريطانيين في مصر، وترى فيهم ضمانة للاستقرار عكس ما يراه السكان الأصليون من الأقباط والعرب. أقليات عوقبت على مواقفها اللاوطنية. هل تستحق العقاب بتلك الكيفية أو لا تستحق ؟ تلك هي المسألة.

كلمة طيبة في أفراد الأقليات: هُمُ المُلَقِّحونْ كعاملات النحل، يحومون، يُدَوِّمون ويجمعون رحيقَ الزهور، مما قد يظهرهم في صورة انتهازيين أو طفيليين. لذلك لا نقتنعُ بإيجابيةِ دورِهم إلا بعد غيابهم أو فقدانهم ونستطيع أن نقارنهم بالشريان الذي يربط العالم المتخلف بالعالم المتقدم، لو قطعْناه انقطعَنا.

خاتمة المؤلّف محمد كشكار: اليوم فقط فهمتُ حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن دخلَ بيتَ أبي سفيان فهو آمِنٌ" و"اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وحكمة ميركل المتمثلة في منحها اللجوء السياسي لمليون لاجئ (سوريين وعراقيين وأكراد وأفغان: نُخَبُ بلدانهم الأصلية، فنانون وأطباء وممرّضون ومهندسون وتقنيون ومدرّسون، إلخ) ؟

غمزة موجهة لأولي الألباب من بني وطني: المضحك-المبكي أننا ما زلنا في تونس القرن الحادي والعشرون نتغنى ونتباهى بكوننا مجتمعًا متجانسًا (Une société homogène)، أي مجتمعٌ عربيٌّ مسلمٌ سنّيٌّ مالكيٌّ أشعريٌّ... ماذا فعلنا بتجانسِنا وماذا فعل أجدادُنا بِعدم تجانسِهم ؟ تقدّموا عن عصرهم وتخلفنا نحن عن عصرنا ! وهذا أكبر دليل على جهلنا بتاريخ حضارتنا العربية-الإسلامية قبل جهلنا بتاريخ الحضارات الأخرى: عدمُ تجانسِ مواطني دولة الخلافة العباسية كان سببًا من أسباب ازدهار عصرها الذهبي (القرن الثالث والرابع هجري)، وعدمُ تجانسِ مواطني الدولة الأموية في الأندلس كان سببًا من أسباب نهضتها الثقافية (القرن 12 ميلادي). يبدو لي أن عدمَ تجانسِ المواطنين كان العاملَ الأساسيَّ الذي ساهم في ازدهار الحضارة العربية-الإسلامية في تلك العهود (خليط من الأعراق واللغات والثقافات: عرب وفرس وأتراك وسود أفارقة وهنود وأكراد وأوربيون، إلخ. وخليط من الديانات: مسلمون ومسيحيون ويهود، إلخ. تقريباً مثل حال أمريكا اليوم وفرنسا بصفة أقل).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire